صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الثلاثاء 11 - 11 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

مشاركات

وصل إلى برق الشرق :

إشكالية الأنظمة الحاكمة.. الحركات الإسلامية.. وتخاذل الشعوب

بقلم : سالم أيوب*

عندما نظر القائد صلاح الدين الأيوبي حال الأمة في حينه، رأى أن الإسلام والمسلمين كلٌ يرثي حاله المتردي والمتضعضع إلى ولاة الأمر. ولكن هذا القائد العظيم لم يكن فاقداً للبصيرة بل على عكس ما كان يتوقعه الكثيرون، فقد أثبت أن الدين لا ينطفئ نوره ما حيا. وأرجع العلة إلى أصل المشكلة، وهي الشعب بكافة شرائحه الدينية والعرقية. فعندما استهل صلاح الدين تصديه للهجمة الصليبية، وضع استراتيجية ذات منظور متطور وتمحورت حول الدفاع عن الدولة، حتى وإن كان الغزو الصليبي يجتزأ منها مدناً ومحتلاً لها. فلم يرفع هذا القائد راية أن الدين الإسلامي في خطر كي يوحد شعوب الأمة، بل نادى بأن الدولة "الوطن" في خطر ثم تلا ذلك الدفاع عن المقدسات سواء كانت إسلامية أو مسيحية وحتى يهودية. فتصدى للهجمة الصليبية كي ينأى بالأمة ويلات الاحتلال والاستعمار.

لم أورد هذه الحقيقة التحليلية جزافا، وإن كانت مختصرة، بل هي ذات مقصد عسى أن يدركه كلاً من الأنظمة الحاكمة والحركات الإسلامية. فالوطن ليس هوية دينية واحدة كي تسخرها هذه الحركات لصالحها في سبيل الوصول إلى سدة الحكم. وبنفس الوقت الوطن ليس إقطاعية لأحد كي تأخذه الأنظمة الحاكمة إرثاً لها ولسلفها. إن الوطن هو شعب عاش ولا يزال يعيش على أرضه، يصنع تاريخ هذه الأرض وتمارس عليه ديانات وعادات وتقاليد تحكي قصة هذا الشعب على أرضه.

عفوا أيها الحكام، وأنتم أيضا أيتها الحركات الإسلامية، نقطة نظام لا بد منها في خضم صراع البقاء. إن الشعوب لا بد أن تسألكم هذا، خاصة أنها هي من تداس ومن يتأوه من ذل فقدان الكرامة، تلك التي لم يذق طعمها منذ أمد بعيد. عفوا أيتها الكرامة، أما زلت متلونة باللون الأحمر خجلا أم ماذا؟ أم هي نتيجة الحنق والغل من فورة الدم التي تبقى حبيسة، ولا تجد مخرجا؟ من المسؤول عن ذلك؟ هل هم الحكام الذين أرضعوا شعوبهم حليب الذل والمهانة!؟ أم هي الحركات الإسلامية المتطرفة التي تقرن الكرامة بالجهاد لسفك الدماء من دون تحقيق أي هدف استراتيجي ينأى بالشعوب من هول ما هو آتٍ!؟

هذه تساؤلات كان لا بد من طرحها خلال فسحة نقطة النظام التي تطلبها الشعوب، فلا عجب إذا قلنا أن فقدان الثقة بولاة الأمر (الحكام)، دفع الكثير من الشعوب إلى نهج التطرف من خلال نافذة الحركات الإسلامية المتطرفة. مع أنه هناك سؤال ذو هالة كبيرة من الشك عندما تجاهلت هذه الحركات الدعوة للجهاد ورفع لوائه في زمن النكبة 48 أو النكسة 67 أو خلال مسيرة الصراع الإسرائيلي-العربي بمجمله!؟ فيجيب متأسلم بأن ثقتهم في الأنظمة والجيوش العربية كانت كبيرة كي تتصدى للهجمة الصهيونية على المنطقة، ولكنهم للأسف خذلوا! رباه هل هذا خذلان أم تخاذل من طرف هذه الحركات؟ وعلى الجانب الآخر من سفح الجبل تصيح "نعامة".. إنهم "طغاة"، فقد أرعبونا بديكتاتوريتهم (الحكام)!! بالله عليكم أيطيب لنا الخروج من حكم ديكتاتوري إلى جهاد متأرهب لا يمتلك بوصلة النجاة إلى مرسى دولة الديمقراطية!؟

