نص المقابلة
الصحفية التي أجرتها صحيفة (العرب
اليوم) الأردنية
مع
الأستاذ علي صدر الدين البيانوني
المراقب
العام للإخوان المسلمين في سورية
ونشرت في ملحق
اليوم السابع في العدد رقم (2545) بتاريخ
24/5/2004
1
– في آخر مقابلة معكم نشرت على
الإنترنت، قلتم: إن الفئة المتنفذة في
الحكم هي المستفيدة من حالة التأزم
والاحتقان في سورية، وتقف في وجه أية
مصالحة.
من
هي هذه الفئة تحديدا؟ وكيف تكون
مستفيدة؟
-
هذه الفئة هي التي أطلق عليها الرئيس
بشار الأسد في مقابلته مع قناة (العربية)
منذ عام: (حراس مصالحهم الشخصية)، وهم
المستفيدون من استمرار غياب الحياة
السياسية والحريات العامة، وتسلّط
الأجهزة الأمنية، وتفشّي الفساد
الإداري والاقتصادي بكافة أشكاله،
وهؤلاء يخشون على نفوذهم ومصالحهم من
محاولات الإصلاح، لذلك فهم يقفون في
وجهها بكلّ ما لديهم من نفوذ وسلطة. قد
يكون أمثال هؤلاء موجودين في كل دولة،
لكن المشكلة عندنا في سورية، أنهم
مازالوا مؤثّرين، وقادرين على وقف
مسيرة الإصلاح.
إنّ
تضخّم الأجهزة الأمنية، وتغوّلها على
مختلف مرافق الدولة، وإشاعة الخوف في
المجتمع، وإحكام السيطرة على رقاب
الناس وحركتهم وأرزاقهم، في ظلّ
الأوضاع الاستثنائية والأحكام
العرفية..كل ذلك يشكّل بيئة خصبة
لاستثمار نفوذهم وتحقيق مصالحهم.
2
– عبرتم في أكثر من مرة عن رفضكم
الاستعانة بقوى خارجية، ولكن روبرت
بير وهو عميل سابق لـ (CIA)
في المنطقة العربية، قال في حديث له مع
قناة الجزيرة مؤخرا: إنكم عرضتم وطلبتم
من أمريكا المساعدة للتخلص من الرئيس
السوري الراحل حافظ الأسد. ما تعليقكم؟
-
موقفنا من الاستعانة بالقوة الخارجية
ضد وطننا موقفٌ مبدئيّ محسوم. أعلناه
منذ وقت مبكر، وفي أكثر من بيان لمجلس
شورى الجماعة ولقيادتها. وفي كلّ
مناسبةٍ يتعرّض فيها الوطن للخطر، كنا
نبادر دائماً إلى الانحياز إلى صفنا
الوطني. وفي ميثاق الشرف الذي أعلنته
الجماعة في شهر أيار 2001 قبل أحداث
الحادي عشر من أيلول، أكّدنا من خلاله
أيضاً رفض الاستقواء على الوطن بأيّ
جهةٍ خارجية.
أما
ما ورد على لسان عميل الـ (C.I.A)، فلا أساس له من الصحة، ولا
علاقة لنا به، ويكفي أنه يصدر عن (عميل
مخابراتي) لا نظنه قد تخلّى عن مهمته
بعد. ولا يخفى عليكم أن الحركات
الإسلامية تتعرّض لحملةٍ منظمةٍ
لتشويه سمعتها في جميع الأقطار.. تشترك
فيها مع القوى الخارجية، بعض الحكومات
المحلية، وبعض النخب التي تشعر
بالمنافسة من الحركة الإسلامية التي
تغطي الساحة العربية والإسلامية.
