آخر تحديث يوم الاثنين 08 - 03 - 2004م

.....

مشاركات

على طريق المواجهة

تحذير ... قبل فوات الأوان

رجاء الناصر

في قضايا التحقيق الجنائي , عندما لا يعثر على أدلة مباشرة حول الجناة , تتجه الأنظار إلى من يملك مصالح أو دوافع لارتكاب الجريمة , إضافة إلى سلسلة المؤشرات الأخرى .

ما حدث يوم عاشوراء في بغداد وكربلاء , لايمكن وصفه إلا بكونه جريمة منظمة استهدفت مواطنين أبرياء كانوا في لحظة صفاء روحي وهم يؤدون مناسك تعبدية هي في إحدى تجلياتها انتصاراً للمظلومية ضد الاستبداد السلطوي , وهي جريمة مزدوجة بمعنى أنها تريد تحقيق غايات مركبة تتجاوز قتل هؤلاء الأبرياء بهذه الطريقة الوحشية وهي غايات يمكن الإمساك بها بسهولة في مقدمتها :

1- إثارة الاقتتال الطائفي , من خلال الإيحاء بأن المستهدف من هذه العملية , هم أبناء ( الطائفة الإسلامية الشيعية ) في ظل انقسام مذهبي دفع إليه منذ الساعات الأولى للعدوان الأمريكي خلال ما سمي بعدوان " عاصفة الصحراء " والذي جرى تتويجه من خلال صيغة الهيئات التابعة للاحتلال التي جرت على أساس التقسيمات المذهبية , هي تقسيمات أريد منها إعادة رسم خريطة وهوية جديدة للعراق على أسس مذهبية بدل هويته العربية الوطنية .

على طريق هذا الهدف استخدم العدو الأمريكي – الصهيوني كل ما تملكه آلته الإعلامية والدبلوماسية والسياسية , وكل خبرات أجهزته الأمنية والمخابراتية , فجرى الحديث عن مقابر جماعية ( مذهبية ) وجرى تحييد مراجع دينية , ومن ثم جرى الكثير من عمليات القتل وصولاً إلى الدفع لاحتلال وتفجير جوامع وحسينيات  .

في كل هذه المخططات كان الهدف هو استثارة النزعات المذهبية وتحويلها إلى نزاعات عنيفة تؤدي إلى ردود أفعال معاكسة لتظهر وكأنها من فعل محلي .

2- محاولة تشويه صورة المقاومة العراقية الباسلة , تلك المقاومة التي أرهقت العدو الأمريكي الصهيوني وأوقعت فيه الكثير من الخسائر البشرية والمادية عبر تصويرها بأنها مقاومة مذهبية وطائفية من جهة , ومستوردة من جهة أخرى , ولعل هذا هو الهدف الأساس بعد أن فشلت قوات الاحتلال في احتواء المقاومة وحصرها في مثلث الوسط الذهبي تمهيداً للقضاء عليها , فسجلت اختراقات هامة لدفاعات العدو في أقصى الشمال وفي جنوب , وبدأت تجتذب الكثيرين من المواطنين الذين هم أقل انضباطاً في الخضوع للمرجعيات الدينية التي لا تزال مترددة في الانتقال إلى المقاومة الإيجابية أما محاولة تصوير تلك العمليات بأنها من فعل المقاومة فهذا لا يستقيم لأن المقاومة تدرك أن هكذا عمليات لا تخدم مصالحها على الإطلاق ولا يمكن تشبيهها بعمليات أخرى استهدفت عناصر الشرطة العراقية أو بعض المراكز الدولية , فعناصر الشرطة هي في نظر المقاومة مجرد مليشيات تابعة للاحتلال مهمتهم تسهيل الاحتلال وتنفيذ العمليات القذرة لصالحه من ملاحقة المقاومين وحماية قوات العدو المحتل , واستهداف المواقع الدولية كان الهدف الأساس لها هو دفع الدول المؤيدة للاحتلال الأمريكي للامتناع عن إرسال قواتها إلى العراق لمساندة المحتلين .

في ظل هذه المعطيات , وفي ظل التأكيد على وجود عناصر الموساد الصهيوني   بكثافة في مناطق مختلفة من العراق تعمل بهدوء وصمت منذ بداية الاحتلال فإنه يصبح من شبه المؤكد أن التحالف الأمريكي الصهيوني هو صاحب المصلحة الأولى في هكذا عمليات , وهي لا يمكن أن تكون من فعل المقاومة , بعيداً عن الأيدي التي فنذت تلك العملية , بل أن المؤشرات المادية كلها تغرز هذا الاعتقاد حيث أن استخدام مدافع الهاون الثقلية وعدم العثور عليها , في ظل رقابة أمنية مشددة ما هي إلا دليل إضافي على ضلوع قوات الاحتلال في ارتكاب  هذه الجريمة .

إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد عراقاً موحداً مالم يكن مستسلماً لها  , وإنما تهدف إلى تحويله إلى بؤرة للصدام والقتال الأهلي ليكون نموذجاً عن " الشرق الأوسط الجديد " وعن الديمقراطية الأمريكية , بعد أن فشلت في تقديمه كنموذج خاص يتحذى به في المنطقة ويبقى السؤال كيف يمكن مواجهة مثل هذا المخطط الأمريكي الصهيوني ؟ .. وهو سؤال مطروح على جميع القوى الرافضة للاحتلال , وتبدو الإجابة سهلة بقدر ما هي معقدة , وهي تقوم على محورين :

الأول : تأكيد جميع القوى الوطنية بأن المقاومة هي خيار العراقيين بجميع طوائفهم ومذاهبهم وإن اختلفت الوسائل المستعملة في هذه المقاومة .

الثاني : التأكيد على الهوية الوطنية للعراق , حيث أن تغييب الهوية الوطنية يفتح الطريق أمام تسلل أصابع الاحتلال في إثارة النعرات ما قبل الوطنية .

وأخيراً يبقى الصراع في العراق وعليه نموذجاً لما يخطط للمنطقة على الجميع أن يستوعبوه قبل فوات الأوان .