مشاركات
وصل
إلى برق الشرق :
مكاسب
11 سبتمبر بددها بوش عندما نقل جنوده
إلى ملعب خصمه، وقد يستدين.
جورج
بوش والعراق وغلطة الشاطر القاتلة
الطاهر
إبراهيم*
يقتضي
الإنصاف منا أن لا نقلل من الحنكة التي
تحلى بها المحافظون الجدد أو صقور
البنتاغون عندما استطاعوا أن يوظفوا
أحداث 11 أيلول "سبتمبر" لعام 2001،
بعد أن استفادوا من وقع تلك الأحداث
واستنفروا الشعب الأمريكي إلى الحد
الأقصى الممكن بتطبيقهم "استراتيجية
النزعة الكارثية المستنيرة...كما
أسماها جان بيار دوبوي المحلل السياسي
الفرنسي" ، واستطرادا من ابتزازهم
لكل دول العالم. واستتباعا فقد تسلح
جورج بوش بكل ذلك التأييد الذي كسبه من
مجلسي النواب والشيوخ، لينفذ أجندة
المحافظين الجدد في التوسع
الاستعماري، من
دون أن يخشى معارضة أي دولة، كان من
الممكن أن تقف في وجهه في معزل عن تلك
الأحداث، التي يعتقد كثير من المحللين
السياسيين أن نسبتها إلى العرب
التسعة عشر، هو احتمال يقل كلما
توغلنا في الأحداث والتحقيقات التي
تمت حتى الآن. وكل ما قلناه ينطبق على
سيناريو الحرب على أفغانستان.
فهل كان الأمر كذلك في مسلسل
التحضير للحرب في العراق؟ وكيف تبدو
الأمور في مسرح الأحداث التي تجري في
العراق؟.
منذ
أن أعلن جورج بوش انتهاء الحرب في
العراق في مطلع شهر أيار الماضي، لا
يكاد يمر يوم إلا وتعلن قيادة القوات
الأمريكية في العراق عن سقوط قتيل أو
أكثر في صفوف تلك القوات،الأمر الذي لم
تسلم منه ،ولكن بصورة أقل، القوات
البريطانية التي حرصت ،أكثر من
الأمريكيين، على الابتعاد عن مواطن
الاحتكاك مع العراقيين.
ورغم
كل ما تروجه إدارة بوش من اتهامات
لفدائيي صدام بالتسبب في عمليات
المقاومة تلك، فإن هذه الإدارة تعرف
أكثر من غيرها ،ولا يخفى ذلك على شعوب
المنطقة العربية، أن هذا الترويج يتم
بقصد تنفير العراقيين من تلك المقاومة
إذا ما اقتنعوا أن فلول النظام العراقي
السابق هي التي تنظم تلك المقاومة.
وإذا
كنا لا نستطيع أن نحصر هذه المقاومة في
جهة محددة بعينها، وقد تكون أكثر من
فصيل، فإننا نستطيع أن نؤكد هنا،أن هذه
المجموعة أو المجموعات، تتصف بتنظيم
دقيق، يستفيد من عوامل كثيرة ،محرومة
منها القوات الأمريكية، والتي سنتطرق
إليها لاحقا.
وإذا
كانت إدارة بوش تحاول أن تجعل من "القاعدة"
بزعامة أسامة بن لادن العدو الوحيد
لها، وأن تحصر بها كل أشكال المقاومة
التي تواجهها،وهو ما يكذبه الواقع
وطبيعة الأمور ، لأن شرور هذه الإدارة
قد طالت الكثيرين، فإن الأقرب إلى
الحقيقة أن نقول: أن المقاومة في
العراق هي من صنع "قواعد" متعددة
وليست من صنع "قاعدة" واحدة.
