صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الخميس 21 - 08 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

مشاركات

وصل إلى برق الشرق :

أوهام السلام مع شارون

نبيل عواد

لم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي/  ارئيل شارون / بحاجة إلى مرور أربعين يوما على توليه السلطة كي يعلن للعالم أجمع انه لم يتغير، وانه ما زال هو، ذلك الإرهابي المجرم صاحب الأيادي الملطخة بدماء الفلسطينيين في ـ قبية ـ وفي مخيم ـ  صبرا وشاتيلا ـ اللبناني  ، فما اقترفه منذ أن انتخب كرئيس للوزراء في إسرائيل من تقتيل واغتيال للفلسطينيين، ومن تدمير وتقطيع لأوصال الأرض الفلسطينية كان كافيا لإقناع الفلسطينيين على الأقل بأنه لن يتغير. ومع ذلك فقد أبى إلا أن يبعث للعرب وللعالم في ذكرى مرور أربعين يوما على تشكيل حكومته برسالة شديدة الوضوح من شأنها أن تقضي على ما يمكن أن يكون باقيا لدى البعض من أوهام بشأن إعطائه فرصة لصنع السلام في الشرق الأوسط. 

والإرهابي / شارون /  الذي يعتقد أن مشروعه لحكم " إسرائيل "  تأخر عشرين سنة بسبب تحميله المسؤولية عن مجزرة صبرا وشاتيلا، لا يملك للفلسطينيين غير الحقد العنصري ومشاريع { الترانسفير } التي يحلم بتحقيقها عن طريق الإرهاب وسياسة التدمير المنظم وعمليات الاغتيال والمجازر، إنها السياسة نفسها التي ورثها الجيش الإسرائيلي عن عصابات / الأرغون / و/ شتيرن/  و/ الهاغاناه / في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي , فهو لا يملك برنامجا للسلام، وما عرضه من أفكار بشأن تأسيس دولة فلسطينية منزوعة السلاح والصلاحيات على 40% من الضفة الغربية ليس إلا وصفة للحرب , وفي ظل الانقسامات الإسرائيلية الكبيرة حول معنى السلام مع الفلسطينيين والثمن المطلوب لتحقيقه، فإن السبيل الوحيد أمامه للاستمرار في حكم الإسرائيليين هو الهروب إلى مواجهة عسكرية كبيرة، محدودة أو غير محدودة.

وقد وافق هذا المنظور/ الشاروني/ ظرفا مواتيا، عربيا وأميركيا، ودوليا ,  فإسرائيل ما زالت تتسلح بأحدث الأسلحة الهجومية، وتطور في مصانعها ما لا تستطيع الحصول عليه من مخازن السلاح الأميركية، بينما لم تعد روسيا، بعد انتهاء الحرب الباردة، في وارد بيع أسلحة للعرب تثير بها غضب الأميركيين ولا تكسب ولاء العرب. كما أن خروج مصر من صف المواجهة مع إسرائيل، وتدمير قوة العراق، يزيدان العرب ضعفا على ضعف. 

وأميركيا، ما زالت الإدارة الجمهورية الحالية برئاسة ـ جورج  بوش الابن ـ عاجزة عن بلورة سياسة سلمية لها في الشرق الأوسط، في ظل انشغالها بالبحث عن مخرج من مسألة العراق بعد المأزق الذي وجدت نفسها فيه عقب الاحتلال بسبب المقاومة العراقية , ولذلك فإن الولايات المتحدة ما زالت تنطلق في كل تحركاتها في الشرق الأوسط حتى الآن من أساس واحد هو تحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل، وهي لذلك أيضا ما زالت تنظر إلى كل ما يجري في المنطقة بعيون إسرائيلية، ترى المقاومة الفلسطينية واللبنانية ارهابا تجب مقاومته وملاحقته , ولا ترى في هدم بيوت الفلسطينيين نعلى رؤوس سكانها من نساء واطفال وشيوخ عملا ارهابيا. 

من هنا يجب عدم المبالغة في اعتبار الضغط الأميركي على اسرائيل للانسحاب من المناطق التي أعادت احتلالها في بيت حانون تحولا في السياسة الأميركية، لأن هذا قد لا يخرج عن نطاق توزيع الأدوار في اطار التحالف بين الجانبين، المهم هو ان الرسالة التي ارادت اسرائيل ايصالها الى الفلسطينيين، وبموافقة اميركية، هي ان العنف الاسرائيلي لن يقف عند حدود، وعلى الفلسطينيين ان يوقفوا الانتفاضة ويستسلموا لإملاءات الاسرائيليين الذين يجب ان يعيشوا في »أمن وأمان« مهما كان الثمن. انها الرسالة نفسها التي ارادت تل أبيب، ومن ورائها واشنطن، ايصالها الى سوريا من خلال ضرب موقع للرادار السوري في لبنان بذريعة الرد على عملية لحزب الله في مزارع شبعا. 

