مشاركات
وصل
إلى برق الشرق :
هل
يصلح العطار ما أفسد الدهر
؟؟؟
أحمد
المعيدي*
منذ
أن بدأ العهد
الجديد في سورية ،كثيراً ما سمعنا عن
موجةٍ من التطوير والتحديث والشفافية
ومحاربة الفساد
والإصلاح الاقتصادي والإداري... الخ ما
هناك من شعارات،أ ما الإصلاح السياسي فالحديث
فيه من المحرّمات ،وقيل أن خطاب القسم
للسيد رئيس الجمهورية، سيكون برنامج
عمل وستعمل جميع مفاصل الحكومة
على تجسيده واقعاً عمليا ًملموساً ،
وقد صدر عدد من
المراسيم والقوانين والتعليمات ،إلا
أنها لم تعكس شيئاً على أرض الواقع حيث
وضعت في
أدراج المكاتب برسم الأمانة ،فالإصلاح
والتغيير، لا يمكن أن يكون من خلال
استصدار عدد من
المراسيم والقوانين، إذا لم تكن هناك
آليات عمل وتنفيذ لها ، وقبل هذا وذاك
يجب البدء بإصلاح الذات البشرية
للمجتمع السوري ،وهي أن يزال الرعب
والخوف من نفوس البشر الذي عشش فيها
طيلة ثلاثة أو أربعة عقود مضت
. وبالعودة إلى مشاريع الإصلاح
المطروحة ،كان من جملتها سيادة
القانون وإصلاح القضاء ،وقبل أن نبدأ
بالتعليق على الوضع القضائي في
سورية سأذكر بعض المواد الدستورية
المتعلقة بهذا
الموضوع :
المادة
(25) من الدستور تقول :
1ــالحرية حق مقدس وتكفل الدولة
للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ
على كرامتهم وأمنهم.
2ــ سيادة القانون مبدأ
أساسي في المجتمع والدولة
.
3ــ المواطنون متساوون أمام القانون في
الحقوق
والواجبات
.
المادة
(133) 1ــ القضاة مستقلون لا سلطان عليهم
في قضائهم لغير
القانون
.
2ـ شرف القضاة وضميرهم وتجردهم ضمان لحقوق
الناس وحرياتهم
االمادة
(134) ـــ تصدر الأحكام باسم الشعب
العربي في سورية
.
أما
سيادة القانون
الذي اعتبره الدستور مبدأ ً أساسياً،
أصبح مبدأً ً ثانوياً بل هامشياً
يستعمل عند الحاجة،يخرج من غمده عندما
تريد السلطة أن تشهره في وجه من تريد
القصاص منه ، ويختفي عندما يؤدي إشهاره
إلى المساس بمصلحة زيد أو عمرو من
الناس ممن لهم سطوة وحظوة لدى السلطة
،والقضاء فاقد لاستقلاليته وفرغ من
مضمونه ، حيث أصبح للقضاء أشكال مختلفة
ومحاكم متعددة ، محاكم استثنائية ،
ولجان تنظر في نوع معين من القضايا ،
وقضاء عادي ،وقضاء عسكري ،وقضاء إداري
،عدا عن ذلك فإن السلطة التنفيذية
تهيمن على
مرفق القضاء وتعتبره أداة في يدها
لتمرير ما تريد تمريره من مخالفات باسم القضاء
،فمثلاً عندما أرادت السلطة محاكمة
النائبين مأمون الحمصي ورياض سيف ،
امتطت
ظهر القضاء وحاكمتهم من خلاله
