مشاركات
أنا
النذير العريان
بقلم:
محمد حسن بصطرمة*
بمناسبة العدوان على
المتظاهرين أمام ما يسمى بمجلس الشعب
في سورية، ضرباً وإهانة واعتقالاً،
يوم الثامن من آذار، ذكرى استلام البعث..
الطاعون.. حكم سورية، وحكم البلاد
بالحديد والنار، تحت ثقل الجزار قانون
الطوارئ، والأحكام العرفية، وما انبثق
عنهما من محاكم ميدانية للمدنيين
طبعاً من الرجال والنساء والأطفال،
أقول:
لا يجوز للمعارضة ولا للشعب،
ولا للشرفاء من ضباط الجيش السوري أن
يبقوا متفرجين، وهم يرون ما يراد
لوطنهم من ضياع، كما ضيّع ملوك الطوائف
الأندلس في نزاعاتهم السخيفة، والشعب
يتفرج على (أولي الأمر) الذين غدوا
أكذوبة منذ ذلك الزمن، وازدادت هذه
الأكذوبة شناعة مع الأيام، وخاصة في
أيامنا هذه، وكما ضيّع الاتحاديون
الأتراك الدولة العثمانية عندما
زجّوها في حرب لا مصلحة للدولة ولا
للشعوب العثمانية في خوضها، فضاعت
الإمبراطورية، وتمزقت، والناس
يتفرجون على (أولي الأمر) ما يفعلون بهم
وبأوطانهم في الحرب العالمية الأولى.
وكذلك كرر الكماليون الذين
خرجوا من جُحْر الاتحاديين، كرروا
غلطة الاتحاديين في دخولهم الحرب
العالمية الثانية، وكان ما كان من
اندحار تركيا مع دول المحور، وتخلّفها
المريع عن ركب الحضارة ثقافياً،
واقتصادياً، وسياسياً..
ماذا يفيد الآن لو كلنا لملوك
الطوائف، وللاتحاديين والكماليين
أشنع الشتائم؟
وماذا يفيدنا الآن تخطيء
النظام العراقي البعثي إن شتمناه
وشتمنا رئيسه وأعوانه الذين كانوا
يسبّحون بحمده، بعد خراب العراق كله،
وتدميره، واحتلاله، وليس بعد خراب
البصرة وحدها؟
إن المطلوب من الشعب السوري،
بسائر شرائحه وفئاته، أن يهبّ لإنقاذ
وطنه، فقد اقترب الفأس من الرأس، وسوف
يطاح بالنظام البعثي الفئوي مهما
انبطح وأوغل في الانبطاح بهذه
التنازلات التي لن تنتهي إلا بانتهاء
الوطن.
إنه نظام فرّط بالأرض، عندما
سلّم الجولان في مؤامرة الخامس من
حزيران 1967 ولا أقول حرب حزيران، فقد
كنت ضابطاً أثناءها، ولم نقاتل أحداً،
ولم نؤمر بقتال، ولو أن كل ضابط شريف
أدلى بشهادته بجرأة وصدق عن تلك (الحرب)
المؤامرة، لعرفنا ما فعل هذا النظام،
وما يريد أن يفعل في قابل الأيام
وحاضرها.
إن الذين تركوا يهود الدونمة
يدفعون الدولة العثمانية إلى الهاوية
في الحربين الكونيتين.
وإن الذين تركوا البعثيين
العراقيين ورئيسهم يسيرون بالعراق
وبالأمة نحو الهاوية..
وإن الذين تركوا ويتركون
القذافي وعبيده من (المسعولين) يدمّر
ليبيا، مجتمعاً، وثقافة، وسياسة،
واقتصاداً، وسمعة..
وإن الذين يتركون حكام سورية
يسيرون بها نحو الضياع، والتمزيق
للأرض والشعب، وهم يتفرجون..
إن هؤلاء جميعاً آثمون،
مفرّطون بحق شعوبهم، وأوطانهم،
وقيمهم، ولن ينفعهم أي اعتذار
يعتذرونه لله والتاريخ، بأنهم كانوا
مستضعفين، وليس في أيديهم حيلة تجاه
القوى الغاشمة لحكامهم الذين سيذبحون
منهم الآلاف في أي مظاهرة احتجاجية،
مهما كانت سلمية، وسوف تسكت الدول
الكبرى المساندة لهم، لأنها هي التي
جاءت بهم إلى الحكم، وسوف تسكت عن
جرائمهم.
قد يكون هذا صحيحاً.. وبنسب
مختلفة من دولة لأخرى، ولكن الأصح منه،
أن الوطن أغلى، وما ينبغي له إلا أن
يكون الأغلى والأعلى، ويجب أن يُضحّى
في سبيله بكل شيء، ولا فرق بين استعمار
خارجي واستعمار داخلي، فالنظام
ديكتاتوري، استبدادي، فئوي، وضحاياه
زادت على الستين ألفاً من أبنائنا
البررة، في المداهمات –لا الحروب-
التي انتهكت حرمات البيوت التي لا
يعترف جلاوزة النظام بها، وفي
المواجهات التي كانت تفتعلها قوات
القمع في الأجهزة والمليشيات إياها:
سرايا الدفاع لرفعت أسد، وسرايا
الصراع لعدنان أسد، والقوات الخاصة
لعلي حيدر، وجيش شفيق فياض، ولواء عزت
جديد، والكتائب العمالية، والمليشيات
الطائفية و(الطلابية) والمظليات،
وسواها من الأسلحة القمعية التي شاركت
فيها بعض وحدات (الجيش) الذي أرادوه
لقمع أي حركة شعبية، وليس لحماية حدود
الوطن، واسترجاع الجولان.. أرادوه
عصابات تنهب لبنان، وتعتدي على حرياته
وأعراضه وكراماته، كما نهبت ثروات
سورية، واعتدت على شعبها، كل الشعب،
بكل فئاته، ولم توفّر حتى الطائفة التي
تزعم أنها منها، وتحكم باسمها، وهي
مظلومة كسائر الطوائف الأخرى، واعتدت
تلك العصابات، وما تزال، على أعراضه،
وعلى كراماته، وعلى مستقبله.
إذا ضاعت سورية، فلن تفيد
السوريين الندامة على ما فرّطوا، ولن
يفيدهم أي اعتذار بوحشية النظام، وما
أصدق ما قال الشاعر:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولكل شيء ثمن.. للحرية ثمنها
الباهظ، وهي تنتزع ولا توهب، وكذلك
سائر الحقوق..
إنني أنا النذير العريان في هذا
الكلام، فهل يستجيب أبناء الشعب
السوري ورجاله قبل فوات الأوان؟
*
أديب سوري يعيش في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|