على طريق المواجهة
(1)
في ذكرى الوحدة
رجاء الناصر
في الذكرى الـ 46 للوحدة
المصرية – السورية ، وفي ظل تردي الوضع
العربي العام ووصوله إلى حالة
الانهيار بعد أن تجاوز حافتها ، يبقى
السؤال ، هل لا تزال الوحدة العربية
مطلباً وهدفاً شعبياً أم هي مجرد حنين
إلى ماض لن يعود ؟
بالعقل والمنطق وبحكم
الضرورة الوحدة مطلب وهدف وطريق
لتحقيق البقاء واستمرار الوجود العالم
كله يتوجه إلى وحداته القومية ، وما هو
أعلى من القومية ، في عالم لا مكان فيه
للشعوب الصغيرة ، بالمقابل الكيانات
القطرية ثبت أنها ليست نهاية مطاف
التمزق القومي ، فهي سرعان ما تفتح
الطريق أمام تمزقات وانقسامات متوالية
لا يمكن التحكم بنهاياتها أو نهاية
المطاف الذي يمكن أن تنحدر إليه . وما
قيل عن " التقومن القطري " وعن
النزعة القطرية وثباتها وتأصلها خلال
ما يقارب القرن من الوجود ، أي منذ
تقسيمات سايكس – بيكو والاحتلال
الغربي للقسم الأكبر من الوطن العربي ،
تبين أنه غير صحيح ، فسرعان ما تهاوت
الهوية القطرية أمام
نزعات الانقسام والتشرذم في أكثر
من قطر عربي ، وهو ما يطرح إمكانية
تهاويها أمام نزوع قومي أعم وأشمل ، في
حال توفر الظروف الموضوعية والقوى
المحركة للعملية الوحدوية .
بالعقل والمنطق والضرورة هدف
الوحدة العربية مرتبط بالديمقراطية في
ظل انكشاف عدم مصداقية الشعارات التي
رفعتها الأنظمة الشمولية " القومية
أو غير القومية " حيث أن تلك النظم لم
تشكل في أي وقت من الأوقات – فيما عدا
النظام الناصري – نقطة جذب واستقطاب ،
لا لجماهير الأمة وشعوبها ، ولا
لحكامها الذين تحصنوا أيضاً بأنظمتهم
الشمولية بدعوى التجارب القطرية
الثورية ، وانكشفت أيضاً مصاعب إقامة
أحزاب قومية تشكل رافعة للعمل الشعبي
بسبب كل تلك القيود التي تضعها الأنظمة
العربية وغير العربية أمام مثل تلك
الأداة أو الأدوات القومية ، وهو ما
يضطرها للانكفاء داخل الحدود والأسوار
القطرية ، وانكشفت أوهام بعض تلك النظم
عن فرض الوحدة بالقوة ، وكانت نتيجة
ذلك عدم تحقق الوحدة وذهاب القوة ، ومن
ثم غياب تلك النظم ذاتها .
لم يعد من طريق للوحدة إلا
الديمقراطية فعندما تعم الديمقراطية
الوطن العربي ، وعندما تصبح شعوبها
صاحبة القرار عندها يمكن أن تأتي
الوحدة نتيجة قرار شعبي مفروض بإرادة
الأغلبية ، وهي أغلبية لا يمكن إلا أن
تكون وحدوية .
بالعقل والمنطق والضرورة لا
يمكن تحقيق التقدم والنمو في ظل
التجزئة في عصر لم يعد أحد قادراً على
إغلاق الأبواب أمام السلع وأمام حركة
الاقتصاد ، ولم يعد من الممكن الحديث
عن حماية جمركية أو غيرها ، ولم يبق من
حماية إلا الأسواق الداخلية الكبرى
وإلا المساومات من موقع القوة والندية
.
بالعقل والمنطق والضرورة
أصبحت الوحدات الإقليمية الطريق أمام
وحدة عربية إذا جاءت وفق هذا الهدف ،
وأضحت الجامعة العربية بحاجة قصوى
لتعديل ميثاقها حتى تصبح مدخلاً من
مداخل الوحدة العربية ، تعديل يلغي وهم
السيادة القطرية لحساب القرار المشترك
.
وعلى طريق هذه الوحدة ومن
أجلها يصبح لقاء الوحدويين أكثر ضرورة
من أي وقت آخر ، فهل يتحمل هؤلاء
المسؤولية ؟
(2)
الصمت مشاركة بالجريمة
ما يجري في فلسطين في هذه
الأيام هو حرب إبادة جماعية تستهدف
اقتلاع الشعب العربي الفلسطيني من
أرضه ، وما يطرح من مبادرات باسم "
السلام" ما هي إلا تغطية على تلك
الحرب القذرة ومحاولة التعمية عليها ،
وتوجيه الأنظار بعيداً عن الجرائم
اليومية التي ترتكب على الأرض ضد
الفلسطينيين .
عملية التضليل التي تسّوقها
أنظمة عربية لا يمكن النظر إليها إلا
باعتبارها جزءاً من الجريمة وهي لا
تدخل في نطاق السياسة الواقعية ولا في
تخفيض حجم الخسائر ، إن تلك النظم تدرك
أنه ليس لقادة العدو الصهيوني مشاريع
لسلام أو تسوية ، وإنما هي مجرد مراحل
متتالية من مخطط صهيوني مستمر منذ
انطلاق الوعد الغربي بإقامة كيان على
أرض فلسطين لتقوم عليه دولة للاغتصاب
والتوسع تحت حلم أسطورة شعب الله
المختار .
إنها مشاريع ومبادرات تساهم
في إخراج شارون من " مأزقه "
وإعادة تقديمه كرجل للسلام ، وتحويل
الصراع وتصويره بأنه صراع مع رجل مهووس
بالقتل وليس صراعاً بين الصهيونية
وبين الأمة العربية .
الأنظمة العربية مسؤولة
بالصمت حيناً وبالمبادرات
الاستسلامية حيناً آخر ، وبقطع
الإمداد عن المقاومة ، وعن الانتفاضة
أو رهنه في كثير من الأوقات بمماشاة
سياسة التدجين الموكلة إلى رجال
المخابرات المصرية التي اشتهرت سابقاً
في مواجهاتها الكفؤة لمخابرات العدو ،
وتسجيل الكثير من النقاط عليه حيناً
ثالثاُ .
في ظل حرب الإبادة على أهلنا
في فلسطين ، وحالة التراجع الوطني الذي
تجاوز حالة التخاذل وصولاً إلى
الانبطاح الكامل تبقى إرادة المقاومة
وتلك القوافل من الاستشهاديين الذين
ينزرعون في تربة الوطن ليكونوا شهداء
وشهود على أولئك القتلة ، والمتخاذلين
والصامتين ، يبقى هؤلاء الشهداء
عنواناً للكرامة ، وعنواناً
لاستمرارية الصراع وأملاً وحيداً ،
علينا جميعاً أن نمسك به ونحتضنه لنكسب
شرف الخروج من دائرة الصمت . في وقت
الصمت فيه ليس موقفاً وإنما مشاركة في
الجريمة .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|