صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الثلاثاء 17 - 06 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |   ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع | كــتب | مجموعة الحوار | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

عنصرية "فكر وفنّ"

صبحي حديدي

"فكر وفن"ّ مجلة ثقافية نصف سنوية، تصدر عن معهد غوته إنترناتسيونيس الألماني منذ العام 1963، بتمويل حكومي كما ينبغي أن نتذكّر. والمطبوعة تعلن أنها تهدف إلى "تعميق الحوار الثقافي بين أوروبا والعالم العربي وتشجيعه". وتحرير المجلة اعتمد، إجمالاً، على توازن دقيق بين إشباع الرغبة الاستشراقية الغربية من جهة، وإشباع الحاجة الشرقية (العربية والإسلامية) إلى اعتراف الآخر من جهة ثانية.

ليست هذه هي الحال، البتة، في العدد الأخير من "فكر وفن"، الذي يحمل الرقم 77 والمخصص للفكر البشري الذي تناول الحرب، حيث يتعرّض العرب والثقافة الإسلامية لإهانات مباشرة مدهشة حقاً، وتنطوي على مقدار من التحقير الثقافي لا يمكن تصريفه في باب سوء التقدير أو الخطأ غير المقصود، ولا يمكن استطراداً إلا أن يصدر عن نيّة استشراقية معادية، بل كارهة أيضاً.

أولى المفاجآت تطالعنا علي الصفحة 37، في هيئة صورة فوتوغرافية لتمثال الحرّية الأمريكي الشهير وقد تقنّع تماماً بالبرقع الأفغاني، في حين أنّ عبارة "بسم الله الرحمن الرحيم" هي التي تظهر على اللوح الذي تحمله سيّدة الحرية في يدها اليسرى! اسم هذا العمل هو "الحرية الجديدة، 2006"، وأصحابه يقولون إنهم ليسوا ضدّ الإسلام (!)، ولكن ما الذي يريدون قوله بالضبط: هل سينتصر البرقع الأفغاني والبسملة على أمريكا في العام 2006؟ أم أنّ الحرّية ذاتها، كمفهوم إنساني، هي التي سيهزمها البرقع والبسملة في العام 2006؟

المفاجأة الثانية هي أنّ تحرير "فكر وفنّ" يختار ترجمة فصل من رواية الكاتبة الإسرائيلية العراقية الأصل منى يحيي "حين استولت الخنافس الرمادية على بغداد" على سبيل تسليط الأضواء على الأدب العراقي الحديث، في مناسبة الحرب! ألم يجد التحرير أيّ نصّ أدبي عراقي آخر، لآلاف أدباء الداخل وآلاف أدباء المنافي، سوى نصّ منى يحيي؟ هل نسي التحرير أنها ليست "كاتبة عراقية يهودية الأصل" فقط، كما يقول التحرير، بل هي روائية إسرائيلية الجنسية، درست في إسرائيل وخدمت في مؤسسة عسكرية إسرائيلية؟ ولماذا خجل المترجم من ترجمة اسم الرواية إلى العربية، واكتفي بتدوين الاسم الإنكليزي في ختام المادة؟ هل خشي أن يقارن الناس بين خنافس العراق في الستينيات (سيارات رجال الأمن)، والخنافس الراهنة (دبابات قوّات الاحتلال الأمريكية)؟

المفاجأة الثالثة، الأخطر والأكثر بذاءة في الواقع، هي مادة لكاتب إيراني اسمه "سعيد"، وعنوانها "منمنمات قاهرية: يوميات كاتب إيراني في مصر". وهذا النصّ السطحي، الركيك، الخبيث عن سابق قصد، الخالي من أيّة قيمة أدبية أو فكرية، يكشف عن مقدار هائل من الكره للمصريين وللمسلمين، الأمر الذي يحمّل تحرير "فكر وفن"ّ مسؤولية قانونية مباشرة جراء السماح بنشر نصّ ذي روح عنصرية فاضحة في مجلة تزعم تشجيع الحوار بين الثقافات.

يصل سعيد هذا إلى القاهرة يوم 11 أيار (مايو) 2002 بدعوة من معهد غوته، ويبدأ بممارسة الإشمئزاز من المصريين وهو في المطار: "خلف الحاجز يجلس جندي. ترقد طاقيته بجانب بندقيته الآلية على المائدة. لقد خلع حذاءه. يقرأ القرآن ويتمايل بجذعه رائحاً غادياً مثل يهودي متدين. هل يحمي هذا الورع دولته بالبندقية الآلية أم بالقرآن". في اليوم التالي لوصوله يذهب إلى المعهد الألماني، ويكتب: "أمام المعهد يقف عسكري ويحرس الثقافة الألمانية ببندقيته الآلية. أمام كلّ مؤسسة وكلّ بنك يقف عساكر يشبهون في سوء تغذيتهم وأعينهم الوجلة قطط القاهرة".

ورغم أنّ المصريين كانوا معه في منتهى اللطف والدماثة، من جمال الغيطاني ومحمود الورداني إلى غادة الشربيني والعسكري المصري الذي ساعده على الوقوف حين وقع أرضاً وعرض عليه كوباً من الشاي، فإنّ هذا الطبل المتعجرف لا يكفّ عن إطلاق الشتائم: "سائق سيارة الأجرة يريد مقارنة شارون بأدولف هتلر. كيف أستطيع أن أوضح له في ستّ دقائق حجم هذه المأساة وخطأ تصوّره"، يقول متأففاً من سوء تنظيم السير في المدينة. وحين يعود إلى الفندق، يكتب: "يصلّي موظف الأمن في الشارع أمام الفندق. لقد وضع تلفونه المحمول على الأرض. هل يصلّي لهذا المخلوق البلاستيكي؟ المصريون يصلّون في كلّ مكان، في الشارع، في المطار... من الواضح أن ربّهم ليس له بيت"!

هذا غيض من فيض سعيد الإيراني، وينبغي قراءة المادة كاملة للوقوف على البذاءات كاملة.

والمرء يسأل شتيفان فايدنر، رئيس تحرير فكر وفنّ الذي يزعم حبّ الأدب العربي، أيّ فكر وأيّ فنّ في أن تقارن بين البندقية الآلية والقرآن؟ أو أن تقول إنّ المصري يصلّي لإله بلاستيكي؟ أو أنّ ربّ المصريين ليس له بيت؟ أهكذا يتمّ تشجيع الحوار بين الثقافات؟ وبمعني المسؤولية القانونية في نظام ديمقراطي مثل ألمانيا، أليس من حقّ المنظمات المعنية بشؤون الجاليات العربية والمسلمة والمهاجرين عموماً، أن تقتاد سعيد الإيراني ورئيس تحرير "فكر وفنّ" ومعهد غوته، بالتكافل والتضامن، إلى القضاء بتهمة إثارة الفتنة الدينية والتحريض العنصري؟

"القدس العربي"  16/6/3002السابق

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  الموقف  
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  تراث  
  بيانات وتصريحات  
  بريد القراء  
  قراءات  
  شآميات  
 

 

  اتصل بنا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد ـالموقع | كــتب | مجموعة الحوار | ابحث في الموقع |ـ

| ـالموقف |  برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  | تراث  | بيانات وتصريحات |  بريد القراء |  قراءات  | شآميات  |  ـ