فك
المربوط
مصباح
الغفري
ليس صحيحاً أن الإنسان حيوان ناطق
، قد ينطبق
ذلك على الإنسان الذي لم يكرمه الله
فيخلقه عربياً ، الإنسان وخصوصاً
الإنسان العربي هو " حيوان مربوط "
ولذلك ازدهرت في السنوات الأخيرة
مكاتب وعيادات الطب الروحاني المتخصصة
في فك المربوط وجلب الغائب .
يولد العربي مربوطاً بحبل السرة
إلى رحم أمه , وفي المدرسة تربط رجلاه
في الفلقة , وما أن يكبر ويطر شاربه حتى
يربط بعقد الزواج , ثم يرتبط بعقد عمل ,
ناهيك عن ارتباطه بالقضية وبالمنجزات
التاريخية وبأجهزة الأمن , الإنسان
العربي يحب الربط بين ما تقوله
القيادات التاريخية وحزب القائد
والظروف التي تمر بها الأمة , وهو مرتبط
بمواعيد الاستفتاءات الشعبية ،
ومواعيد الغرام ومواعيد النضال لتحرير
فلسطين ومواعيد العودة إلى اللواء
السليب وإلى الأندلس وإلى الصحراء
الغربية .
كلكم مربوط وكلكم مسؤول عن روابطه
وارتباطاته , ولذلك رأيت أنا العبد
الفقير إليه تعالى ، أن أعمل في مهنة
القرن الحادي والعشرين : مهنة فك
المربوط , فتحت مكتباً لفك الارتباط
عند الكيلو متر 101 قرب حبال الخيمة التي
نصبها الرئيس المؤمن محمد أنور
السادات بعد حرب التحريك الشهيرة ,
تزودت بالبخور الجاوي واللبان ومخ
الضبع وجميع الوسائل العلمية لفك
الارتباط وفك المربوطين , كان الشاعر
الفلسطيني معين بسيسو أول زبائني , جاء
يحمل قصيدة عنوانها :
"محاولة لفك الارتباط بين
الفاعل والمفعول به في اللغة العربية"
لاحظت أنه يترنح من السكر وهو
ينشد :
ماذا يفصل بين الفاعل
والمفعول به في اللغة العربية ؟
فاصلة أم نقطة أم قوات دولية ؟
ماذا يفصل بين الجندي العربي
والجندي الاسرائيلي الآن , فاصلة أم
نقطة أم قوات دولية ؟
كم أكره أول من علمني الدرس
الأول في التاريخ .
كردياً كان صلاح الدين ,
وانتصر فأصبح عربياً …
ماذا لوهزم صلاح الدين ؟
أصبح جاسوساً كردياً !
رجوت شاعر غزة هاشم الكبير ، أن
يسكت لئلا يقطع رزقي , قلت له مهمتنا
هنا هي فك الارتباط بين الفاعل
والمفعول به ، وبين الفاعل والمفعول
فيه وبين الفاعل وجميع المفعول بهم
بشكل مطلق ، فإذا جئت أنت لتحرضنا على
عدم فك الارتباط وإبقاء المربوطين على
ارتباطاتهم ، فمن أين نأتي بالمال
لشراء الدش والفيديو والاشتراك في
القنوات الفضائية ؟
صاح بي معين بسيسو مقلداً لهجة علي
بن محمد قائد ثورة الزنج :
يا أهل البصرة , كل يتحسس رأسه
!
قلت لصديقي الشاعر :
ـ على رسلك يا أخا العرب , أما
أنا فإنني بلغت من الكبر عتيا , هل تذكر
صاحبك الدكتور صاحب أكبر شاربين في
الشرق الأوسط ؟ جاءني ذات يوم يطلب مني
كتابة مقال لينشره باسمه في إحدى الصحف
, الأتعاب كانت بضعة كؤوس من البيرة ,
بدأت أحتسي البيرة على مهل وأنا أكتب
الفكرة التي يريد التعبير عنها , كان
ينظر إلي بطرف عينيه وأنا أكتب , وفجأة
صرخ بي:
ـ
ماهذا يا أبا يسار ؟ إنك تكتب عن
الديموقراطية والحريات , وتريد أن تخرب
بيتي ! لو كان هناك أنظمة ديموقراطية
لما استطعت أن أدفع عنك ثمن ما تحتسيه
من بيرة الآن , نحن حريصون على بقاء
جميع الأنظمة الديكتاتورية والتنظير
لحكمتها وما تتمتع به من ضبط نفس ومن
رؤية للمستجدات , هذه الأنظمة هي التي
تدفع لي لكي أدفع عنك ثمن المشروب !
فهمت وقمت بحذف كل الفقرات
المتعلقة بالديموقراطية . وأنت تأتيني
اليوم بقصائد ضد فك الارتباط , فمن أين
أدفع عنك ثمن الويسكي إذن ؟
غادرني شاعر فلسطين وهو يؤكد أنني
متخاذل , لكنني لم أيأس , جاءني رئيس
تحرير مجلة تصدر بالألوان وتعدد
دائماً فضائل النفط وأهله وقبائله
وعشائره , قال أنه ليس بحاجة إلى خدماتي
لأنه فك ارتباطه بقضايا الحرية
والديموقراطية قبل أن يرتد إليه طرفه ،
وأنه عندما يدور مئة وثمانين درجة
لايشعر بالدوخة إطلاقاً ، بل إنه يشعر
بالحبور .
رأيت أن الزبون الوحيد لمكتبي
المتواضع المتخصص بفك المربوط هو أنا
لاغير ! كيف السبيل إلى فك الارتباط
بيني وبين وزارات الإعلام وأصحاب
الجرانيل والمواقع الإلكترونية ؟
أفتوني وأجركم على الخالق الذي يرزق من
يشاء بغير حساب ويرزقنا بحساب شديد
جداً .
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|