صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الأربعاء 01 - 10 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

وصل إلى برق الشرق :

الأكراد في سوريا يريدون إصلاحاً جذرياً في البلاد

جان كورد (*)

تغيّر الوضع السياسي في المنطقة عموماً بعد أن جرت في العالم تحولات وتغيّرات عظيمة، اختل فيها التوازن الذي كان سائداً أثناء فترة الحرب الباردة بن المعسكرين الشرقي والغربي والتي تلت الحرب العالمية الثانية، وتحول الصراع بين القطبين الاشتراكي والرأسمالي إلى صراع من نوع آخر، يمكن تسميته بالصراع بين الشمال الغني والجنوب الفقير في العالم الذي تقف فيه بلادنا سورية على خط التماس والتوتّر، وغلبت المصالح الوطنية والاقليمية على الآيديولوجيات العالمية، كما تمكّن القطب الغربي المنتصر من فرض نفسه على كثير من المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة بحيث صارت القوة بيد حفنة من الدول داخل هذه المنظمة الهامة، بل تم توزيع أوراق اللعبة الدولية داخل القطب الواحد بحيث سيطر فيه النيوكون الأمريكان على قيادة السفينة وأجبر الأوربيون على الرضاء بدور أقل تأثيراً في الأحداث الجارية من دورهم الريادي، إلى درجة أن بعض المثقفين الأوربيين باتوا يقبلون بالسير وراء الولايات المتحدة الأمريكية وليس إلى جانبها ويرون في سياستها القائمة على التدخل والتصرّف كما تشاء ضرورة دولية لأنها القوة الأكثر فعالية في تنظيم العالم من جديد وبدونها لايستطيع أحد إعادة ترتيب النظام الدولي، اقتصادياً وسياسياً ومالياً وعسكريا، ففي عام 2002 صرفت الولايات المتحدة الأمريكية 348 مليار دولار من أجل القوات المسلحة، في حين صرفت أوروبا كلها 153 مليارا وروسيا مجرد 11 مليار والصين الشيوعية 20 مليار فقط، أي أنها صرفت أكثر الاتحاد الأوربي والاتحاد السوفييتي المنحل والصين معاً.

في مثل هذا الوضع العالمي الجديد بات الحديث عن مختلف الموضوعات الفكرية والسياسية والاقتصادية يتطلّب تحليلات وأطراً جديدة وطرائق نضالية مختلفة عما مضى، فنحن في عهد يمكن فيه خوض الحرب وكسبها في أقل من شهر واحد وبأقل عدد من التضحيات، فالحرب على العراق التي دامت لمدة ثلاثة أسابيع قتل فيها أقل من 160 عسكري أمريكي في حين تمكن الأمريكان من القيام ب 41404 طلعة جوية على العراق لمدة 27 يوماً دون أي مواجهة عراقية جوّية ورمي 29199 قنبلة وصاروخ منها أكثر من 19948 من "القذائف الذكية" بحيث حولّت دفاعات العراق وخطوط القتال إلى جحيم لايطاق ولم تتمكن القوات العراقية الضخمة من القيام بأي عمليات حقيقة لصّد هذا الغزو الرهيب واضطرت قيادات هذا الجيش ، بل وقيادات الدولة، إلى الهزيمة دون إعلان الاستسلام مما أعتبر انهياراً شاملاً واسقاطاً لنظام ودولة بسرعة فائقة. وهذا يعني تبدلاً رهيباً في مجمل التفكير الاستراتيجي على الصعيد الدولي، ويستدعي التأمل والتفكير في حقيقة مايجري حولنا وحقيقة ما عليه الأنظمة التي تتحكم بمصائر شعوبنا في هذه المنطقة الهامة من العالم.

وصحيح أن السلام يبدو أصعب منالاً من كسب الحرب، كما نرى الآن في أفغانستان والعراق، ولكن يجب أن لا ننكر بأن نظام البعث العراقي لن يتمكن من العودة إلى السلطة بعد الآن، وإن عاد فسيكون من الصعب البقاء فيها آماداً طويلة كما عهدنا من قبل. والبعث كان يعتبر نفسه حربة الأمة العربية في نضالها من أجل الوحدة والحرية والاشتراكية.