3
– كيف تنظرون إلى التصعيد الأمريكي
الأخير ضد سورية؟ وكيف تقيمون ما سمي
بـ (قانون محاسبة سورية) الذي صادق عليه
الرئيس الأمريكي جورج بوش؟
-
العلاقات الأمريكية السورية ذات
خصوصية معروفة، فمنذ عام 1970تتعرّض إلى
مدّ وجزر، وشدّ وجذب، ثم تتوقف الأمور
دائماً عند حدودها وخطوطها. ربما يكون
هناك خلاف في هذه الجولة، حول الحدود
والخطوط. فالطرف الأمريكيّ، يحاول أن
يوسّع أبعاد دائرة نفوذه، بما يتفق مع
سياساته الجديدة في الهيمنة الكاملة
على المنطقة العربية والإسلامية، ومن
الطبيعي أن تكون هناك معارضة سورية
لهذه السياسات.
قانون
محاسبة سورية، وغيره من وسائل الضغط
الأمريكيّ، إنما يهدف إلى تحقيق هذه
السياسة، في إطار المخطّط
الأمريكي الصهيوني للمنطقة،
وتجريد سورية من أوراق المقاومة، وأن
تكون جاراً آمناً للاحتلال في العراق،
وأن تنأى بنفسها عن القضية
الفلسطينية، وتقبل بالشروط التي
يفرضها العدو الصهيونيّ للسلام.
لذلك
فنحن ننظر إلى التصعيد الأمريكيّ ضدّ
قطرنا، بعين الجدّ والقلق، ونحذّر من
الاستجابة لهذه الضغوط، وتقديم
التنازلات، مطالبين مع بقية الفصائل
الوطنية، بالمبادرة إلى إصلاح الأوضاع
السياسية، للخروج من حالة التأزّم
والاحتقان، وتعزيز الجبهة الداخلية،
لتكون قادرةً على الصمود في وجه هذه
التحدّيات.
4
– جرى حديث عن محاولات سورية رسمية
للمصالحة مع الإخوان المسلمين في
سورية.. وهي المحاولات التي ظهرت
بوادرها مع بداية عهد الرئيس الحالي
بشار الأسد. ما مدى جدية هذه
المحاولات؟ وإلى أين وصلت؟
-
يشكل الإخوان المسلمون في سورية،
حالةً مجتمعية سورية وعربية وإسلامية.
بعض من في السلطة يتصورون من موقع
الغرور السلطويّ، أن بإمكانهم أن
يتجاوزوا هذه الحالة، وآخرون يقرءون
الواقع قراءة خاطئة، حين يظنون أن
أعمال القمع في هذا القطر أو ذاك،
يمكنها القضاء على الحركة الإسلامية.
بعض
المسئولين السوريين يحذّرون الغرب
والولايات المتحدة، من أنّ أيّ فرصة
ديمقراطية في سورية، ستسمح للبديل
الإسلامي أن يصل إلى السلطة. ومن هذه
الرؤية يتخوّف الكثيرون. إنهم يزرعون
الخوف من الإسلام ودعاته كمهدّد
حقيقيّ للسلطة.
وعلى
الرغم من مواقف الجماعة الإيجابية
التي تنطلق من رؤية شرعية ووطنية جامعة..
إلا أن أيّ محاولة جادّة للمصالحة
الوطنية لم تجر حتى الآن.
5
– ولكن وكالة أنباء الشرق الأوسط نقلت
عن الدكتور (محمد حبش) رئيس مركز
الدراسات الإسلامية في دمشق، عضو مجلس
الشعب السوري، أن اتصالات تجري حالياً
بين القيادة السورية والعديد من
قيادات جماعة الإخوان المسلمين، لفتح
صفحة جديدة في العلاقات بين الجانبين.
ما صحة هذه الأنباء؟
-
لا صحة لهذه الأنباء، ولم نسمع بها
إلاّ من خلال وسائل الإعلام. ويبدو أنّ
تصريح الدكتور محمد حبش لا يعدو كونه
تعبيراً عن أملٍ يقوم في نفس الدكتور،
ويدغدغ آمالاً شعبية في سورية، بينما
ما يزال الموقف الرسمي قاصراً عن
التعاطي المباشر أو غير المباشر مع قوى
المعارضة ومنها الإخوان المسلمون.
