صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الثلاثاء 09 - 03 - 2004م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

مشاركات

أزمة الحجاب في فرنسا

بقلم: مصطفى محمد الطحان

soutahhan@hotmail.com

أصبحت فرنسا عشية الحرب على العراق وأثناءها صديقة للعرب والمسلمين بسبب موقفها الرافض للحرب من دون موافقة الأمم المتحدة. لكن هذه الصداقة سرعان ما هددتها قضية منع الحجاب في المدارس والمؤسسات الرسمية الفرنسية. وبعد ما كانت فرنسا حامية الحريات، أصبحت بنظر مسلمين كثيرين منتهكة لهذه الحريات. وتحول الرئيس جاك شيراك من زعيم غربي تهتف التظاهرات باسمه إلى معتد على الحرية، تهتف المتظاهرات ضد قانونه.

مظاهرات في فرنسا وخارجها

ولقد شهدت باريس وعدد من المدن الفرنسية الكبرى وبلدان أوروبية وعربية وإسلامية كثيرة، تظاهرات احتجاج على القرار الفرنسي حول حظر الرموز الدينية الظاهرة في المدارس والدوائر العامة، وذلك بدعوة من منظمات ومجموعات شبابية مسلمة تعتبر أنها مستهدفة من خلال هذا القانون.

وما زالت ردود الفعل تتوالى.. وتفسيرات الحدث تتعدد.. ومع ذلك فإن القضية على درجة كبيرة من الخطورة..

البداية من عندنا

يتصور بعض الكتاب والمفكرين: أن سوء معاملة المسلمين المغتربين في اوروبا.. لنسائهم هو جزء رئيس من المشكلة. فإصرار البعض على تربية نسائه من زوجة أو بنت أو أخت بالضرب وأبلغ أنواع سوء المعاملة النفسية، حرمان المرأة من كل حقوقها الفردية والأسرية والمادية وتهديدها الدائم بالطلاق أو الزواج بأخرى، إرغام الفتيات الصغيرات علي الحجاب بدعوي أنهن يجب أن يعتدنه باكرا، إرغام الفتيات في عمر المراهقة علي التزام سلوك معين يراه الأهل دون نقاش ولا حوار ولا استيعاب لهذه البنت بالمحبة والمودة والمعاملة الحسنة، تزويج البنت رغم أنفها ممن تكره واعتبار المهر ثمنا لهذه البنت، عرقلة الزواج بين الشباب وجعله قضية تعجيزية تابعة لأهواء الأهل وأمزجتهم بعيدا عن رغبة وإرادة الشباب المعنيين أنفسهم!.

ويرى مفكرون آخرون: أن مسألة الحجاب والسفور في  أشكالها المظهرية والخارجية ليست في المحك ولا في قمة الأولويات بالنسبة لمحنتنا الراهنة لا من وجهة نظر الإسلام في جوهره، ولا من زاوية التقدم في حقيقته. لعب الحجاب ويلعب دور (الرمز السياسي) للمعارضة والاحتجاج – كما حدث ضد الاستعمار الفرنسي في الجزائر ونظام الشاه في إيران – لكنه خارج نطاق الاحتجاج الرمزي، لن يؤدي دور الفاعل النهضوي في أي مجتمع إسلامي. (أما فقهيا فهو مسألة تتعلق جوهرا بمفهوم الاحتشام لا بتفاصيل محددة للزي، ولهذا سيبقى من المسائل الخلافية غير القطعية من حيث شكله المحدد)(1).

وإذا كان بعض المفكرين يعتبرون الحجاب مجرد رمز يصلح للتحدي اكثر مما يصلح لنهضة الأمة.. فإن بعضهم لا يرى ذلك.. يقول الأستاذ القرضاوي: إن المرأة المحجبة تستجيب لأمر ربها، ولا تقصد بالحجاب أي رمز، وإن ما يلبسه الرجل والمرأة  في عرف الفكر العلماني هو حرية شخصية، ولا علاقة بين ارتداء الحجاب والتدخل في شؤون الدولة، وتساءل القرضاوي: ما علاقة أن تلبس المرأة غطاء رأسها بسياسة الدولة العامة؟

وتابع: إذا كان الإسلام يدعو أبناءه أن يتسامحوا مع الآخرين، فلماذا لا يتسامح غير المسلمين مع المسلمين، إن كلام شيراك دعوة للمسلمات أن يطعن أمره هو، وأن يعصين الله.

