عنوان
الحكم
لأبي
الفتح البستي
تحقيق
وشرح الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه
الله تعالى
هذه
القصيدة من اختيار وتحقيق الشيخ عبد
الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى، وهي
قصيدة جليلة تنفع في التبصر في تقاليب
الدهر والأيام. ونرشحها لمنشد ندي
الصوت يتغنى بها، ليسهل حفظها على
الصغار والكبار. كل ما نورده هنا هو من
تقديم وشرح الشيخ أبو غدة. ونرجو ألا
يكون طول القصيدة مملاً ففيها من الحكم
ما سيقف القارئ عليه.
أبو
الفتح البستي:
كان
أبو الفتح رحمه الله تعالى شاعر عصره،
وكاتب دهره، وأديب زمانه، في النظم
والنثر كما شهد لد بذلك معاصروه؛ وله
شعر رائق تكثر فيه الحكم والمعاني
البديعة، كما تشيع فيه الصنعة
البلاغية العذبة، وله ديوان شعر
مطبوع، وله مدائح كثيرة في الإمام
الشافعي رضي الله عنه، وله (شرح مختصر
الجويني) في فقه السادة الشافعية، ذكره
له صاحب (كشف الظنون)
وله
نثر رائع بديع، يكثر فيه التجنيس
والتبديع، فمن أقواله الحكيمة التي
جرت مجرى الأمثال: من أصلح فاسده،
أرغم حاسده. من أطاع غضبه، أضاع أدبه.
عادات السادات، سادات العادات. من
سعادة جَدِّك، وقوفك عند حدك. الفهم
شعاع العقل. حد العفاف، الرضا بالكفاف.
المنية تضحك من الأُمنيَّة. الدعة،
رائد الضعة. من حسنت أطرافه، حسنت
أوصافه. أحصن الجُنَّة، لزوم السنة.
العقل، جهبذ النقل. الإنصاف، أحسن
الأوصاف. إذا بقي ما قاتك، فلا تأس على
ما فاتك.
وقد
ترجم له صاحبه الإمام الأديب المؤرخ
أبو منصور الثعالبي، في كتابه (يتيمة
الدهر في محاسن أهل العصر)، في اثنتين
وثلاثين صفحة، فأطنب وأسهب في مدحه
والثناء عليه، وأورد من نثره العالي
وشعره البديع في مختلف الأغراض الشيء
الكثير.
(وأكثر
أشعار أبي الفتح البستي مقطعات،
وأبياتها أبيات القصائد، وفرائد
القلائد، وأطول قصائده وأشهرها قافيته
النونية في الأمثال، يستهيم في حفظها
وروايتها أهل الأدب، يعنى بها الناس
حتى الصبيان في المكتب، ومطلعها: (زيادة
المرء في دنياه نقصان). وقد شرحها غير
واحد من العلماء، وممن شرحها ذو النون
بن أحمد السرماري البخاري ثم
العينتابي، المتوفى سنة 677، وترجمت إلى
الفارسية، ذكر ذلك صاحب كشف الظنون.
والحق
أنها قصيدة تفيض بالنصح والهداية
والتبصير، ومع العذوبة والفصاحة
والجزالة، وحسن الصنعة البلاغية
الرشيقة، فهي كما قال ناظمها رحمه الله
تعالى في أوائلها:
وأرع
سمعك أمثالاً أفصلها
كما يفصل ياقوت ومرجان
وهي
أنطق دليل على رفعة أدبه، وبلاغة
بيانه، وكياسة فكره، وصلاح نفسه، وقد
ضمنها النصائح الغالية، والمواعظ
البليغة الواعية، فهي لآلئ منثورة،
وجواهر منظومة، وكل بيت منها حكمة
مستقلة بنفسه، يغني عن قراءة رسالة أو
كتاب، فهي من خير الشعر الحِكَميِّ
وأبلغه.