وفريق آخر يسمى "المعارضة"، وهم بالمجمل من المعارضة الليبرالية وهي مكونة من الأقليات الدينية والعرقية، تعزف سيمفونية الهيام المتطفل. فتتلاطم بها ويلات التشرد والذل إلى أن تجمعها الأطراف المستنفعة، فتعمل على أدلجة مفاهيمها لتقترب من مفهوم "العمالة" والعمل ضد مصلحة الوطن، وللأسف من دون أن تعي هذه المعارضة ذلك، فتعمل على جذب وتجنيد ما تمكن من أبناء جلدتها في الداخل (الوطن). كل هذا كي يتم تمهيد الأرضية لاحتمال غزو واحتلال جديد باسم تخليص هذه الشعوب من أنظمتها الديكتاتورية، وإرساء الديمقراطية. هذه الديمقراطية التي كما نراها ليست إلا استعمار لدولٍ بعينها في سبيل فرض تغييرات فكرية، تبدأ بضرب العقيدة الإيمانية مهما كانت أصولها الدينية.

إن الشعوب العربية منهزمة، ولكن إنهزامها لم يكن نتيجة فساد الأنظمة الحاكمة التي هي بأغلبها ديكتاتورية الطبائع. والحقيقة تتجلى في أن كل من يريد التبرأ من الواجبات التي فرضت على الشعوب والتي يتحقق من خلالها تكوين مسارات ديموقراطية في مجتمعاتها، فالهروب من هذه المسؤولية فلا أسهل من إلقاء نتيجة التقاعس والفشل على ظهر الأنظمة الحاكمة!! في حين أن كلمة "التخاذل" تقرن باستمرار إلى الكثرة (الشعب). لقد تآمرت الشعوب العربية على أنفسها فانزلقت إلى دوامة استمراء التخاذل واستمزجت علف الذل والمهانة. فالأنظمة الحاكمة مهما اختلفت ايديولوجيتها، تضع نصب أعينها هدف لا تحيد عنه وهو الاستمرار في السلطة وممارسة حكم الشعب الذي لا يتعدى في مفهوم أي حاكم عن أنهم رعية من الرعاع موجودين لخدمته. هذه حقيقة علينا أن نقبل بها ولكن هذا لا ينفي عن كاهلنا واقع أننا نتحمل مسؤولية الوضع المتردي الذي وصلت إليه هذه الشعوب، والسلطة الديكتاتورية ليست مفهوم مستهجن أو مستغرب لأنها حال أي نظام مهما حاول مداراتها. إن من يتحمل المسؤولية هم الشعوب، ولست هنا بصدد الدعوة إلى التصادم العنفي مع الحكام. ولكن يبقى هناك سؤال كبير يراد له إجابة مقنعة وهو لماذا لم تتمكن الشعوب العربية من التأثير على الأنظمة الحاكمة وبشكل سلمي كي يرتقي الحكام وإداراتهم التنفيذية في تعاملاتهم إلى درجة الدولة الديموقراطية؟ خاصة وأن الحكام ليس باستطاعتهم أن يعيثوا فسادا أو أن ينهجوا الإدارة الديكتاتورية من دون تشجيع أو معاونة فئات كثيرة من الشعب.

إنه من المعيب أن يكون أصحاب الحقوق خطاؤون بحق أنفسهم ولهذا يجب عليهم العمل على تهذيب الفكر السياسي لما فيه مصلحة الوطن والمواطنة. إن المواطنة الحقة تفرض واجبات يجب تحقيقها في إطار سلمي من خلال إيجاد نقطة تلاقي مع الأنظمة الحاكمة، لا سيما أنه لا يمكن التخلص من الحكام بسهولة بعد كل هذه العقود من الحكم وبنفس الوقت الأنظمة الحاكمة لن تستطيع أن تتخلص من القاعدة العريضة من الشعوب. ولكن بكل تأكيد يستطيع الاحتلال والاستعمار التخلص من الاثنين معا، فدعونا نبدأ من جديد.

*كاتب ومحلل سياسي

السابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
  اتصل بنا  
   
   

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