ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 01/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

سلطان العلماء وبائع الملوك

العز بن عبد السلام

زهير سالم*

لو كان فيهم من عراه غرام     ما عنفوني في هواه ولاموا

عز الدين ، ويقال عبد العزيز، بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن، الشيخ الإمام العلامة، وحيد عصره، سلطان العلماء، عز الدين، أبو محمد، السلمي، الدمشقي ثم المصري. ولد سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة، لأسرة فقيرة جدا، وكان لا يجد مكانا يبيت فيه فيبيت في الكلاسة عند زاوية الباب الشمالي للمسجد الأموي، طلب العلم متأخرا وتفقه على شيوخ عظام، أصحاب صلابة في دين الله، جمعوا بين العلم والعمل، منهم الشيخ فخر الدين ابن عساكر، والقاضي جمال الدين بن الحرستاني، وقرأ الأصول على الآمدي، وهو العلامة البارع سيف الدين أحد أذكياء العالم. وبرع العز في المذهب، وفاق فيه الأقران والأضراب، وجمع بين فنون العلم من التفسير، والحديث، والفقه، والأصول، والعربية، واختلاف أقوال الناس ومآخذهم، حتى قيل: إنه بلغ رتبة الاجتهاد، ورحل إليه الطلبة من سائر البلاد. وصنف التصانيف المفيدة، وسمع الحديث من جماعة. روى عنه الدمياطي ـ وخرج له أربعين حديثاً ـ وابن دقيق العيد ـ وهو الذي لقبه بسلطان العلماء ـ وخلقٌ كثير.

رحل إلى بغداد سنة سبع وتسعين وخمسمائة فأقام بها أشهراً. وكان أماراً بالمعروف نهاءً عن المنكر. وقد ولي الخطابة بدمشق، فأزال كثيراً من بدع الخطباء، ولم يلبس سوادا، ولا سجع في خطبته، بل كان يقولها مسترسلاً، واجتنب الثناء على الملوك، بل كان يدعو لهم، وأبطل صلاة الرغائب والنصف من شعبان. ولم يكن يؤذن بين يديه يوم الجمعة إلا مؤذن واحد. ولما سلم الصالح إسماعيل قلعة الشقيف وصفد للفرنج نال منه الشيخ على المنبر ولم يدع له، فغضب الملك من ذلك وعزله وسجنه، ثم أطلقه فتوجه إلى مصر، فتلقاه صاحب مصر الصالح أيوب وأكرمه، وفوض إليه قضاء مصر دون القاهرة والوجه القبلي، مع خطابة جامع مصر، فقام بالمنصب أتم قيام، وتمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم عزل نفسه عن القضاء، وعزله السلطان عن الخطابة، فلزم بيته يشغل الناس ويدرس، وأخذ في التفسير في دروسه وهو أول من أخذه في الدروس.

 قال الشيخ قطب الدين اليونيني: كان مع شدته فيه حسن محاضرة بالنوادر والأشعار. وقال الشريف عز الدين: حدث، ودرس، وأفتى، وصنف، وتولى الحكم بمصر مدة والخطابة بجامعها العتيق، وكان علم عصره في العلم، جامعاً لفنون متعددة، عارفاً بالأصول والفروع والعربية، مضافاً إلى ما جبل عليه من ترك التكلف مع الصلابة في الدين. وشهرته تغني عن الإطناب في وصفه، قلت- القائل اليونيني -: وترجمة الشيخ طويلة، وحكاياته في قيامه على الظلمة وردعهم كثيرة مشهورة، وله مكاشفات وكرامات ـ رضي الله عنه. توفي بمصر في جمادى الأولى سنة ستين وستمائة، وحضر جنازته الخاص والعام من السلطان الملك الظاهر بيبرس فمن دونه.  ودفن بالقرافة في آخرها. ولما بلغ السلطان خبر وفاته قال: لم يستقر ملكي إلى الساعة، لأنه لو أمر الناس فيما أراد لبادروا إلى امثتال أمره. ومن تصانيفه: تفسير حسن في مجلدين، و(اختصار النهاية) و(القواعد الكبرى) وهو الكتاب الدال على علو مقدار الرجل، وكثير منه مأخوذ من شعب الإيمان للحليمي، و(القواعد الصغرى) و(الكلام على شرح أسماء الله الحسنى)، و(مجاز القرآن) و(شجرة المعارف) و(الفتاوى الموصلية) سئل عنها من الموصل، وفتاوى أخرى سئل فيها عن مسائل قليلة، وكتاب الصلاة فيه اختيارات كثيرة اتباعاً للحديث وغير ذلك.

وقد اشتُهر الشيخ بالإنكار على السلاطين ومن ذلك الإنكار على الصالح إسماعيل في دمشق صلحه مع الصليبين، وتسليمه صيدا والشقيف وصفد وحصونا أخرى لهم.

ثم أنكر على الصالح الإذن للصليبيين بدخول دمشق وشراء السلاح منها، فأنكر المسلمون – يا مسلمون – ذلك واستفتوا الشيخ بذلك فحرمه ومنعه، وجهر بذلك في وجه السلطان، وشنّع عليه فعله، وقرر أن هذا ليس من أمر المسلمين ولا شانهم، وقطع الدعاء للسلطان على منبر دمشق، وصار يدعو اللهم أبرم لهذه الأمة إبرام رشد تعز فيه أولياءك وتذل فيه أعداءك ويُعمل فيه بطاعتك وينهى فيه عن معصيتك...