فعلى
صعيد الواقع: لا يزال في السجون
السورية آلاف المعتقلين والمفقودين من
جماعة الإخوان المسلمين ومن غيرهم،
كما أنه لا يزال في المهجر عشرات
الآلاف من المواطنين السوريين،
محرومين ليس فقط من حق العودة إلى
بلادهم، وإنما من حقوقهم المدنية
أيضاً، ومن أبسط الوثائق التي تثبت
انتماءهم الوطني. ويشمل هذا الحرمان
ثلاثة أجيال من هؤلاء المهجرين.
إن
تصريح الدكتور محمد حبش، ومن قبله حديث
رئيس الجمهورية إلى قناة الجزيرة
الفضائية من أن (الإخوان المسلمين
يعيشون في سورية حياة طبيعية)، لا يمكن
أن يُفهَم في الإطار الواقعي إلا في
دائرة الوعود الكثيرة التي لم تتحقّق.
ولا نحب أن نصبغ مثل هذه الأحاديث
بصبغة (إيهامية) أو (استهلاكية)، ولا أن
نربطها بسياقات دولية أو إقليمية. إنما
سننحاز إلى صف المتفائلين، مؤكّدين
على ضرورة الحوار الفعال لصياغة موقف
وطني قادر على التصدّي للتحديات.
6
– جرى حديث عن أنكم استبعدتم من اجتماع
المعارضة السورية الذي عقد في واشنطن
العام الماضي، ودعا إليه حزب الإصلاح.
ما مدى صحة ذلك؟ هل هو استبعاد؟ أم أنكم
رفضتم المشاركة؟ ولماذا؟ مع أنكم
تنسقون مع المعارضة السورية في
الخارج؟
-
نحن الذين رفضنا المشاركة في مؤتمر
واشنطن، ومن بعده في مؤتمر بروكسل، رغم
توجيه الدعوة إلينا، وذلك التزاماً
بمبادئنا. أما المعارضة التي ننسق معها
في الخارج، فهي جميعاً ذات الموقف
الوطني الواحد، الذي يرفض الاستقواء
بالأجنبيّ على الوطن. بل إن المشهد
السوري بكل أطيافه الوطنية الحقيقية،
يشهد حالة من التوافق الوطني على هذا
الموقف المبدئي.
7
– ما موقفكم من نهج واجتماعات (التجمع
الوطني السوري) المعارض؟ خاصة وأنه
يتبنى مقولة إن سورية تدعم الإرهاب؟
-
أعتقد أنك تقصد (التحالف الديمقراطي
السوري) الذي كان يتزعّمه حزب الإصلاح
في واشنطن. إنّ نقطة الخلاف الأساسية
مع هؤلاء، هي أنهم يستندون إلى الموقف
الأمريكي ويردّدون مقولاته. أما نحن
فخلافاتنا مع النظام تبقى في إطارها
الوطني وبعدها العربيّ والإسلاميّ،
بينما خلافاتنا مع الإدارة الأمريكية
ذات طبيعة حضارية واستراتيجية بعيدة
المدى. كما نختلف معهم أيضاً حول مفهوم
الإرهاب، نحن نؤكد على حق الشعوب في
المقاومة للدفاع عن حقوقها. ونحذّر من
الخلط بين مفهومي الإرهاب والمقاومة،
هذا الخلط الذي تتعمّده الإدارة
الأمريكية، وتحاول تعميمه وتوظيفه
لمصلحتها ومصلحة العدو الصهيوني.