وإذا
جارينا مزاعم وزير الأمن الأمريكي "توم
ريدج"، الذي يطلع علينا كل يوم،
بأخطار عديدة بعدد ألوان الطيف، تهدد
أمريكا بهجمات قد تشنها "القاعدة"،التي
يبعد مركز قيادتها ألاف الأميال عن
أمريكا، فإننا نستطيع أن نؤكد هنا أن
جورج بوش قد قدم خدمة جليلة لأعدائه من
أنصار القاعدة وغيرهم،عندما قرب عليهم
المسافات ونقل ،إلى المنطقة التي يجيد
فيها أعداؤه الكر والفر ،جنود أمريكا،
الذين هم من المفترض أن يكونوا الهدف
رقم "واحد" لأسامة بن لا دن وغيره
من القيادات، بسبب اعتماد أمريكا على
هؤلاء الجند في حروبها. وحسب هذه
القناعة يكون "بوش" قد اختصر على
أعدائه المفترضين،-بل هم كذلك بعد أن
احتل أرض العراق ودمر بنيته التحتية
والفوقية- كل الترتيبات اللوجيستية
التي تلزمهم لشن هجوماتهم على أمريكا
في عقر دارها.
لن
نقف هنا لنتساءل من هي تلك المجموعات
،التي أتقنت صناعة المقاومة؟، وإنما
سنقول أن كل الظروف تقف إلى جانب هذه
المجموعات. وحتى تتضح الصورة أكثر،
ربما يكون من المفيد أن نجيب على
سؤالين،أولهما: ماهي صورة وضع الصراع
بين الطرفين، إدارة بوش من جهة،
ومجموعات المقاومة من جهة أخرى؟،
وثانيهما:كيف كان أو سيكون تأثير جواب
السؤال الأول،على أجندة صقور
البنتاغون واستتباعاحملة الرئيس بوش
الانتخابية؟.
الظروف
كلها تعمل لصالح المقاومة
جوابا
على السؤال الأول يمكن أن نلحظ أن سيل
تيار المقاومة يجري خلال منحدرات تزيد
في تسارع جريانه من خلال الظروف
المواتية التالية:
أولا:قوة
الدفع لدى فصائل المقاومة تتزايد
باستمرار لأنها تدافع عن وطنها أي أنها
تدافع عن وجودها، -وحتى لو كان بعضها
وافدا من خارج العراق فهي تعتبر أن
العراق وطن كل المسلمين تماما مثل
فلسطين- فهي تقوم بواجب تسترخص من أجله
أرواحها. أما الجندي الأمريكي فقضيته
الأولى والأخيرة هي روحه، ولا تهمه في
قليل أو كثير أجندة
وزير الدفاع الأمريكي "رمسفيلد".ومهما
كان تعاطفه مع الحرب ضد الإرهاب، -قضية
بوش الأولى أو هكذا يزعم- فإن أكثرية
هؤلاء الجنود يعرفون أنهم هم المعتدون
وهم الذين يُرْهبون العراقيين.
ثانيا:
إن تحرك هذه المجموعات، يتسم
بالتلقائية. ومهما كانت حاجتها إلى
الحذر،فإنها تتحرك على أرض معروفة
لديها ،حتى ولو كان الأمر يتم ليلا. أما
قوات الاحتلال الأمريكي فإنها تخبط في
ظلام جهلها بالأرض ،وقد تتحسن معرفة
هذه القوات بخفايا الأرض العراقية، مع
طول مدة الاحتلال، ولكن مستجدات
الصراع قد تلغي هذا التحسن، ما يعني
بقاء عامل الأرض يعمل لصالح مجموعات
المقاومة.
ثالثا:
وقد يظن البعض أن نوعية السلاح تصب في
صالح القوات الأمريكية التي تملك من
الأسلحة الحديثة المتطورة ما لاتملكه
المقاومة.لكن الصحيح أيضا أن المقاومة
لا تحتاج إلا إلى السلاح الذي ينفع في
حرب شعارها "اضرب واهرب"، وقد ترك
النظام السابق منه الكثير الكثير.
