مشاركات
هل
حان وقت انسحاب الحزب
الإسلامي
العراقي من مجلس الحكم؟
زاهر
بيراوي*
لا
يمكن فهم قرار الإدارة الأمريكية
الخاص بعزمها على إنهاء احتلال العراق
بحلول 30 يونيو القادم بمنأى عن
التطورات التي شهدتها الساحة العراقية
بشكل خاص والساحة الفلسطينية والدولية
بشكل عام، وتأثير ذلك على الرأي العام
الأمريكي الذي يشهد تململا جراء
الأوضاع المعيشية المتردية واستفحال
الأزمة التي يواجهها الاقتصاد
الأمريكي. فالتراجع في شعبية الرئيس
بوش ونجاح منافسيه وخصومه في الحزب
الديمقراطي في إحراجه مستفيدين من
الإخفاقات التي منيت بها حكومته على
الصعيدين والداخلي والخارجي جعل من
مطلب تغيير السياسة الجمهورية تجاه
العراق أمراً بالغ الحيوية بالنسبة
لمستقبل بوش السياسي كرئيس للولايات
المتحدة لفترة أخرى، ولهذا تحولت
واشنطن عن مخططها السابق الخاص
بالعراق إلى خيار يرمي إلى معالجة أساس
الداء وتجاوز محور التحدي، بطريقة
براغماتية، وأعني به معالجة تحدي
الموت المستمر للجنود الأمريكان
والعجز عن السيطرة على الأوضاع
الأمنية والفشل في تنفيذ أي من الوعود
البراقة المتعلقة بعراق زاهر ومستقر
ومتطور يكون أنموذج لكل الدول
النامية، ولذا لجأت واشنطن إلى خيار
نقل السلطة مكرهة.
غير
أن هذا التحول لا يعني بحال اعتراف
البيت الأبيض بعجزه التام وعودته إلى
أوضاع ما قبل سقوط بغداد أو أحداث
الحادي عشر من سبتمبر، ولا يعني هذا
التراجع عن مخطط صقور الإدارة الحالية
في العراق ومخطط الهيمنة على
المنطقة وإخضاع إرادتها السياسية
والسيطرة على مواردها الاقتصادية
واختراق بنيتها الثقافية، بل هو من
قبيل التحول إلى تكتيك آخر يضمن تحقيق
الأهداف المرسومة بتكلفة أقل من الدم
والمال الأمريكي.
ولهذا
فإن التخطيط الأمريكي يتجه إلى نقل
السلطة للعراقيين بشكل صوري ظاهره حكم
العراق من قبل عراقيين وخروج القوات
المحتلة، وباطنه احتلال مقنع تتحكم
فيه واشنطن في القرار العراقي من خلال
دمى تقوم بدور المفوض السامي، وتكون
مؤهلة لتوقيع اتفاقيات بينها وبين
الإدارة الأمريكية تبقى بناء عليها
القوات الأمريكية في قواعد عسكرية
هدفها المعلن حماية العراق وضمان
أمنه، وباطنها تكريس الوجود الأمريكي
للهيمنة على المنطقة وفق ما تقرر في
خطط البنتاجون ومجلس الأمن القومي.
فالاتفاق، الذي وقع بتاريخ 15/11/2003، ينص
على حل السلطة المؤقتة للاحتلال ومجلس
الحكم الانتقالي لدى قيام إدارة
عراقية جديدة. كما ينص أيضا على قيام
الاحتلال ومجلس الحكم بالتوقيع قبل
أواخر مارس 2004 على "اتفاقات أمنية من
أجل تحديد وضعية قوات الاحتلال في
العراق، أما القوات الأجنبية فإنها
ستتواجد، اعتبارا من الأول من يوليو 2004
بناء على دعوة من العراقيين، ليترك
الاتفاق لها حرية تصرف واسعة من أجل
ضمان الأمن للشعب العراقي!!".