8
– قلتم في أحاديث سابقة، في وصفكم
لمسيرة الإصلاح التي يقودها الرئيس
السوري بشار الأسد، إنه "ما يزال
وبعد سنوات على تسلمه السلطة، يفتقر
إلى الجدية والمصداقية". كيف ترون
سبل الخروج من هذا المأزق؟
-
يطرح الرئيس بشار الأسد، في خطاباته
ومقابلاته، الكثير من المقولات
الإيجابية، لكن حصاد هذه المقولات على
أرض الواقع، ما يزال محدوداً جداً. نحن
لا ننظر إلى الأمور من زاويتنا فقط، بل
ننظر إلى المشروع الوطني من كل جوانبه،
خذ مشروع الإصلاح الاقتصادي، أو
مكافحة الفساد. أو تقديم الحلول
للقضايا المدنية والإدارية المزمنة،
أو معالجة الملفات الإنسانية.. تشعر
وكأنّ سورية ما تزال تحبو في عصر
السرعة الإلكترونية.
أما
الخروج من المأزق فإنه يتوقف على
فريقين: الشعب والنظام. بالنسبة للشعب:
نعتقد أن جماهير شعبنا السوري بما فيها
قوى المعارضة، قد أدّت ما عليها بتقديم
المواقف الإيجابية لبناء الأرضية
المشتركة، وتوافقت على المطالب
الأساسية للخروج من المأزق الراهن،
وعلى أولوية معالجة القضايا الإنسانية
والإصلاح السياسي، ومبدأ التدرّج في
الإصلاح.. بينما ما يزال النظام
متردّداً. وآفة تردّده هي ضعف الثقة
بالمواطن، وتقديم جانب الحذر وسوء
الظن. نعتقد أن الثقة بالمواطن السوري،
هي المفتاح الأول لكسر حالة الجمود.
9
– ما رأيكم بإعلان النظام السوري
استعداده لاستئناف المفاوضات مع
إسرائيل؟
-
موقفنا من السلام مع الكيان الصهيوني
واضح: نعتقد أنه يجب السعي لاستعادة
أراضينا المحتلة بكلّ الوسائل
الممكنة، وأنه لا يجوز التنازل عن أيّ
شبرٍ منها، كما لا يجوز استبعاد أيّ
خيار، بما فيها خيار المقاومة الذي
تجيزه كلّ الشرائع والقوانين الدولية،
والذي أثبت نجاعته في أكثر من مكان.
نحن
نخشى أن تتحوّل أوراق فلسطين
والجولان، وبقية القضايا الإقليمية..
إلى أوراق مساومة في الشدّ والجذب، بين
النظام والطرف الأمريكي. ونعتقد أن ثمة
ثوابت وطنية، لا يجوز بأي حال المساومة
عليها.
10
– كيف تنظرون إلى التهديدات بتوجيه
ضربات إلى سورية ولبنان وإيران؟ وهل
ترونها جدية؟
-
على الرغم من استبعادنا المنطقي
لضربات من هذا النوع، خصوصاً بعد تجربة
الإدارة الأمريكية في العراق.. إلا أنه
يجب النظر إلى هذه التهديدات بعين
الجدّ والقلق، إذ لا نستطيع أن نستبعد
ذلك من سلوك الإدارة الأمريكية
الحالية، في ظلّ سياستها الخارجية
التي تتّسم بالفوضى وانعدام السياق،
والخروج على المألوف، لاسيما في إطار
التسابق المحموم بين (بوش) و(كيري) إلى
البيت الأبيض، إذ لا أحد كان يتصور أن
يُقدِم رئيسٌ أمريكيّ، على ما أقدم
عليه (بوش)، في محاولة لكسب الصوت
اليهودي، من الخروج على مقرّرات
الشرعية الدولية، التي تكفل
للفلسطينيين حق العودة، وتلزم العدو
الصهيوني بالانسحاب إلى حدود عام 1967
وليس
بالضرورة أن تتم الضربات مباشرة من
القوات الأمريكية، بل من المحتمل أن
تتم عن طريق الوسيط الصهيوني، كما حصل
في عين الصاحب منذ أشهر.