1ـ
زيادةُ المرءِ في دُنياه نُقصانُ
ورِبْحُه غيرَ
مَحْضِ الخير خُسْرانُ
2ـ
وكل وجدانِ حظٍّ لا ثباتَ لـه
فإنَّ معناه في التحقيق
فِقْــدانُ
3ـ
يا عامراً لخرابِ الدَّارِ مجتهداً
بالله هل لخراب العمر عمران ؟
4ـ
وياحريصاً على الأموالِ تجمعُها
أُنْسيتَ أنَّ سرورَ المالِ
أحزانُ ؟
5ـ
زع الفؤاد عن الدنيا وزينتها
فَصَفْوُها كدرٌ والوصلُ
هِجْـرانُ
6ـ
وأَرْعِ سَمْعَك أمثالاً أُفصِّلُهـا
كما يُفَصَّل ياقـوتٌ ومَرْجــانُ
7ـ
أحْسِنْ إلى الناسِ تَسْتعبِدْ
قلوبَهُمُ
فطالما استَعْبَدَ الإنسانَ
إحسـانُ
8ـ
يا خادمَ الجسم كم تشقى بِخِدمتِه
أتَطلُبُ الرِّبْحَ فيما فيه
خُسْرانُ ؟
9ـ
أقبل على النفس واستكمل فضائلها
فأنتَ بالنفسِ لا بالجسمِ إنسـانُ
10ـ
وإن أساء مسيءٌ فليكُنْ لك في
عُروضِ زَلّتِه صَفْـحٌ وغُفـرانُ
11ـ
وكن على الدهرِ مِعْواناً لذي أملٍ
يرجو نَـداك
فإنَّ الحرَّ مِعْـوانُ
12ـ
واشْدُدْ يديك بحبلِ الله مُعتصِماً
فإنه الرُّكـْنُ إن خانَتْكَ
أرْكـانُ
13ـ
من يتق الله يُحمَد في عواقبه
ويَكْفِه شرُّ من عزوا ومن هانوا
14ـ
من استعانَ بغير اللهِ في طلبٍ
فإنَّ ناصِـرَه عَجْـزٌ
وخِـذْلانُ
15ـ
من كان للخيرِ مَنَّاعاً فليس له
على الحقيقةِ إخـوانٌ وأخْـدانُ
16ـ
من جادَ بالمالِ مالَ الناسُ قاطِبةً
إليه
والمـالُ للإنسـانِ فَتَّـانُ
17ـ
من سالَمَ الناسَ يَسلمْ من غوائِلِهم
وعاش وهو قَريرُ العينِ جَذْلانُ
18ـ
من كان للعقلِ سلطانُ عليه غَدا
وما على نفسِهِ للحرصِ سُلطانُ
19ـ
من مدَّ طَرْفاً لفَرْطِ الجهلِ نحوَ
هَوىً
أغضى على الحقِِّ يوماً وهو خزيانُ
20ـ
من عاشَرَ الناسَ لاقى منهمُ نَصَباً
لأن سـوسَهُـمُ بَغْـيٌ وعُـدوانُ
21ـ
ومن يُفَتِّشْ عن الإخوان يَقْلِهِمُ
فَجُـلُّ
إخوانِ هذا العَصْرِ خَـوَّانُ
22ـ
من استشارَ صروفَ الدهرِ قامَ له
علـى حقيقـةِ طَبْـعِ الدهرِ
بُرهانُ
23ـ
من يزرعِ الشَّرَّ يَحْصُدْ في
عواقِبِه
ندامـةً، ولِحَصْـدِ الـزَّرْعِ
إبَّـانُ
24ـ
من استَنام إلى الأشرارِ نامَ وفي
قميصِـهِ منهُـمُ صـلٌّ
وثُعبــانُ
25ـ
كن رَيِّق البِشْرِ إنَّ الحرَّ
هِمَّتُه
صحيفـةٌ وعليهـا البِشْـرُ
عُنْوانُ
26ـ
ورافِقِ الرِّفْقَ في كلِّ الأمورِ
فلم
ينْـدَم رفيـقٌ ولـم يَذْمُمْـهُ
إنسانُ
27ـ
ولا يغرَّنَّكَ حَظٌّ جَرَّهُ خَرَقٌ
فالخُرْقُ هَدْمٌ ورِفْقُ المـرءِ
بُنْيـانُ
28ـ
أحْسِنْ إذا كان إمكانٌ ومَقْدِرةٌ
فلن يَدومَ على الإحســانِ
إمكـانُ
29ـ
فالروض يزدان بالأنوار فاغمة
والحـرُّ بالعَـدْلِ والإحسـانِ
يَزْدانُ
30ـ
صُنْ حُرَّ وجهِك لا تَهْتِك
غِلالَتَه
فكـلُّ حـرِّ لحـرِّ الوَجْـهِ
صَـوّانُ
31ـ