هذا
الاتفاق سيدفع بالحالة العراقية إلى
مرحلة جديدة من مراحل الصراع سيأخذ
بعدا داخليا بصورة أكبر، بمعنى صراع
بين القوى والتيارات السياسية
والدينية التي تشكل النسيج السياسي
للعراق، باعتبار أن أطرافاً من هذه
القوى ربما ستنخرط في الوضع الجديد وفق
ما رسمه صانع القرار الأمريكي، بينما
ستقف قوى أخرى على النقيض من ذلك رافضة
هذا الوضع باعتباره احتلالا مقنعا
ترتهن بموجبه الإرادة السياسية
والقرار الاقتصادي للمحتل عبر "ممثليه
العراقيين" وتجعل من العراق رأس
حربة في المشروع الأمريكي الصهيوني
للسيطرة على كامل المنطقة.
والفارق
المهم بين مجلس الحكم الانتقالي وبين
شكل الحكم ما بعد الثلاثين من يونيو
القادم هو اعتماد تركيبة المجلس على
ألوان الطيف السياسي على الساحة
العراقية بغض النظر عن موقفها
التاريخي من الأمريكان ورؤيتها للوجود
الأمريكي، إذ لم يكن يعني ذلك الشيء
الكثير للإدارة الأمريكية وهي تمسك
بزمام الأمور بصورة مباشرة باعتبار أن
هناك إدارة أمريكية مدنية حاكمة،
إليها يرجع الأمر في العراق ولها مطلق
الصلاحية في الاستدراك أو الفيتو على
المجلس المعين صراحة من قبلها. أما وضع
ما بعد الثلاثين من يونيو فيراد له أن
يكون وضعا محكوما أمريكيا من خلف
الكواليس ويقوم بتنفيذ المطالب
الأمريكية على مسرح الأحداث عناصر
عراقية. ولهذا فإن العلاقة مع
الأمريكان ستكون مختلفة تماما فيما
بعد موعد نقل السلطة المقرر عنها أيام
مجلس الحكم الانتقالي، إذ لن تقبل
الإدارة الأمريكية إلا من يرضى بلعب
دور المفوض السامي والأداة المباشرة
التي تخدم أول ما تخدم المصالح
الأمريكية والتي ليست، كما سبق ذكره،
مجرد مصالح آنية تتمحور حول امتيازات
عقود النفط أول تفضيلات في منح عقود
الأعمار، بل تتجاوز ذلك كما هو معلوم
إلى القبول بأن يكون المرشحون طوع
المشروع الأمريكي لتنفيذ مخطط الهيمنة
بكل أبعادها.
لهذا
فإن مجلس الحكم يواجه تحديا كبيرا
متمثلا في التورط في المشاركة في إقرار
إجراءات نقل السلطة المزعومة والتصديق
على ما ترسمه الإدارة الأمريكية من
صيغة جديدة لاحتلال مقنع لا مكان فيه
لغير المتواطئين مع مخططات الهيمنة
الأمريكية الصهيونية.
الحزب
الإسلامي والموقف من قرار نقل السلطة
لا
شك أن قرار الحزب للمشاركة في مجلس
الحكم جاء بناء على التقدير برجحان
مصالح المشاركة على مفاسد المقاطعة
وفق معايير وضوابط المصلحة الشرعية،
وأن قرار المشاركة يدخل ضمن الاجتهاد
المدفوع بنوايا خيرة تسعى لتحصيل
النفع للعراق وشعبه، غير أن هناك
الكثير من المؤشرات بل والدلائل التي
تؤكد عدم صوابية اجتهاد الحزب والتي
يؤكدها الفشل في تسويق المجلس كممثل
للشعب العراقي وتطلعاته، وإخفاقه في
أن يكون جهازا يمثل الإرادة الحرة
بعيدا عن هيمنة المحتل، فضلا عن إخفاقه
في أن يوقف حالة التدهور المريع
للاستقرار والأمن وأحوال المعيشة
لكافة العراقيين، ولم يكن من المؤمّل
أن يفلح المجلس في تصحيح الأوضاع
وقد كان الهدف من تشكيله هو محاولة
الالتفاف على المقاومة التي أرقت قوات
الاحتلال وساهمت بشكل كبير في تغيير
المشهد السياسي ، بينما كانت القوى
السياسية تميل إلى المراهنة على
التقارب مع الأمريكان لأجل تحقيق
أهدافها السياسية بما فيها الحزب
الإسلامي العراقي، وبناء على ذلك فإن
المجلس لم يلق ترحيب المجتمع العراقي،
بل إن التأييد الشعبي له قد تراجع بشكل
ملحوظ وتحول النظر إليه من قبل قطاعات
كبيرة من المجتمع العراقي على أنه أداة
تعمية للانتهاكات والاعتداءات
الأمريكية المتزايدة على العراقيين.