11
– سجلتم في أكثر من مناسبة تحفظكم على
استخدام تعبير"الإسلام السياسي".
لماذا؟ وهل ترون أنه وصف للحركات
الإسلامية التي تتبنى العنف؟ وما هو
موقفكم من هذه الحركات؟
-
في العالم اليوم، وبعد خلط الأوراق
الحضارية والثقافية بين الشعوب، أزمة
حقيقية في المصطلحات، تقود إلى أزمة في
التصورات والمواقف، خذ مثلاً مصطلح (الإرهاب)،
فبقدر ما يتفق العقلاء من بني البشر،
على ضرورة مقاومة الإرهابيين والأخذ
على أيديهم، يختلفون في تحديد من هو
الإرهابي!.
وكذلك
بالنسبة لمصطلح (الإسلام السياسي)، إنه
مصطلح ناشئ أصلاً عن الجهل بالإسلام،
الذي جاء بالعقيدة والشريعة، خلافاً
للمسيحية التي جاءت بالعقيدة فقط،
ونادت بإعطاء ما لله لله، وما لقيصر
لقيصر.
إنك
حين تجرّد الإسلام من بعده التشريعي،
لا يبقى إسلاماً، وإنما يتحوّل إلى شيء
آخر. إن الإسلام دينٌ شاملٌ لكل جوانب
الحياة: السياسية والاجتماعية
والاقتصادية.. فليس هناك إسلام سياسيّ،
وإسلام اقتصادي، وإسلام اجتماعي.. بل
هو إسلامٌ واحد، شاملٌ لكلّ جوانب
الحياة، ولذلك نرفض مقولة (الإسلام
السياسي).
أما
الربط بين مصطلح الإسلام السياسي،
وبين الحركات الإسلامية التي تتبنى
العنف، فإنه يقودنا إلى أزمة
المصطلحات من جديد. لأنّ مصطلح (العنف)
يحتاج إلى تحديد، فهناك العنف الداخلي..
وهناك المقاومة المسلحة للمحتلّ،
كائناً من كان هذا المحتلّ، والتي نطلق
عليها حسب المصطلح الإسلامي جهاداً.
بالنسبة
للعنف الداخلي، فقد حسمت جماعة
الإخوان المسلمين هذا الموضوع، عندما
أعلنت رفضها - منذ زمن طويل - لكل أشكال
العنف الداخلي.
وهذا
الموقف المبدئي من العنف الداخليّ، لا
يجوز أن يغفل عن العوامل الداخلية
المنشئة لهذا النوع من العنف، من ظلم
واضطهاد، وعدوان على حرية الإنسان
وعقيدته وكرامته.. لا نقول هذا تسويغاً
أو تبريراً لمثل هذا النوع من العنف،
وإنما للمساعدة على فهمه وفهم دواعيه
لتجنّبها.
12
– ما حقيقة ومساحة تواجدكم على الساحة
السورية، مع ملاحظة ما تعرض له تنظيمكم
بعد القانون الذي صدر عام 1980 القاضي
بإعدام المنتسبين لتنظيمكم، وبعد
المواجهات الدامية مع النظام، ثم ما
أصاب العمل الإسلامي عموماً بعد 11
أيلول؟
-
قلت في الجواب على سؤال سابق: إننا نشكل
حالةً مجتمعية، ولسنا تنظيماً سياسياً
بالمعنى المحدود. والحالة الإسلامية
غالبةٌ في المجتمع السوري. فالتديّن في
شعبنا أصيل، والفهم الإسلاميّ العام
أكثرُ انفتاحاً ورحابةً وقوة، والتيار
الإسلاميّ في سورية حقيقةٌ قائمة، لا
يمكن لأحدٍ تجاوزه أو القفز عليه.
