الديمقراطية
بين الشكل والمضمون
محمد
زهير الخطيب / كندا
مدار
بحث الديمقراطية هو في شكل اختيار
ممثلين للأمة ثم في شكل أختيار
التشريعات والقوانين التي ستحكم
الدولة. وتعمل الديمقراطية على فصل
السلطات الثلاث وضمان احترام صوت
الاكثرية واحترام حقوق الانسان
الشخصية والدينية والعقائدية وحرية
التعبير، وعلى توفير العدل والقانون.
غير أن الديمقراطية ليس لها مضمون ثابت
للقيم والمعتقدات والاخلاق الشخصية
والحلال والحرام، بل تستمد ذلك من
القيم الشائعة والسائدة في المجتمع
والتي هي أشبه بما يسمى بالعرف في
التشريع الإسلامي، والمتتبع لتاريخ
تطور الديمقراطية يتبين له ذلك بكل
وضوح.
ولكي
نعطي مثالاً صارخاً على ذلك نفترض أننا
طبقنا النظام الديمقراطي على مجموعة
من اللصوص فستقدم الانتخابات اللص
الأكثر قبولا عند مجموعة اللصوص وستسن
التشريعات التي تحمي نظام اللصوصية
المعتمد بما يحقق النفع لأكثرية
اللصوص، فالديمقراطية لا علاقة لها
بالمضامين الاخلاقية حيث أن المضامين
الاخلاقية للمجتمعات تحتاج الى مصادر
أخرى منها الاديان ومنها العقل ومنها
طروحات المفكرين والمصلحين ...
فالديمقراطية
لا تقضي على الالحاد ولا على الارهاب
ولا على الشذوذ الجنسي ولا على مظاهر
التعري، كذلك لاتقضي الديمقراطية على
الاديان ولا على المعتقدات ...
ولكي
نحصل على أمة حضارية نحتاج الى معاني
الديمقراطية التي تضمن الحرية والعدل
والقانون، غير أننا نحتاج أيضا لمبادئ
وأخلاق وخطوط حمراء تحدد المسموح من
الممنوع أو بالتعبيرات الدينية تحدد
ماهو الحلال وما هو الحرام ...
وللديمقراطية
في العالم مفهوم واحد، والذين يريدون
أن يتلاعبوا بالمصطلحات ويزعموا أن
لديهم ديمقرطية خاصة بهم إنما هذا ضرب
من الدجل السياسي والاستخفاف بعقول
الناس يلجأ اليه أئمة الاستبداد
وأعلام الفساد ليسوغوا بطشهم وظلمهم.
وفي
محاولات المسلمين في العصر الحديث
إشادة دولتهم الاسلامية الفاضلة
يلزمهم أن يلحظوا أهمية النظام
الديمقراطي الذي سيساعدهم على إرساء
مجتمع حر عادل ثم يعطيهم الفرصة
لاختيار ممثليهم الموثوقين المخلصين،
ثم يعطيهم الفرصة المتكافئة مع باقي
المواطنين في طرح الشرائع والقوانين
التي يؤمنون بها ويرون فيها خلاص الامة
ومصلحتها، ويعطيهم الحرية في نشر
أفكارهم ودعوة الناس الى الالتزام
بالاسلام ومحاربة الفساد والطغيان،
وفي المقابل يدعوهم الى احترام الرأي
الآخر ومقارعته بالحوار والحجة، إن
الاسلام دين واقعي يعطي لكل ظرف ما
يناسبه من البدائل، وخاصة في حالات
التعامل مع غير المسلمين. إن تراث
الفقه الاسلامي المتوفر بين أيدينا
فيه كثير من التوسع في كيفية تطبيق
أحكام الاسلام على المسلمين في دولة
مسلمة، غير أننا نحتاج اليوم الى توسع
في الفهم الفقهي لسلوك المسلم في بلد
لا يحكم فيه بالاسلام أوفي دول يشكل
المسلمون فيه أقلية
وقد وضع الاسلام قواعد لنظام
المواطنة عندما هاجر الرسول صلى الله
عليه وسلم للمدينة المنورة وتعامل
فيها مع المجموعات الأخرى غير المسلمة
كاليهود، ومن هذه القواعد التي فيها
ترتيبات مشتركة بين كل المواطنين
مسلمين وغير مسلمين نظام التعويضات
الجنائية (الديات)، ونظام الدفاع عن
المدينة. وما
أحوجنا اليوم لأحياء هذا الفقه
والاستفادة منه وسيعيننا في هذا