فإنْ لقيـتَ عَدُواً فالْقَـهُ أبـداً
والوَجْـهُ بالبِشْرِ والإشراقِ
غَضّـانُ
32ـ
دَعِ التكاسُلَ في الخيراتِ
تَطْلُبُها
فليـس يسـعدُ بالخيـراتِ كسـلانُ
33ـ
لا ظِلَّ للمَرْءِ يَعْرى من تُقىً
ونُهىً
وإنْ
أظلَّتــــه أوراقٌ وأفْنـــانُ
34ـ
والناسُ أعوانُ من والتْهُ دَولَتُهُ
وهــم عليـه إذا عادَتْـهُ
أعــوانُ
35ـ
(سَحْبانُ) من غيرِ مالِ (باقِلٌ)
حَصِرٌ
و(باقِـلٌ) فـي ثـراءِ المالِ (سَحْبانُ)
36ـ
لا تودِعِ السِّـر وشَّـاءً يبوحُ بهِ
فمـا رَعـى غنماً في الدَّوِّ
سِرْحـانُ
37ـ
لا تحسبِ الناسَ طبعاً واحداً فلهم
غرائـزٌ لسـتَ تُحْصيهـنَّ
ألــوانُ
38ـ
وما كلُّ مـاءٍ كصـدّاءٍ لـوارِدِهِ
نَعَـمْ،
ولا كـلُّ نَبْـتٍ فهو سَعْــدانُ
39ـ
لا تَخْدِشَنَّ بمَطْلٍ وَجْـهَ
عارِفـةٍ
فالبِـرُّ يَخْدِشُــه مَطْــلٌ
ولَيـّـانُ
40ـ
لا تَسْتشِرْ غيرَ نَدْبٍ حازمٍ يقظٍ
قد استَـوى فيـه إســرارٌ وإعلانُ
41ـ
فللتدابير فرسان إذا ركضـوا
فيهـا أبـروا، كمـا للحـرب فرسان
42ـ
وللأمـور مواقيـتٌ مقـدرةٌ
وكــل أمـر لـه حـد وميــزان
43ـ
فلا تكُنْ عَجِلاً بالأمـر تَطْلبُـه
فليـس يُحمَـدُ
قبـلَ النُّضْج بُحْرانُ
44ـ
كفى من العيش ما قد سَدَّ مِن عَوَزٍ
ففيـه للحُـرِّ إن حقَّقْــتَ
غُنْيـانُ
45ـ
وذو القناعةِ راضٍ من معيشتِـهِ
وصاحبُ الحِرصِ إن أثْرى فغضبانُ!
46ـ
حَسْبُ الفتى عَقْـلُه خِلاًّ
يُعاشِرُه
إذا تحــامـاه إخـوانٌ
وخُــلاَّنُ
47ـ
هما رَضيعا لِبانٍ: حِكمةٌ وتُقًى،
وساكِنـاً وطـنٍ: مـالٌ وطغيــانُ
48ـ
إذا نَبـا بكريـم مَوْطِـنٌ فلـه
وراءَهُ في بسيـطِ
الأرضِ أوطـانُ
49ـ
يا ظالِماً فرِحاً بالعـزِّ سـاعَدَهُ
إن كنـتَ في سِنَـةٍ فالـدَّهرُ
يقظانُ
50ـ
ما استمرأ الظَّلمَ لو أنصفتَ آكِلُهُ
وهـل يَلـذُّ مـذاقَ الـمرءِ
خُطْبانُ
51ـ
يا أيها العالِمُ المَرْضِـيُّ
سيرَتُـهُ
أبشِـرْ فأنـتَ بغيـرِ المـاءِ
ريانُ
52ـ
وياأخا الجهلِ لو أصبحتَ في لُجَجٍ
فأنـت ما بينهمـا لا شـكَّ ظمآنُ
53ـ
لا تَحسبـنَّ سُـروراً دائمـاً أبداً
مَن
سَـرَّه زمـنٌ ساءَتْـهُ أزمانُ
54ـ
إذا جَفَاك خليـلٌ كنـتَ تـألَفُـه
فاطلُـبْ سِواهُ فكلُّ الناسِ
إخوانُ
55ـ
وإنْ نَبَتْ بك أوطانٌ نشأتَ بهـا
فارحـلْ فكـلُّ بـلادِ اللهِ
أوطـانُ
56ـ
يا رافلاً في الشَّبابِ الرَّحبِ
مُنْتَشِياً
مِن كأسِهِ، هل أصاب الرشدَ نشوانُ
؟
57ـ
لا تَغترِرْ بشبـابٍ رائـقٍ نَضِـرٍ
فكـم تقـدم قبـلَ الشّيـبِ
شُبّـانُ
58ـ
وياأخا الشَّيبِ لو ناصَحتَ نفسَكَ لم
يكـن لِمثلِـكَ فـي اللَّذَّاتِ
إمعـانُ
59ـ
هَبِ الشَّبيبةَ تُبدي عُذرَ صاحِبِها
ما عُذرُ أشْيبَ يَستهويه شيطـانُ
؟!