المرجعية الإسلامية في أوروبا

إن المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، بصفته ممثلاً للمرجعية الدينية الكبرى للمسلمين في أوروبا، قد فوجئ، كما فوجئ المسلمون في العالم، بالتوجه لمنع ارتداء ما يسمى بالرموز الدينية في فرنسا، والذي سيؤثر بالدرجة الأولى على حق المسلمات في فرنسا في ارتداء الحجاب في المدارس والمؤسسات العامة.

إن ارتداء الحجاب أمر تعبدي، وواجب شرعي، وليس مجرد رمز ديني أو سياسي، وهو أمر تعتبره المرأة المسلمة جزءاً مهماً من ممارستها المشروعة لتعاليم دينها، وأن هذا الالتزام أمر غير مرهون بأي مكان عام، سواء أكان من أماكن العبادة أم كان من المؤسسات الرسمية أو غير الرسمية، فإن تعاليم الإسلام بطبيعتها لا تعرف التناقض والتجزؤ في حياة المسلم الملتزم بدينه. وهو أمر أجمعت عليه كل المذاهب.

إن إكراه المسلمة على خلع حجابها المعبّر عن ضميرها الديني، واختيارها الحرّ، يُعتبر من أشد أنواع الاضطهاد للمرأة، بما لا يتفق مع القيم الفرنسية الداعية إلى احترام كرامة المرأة وحريتها الشخصية والإنسانية والدينية. وإن المجلس ليؤكد على أن ارتداء المرأة المسلمة للحجاب يجب أن يكون مؤسساً على القناعة الشخصية والفهم، وإلا فقد قيمته الدينية، وبالمثل فإنه لا يجوز إجبار المرأة المسلمة على خلع حجابها كثمن لتعليمها أو استفادتها المشروعة من مرافق الدولة.

رؤية الفرنسيين للموضوع

للفرنسيين عدة أسباب دعتهم إلى اتخاذ قرارهم هذا.. في هذه الظروف الصعبة :

فإلغاء الحجاب في المدارس.. سيطلق حرية الفتاة لتعيش في الغرب بمفاهيم الغرب.. وهذه الفتاة المتغربة هي الأداة الأكثر قدرة على تحويل المجتمعات الإسلامية الملتزمة بدينها.. إلى مجتمعات يسهل إدماجها في الحياة والأفكار الفرنسية.

إن الفتاة وخاصة في المدارس الإعدادية ينبغي أن تتخلص من الضغوط الأسرية والمجتمعية حتى تتمكن من التحرر.. وهذا التحرر إن لم يتم بالإقناع فليتم بسلطة القانون، فالثورة الفرنسية لم تكن حيادية مع الدين (مثل الديمقراطيات الأوروبية الأخرى) بل ديناً جديداً بديلاً عن الدين القديم.

هذه العلمانية الفرنسية جعلت من الجمهورية كنيستها ومن رجال ونساء التعليم وسائر موظفي القطاع رهبانها. لقد ولدت العلمانية الفرنسية ثورية، لا إصلاحية ولا تدرجية ولا تعاقدية.

ولا يمكن في هذا الإطار تناسي التاريخ القديم والمتوسط والحديث وتأثيره على الأجيال الغربية الحديثة وشعوره بالضيق الذي لا حدود له وهو يرى المسلمين تزداد أعدادهم يوماً بعد يوم. وإذا كانت أجيالهم يلهب ظهورها الإدمان والتردي الأخلاقي وتفكيك الأسرة والانحدار إلى أدنى مستوى في الحياة الاجتماعية.. فإن المسلمين يحافظون على مستواهم.. وتبرز الفتاة بحجابها ودينها وأخلاقها كرمز لهذه العفة التي افتقدوها.