هذا علاوة على الانعكاسات السلبية
للضغط الأمريكي على أعضاء المجلس
لاتخاذ مواقف صارمة تجاه المقاومة
تتعدى الإدانة في الخطاب إلى التحريض
لأجل القضاء عليها مما يعطي الفرصة
للتشكيك في نوايا القوى الوطنية التي
ارتأت المشاركة ومنها الحزب، والمراقب
للساحة السياسية العراقية يلحظ بجلاء
تنامي حجم التيار المعارض لمجلس الحكم
وانحسار شعبية تلك القوى التي تراهن
على المحتل.
إذا
من المؤكد أن تضع أوضاع ما بعد إتمام
إجراءات نقل السلطة المزيفة القوى
الوطنية والإسلامية وفي مقدمتها الحزب
الإسلامي العراقي أمام اختبار حقيقي،
فإما أن يستمر الحزب في تحديد خياره
السياسي وفق نظرية مسايرة المتغلب
واستصحاب حالة التوازن الراهنة التي
يحققها وجود الأمريكان إلى أن يخرج
العراق من حالة الفوضى وينتقل إلى
مرحلة أقرب إلى الاستقرار والتعافي
سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا،
الأمر الذي استدعى عدم استعداء
الأمريكان بل والرضا بمماراتهم
ومداراتهم للمحافظة على المكاسب
السياسية التي تحققت للحزب خلال
الفترة الماضية، أو أن يقــدر الحزب
عواقب الدخول في المعادلة الجديدة
التي سيتحول فيها المنخرطون إلى وكلاء
بشكل سافر للأمريكان والصهاينة، ويؤثر
الانحياز إلى صف المعارضة الوطنية
المخلصة التي ستتمكن من سحب البساط من
تحت المتظاهرين بالحرص على القيم
والمبادئ بينما يعملون لأجل المصالح
المادية أو الحزبية أو الطائفية
الضيقة، فمرحلة ما بعد نقل السلطة حسب
المخطط الأمريكي تتطلب من القوى
المشاركة الإقرار بشرعية بقاء
الاحتلال المقنـع من خلال قواعده
العسكرية التي لن تهدد فقط أمن العراق
ومستقبله بل أمن ومستقبل الدول
العربية والإسلامية المجاورة.
من
الواضح أن قيادة الحزب الإسلامي
العراقي التي استطاعت أن تفرض موقفها
من مجلس الحكم على التيار العريض
للحركة الإسلامية وتضمن عدم التشويش
المباشر والقوي على أدائها، سواء كان
ذلك بإقناع أجنحة الحركة وامتدادها
العالمي بصحة قرارها وتكتيكها، أو
باستغلال حالة التردد وعدم الوضوح في
موقف الأطراف المعارضة سواء الداخلية
منها أو الخارجية، أو حتى بإهمال تلك
الأصوات، هذه القيادة تدرك بلا شك أنها
ستكون أقـل قـدرة على التعامل مع
استحقاقات المرحلة الجديدة بنفس
المنهج ما لــم تقم بتغيير سياستها
المبنية حتى الآن على التعامل مع
الاحتلال وإفرازاته وعلى تفهم مصالح
الاحتلال ومراعاتها، وتدرك كذلك ضرورة
الانتقال إلى سياسة أقرب إلى قناعاتها
ومبادئها الأصيلة وتضع المصالح
العراقية والسيادة الوطنية في مقدمة
الأولويات، فالمرحلة القادمة من
الخطورة بمكان بحيث لا يقبل فيها من
الحزب أو غيره من القوى الشريفة تكرار
القول، تحت أي مبرر ولو كان الخوف من
تشيع العراق، بأن مصالح العراق
الوطنية يمكن تحقيقها عبر تفهم مصالح
الاحتلال... لأن ذلك يعنـي باختصار
تهـويد العـراق.
---------------------------
*
كاتب فلسطيني، ومدير مركز المنظور
السياسي للدراسات والاستشارات-بريطانيا.
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|