وباسم الشعب العربي في سورية،رغم
الحصانة النيابية
التي يتمتعان بها وكذلك محاكمة نشطاء
المجتمع المدني وعلى رأسهم الدكتور
عارف دليلة
، وكذلك إحالة الأربعة عشر ناشطاً
في مدينة حلب وإحالتهم إلى القضاء
العسكري بتهمة
( الانتماء إلى جمعية سرية والقيام بأعمال
من شأنها أن تعكر الصفاء وتثير النزاع بين عناصر
الأمة ) هذه نماذج بسيطة لكيفية
استغلال القانون والقضاء لمصلحة من
لهم
مصلحة في ذلك ،فالقانون أصبح يفصل
على المقاس والبعض منه جاهز لإلباسه من
يريدون
،ولما كان العدل أساس الملك ، فإن إصلاح
مؤسسة العدل لا يأتي من خلال
تغيير وزير بآخر بل أن الإصلاح، يبدأ
من خلال إصلاح الإنسان الذي يقوم على تأدية
خدمة العدالة ،
ولا أخفيكم بأن إصلاحه يتطلب وقتاً
وجهداً، لأن تخريبه بالأساس
كان منهجياً ومبرمجاً واستغرق وقتاً
من الزمن ،ولكن أن نبدأ بالإصلاح
متأخرين خير من أن لا نبدأ فيه ،
وإصلاح مؤسسة القضاء لن يكون
بإصلاح القضاء فقط وإن كان هو
الأساس ،بل أنه يتطلب إصلاح الجناح
الآخر من العدالة
أيضاً وهو المحاماة
, فالقضاء والمحاماة هما جناحي العدالة
،والمحاماة ليست بأحسن
حالٍ من القضاء ، كنا نطلق على الكبار
من المحامين احتراماً وتبجيلاً لهم
بشيوخ المهنة ،وكنا لا نستطيع ومن
باب الأدب والاحترام والالتزام
بالقانون ، أن
نطلب من رئيس المحكمة إضبارة القضية إذا
كان هناك من الزملاء المحامين من هو
أقدم منا
في المهنة ،حتى ينتهي من طلباته وهذا
عرف حسن في المهنة ، أما الآن فقد ظهرت تسميات
جديدة في المهنة ،مثل الملك في القضايا
الفلانية وربما الأمير والسلطان وهم
من المحامين الشباب ممن فقسوا من
البيضة جديداً ، أما شيوخ المهنة فقد
أصبحوا
يعدّون الأيام والليالي المتبقية
لإحالتهم على التقاعد ،عسى أن يكون في
ذلك خلاص لهم
من واقع مرير ،فالإصلاح يجب أن يشمل
جناحي العدالة ،ليستطيع طائر العدالة
أن يحلق
عالياً في السماء لا أن يبقى زاحفاً
على الأرض مقصوص الجناح ، وأن ترفع
الوصاية المفروضة من السلطة عن
هذه المؤسسة وأن تقفل الأبواب أمام
المتنفذين
،وأصحاب الجيوب العامرة والوجهاء
وشيوخ العشائر والمحسوبيات ، حينها
يتساوى
المواطنون أمام القانون في الحقوق
والواجبات ،أما ما نشعربه ونتحسسه في
وقتنا الحالي
،أن الإنسان العربي هو الأقل قيمةً من
أي شيءٍ آخر لدى حكامه وصناع القرار في الوطن
وهو أكثر السلع ربحاً للمتاجرة به
وبدون رأسمال ،وكثيراً ما يعقد الحكام
صفقات ،تباع فيها الشعوب من أجل
الحفاظ على كرسي السلطة
.