أما دوليا، فما زال الاتحاد الأوروبي وروسيا عاجزين عن كسر احتكار واشنطن للمساعي السلمية في الشرق الأوسط، وبالتالي ما زال الميزان السياسي في الشرق الأوسط يعمل وفقا للرؤية الأميركية المنحازة تماما لاسرائيل. ولأن مستشاري الرئيس جورج بوش لا يرون ان هناك إمكانية لتحقيق سلام في الشرق الأوسط خلال السنوات الأربع المقبلة، هي فترة الولاية الأولى للرئيس الجمهوري في البيت الأبيض، فإنهم لا ينصحونه بالتعجل في الدخول على خط العملية السلمية والانشغال بها عن هدف احتواء العراق وايران وضمان استمرار السيطرة الأميركية والوجود العسكري الأميركي في منابع النفط بالخليج. وهذا سبب آخر يدعو الى عدم التفاؤل وتعليق آمال كبيرة على دور أميركي أكثر فاعلية في عملية السلام بالشرق الأوسط. يبقى هناك احتمال، وان يكن بسيطا، لأن تكون واشنطن قد رأت ان شارون تخطى ما سمحت له به في عملية بيت حانون، حين أعلن قائد الفرقة العسكرية الاسرائيلية في غزة يائير نافي ان قواته قد تبقى في المناطق التي احتلتها أياما أو شهورا الى ان يوقف الفلسطينيون اطلاق النار وقذائف الهاون على المستوطنات، فضغطت عليه لسحب قواته، وأعلن وزير الخارجية الأميركي ان على الجميع ان يدركوا ان لا حل عسكريا للصراع في الشرق الأوسط. وهذا، ان كان قد حدث فعلا، يثبت امرين اثنين: أولهما ان واشنطن راضية عما كان يفعله شارون قبل وبعد عملية بيت حانون، أي ما يسميه شارون نفسه عملية الحلاقة، وما يسميه الاستراتيجيون سياسة الأرض المحروقة، والتي تتضمن اقتحام مناطق السلطة الفلسطينية وتدمير مواقع قوات الأمن الفلسطينية وتدمير منازل الفلسطينيين وتجريفها في حزام من الأرض يتسع كل مرة، وتقطيع أوصال قطاع غزة والضفة الغربية لمحاصرة الفلسطينيين والضغط عليهم معيشيا، بهدف تركيعهم واخضاعهم للإرادة الاسرائيلية بوقف الانتفاضة. الأمر الثاني هو ان واشنطن قادرة على الضغط على اسرائيل وإعادة مسؤوليها المتضخمين الى حجمهم الطبيعي، بل واجبارهم على الالتزام بما تريده من الاتفاقات، ان هي ارادت ذلك فعلا. 

وإذا ما عدنا الى المواجهة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، نجد ان هذه المواجهة تثير جدلا على الساحتين معا. فعلى الساحة الفلسطينية تثير عمليات اطلاق قذائف الهاون على المستوطنات الاسرائيلية، بما تستتبعه من قصف اسرائيلي وعمليات اجتياح لمناطق السلطة تثير تساؤلات عديدة حول جدوى عسكرة الانتفاضة وتحويلها الى مواجهة عسكرية غير متكافئة بين الفلسطينيين الذين لا يملكون سوى السلاح الخفيف وبين الاسرائيليين المدججين بأحدث ما أنتجته مصانع السلاح في العالم. ومع ان القيادة الفلسطينية دعت مرارا الى الابقاء على الطابع الشعبي للانتفاضة، إلا ان هناك حقائق لا يمكن اغفالها، منها مثلا ان السلطة لا تستطيع السيطرة على كل قطعة سلاح في الشارع الفلسطيني، ولا تستطيع بوجه خاص منع اطلاق قذائف الهاون من قبل عناصر حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومنها أيضا ان السلطة الفلسطينية، لا تستطيع ان تطلب من الفلسطينيين علانية ان يكفوا عن استخدام سلاحهم المتواضع في مواجهة الآلة العسكرية الاسرائيلية الضخمة التي تدك منازلهم ومقار شرطتهم دونما حاجة الى مبرر، بل ان كبير المفاوضين الفلسطينيين ووزير الحكم المحلي صائب عريقات يتهم شارون بالسعي من خلال ضرب مقار قوى الأمن والمخابرات والقوة 17 الفلسطينية الى تدمير مؤسسات السلطة الفلسطينية، لكي يقول للعالم بعد ذلك انه لم يعد يجد بين الفلسطينيين شريكا يصنع معه السلام، فيدفن كل ما تم توقيعه من اتفاقات ويعود لاحتلال المدن الفلسطينية.

أما الذين يطلقون الهاون من الفلسطينيين، فيراهنون على افشال خطط شارون من خلال اطلاق المزيد من القذائف لاثبات ان عملية بيت حانون وكل ما تلاها وما يمكن ان يتلوها من عمليات لن يركع الفلسطينيين ولن يخضعهم، ولن يجلب للاسرائيليين الأمن ما دام ينكرون على الفلسطينيين حقهم هم أيضا في الأمن والحياة الحرة في وطنهم وعلى ارضهم. 

أما على الساحة الاسرائيلية، فقد أثارت عملية بيت حانون استياء في اوساط وزراء حزب العمل المشاركين في حكومة شارون، أولا لعدم استشارتهم قبل اتخاذ القرار بالدخول الى مناطق السلطة، وثانيا لعدم استشارتهم قبل اتخاذ قرار الانسحاب. كما أثارت استياء في اوساط الجيش والمعارضة البرلمانية لأن الناطق باسم شارون حمّل الجيش، والقائد العسكري الميداني يائير نافي تحديدا، مسؤولية الإعلان عن عزمه البقاء في المناطق التي أعيد احتلالها، مما استتبع الضغط الأميركي واجبار الاسرائيليين على الانسحاب، وقد تعلل شارون بأنه لم يكن لديه وقت لاستشارة وزرائه، ما عدا وزير الحرب بنيامين بن اليعازر، بخصوص عملية بيت حانون، لكنه مع ذلك، اصر على الاستمرار في سياسة العدوان والتدمير وقيادة الاسرائيليين من معركة الى معركة، ايمانا منه بأن حشد الاسرائيليين لمواجهة عدو خارجي هو سبيله الوحيد للاستمرار في الحكم. 

21/08/2003السابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
  اتصل بنا  
   
   

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