لقد بذلوا قصارى جهدهم في تهميش وإيذاء وإقصاء وإذلال العرب والمسلمين المقيمين بين ظهرانيهم، أما سوء المعاملة النفسية والاجتماعية فلا يستطيع إنكارها أحد في جميع المؤسسات الاجتماعية والإعلامية وحتى السياسية، ولم يخف الغرب وعلى جميع هذه الأصعدة حجم الكراهية والرفض التي يحملها للإسلام وللمسلمين.

عولمة الأسرة

إن العديد من المؤتمرات التي أقيمت في العديد من البلدان في السنوات الأخيرة، التي تناولت قضايا المرأة والأسرة.. ما هي إلا سياسات واضحة تريد فرض النموذج الغربي على القيم والمفاهيم والعلاقات الأسرية والأخلاقية عند المسلمين.. وما قرار إلغاء الحجاب في فرنسا اليوم.. وغداً في كافة بلدان أوروبا إلا حلقة من هذه السلسلة.

لقد وعت الدول الاستكبارية المعاصرة، مستفيدة من تجربة الشيوعية في آسيا المسلمة، والصهيونية في فلسطين، أن البعد الأخلاقي والاجتماعي عند المسلمين هو من أهم وسائل الصمود في وجه الغزوات الاستكبارية المتلاحقة.

حروب التحرير التي انطلقت ضد قوات الاحتلال في تركيا كانت شرارتها اعتداء جنود فرنسيين على حجاب فتاة مسلمة تركية في مرعش بعد الحرب العالمية الأولى..

والنداء الذي أطلقته المسلمات العراقيات اللواتي اعتدى عليهن الجنود الأمريكان في العراق.. كان من أسباب الشرارة التي انطلقت تحطم قيد الاحتلال.. والمسلمة الفلسطينية التي تزج بنفسها وبفلذات أكبادها للدفاع عن الوطن والمقدسات..

كل ذلك جعل الغرب كله وراء خطة تحطيم الأسرة المسلمة عن طريق إلغاء شخصية المرأة المسلمة.

المسلمون في الغرب

غراهام فوللر وأيان ليسر بينا في كتابهما الإسلام والغرب: إن المشكلة الأساسية ليست الإسلام والغرب وإنما الإسلام في الغرب.. فعدد المسلمين في أوروبا يقرب من 92 مليون نسمة.. ولهذا الرقم آثاره الخطيرة على السياسة الخارجية والأمنية في العالم الغربي.

وجميع السياسات التي تنطلق من الغرب اليوم.. إنما تنطلق من هاجس الوجود الإسلامي في الغرب(2)..

وبالطبع فإن قضية الحجاب هي واحدة من هذه القضايا التي يتبناها الغرب لفرض مزيد من الاندماج لصالح الحضارة المسيحية اليهودية.. أو لمزيد من العزلة يفرضها على المسلمين في المجتمعات الغربية.

أين صارت المواطنة

التي يدعو لها اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا والتي اقتضت تشكيل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وهو الهيئة التي تمثل المسلمين في فرنسا لدى السلطات.. وكان المسلمون يتوقعون أن يعمم هذا النموذج فيكون مجلس للديانة الإسلامية في كل قطر أوروبي..

فمن جانب المسلمين وخاصة في اتحاد المنظمات ما زالت المواطنة هي خيارهم، ولكن في إطار من المواطنة المتوازية التي تكفل الحريات وخاصة حرية التدين..

عود إلى بلادنا

ولكن كيف نواجه قضية الحجاب في فرنسا اليوم وفي عموم الغرب قريباً.. ولا نواجه هذه القضية في بلداننا العربية والإسلامية، فهذه في تركيا وهي عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي، أصدر برلمانها منذ ثلاث سنوات قانوناً مشابهاً لمشروع القرار الفرنسي بتحريم الحجاب، لا فقط في المدارس، ولكن في كل مؤسسات الدولة التركية. وطبّق هذا القانون بصرامة طاولت بعض النائبات المنتخبات في البرلمان التركي. وأصرت بعضهن على التمسك بالحجاب حتى إذا أدى ذلك إلى خسران مقاعدهن في البرلمان.

كذلك رفض رئيس الجمهورية دعوة زوجات عدد من المسؤولين المحجبات بمناسبة العيد القومي التركي..