60ـ
كلُّ الذنـوبِ فـإن الله يغفرهـا
إن شَيّـعَ المـرءَ إخلاصٌ
وإيمـانُ
61ـ
وكلُّ كسرٍ فـإن الدِّيـنَ
يَجْبُـرُهُ
وما لكسـرِ قنـاةِ الدِّيـن
جُبــرانُ
62ـ
خُذهـا سوائـرَ أمثـالٍ مهذبـةً
فيهـا لمـن يَبتَغـي التِّبيـان
تِبيانُ
63ـ
ما ضَرَّ حَسّانَها - والطبعُ صائِغُها
-
إن لـم يَصُغْهـا قَريعُ الشِّعرِ
حَسّانُ
1ـ
أي ازدياد الإنسان من الدنيا وتوسعه
فيها ـ إن لم يكن في الخير الخالص ـ
يكون خسارة له ونقصاً من حظه في آخرته.
2ـ
أي كل حظ ونصيب يجده المرء في دار
الدنيا، ولا يصحبه منه الأجر والثواب
إلى دار الآخرة، فهو على التحقيق
فِقدان.
3ـ
أي يا عامراً للدار الخراب وهي الدنيا،
باذلاً فيها جهدك وعمرك، هل لخراب عمرك
العزيز وضياعه فيها عمران ؟
4ـ
أي أنسيت أن سرور المال هموم وأحزان: في
جمعه، وتصريفه، وواجباته،
ومسؤولياته، وفقده..؟
5ـ
زع الفؤاد، بالزاي، فعل أمر من وزعه عن
الأمر كفه عنه، أي كف القلب عن حب
الدنيا وزخارفها، لأنها غرارة غدارة،
فما تراه من صفوها فهو كدر، وما تراه من
قربها فهو هجران.
6ـ
أرع سمعك: أصغه إليّ لتستمع مقالتي
بانتباه وتدبر.
7ـ
تستعبد قلوبهم: تستملها وتملكها
بالإحسان إليهم، فكثيراً ما ملك
الإحسان قلب الإنسان. وقديماً قالوا
جبلت القلوب على حب من أحسن إليها،
وبغض من أساء إليها. وليس هذا القول
بحديث نبوي.
8ـ
أي أيها المجد الساعي في خدمة جسده
وتحصيل ملذاته وشهواته، أنت بهذا عبد
الجسد! إن ما تجهد فيه هو من الخسارة
وليس من الربح في شيء، فعجباً لك تنشد
الربح فيما فيه خسران ؟!
10ـ
عروض زلته، يعني: زلته العارضة.
11ـ
معواناً: كثير العون والمساعدة. يرجو
نداك: أي كرمك وعطاءك.
12ـ
فإنه الركن، أي الملاذ والمرجع.
14ـ
فإن ناصره عجز وخذلان، أي إن مآله إلى
العجز والخذلان.
15ـ
أخدان: أصدقاء، جمع خدن وهو الصديق.
17ـ
من غوائلهم: شرورهم ومساءاتهم. قرير
العين: مسرور. جذلان: فرحان.
18ـ
يعني من عمل بالعقل وفكر في أمور
الدنيا، غدا زاهداً في حطامها، وليس
للحرص والطمع عليه سيطرة.
19ـ
الطرف هنا: العين. خزيان: ذليل. والمعنى
من أطلق بصره نحو الهوى والشهوات
المحرمة، تثاقل عن نصر الحق وباء
بالذلة والخزي.
20ـ
النَّصَب هنا يراد به المتاعب والشرور
والعداوات. والسُّوْس: الطبيعة.