الاتجاه انتشار وسائل الاتصال في
العصر الحديث الذي هو فتح من الفتوح ما
أوجفنا عليه من خيل ولا ركاب، إن الناس
يحتاجون الى أفكار وأخلاق وعلوم تنظم
لهم حياتهم ومصادر هذه هي الدين عند
المتدينين أو العقل عند العلمانيين،
غير أن الأديان جميعها ما عدى الاسلام
لم تقدم للناس منهج حياة شامل كامل
متوازن يصلح لكل زمان ومكان، لذا لجأ
الغربيون الى العقل بعد أن طلقوا دينهم
ثلاثا، وفي كل مرة تتألق فيه عقولهم
يقعون على بعض الحقائق والصيغ التي جاء
بها الاسلام منذ ألف وأربعمائة سنة ،
وفي كل مرة تكبوا فيها عقولهم يسنون
قوانين تخالف الاسلام والفطرة فيكون
ذلك عليهم مقتا وساء سبيلا.
غير أنّ لنا أن نتسائل لماذا لم
تقدهم عقولهم القوية إلى كل ما في
الاسلام من أحكام وقوانين؟ لقد شاء
الله عز وجل أن يجعل للعقل الانساني
حدودا لا يستطيع تجاوزها إلا بهداية
وإرشاد من الله عز وجل، ومن أعظم
المساجلات والمحاكمات العقلية في
التاريخ ما أخبرنا به القرآن الكريم عن
أبي الانبياء إبراهيم عليه السلام
عندما نظر في السماء باحثا عن ربه
العظيم مستعينا بعقله وفطرته إلى أن
أدرك أن عقله لن يستطيع معرفة الحقيقة
الناصعة دون هداية من الله عز وجل فقال
بعد أن قلب نظره في النجوم (فَلَمَّا
رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ
هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ
لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي
لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ
الضَّالِّينَ) الأنعام
77
إن
الغرب يحتاج اليوم الى الاسلام كي
تكتمل حضارته وخلافته لله عز وجل في
الارض، ويقف أمام ذلك عائقان أولهما
تقصيرنا في البلاغ المبين، وثانيهما
سلوكنا المتخلف البعيد عن الاسلام
الذي لا يجعلنا في موضع القدوة الحسنة
لغيرنا، غير أن المهمة التي أمامنا
ليست مستعصية على الحل وليست بعيدة
المنال، إنها أسهل من مهمة العرب الذين
دقوا أبواب مملكتي فارس والروم في أقل
من ثلاثين عاما منذ بدأت رسالة الاسلام.
إن
من بين كل ستة أشخاص في العالم شخص
مسلم، إن مقابل كل يهودي في العالم
هناك مائة مسلم، حتى في أمريكا التي
قال عنها المخرج السينمائي مصطفى
العقاد أنها شركة مساهمة اشترى اليهود
معظم أسهمها، حتى في أمريكا هذه فإن
مقابل كل يهودي فيها يوجد مسلم، ولكننا
للأسف غثاء كغثاء السيل.
ورغم
كل هذا فالمستقبل المشرق بدأت أنواره
تلوح في الافق، وكما قال الدكتور طارق
سويدان فلن يمر ثلاثون عاما من الآن
على الأكثر إلا والاسلام زهرة فواحة
يملأ أريجها كل مكان ويقطف ثمارها كل
بنان.
ما
هي كلمة السر في هذه الجولة الاخيرة
للصراع بين الحق والباطل، إنها(واعتصموا)
تلك الكلمة المباركة التي أوصانا بها
الله عز وجل حين قال: (وَاعْتَصِمُواْ
بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ
تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ
اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ
أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ
قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم
بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا..) آل عمران 103
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|