رابعا:
إن القوات الأمريكية مضطرة للتمركز في
أماكن التجمعات السكانية لبسط نفوذها،
وهذا يجعلها عرضة لهجمات محققة
الأهداف، إما لأنها دوريات راجلة سهلة
الاصطياد، وإما لاستعمالها آليات تكون
هدفا للقاذفات الفردية (آر. ب. ج ).
واستطرادا فإن قيام قوة الاحتلال
بالانتقام من المواطنين بعد كل عملية
ناجحة، يؤجج نيران الغضب في صفوف الشعب
العراقي، وبالتالي يزيد في أعداد
المقاومين.
خامسا:
إن سوء أخلاق "الكاوبوي"
الأمريكي، سوف يجعل الهوة تتسع
،باستمرار، بين قوة الاحتلال وبين
المواطن العراقي، مما يزيد من الغليان
في نفوس الشعب العراقي.
وبالجملة
فإن مردود عمليات المقاومة يتزايد
باستمرار، بينما يتزايد فشل القوات
الأمريكية في بسط نفوذها، ومن ثم يتعثر
تنفيذ الأجندة التي من أجلها شنت الحرب
على العراق.
فإذا
تركنا النواحي المادية التي تصب كلها
في صالح المقاومة، فما هو السلوك
المتوقع من إدارة بوش إزاء الإخفاقات
المتوالية؟.
لقد
قبل الأمريكيون أن يتخلوا عن قسم كبير
من مكتسباتهم الليبرالية على مدار
أكثر من قرنين منذ الاستقلال
الأمريكي، لتشريعات يسنها وزير العدل
الأمريكي "أشكروفت" وهو من صقور
الصقور في إدارة بوش، لصالح مطاردة قوى
محور الشر، التي تزعم تلك الإدارة أنها
وراء تفجيرات 11 سبتمبر 2001، وتقبلوا
الاستمارات التي تطالبهم "بالتجسس"
على مواطنين أمريكيين ولكن من أصول
عربية ومسلمة.
وتم
لإدارة بوش
ما أرادت، من نسف دولة "طالبان"،دون
أن يعرف الشعب الأمريكي أن رموز تلك
الدولة ما يزالون يهددون "كابول"
معقل "قرضاي" ومركز حكومته. بل
إننا نستطيع أن نؤكد أن كل المقاطعات
خارج كابول، تخضع لقادة عشائريين لا
يقيمون أي اعتبار للسلطة المركزية في
العاصمة، وأنهم سرعان ما يحولون
ولاءهم باتجاه "طالبان" أو "حكمتيار"،
في أول فرصة سانحة. وعندها ستجد إدارة
بوش نفسها في المربع رقم "واحد" في
أفغانستان.
القضية
الأخرى، أن الحرب على أفغانستان، تمت
بشبه إجماع رسمي وشعبي في أمريكا،
بينما الأمر كان مختلفا قبل شن الحرب
على العراق. فقد كان هناك رفض شعبي تمثل
بقيام مظاهرات ،وإن لم تكن على مستوى
ما كانت عليه في أوروبا، وكان هناك رفض
خجول من قبل مجلسي الكونغرس، وإن لم
يرق إلى درجة تشكيل ظاهرة، ولكنه لفت
الانتباه إلى عدم شرعية الحرب في ظل
إخفاق إدارة بوش بحمل مجلس الأمن على
اتخاذ قرار يمكن أن يعتبر تكأة لتبرير
حرب غير مكتملة الأسباب.