21ـ
يَقْلِهِم: يبغضهم ويكرههم، من قلاه
يقليه: أبغضه وكرهه.
22ـ
استشار: استكشف. صروف الدهر: حوادثه
ونوائبه وتقلباته.
23ـ
إبان: وقت محدد.
24ـ
استنام إلى الأشرار: سكن إليهم وصاحبهم.
الصِّلُّ: الحية التي لا تنفع فيها
الرقية والعلاج، لشدة سمها القاتل.
الثعبان نوع من الحيات الطوال القاتلة.
أي من صاحب الأشرار لحقه منهم الأذى
والهلاك من حيث لا يدري.
25ـ
رَيِّقَ البِشر: جميل البشر دائمه.
والبشر طلاقة الوجه وبشاشته. والصحيفة
يعني بها: الوجه. والمعنى: أن هم الحر أن
يكون طلق الوجه باسم المُحياّ، ليحبه
الناس ويألفوه وينتفعوا به وينتفع بهم.
27ـ
الخَرَقُ بفتح الخاء والراء،
والخُرْقُ بضم الخاء وسكون الراء،
كلاهما بمعنى العنف والغلظة، ويأتيان
بمعنى الحمق والبلاهة. والمعنى: لا
تغتر بطيش الأحمق إنْ صاحَبَه فوز في
أمر من الأمور، فالرفق بناّء، والحمق
هدام. وفي الحديث الشريف (من يحرم الرفق
يحرم الخير كله).
28ـ
أي لا يتمكن الإنسان من الإحسان في كل
وقت، فإذا تمكنت فأحسن، فإنها فرصة
سانحة ربما لا تعود.
29ـ
يزدان: يتزين. الأنوار جمع نَوْر بفتح
النون وهو الزهر. فاغمة: متفتحة. أي كما
يتزين الروض بالأزهار المتفتحة
الجميلة، كذلك يتزين الحر بالعدل
والإحسان.
30ـ
حُرُّ الوجه: محاسنه وكرامته.
والغِلالة بكسر الغين: ثوب رقيق
كالقميص يلبس على الجسد تحت الثياب
الغليظة. والمراد هنا: صن حياءك وماء
وجهك، ولا ترقه لأجل أمر دنيوي.
31ـ
غَضاّن: مشرق طلق. يرشد الشاعر المخاطب
في شأن لقاء العدو، فيقول له:إذا لقيت
عدوك فألقه بوجه باسم متهلل، ومترفعاً
عن مقابلته بعداوته، إذ لقاؤك لعدوك
بالبشر يزيد في رفعتك عليه، ويفوت عليه
التشفي منك بإغضابه لك.
33ـ
الظل هنا: العز والمنعة. يعرى من تقى
ونهى: يفقد التقوى والعقل. أفنان: غصون.
والمراد هنا: النعم والرفاهية. والمعنى:
لا عز ولا منعة لامرئٍ ينقصه العقل
والتقوى، وإن غمرته نعم الحياة
ورفاهيتها.
34ـ
والته دولته أي أقبلت عليه الدنيا
وابتسمت له الأيام. عادته: أدبرت عنه
الدنيا واستقبلته الحياة بوجه كريه.
35ـ
سحبان: رجل من بني وائل، كان من أفصح
فصحاء العرب وبلغائها، وبه يضرب المثل
في الفصاحة والبيان، فيقال: أفصح من
سحبان. وحَصِرُ: عييٌّ. وباقل: رجل من
بني إياد، كان مشهوراً بالعيِّ
والفهاهة، حتى يضرب به المثل في العجز
عن الإبانة عما في النفس، فيقال: أعيى
من باقل! ومن عيه أنه اشترى ظبياً بأحد
عشر درهماً، وأمسك به، فمر بقوم فقالوا
له: بكم اشتريت الظبي؟ فمد كفيه وأخرج
لسانه، مشيراً إلى أنه اشتراه بأحد عشر
درهماً، فشرد الظبي منه وهرب! فضرب به
المثل لعيه وغباوته، كما في (مجمع
الأمثال) للميداني في باب ما جاء على
أفعل من باب ما أوله عين.
والمعنى:
سحبان البليغ إذا عَري من المال صار في
نظر الناس عَيِيّاً عِيَّ باقل، وباقل
العَيِيُّ إذا كان ثرياً غنياً صار في
نظرهم فصيحاً بليغاً بلاغة سحبان،
فالمال عند الناس يقلب الحقائق
والموازين! ويؤثر في اعتبار الرجال
وإهمالهم.