وحقيقة فإن المأزق الكبير الذي تجد فيه هذه الأنظمة الضعيفة أنفسها وعدم قدرتها على الخروج من دوامات مشاكلها المستعصية والنزيف الداخلي الشديد الذي تعاني منها اقتصادياتها والاضطراب الذي يسود علاقاتها يدفع بكثيرين من المثقفين الواعين إلى التساؤل والبحث عن حقيقة المشاكل المتواجدة وأسباب عدم حلّها والوسائل الضرورية التي يجب اقتناؤها للاقتراب بها من مفاتيح ومخارج وحلول. وحيث أن الأنظمة السائدة عاجزة عن إسكات شعوبها وهي فاشلة في ردم الثقوب العديدة التي في جدران الكاتمة وانهاء الفجوة القائمة بينها وبين شعوبها فإن الفترة الأخيرة قد شهدت حوارات ومناقشات عديدة حول مختلف القضايا السياسية والفكرية والاقتصادية والثقافية حتى في أشد البلدان اعتداءاً على الحريات والحقوق، ورغم امتلاك حكوماتها أجهزة قمعية عديدة فإنها لا تتمكن من منع المثقفين بعد الآن من التطرق إلى المشاكل وابداء الرأي فيها...

وهذا ما يحدث في سورية أيضاً والوضع ليس كما يتصوّر البعض بأنه انفراج سمح به من عل أو تغيّر في استراتيجة الحاكم وانما نتيجة من نتائج التغيير الكبير الذي يشهده العالم كله وتفرضه الأحداث الجسام المتلاحقة بسرعة في كل مجال وفي كل أرض وفي كل بلد…

ولذا أقول: جميل جداً أن يتطرق المثقفون العرب اليوم من جملة ما يتطرقون إليه من مشاكل عديدة في البلاد إلى قضية الكرد في سوريا أيضاً ويعترفوا بوجود "مشكلة!" كردية بعد أن مرّ على وجودها أكثر من ثلاثة عقود من الزمن. فمنذ أن صدر قانون الاحصاء الاستثنائي عام 1962 وما تبعه من قوانين واجراءات وقرارات بات الأكراد يشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، إضافة إلى منعهم من ممارسة حقوقهم الثقافية التي أقرّتهاكل الأعراف والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الشعوب وحقوق الإنسان، والإحصاء الاستثنائي الذي تم بموجبه تجريد مئات الألوف من الأكراد من جنسيتهم السورية التي كانوا يتمتعون بها منذ تأسيس الدولة السورية والذي تم تنفيذه في يوم واحد وبصورة اعتباطية جلب للأكراد سلبيات اقتصادية كبيرة أثرّت في مجمل الوضع الاقتصادي لمنطقة الجزيرة في شمال شرقي البلاد، وهي المنطقة التي ترفد الحياة الاقتصادية السورية بالبترول والقطن والحبوب وتشكل أهم مناطق الرعي وتربية المواشي في سورية...

وحقيقة فقد عمل الأكراد منذ استيلاء حزب البعث العربي الاشتراكي على الحكم في البلاد عام 1963 ما في وسعهم لنقل قضيتهم العادلة إلى وعي الشعب السوري وإلى وعي المثقفين العرب عن طريق الإعلام العربي، فالإعلام الكردي كان بسيطاً ضعيفاً قبل الآن، ولكن مع الأسف فإن كثيرين من الإعلاميين العرب ما كانوا يريدون تعريض مصالحهم الذاتية مع الحكومات السورية المتعاقبة إلى الأذى بسبب القضية الكردية، ومنهم من كان عقائدياً أكثر من الحزب الحاكم في البلاد وكان يعتبر الموضوع "اثارة للنعرات الطائفية" و "انخراطاً في المؤامرة الامبريالية الصهيونية" التي تعمل على تفكيك العالم العربي و منهم من كان يؤمن بضرورة "تعريب الأقليات" إيماناً منه بأن العروبة تساوي الحضارة والمدنية وما سواها يجب أن ينصهر في البوتقة العربية لخلق أمة عربية واحدة من المحيط إلى الخليج...

أما اليوم فإن العولمة الحديثة والقدرة الهائلة على اقامة الاتصالات بين مختلف أنحاء العالم وعجز القائمين على الرقابة من منع كل شيء، إضافة إلى الضغوط الخارجية الهائلة، وبخاصة بعد كل ما حدث في العراق المجاور لسورية، قد أوصلت القضية الكردية السورية أيضاً إلى مستوى عال من الاهتمام ليس بين المثقفين السوريين فحسب وانما في الأوساط الأوربية ولم يعد هناك مجال للتهرّب من مناقشة هذه المشكلة الإنسانية العالقة والقضية القومية الحسّاسة في بلد تشتعل النار على أطراف حدوده وتم حصره من قبل قوى تطمح في التدخل في شؤونه الداخلية تحت أي ذريعة كانت.