الآن
وبعد أن فشلت القوات الأمريكية في
العثور على أسلحة الدمار العراقية،
وفشلت في بسط سيطرتها على
العراق،وفشلت حتى الآن بتصدير النفط
العراقي لتغطية نفقات الجيش الأمريكي
في العراق التي قدرتها بعض المصادر
بمليار دولار أسبوعيا، وكانت ثالثة
"الأسافي" الانفجار الضخم الذي
ينقل نفط العراق عبر انبوب يمر في
تركيا،والذي أعربت بعده إدارة"بريمر"عن
تشاؤمها من عدم إمكانية إصلاح العطب في
مدة قد تزيدعلى الشهر ( نقلت القدس
العربي يوم 19 آب الجاري عن مسؤولين
ومحللين بصناعة النفط أمس أن عجز
العراق عن استعادة طاقته النفطية قبل
الحرب قد يعرقل خططا أمريكية لاسترداد
مليارات الدولارات التي أنفقت على
الغزو، ويبقي أسعار النفط العالمية
مرتفعة حتى نهاية العام). وفوق ذلك كله
فشلت بإعادة شريان الحياة إلى المرافق
الأساسية في العراق ( مياه، كهرباء،
صرف صحي، مستشفيات، وقود الطبخ...).وتبع
ذلك كله رفض المجتمع الدولي أن يعطي
للاحتلال أي شرعية . وما زالت الهيئة
الحاكمة التي شكلها "برايمر" في
العراق شكلا من غير مضمون.
مستقبل
الاحتلال الأمريكي للعراق.
لن
يفيدنا كثيراأن نهتم بمستقبل بوش
الانتخابي وتأثير تفاقم المشاكل التي
يواجهها "بريمر" على أجندة بوش
الانتخابية. لأن التورط الأمريكي في
العراق أصبح حقيقة واقعة، ولن ينهيه
سقوط بوش في الانتخابات ومجيء رئيس
ديموقراطي . ولكن الحقيقة التي لا يمكن
أن تخفى على أحد، هي أن المجاهيل التي
تحتاج إلى تعريف في معادلة العراق
والاحتلال الأمريكي كثيرة، وكلما حذفت
إدارة بوش مجهولا واحدا بحل آني ليس
مضمون النتائج، برزت مجاهيل أخرى لم
تكن في حسبان تلك الإدارة.
ولكن
ما هو تأثير احتلال أمريكا للعراق على
المنطقة شعوبا وحكومات؟.
قد
يكون من المفيد أن نقول أن سقوط النظام
العراقي قد كسر حاجز الخوف الذي كان
يقف في وجه المواطن العراقي، وأن
معادلة الموت البطيء التي كانت تحكم
واقعه أيام النظام السابق قد انتهت،
ومن ثم وجد نفسه وجها لوجه أمام حقيقة
الاحتلال الأمريكي التي لا تعرف
الحلول الوسط.وإذا كان هناك من كان
يحذرمن فتنة وطنية في حال قيام مواجهة
مع النظام السابق، تتمثل بقتال بين
أبناء الشعب الواحد، فإن مجيء
الاحتلال الأمريكي إلى العراق قد أسقط
تلك المقولة نهائيا،لأن الكل يعرف أن
من يقف في صف الاحتلال فهو منه، ولن
يؤثر في قناعة المقاومة مقولات الذي
جاءوا إلى العراق على ظهور الدبابات
الأمريكية، حتى ولو كانوا يزعمون أنهم
يشكلون مرجعيات معينة. وعلى هذا الأساس
فإن موقف الشعب العراقي أصبح واضحا لا
لبس فيه وهو أن من كان مع بقاء أو
استمرار الاحتلال فقد عزل نفسه عن
مجموع هذا الشعب، وهذه الحقيقة لا
يدركها الشعب العراقي فقط، بل أصبحت
مسلمة شعبية عربية لا تحتاج إلى برهان.
أما
الحكومات العربية التي ساهمت بشكل أو
بآخر في وقوع العراق في قبضة الاحتلال
الأمريكي، فقد وضعت مستقبل وجودها على
كف العفريت الأمريكي، عندما ينتهي من
ترويض العراق. كما أنها حكمت على نفسها
وطنيا، لأن الحلال بين والحرام بين في
قضية التعامل مع المحتل الأمريكي،
وليس بينهما أمور مشتبهات. ولأن
المشوار طويل مع احتلال أمريكا
للعراق، فقد تعيش تلك الحكومات في
أحلام يقظة قد لا تفيق منها إلا بعد أن
لا ينفع الندم،،،،،
*
عضو مؤسس في رابطة أدباء الشام
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|