36ـ
الدَّوُّ: المفازة والصحراء. والسرحان
بكسر السين وسكون الراء: الذئب. أي لا
تفض بسرك إلى امرئ مذياع يفشي السر
ويذيعه، إنك إن فعلت ذلك تكن مثل من
يسلم الغنم إلى الذئب ليأكلها! إذ
قد استحفظ من لا يحفظ!
37ـ
يعني أن الناس تختلف طبائعهم
وسجاياهم، فلا تحسبهم كلهم على طبع
واحد، فينبغي أن تراعي طباعهم في
معاشرتهم ومعاملتهم.
38ـ
صَدّاء: اسم عين ماء لم يكن عند العرب
أعذب من مائها. ومن أمثالهم: ماء ولا
كصداء. يضرب مثلاً للرجلين لهما فضل
إلا أن أحدهما أفضل. والسعدان: اسم عشب
بري، يعد من أفضل مراعي الإبل، لا تحسن
الإبل على نبت حسنها عليه، إذا رعته
غَزُرَ لبنها وزاد دسمه وطيبه. من
أمثالهم: مرعى ولا كالسعدان. يضرب
مثلاً للشيء يفضل على أقرانه وأشكاله.
أي هذا مرعى جيد ولكن ليس في الجودة مثل
السعدان.
والمعنى:
ما كل الناس في الجودة والأصالة حسن
الطبع سواء، ففيهم الجيد والأجود
والدّون، فعاملهم ملاحظاً أصنافهم
وأحوالهم.
39ـ
الخَدش: الجرح. والعارفة: المعروف
والإحسان. والمَطْلُ: التسويف
والتأخير. واللَّيَّان بفتح اللام
وكسرها: التأخير والمماطلة. أي لا تجرح
وجه معروفك وإحسانك بالتأخير
والتسويف، فخير البِرِّ عاجله.
40ـ
نَدْب: منجد. حازم ضابط للأمور. يقظ:
نبيه واع. والمعنى: لا تعتمد في
استشارتك إلا على الرجل الشهم المنجد،
والضابط النبيه النقي النفس، الذي
عرفت سريرته كعلانيته.
41ـ
أبروا: غلبوا وفازوا على غيرهم بحسن
الرأي وجودته. يعني يستشار في كل أمرٍ
أهلُه وعارفوه.
42ـ
أي الأمور لها أوقات مقدرة، وحدود
معينة، وموازين دقيقة، فزن كل أمر
بميزانه وحده ووقته.
43ـ
النضج: الاكتمال. والبحران بضم الباء
وسكون الحاء، لفظ مولد، يوناني الأصل،
وهو عند الأطباء: التغير الذي يحدث
للعليل دفعة واحدة في الأمراض الحادة:
إلى الصحة أو إلى المرض، فإن وقع بعد
نضج مادة المرض فهو علامة الصحة
والشفاء، وإن وقع قبل نضجها فهو علامة
الموت والهلاك. فعلى العاقل أن لا يعجل
في أمره كما قيل:
تأن
في الشيء إذا رمته
لتعرف الرشد من الغيِّ
ولا
تتبعن كل دخان ترى
فالنار قد توقـد للكـيِّ
وقس
على الشيء بأشكاله
يدلك الشيء على الشـيِّ
44ـ
العيش هنا: ما يتبلغ به من رزق. والعوز:
الحاجة والفقر. والحر هنا المراد به:
العاقل القانع العزيز. والغُنْيان بضم
الغين وسكون النون: الاستغناء.
45ـ
أثرى: زاد ماله وكثر. وقوله: صاحب الحرص
إن أثرى فغضبان. وذلك لطمعه المتزايد،
فيرى نفسه دائماً في حاجة إلى المزيد
من الثراء، ويغضب إذا لم ينله ذلك.
46ـ
خلاًّ: صديقاً ناصحاً. والخلان:
الأصدقاء. أي يكفي الفتى الراشد أن
يتخذ من عقله مرشداً يلجأ إليه إذا
تباعد عنه الإخوان والأصدقاء.
47ـ
رضيعا لبان يرضعان من ثدي واحد، فهما
أخوان. وساكنا وطن أي متلازمان لا ينفك
أحدهما عن الآخر غالباً. والمعنى: أن
الحكمة والتقى أخوان لا ينفكان،
والمال والطغيان متلازمان لا يفترقان.