لذلك لابد من وضع الحروف على النقاط وإطلاق الدعوة لمناقشة فعّالة وجادة لهذا الموضوع الهام، وذلك من خلال التأكيد على أن حل أية مشكلة في البلاد مرتبط بحل سائر المشاكل الأخرى المتشابكة، فالجانب السياسي من القضية الكردية متشابك مع موضوع الحريات السياسية والثقافية في البلاد وقضايا حقوق الإنسان، في حين أن التطرق إلى هذه القضايا يعني الالتفات إلى موضوع تعديل أو تغيير دستور البلاد، والتطرّق إلى موضوع الدستور ينقلنا إلى الحديث عن دور حزب البعث الحاكم في قيادة البلاد.. ودفع العملية الاقتصادية السورية إلى الأمام متداخل مع حل مشكلة الانتاج المتعثر في الجزيرة التي لايمكن لأحد التنكر لأهميتها في اقتصاد البلاد، وهذا يدفعنا للحديث حول مشكلة المجردين من الجنسية من المواطنين الذين كبلّت أياديهم وحرموا من المساهمة الفعّلة في العملية الانتاجية.. وهكذا نجد أن كل حلقات السلسلة لهذه المشاكل مرتبطة ببعضها ولا يمكن حل فقرة منها بمعزل عن الأخرى، أي لا يمكن القيام بإصلاح اداري واقتصادي دون القيام بإصلاح سياسي قانوني جذري، وهذا ما يريد النظام القائم تجنبه ويحاول باستمرار البدء بالإصلاح الاقتصادي الذي يعتبره مفتاحاً لحل سائر المشاكل الأخرى العالقة والمتراكمة..وهذا سير في الاتجاه الخاطىء وتهرّب من معالجة حقيقية للمشاكل ومنها المشكلة الكردية التي تجرأ بعض المثقفين السوريين أخيراً إلى الحديث عنها واعتبارها إحدى مشاكل البلاد الهامة، كما فعل الأستاذ أنور البني منذ أيام قلائل في مقال موضوعي وصريح نشرته له جريدة الحياة اللندنية..

وعليه فإن الكرد السوريين بمختلف اتجاهاتهم السياسية وتنظيماتهم العديدة يطلبون إصلاحاً جذرياً شاملاً ، وإن حاول بعضهم الضرب على وتر (عدم المطالبة بتغيير النظام القائم) لاعتبارات أمنية صرفة، إنهم يريدون إصلاحاً كاملاً يبدأ باعتراف السلطة الحاكمة بعجزها لوحدها عن القيام بعملية التغيير الشاملة وبضرورة قبول تواجد معارضة سورية ديموقراطية تؤمن بالتعددية والبرلمانية والانتخاب الحر السري العادل وحرية الأحزاب والصحافة وصون حقوق الإنسان واستقلالية القضاء وإلغاء التمييز الحزبي، بمعنى الكف عن منح حزب البعث والجبهة التابعة له حقوقاً لاتتمتع بها القوى الأخرى، وإلغاء قانون الطوارىء وسائر الاجراءات السرية والعلنية التي تقف حجر عثرة في طريق مشاركة فعّالة لسائر القوى والجماعات والأشخاص في عملية التغيير، حسب مبدأ: كل حسب طاقته وإمكاناته..ومن خلال العودة إلى صناديق الانتخاب وغير ذلك من وسائل تحقيق الديموقراطية في البلاد، أسوة ببلدان المعسكر الاشتراكي في أوروبا الشرقية التي تحولّت من الشيوعية إلى النظام الديموقراطي لأنها لم تجد مناصاً من ذلك، ورأت في الديموقراطية ما يساعدها على إعادة تأهيل أنظمتها الحاكمة أو تبديلها بأنظمة أخرى قادرة على حل مشاكل البلاد بصورة أفضل.

وهذا هو الطريق الوحيد لفتح المجال أمام الكرد أيضاً من أجل طرح قضيتهم القومية ومشاكلهم الإنسانية على مختلف فئات المجتمع السوري بهدف التوصّل إلى حل عادل وديموقراطي لها دون تشنّج أو عداء، دون نزاعات أو إرهاب.. بل إن تحقيق الديموقراطية والإصلاح الجذري الشامل بدءاً من الدستور والنظام القضائي والنظام السياسي سيفتح الباب أم القوى الكردية والشخصيات الوطنية الكردية وطاقات المثقفين الكرد المنتشرة في العالم للمشاركة والإسهام في خدمة البلاد بصورة ناجعة إن توافر لهم الحق في العيش كمواطنين أحرار في وطن حر، وليس كمواطنين من الدرجة الثانية كما هو حالهم منذ استيلاء البعث على مقاليد الحكم عام 1963.

---------------------------

(*) عضو التحالف من أجل سورية ديموقراطيةالسابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
  اتصل بنا  
   
   

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