فأمر السلطان بعزله، واضطهاده وسجنه، ثم أطلق سراحه مع تضييق شديد فخرج من دمشق إلى القاهرة.

وفي القاهرة واجه السلطان نجم الدين وهو في موكبه بين الصفين يوم عيد، والعساكر مصطفة والجماهير مجتمعة وكان نجم الدين جبارا متكبرا لا يجرؤ أحد على مخاطبته، مستبدا برأيه لا يجرؤ أحد على مخاطبته، ولا على مبادرته بكلام؛  فنادى عليه الشيخ من بين الصفوف: ياأيوب..هكذا باسمه المجرد، يا أيوب ما حجتك عند ربك إذا قال لك: ألم أبوئ لك ملك مصر ثم تبيح الخمور والمنكرات..فقال نجم الدين أيوب : ياسيدي ( وتأمل)، هذا ماعملته أنا هذا من زمان أبي، فرد عليه العز أأنت من الذين يقولون: إنا وجدنا آباءنا على امة.

قال الباجي تلميذ العز: سألت الشيخ لما جاء من عند السلطان وقد شاع الخبر: يا سيدي كيف الحال؟ فقال : يا بني رأيته في تلك العظمة، فأردت أن أهينه لئلا تكبر نفسه فتؤذيه. فقلت: يا سيدي أما خفته؟! فقال استحضرت هيبة الله فصار السلطان قدامي كالقط..

وما زلنا نتخير من مواقف الشيخ الكثيرة  يوم باع المماليك حكام ذلك الزمان ، ذلك أن الشيخ عندما ولي قضاء مصر أخذ ينظر في دفاتر الديوان، ليدافع عن مصالح المسلمين، فوجد أنه كان في أوراق الديوان أسماء مجموعة من المماليك ما زالوا على الرق، وقد تسموا بالأمراء وأخذوا يديرون شئون الدولة من بين يدي السلطان ومن وراء ظهره أيضا، فرأى الشيخ أن لبيت مال المسلمين مصلحة في بيع هؤلاء المماليك فرسم بذلك. وكان من جملة هؤلاء نائب السلطنة، فأرسل النائب إلى السلطان يشكو الشيخ، فبدرت من السلطان كلمة مهينة بحق الشيخ،  فغضب الشيخ وحمل أثاث بيته ( تأمل ) على حمار وخرج من مصر عائدا إلى الشام، وسمع أهل المحروسة ( القاهرة ) بذلك فخرجوا بجمعهم وراء الشيخ ( تعلّموا العصيان المدني كيف يكون)، فخرج السلطان بنفسه خلف الشيخ فاسترضاه وطيب خاطره، ونزل على حكمه حتى يهدِّئ العامة، فرجع الشيخ على الشرط..

وعندها قرر نائب السلطنة قتل الشيخ، وقصد بيته، يحمل سيفه مع جملة من أتباعه، فطرق الباب فخرج ولد الشيخ فسأله نائب السلطان عن أبيه، فدخل الولد إلى أبيه فزعا، وأخبر أباه بالحال فما تغير الشيخ ولا اكترث، وقال لولده لا تخف يا ولدي، فأبوك أقل من أن يُقتل في سبيل الله!! وخرج الشيخ ثابت الجنان مطمئنا هادئا، فحين وقعت عين النائب على الشيخ في مهابته سقط السيف من يده، وأكب على يد الشيخ يقبلها...

وخضع له في حكمه بالبيع وبالمزاد العلني أيضا، يقول النائب للشيخ: فمن يقبض ثمننا؟ يقول الشيخ أنا، ويسأله ففيم تصرف ثمننا؟ يقول الشيخ في مصالح المسلمين.

وتم للشيخ ما أراد ونادى على الملوك المماليك واحدا بعد واحد في المزاد العلني وغالى في ثمنهم وقبضه وصرفه في وجوه الخير، وترك لمن اشتراهم أن يعتقهم.

ومن مآثره رحمه الله إسقاطه عدالة وزير السلطنة، ففي أواخر سنة ست مائة وأربعين، قام بعض غلمان الوزير معين الدين بن شيخ الشيوخ وزير الملك الصالح أيوب بفتح مقهى للهو والقمار على سطح أحد المساجد في مصر، فغضب الشيخ لذلك، وخرج بنفسه وأولاده حتى هدم ذلك المكان، وأصدر فتواه بإسقاط عدالة الوزير.

وتصل رسالة من نجم الدين أيوب إلى الخليفة في بغداد، وكان قد كلف وزيره معين الدين بكتابة الرسالة وإرسالها. ويسأل الخليفة الرسول ممن استلمت الرسالة؟ قال حملنيها الوزير معين الدين.. يجيب الخليفة: إن المذكور قد أسقطه القاضي ابن عبد السلام، ونحن لا نقبل رسالة ممن يسقطه العز..

فاضطر نجم الدين أيوب إلى إقالة الوزير المذكور..

ليس هناك سفر يوفي العز حقه ولاسيما دوره العظيم في يوم عين جالوت. رحمه الله تعالى،

 يُروى للشيخ  بيت يتيم من الشعر قاله في لذاذة  طلب العلم

لو كان فيهم من عراه غرام       ما عنّفوني في هواه ولاموا

----------------

*مدير مركز الشرق العربي

للاتصال بمدير المركز

00447792232826 / zuhair@asharqalarabi.org.uk

الاثنين 1/2/2010م

 


 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