48ـ
نبا بالمرء الموطن: ضاق عليه ولم يوفقه
ولم يسر به.
49ـ
العز هنا: السطوة والسلطان. السِّنة:
الغفلة الخفيفة. والمعنى: أيها الظالم
السادر في غيه، لا يغرنك ما أنت فيه من
سطوة وسلطان، إن كنت في غفلة عن هذا فإن
عين الله لا تنام عنك، وما أسرع ما
ينتقم منك.
50ـ
استمرأ الشيء: استطابه. والخُطْبان:
الحنظل حين يأخذ في الاصفرار وتشتد
مرارته. ويقال في المثل: أمر من
الخطبان، أي أمر من الحنظل. والمعنى:
أيها الظالم لو أنصفت لأقررت بأن الظلم
مذاقه مُرّ كالحنظل، لا يستسيغه
المرء، وهل يستطيب مرارة الحنظل
إنسان؟
51ـ
ريّان: مُرْتَوٍ. وأصل الارتواء الشبع
من الماء. والمراد هنا: الطمأنينة وغنى
النفس والقناعة والرضا. والمعنى: أيها
العالم الذي حفظ أمانة العلم، وسما إلى
شرفه الرفيع بعمله به، فلهجت ألسنة
الناس بالثناء عليه، وأصبح فيهم عَطِر
الذكر والسيرة، أبشر فأنت بما أفاء
الله عليك من تلك الخصال الرفيعة: قرير
العين مطمئن النفس والفؤاد.
52ـ
اللُّجَج جمع لجة، وهي معظم الماء,
وظمآن: عطشان. والمراد به هنا: محروم.
والمعنى: أيها الجاهل الراضي بجهله، لو
غمرتك الدنيا بخيراتها فأنت محروم
ظَمِئ، لأنك فقدت نعمة العلم، وبها
تسقى العقول والقلوب.
56ـ
رافل: مختال متبختر. منتشياً من كأسه،
معناه هنا: معجب مُدِلُّ بحيويته
وفتوته. نشوان: سكران. يقال في اللغة:
انتشى فلان أي بدا سكره. فشبه الشباب
بالخمر، والاغترار به بالنشوة والسكر.
والمعنى: أيها الشاب المختال المعجب
بشبابه وقوته الفتية، لا تغتر بعنفوان
شبابك وتأجج قوتك، فالشباب عرض زائل،
والانتشاء به حاجب للعقل عن الهداية
والرشاد، وهل أدرك الرشد سكران ؟ قال
الإمام أحمد رضي الله عنه: ما شبهت
الشباب إلا بشيء كان في كُمّي فسقط !
57ـ
رائق: معجب جميل. نضر: حسن ناعم. والمعنى:
لا تغتر أيها الشاب المتدفق حيوية
ونضارة ونشاطاً بسن الشباب، تحسب أنك
تعيش طويلاً، فكم من شاب اختطفته
المنية قبل الشيوخ الكبار المسنين.
59ـ
الشبيبة: حداثة السن، تبدي عذر صاحبها:
تظهر عذره، لأن الشباب مطية الجهل،
ويقال: مظنة الجهل. وأشيب: أبيض شعر
الرأس من الشيخوخة وكبر السن.
60ـ
شيع المرء: صاحبه.
61ـ
القناة: الرمح. والمراد بكسر قناة
الدين: ذهاب الدين وفقده. ومعنى البيت:
كل مصاب في المال أو البدن أو الولد..
يخفف الدين من وقعه على الإنسان،
ويعوضه عنه بالأجر والثواب.وأما
المصيبة في الدين فلا يعوضه شيء ! فهو
أكبر مصاب !
63ـ
حسانها: قائلها وناظمها. قريع الشعر،
يعني به سيد الشعر: الصحابي الجليل
حسان ابن ثابت الأنصاري رضي الله عنه.
والمعنى: أن هذه القصيدة التي انسابت
من قريحة شاعر مطبوع، وفاضت بقلائد
المعاني وروائع الألفاظ، وتضمنت بليغ
الحكم والمواعظ، لا يقلل من روعتها
وجمالها أن قائلها شاعر محدث، وليس
الصحابي الجليل سيد الشعر حسان بن ثابت
رضي الله عنه.
|