لقد
مثّل القانون رقم (49) لعام 1980 الذي يحكم
على مجرّد الانتساب إلى جماعتنا
بالإعدام، بعداً مأساوياً في الواقع
السوري، وبغض النظر عن تطبيقاته
الأليمة التي تمت بأثرٍ رجعيّ على
الألوف من إخواننا وأنصارنا خلال فترة
الثمانينيات، إلا أنه زاد من قناعة
الإنسان السوري بدينه، وتمسّكه
بعقيدته وشريعته. فكانت شهادة الواقع
دائماً لصالحنا، وكانت الأصدق والأقوى.
نحن
لا نحاول – في ظلّ هذا الواقع - أن نبني
أيّ هيكلية تنظيمية داخل سورية، لأننا
نشعر أن وجودنا العام أصبح أكبر، ومن
هنا ننتهج سياسات منفتحة للقاء مع جميع
القوى الوطنية على الساحة السورية. نحن
نثق بصندوق الاقتراع، ونطمئن إليه،
ونأمل خيراً منه. ونعلن التزامنا
بنتائجه وندعو الآخرين إلى مثل ذلك.
أما
أحداث الحادي عشر من أيلول، وما ترتّب
عليها من نتائج، فقد أكّدت صحةَ فهم
جماعتنا للإسلام، وصحة النهج الوسطيّ
المعتدل الذي تعبّر عنه في أدبيّاتها،
وعلى ألسنة مفكّريها وعلمائها الذين
أدانوا هذه الأحداث فور وقوعها، بغضّ
النظر عن مرتكبيها، كائناً من كانوا،
كما زادت من اقتناع المسلمين بهذا
النهج، باعتباره صمّام الأمان في
المجتمعات الإسلامية، وفي التعامل مع
الحضارات والثقافات الأخرى.
13
– لماذا
تصرون دائماً على العودة إلى
الفترة الدامية بينكم وبين النظام؟
لماذا لا تفتح صفحة جديدة؟ خاصةً وأن
المستفيد الأول من استمرار الخلاف هم
أعداء سورية؟
-
على العكس مما تتصور، نحن ندعو دائماً
إلى تجاوز تلك الفترة الدامية، وإلى
فتح صفحة جديدة في العلاقة الوطنية،
ونتطلّع إلى المستقبل، كان هذا نهجنا
منذ تفجّرت الأحداث في عهد الرئيس
الراحل، وأكّدنا عليه عندما تسلّم
الرئيس بشار السلطة. المشكلة ليست
أبداً في جانبنا، إنما هي في الجانب
الآخر.
14
– أعلنتم في لندن عام 2001 عن ما سميتموه
ميثاق الشرف الوطني، وجرى حديث أخيراً
عن خلافات بشأن الميثاق. ما الجديد
حوله؟
-
كان إعلان ميثاق الشرف الوطني في لندن،
خطوةً متقدمةً على طريق الحوار السوري
الداخلي. وهي خطوةٌ لها رمزيتها
المهمة، حين ضمّ مؤتمر الميثاق الطيفَ
السوريّ بكلّ ألوانه، في توافقيّةٍ
ذات دلالة، أثبتت أن السوريين قادرون
على تفهّم أبعاد المتغيرات الدولية
والإقليمية والداخلية، وعلى تجاوز
خلافاتهم الصغيرة، في سبيل تحقيق
أهدافهم الكبرى. كان المفترض أن يبادر
النظام نفسه إلى طرح مثل هذا الميثاق،
ودعوة القوى الوطنية للائتلاف عليه،
ولكنّ النظام تخلّفَ وما يزال.
ليس
هناك خلافات حول الميثاق، أو اختلافات
بين القوى والشخصيات الموقعة عليه.
ولكن يحدث في عالم السياسة أن تعبر بعض
الشخصيات - أحياناً - عن مواقفها بأسلوب
حاد يثير الآخرين، أو تكون لها وجهات
نظر لا يوافق عليها الآخرون، فتحدث
حالات من سوء الفهم يمكن تجاوزها.