وعندما سئل رئيس الوزراء الجديد رجب طيب اردوغان الذي يملك الأغلبية في البرلمان عن هذا الموضوع أجاب: ليس ذلك من أولوياتنا.

وماذا سنقول لبناتنا وأخواتنا الطالبات في مصر.. والدكتور حسين كامل بهاء الدين، وزير التربية والتعليم المصري، يقود حملة علنية منظمة ضد المعلمات المحجبات.. بل كان يقوم بنفسه برفع حجاب بعض الطالبات في المدارس..؟

وماذا سنقول لبناتنا وأخواتنا الطالبات في تونس اللواتي منعت قوانين الرئيس ابن علي عليهن ارتداء الحجاب.. والأمر كل يوم في اتساع..

وكذلك من عندهم

فلقد بذلوا -في عامتهم ولا أتحدث هنا عن القانون والقضاء والدستور -قصاري جهدهم في تهميش وإيذاء وإقصاء وإذلال العرب والمسلمين المقيمين بين ظهرانيهم يساهمون في قيام نهضة الغرب وازدهاره يوما فيوما وساعة فساعة وخلال خمسين عاما، ولقد تكرس سوء المعاملة النفسية والاجتماعية هذه والتي لا يستطيع إنكارها أحد في جميع المؤسسات الاجتماعية والإعلامية وحتى السياسية، ولم يخف الغرب وعلي جميع هذه الأصعدة حجم الكراهية والرفض التي يحملها للإسلام وللمسلمين، وأنا لا أستطيع ولا أريد أن أزعم أننا في وضع نحسد عليه، كما لا أزعم أن في الدول الغربية من لا يتمني نشوء صدام دموي مع الجاليات العربية المسلمة المقيمة بين ظهرانيه ليحصل علي المبرر الكامل واللازم والكافي لا خراج المسلمين إما سلماً أو ذبحاً من أوروبا، كما لا أظن أن في الغرب كله بشقيه الأمريكي أو الأوروبي وبكل اتجاهاته السياسية والفكرية والثقافية من يُكن لنا اليوم حباً أو احتراماً، بل أن القوم لا تنقصهم النوايا ولا المبررات لكراهية الإسلام وإعلان الحرب سرا وجهرا عليه داخل أرضهم وخارجها لاعتبارات تاريخية وثقافية ونفسية بل ولاعتبارات سياسية تتعلق بوجود الحضارة" المسيحية -اليهودية" -كما تسمي نفسها - واستمرارها في الهيمنة علي البشرية اليوم.

ولكن هذا لا ينفي أن بعض تلك الكراهية وهذا العنف الذي يمارس ضد الوجود العربي المسلم في الغرب كان بسبب من الدعاية الصهيونية الدؤوبة التي جعلتنا وحوشا في نظر هذا الغرب، كما بسبب سلوكياتنا غير الإسلامية وسوء فهمنا وتطبيقنا للإسلام، ولكن كان واجبنا أن نوظف هذه الأمور والعوامل مجتمعة لنحول القضية إلى قضية امتحان حقيقي لقدرة الديمقراطية علي استيعاب الآخر، لا أن نصبّها في بوتقة صدام بين الحضارتين يكذبه الواقع ويكذبه التعايش اليومي العصيب المرير بين المهاجرين المسلمين وأصحاب البلاد الأوروبيين، وتكذبه حاجة القوم الماسّة لإنساننا وجهده وشبابه وثرواته وحاجتنا لتقنيات الغرب وحضارته وبعض المجالات التي اثبت فيها تقدمه إنسانيا واجتماعيا.

هل المستقبل يبشر بالخير؟

بكل تأكيد المستقبل للإسلام.. ما التزم المسلمون بدينهم ودعوا إليه بالحكمة والموعظة الحسنة.. أما معالجة الأمور بتحكيم الغضب والتطرف.. فسيؤدي إلى مزيد من الخسائر.. يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب).

-------------------

(1) محمد جابر الأنصاري - البحرين

(2) صفحة- 65 وما بعدها. 

السابق

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
  اتصل بنا  
   
   

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