مشاركات
العربي
في بلاد
المهجر
عصام
عبيد
العربي
في بلاد المهجر وفي أوربا بشكل خاص
تجاوزت أزمته النفسية
مرحلة الإحراج وأصبح عابرا لمرحلة
الانفصام .
كان
حائرا بين واقع يرفضه ولكنه
مرغم علي العيش فيه ، وبين حلم يتعلق به
ولكنه عاجزا عن تحقيقه .
وأصبح
يتأرجح بين
الشعور بالإحباط بسبب تشبثه بغيتو
لا مفر منه وبين شعور بالتحدي بسبب
رغبته في
إخضاع ظروفه لإرادته .
وقد
تركت هذه الحالة المعقدة آثار علي
البنية
الاجتماعية والاقتصادية للجاليات
العربية التي لا تزال مصرة علي
البقاء في أوربا
رغم الأحداث الدولية والمحلية في بلاد
المهجر التي عصفت ولا تزال بالعالم
وخاصة المهاجرين
الأجانب بشكل عام .
يقال
قد تنجح في أن تريد ما تكون ولكنك تفشل
في أن
تكون ما تريد , ولعل العربي الذي
أراد أن يعيش في مجتمع غريب ومعاد قد
جسد عكس
ذلك , فقد نجح في أن يكون علي مستوي
التنظير ، ولكنه فشل في أن يريد
ما يكون علي
مستوي علاقاته مع المجتمع الذي يعيش فيه .
المأساة
ليست في أن العربي مثقل
بالماضي الذي يتغلغل فيه من حيث لا يدري
وإنما في كونه تعلق في الهواء علي شفا هاوية
ولا من يسعي لإنقاذه .
قد
نصل للحماقات من فرط إصرارنا علي
التمسك بالحكمة
القول المأثور ينقلب في حالة
الحاجة للوصول للحكمة من فرط إصرارنا
على الحماقة .
وهذا يختصر واقع العربي في أوربا. انه
يمارس الحماقة على أمل الوصول للحكمة
ذات يوم ،
غير أن الحكمة في أوربا لا تقاس برغبات
الطامحين والمتصوفين .
ويمكن إيجاز
خصال العربي في أوربا بما يلي :
الشرنقة
فانه
يبني لنفسه أو لعائلته
بيتا معزولا قويا يقيه شر العواصف
ولا يفكر بالخروج منه إلا
للمجابهة المجانية
، فيكون ذلك كالشرنقة التي تلتف حوله
فتخنقه بدلا من حمايته كما أراد
.
الانشطار
يتبع
المهاجر سلوكين متناقضين أحدهما
للتظاهر والاستهلاك الخارجي
يتصف بالكياسة والانصياع ،والآخر
للقمع الداخلي ويتصف بالشراسة
والفظاظة والعدوانية
, وبين السلوكين تتكون شخصية فريدة في
تناقضها وغرابتها وانسحاقها , تقفز من تطرف إلى
تطرف مضاد دون توقف , من الدمعة السخية
دون مبرر إلى قهقهة مجلجلة على موقف
عسير . من الثورة التدميرية بدون
حدود إلى انصياع طفولي ذليل ليس له هدف
أو جدوى .
الدونيه
يقلص
من إمكاناته بشكل إرادي , كأنه يعاقب
نفسه على ذنب لم يقترفه
, ويضخم من إمكاناته كأنه
يعاقب الآخرين على موقفهم منه ، وهذه
الحركة من
التقليص للتضخيم تنعكس على أنماط سلوكه
اليومي حتى يصعب التعرف على
حقيقته .
وحتى
عندما يخرج من الشرنقة والغيتو وينتقل
إلى ترف النخبة ويصبح قادرا على المشاركة
مخترقا المحرمات المكدسة أمامه وخلفه
يحمل معه في عملية الانتقال الخصال
الثلاث تلك كالوشم على جبينه
ويفشل في تجاوزها وهو بريء منها .
إنها
الضريبة التي
لابد له من دفعها مكرها إذا أراد
البقاء غريبا والفدية التي يفتدي بها
نفسه حين يقع في
المحن والمآزق.
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|