كما
أن لجنة الميثاق الوطني، هي الآن بصدد
عقد لقاءات وحوارات مع قوى وشخصيات
سياسية أخرى، بهدف توسيع دائرة العمل
الوطني وتطوير أدائها.
15
– كيف تنظرون إلى احتلال العراق، وما
يشكله ذلك من خطر على سورية والأمة
العربية؟
-
كان احتلال العراق كارثةً جديدةً تحلّ
بالأمة على جميع المستويات. ولقد حذرنا
كثيراً من هذه الكارثة، ودعونا حكام
العرب والمسلمين إلى التكاتف لمنع
وقوعها.
اليوم،
وبعد أن سقطت جميع الذرائع الأمريكية،
وتبين أن العراق لا يمتلك أي أسلحة
للدمار الشامل، وبعد أن أثبتت الجرائم
التي نفذتها قوات الاحتلال في مختلف
مدن العراق، وفي سجن (أبو غريب)، أن
الولايات المتحدة لا تملك أيّ مشروع
حقيقي لتحرير العراق كما زعموا.. يبدو
المشروع الأمريكي مكشوفاً بأبعاده
كافة: الثقافية في محاولة محو الهوية
العربية والإسلامية، وأمركة الإسلام
والمسلمين. والسياسية: في السيطرة على
القرار العربي، ودعم الكيان الصهيوني
في المنطقة، وتسليمه قيادتها
بالوكالة، وبدا هذا واضحاً في وعود بوش
الأخيرة لشارون. والاقتصادية: في
الاستحواذ على ثروات المنطقة وأسواقها
وفي مقدمتها النفط.
إن
احتلال العراق جعل قطرنا العربي
السوري بين فكّيْ كماشةٍ أمريكية
صهيونية. ونحن ننظر بقلق بالغ، إلى
الأوضاع السياسية والاستراتيجية في
سورية، ونتخوّف على مستقبل بلدنا،
وعلى مستقبل المنطقة كلها.
16
– كيف تقيمون ما حدث في المزة مؤخراً؟
خصوصاً بعد صدور بيان من جهة مجهولة،
سمت نفسها (مجموعة الشهيد أديب
الكيلاني) في إشارة للصق العملية
بأحداث الثمانينات..؟
-
ما حدث في المزة ما يزال غامضاً، نظراً
لغياب الشفافية الإعلامية، وغياب
المعلومة الموثّقة. ومع اضطراب
الرواية الرسمية، ما تزال التحليلات
تضرب يمنة ويسرة: فبينما أشار فريق من
المحللين إلى أن الحادث مصطنع، وإلى أن
هناك جهات أرادت توظيفه في سياق دولي
وإقليمي وداخلي!! كانت هناك إشارات إلى
تنظيم القاعدة، أو إلى قوى إسلامية،
كما أشار آخرون إلى امتدادات صهيونية
عبر لبنان.
أما
الإشارة إلى أحداث الثمانينات، من
خلال الجهة المجهولة التي سمّت نفسها (مجموعة
الشهيد أديب الكيلاني)، فأعتقد أنه
أمرٌ مفتعلٌ ومقصود، من جهةٍ تحاول
الاصطياد في الماء العكر، وتوظيف
الحدث لخدمة أغراضٍ ليست خافية.
وبالمناسبة:
فإنّ أحداث الثمانينات كانت وليدة
ظروف استثنائية، ألجأت جماعتنا مع
كثيرٍ من أبناء الشعب السوري، تحت وطأة
سياسات الإبادة والاستئصال، إلى موقف
الدفاع عن النفس، وما تزال آثارها
السلبية على الحياة السياسية،
وانتهاكات حقوق الإنسان، ماثلةً حتى
الآن.
صحيفة
(العرب اليوم) الأردنية – ملحق اليوم
السابع –
العدد
رقم (2545) وتاريخ 24/5/2004
|