وهنا
أود أن أذكر في
سياق ذلك حادثة شهيرة وهي حادثة (لو كربي )
حادثة الطائرة الأمريكية، التي وقعت
فوق بلدة
لو كربي في اسكوتلندة والتي اتهمت فيها
أمريكا وبريطانيا المخابرات الليبية بتفجيرها
،وقد مضى على ذلك أكثر من أربعة عشر
عاماً على حدوثها ،ومنذ ذلك الحين لم
تهدأ الحكومات الأمريكية
المتعاقبة في متابعة الأمر وفرضت
العقوبات على ليبيا
وطالبتها بالتعويض عن ضحاياها، مرة
بالتهديد ومرة بالقضاء الدولي ،إلى أن
أصدرت محاكمها
حكماً بإلزام الحكومة الليبية بدفع
مبلغاً مقداره (10) عشرة ملايين دولار
كتعويض عن كل ضحية، بغض النظر عن
لونه أو جنسه أو كبر وصغر سنه ،وكان
مجموع التعويض
يقدر بثلاثة مليارات من الدولارات
الأمريكية ،وتحت أي مبرر فقد انصاعت
زعامة
(الجماهيرية
العربية الليبية الشعبية الاشتراكية
الديمقراطية العظمى ....) معذرةً
إن كنت قد أخطأت في اسم الدولة
لأنني لم استطع حفظه على الإطلاق ،
وقيل في حينها أن
مؤسسة القذافي الخيرية هي التي تعهدت
بدفع التعويض وليس الحكومة ،وهنا أضع
خطوطاً لا
نهاية لها تحت اسم ومضمون وأهداف هذه
المؤسسة ،الأمر الذي أزعج الجمهورية الفرنسية
وأخذت تطالب هي الأخرى ليبيا بتعويض
مماثل عن ضحايا إحدى طائراتها، التي
اتهمت أيضاً المخابرات الليبية
بتفجيرها ،تحت ذريعة أن الدم الفرنسي
ليس بأرخص من
الدم الأمريكي ،وهددت فرنسا باستعمال حق
الفيتو في مجلس الأمن الدولي إذا ما
تقرر رفع
العقوبات عن ليبيا ، وربما هناك دول
أخرى سترفع عقيرتها وتطالب أيضاً
بمساواة مواطنيها
في مثل هذه الحوادث مع الأمريكان
والإنكليز والفرنسيين ،ما عدا
الحكومات
العربية فإنني أجزم بأنها لن تفعل
ذلك لأن الدم العربي أرخص عندها من
الفجل كما
يقال في المثل العربي ،بدليل ما يحدث
الآن في فلسطين والعراق دون أن يقض ذلك
مضاجع الحكام
العرب ،حتى أننا فيما بيننا لا نحترم
دم الإنسان العربي ،ونقلل من قيمته وأهميته
حتى في أحكامنا القضائية ،وفي سياق ذلك
سأذكر حكماً قضائياً استفز مشاعري
كإنسان عربي شعر بتدني إنسانيته
وبظلم ذوي القربى
.
في
حادث سير كان المغدور
طفلاً فتقدم
ذوي الطفل بدعوى أمام المحاكم المدنية ضد
المؤسسة العامة السورية للتأمين
بطلب التعويض كون السيارة التي تسببت
في الحادث مؤمنة لدى هذه الأخيرة
وبنتيجة المحاكمة حكمت محكمة
الدرجة الأولى بمبلغ مائتي ألف ليرة
سورية تعويضاً
لذوي الطفل المغدور،في محكمة الاستئناف
وهي محكمة أعلى درجة من الأولى عدلت
مبلغ التعويض
إلى مبلغ مائتان وثمانون ألف ليرة
سورية وبنتيجة الطعن من قبل الجهة
المدعى عليها في هذا القرار، أرسلت
الإضبارة إلى محكمة النقض بدمشق ،
ومحكمة النقض هي أعلى درجات المحاكم
حيث أن أحكامها بمثابة النص في حال عدم
وجود نص ينطبق على قضية ما،وقراراتها
ملزمة للمحاكم الأقل درجة ً منها وقد
أصدرت المحكمة المذكورة قرارها رقم 443)
تاريخ 31/3/2003بالقضية رقم أساس 524/4 حيث
جاء في حيثيات القرار
:
وحيث
أن الطفل المغدور يبلغ من العمر أقل من
عام ،وحيث أن التعويض المقدر من المحكمة (محكمة
الاستئناف ) مصدرة القرار المطعون فيه
يفوق حدود جبر الضرر ويخرج عن
المألوف ولا سيما أن المغدور من
بيئة فلاحية ولا يتميز بأي ميزات
اجتماعية أو
اقتصادية مما يقتضي نقض القرار المطعون
فيه لهذه الناحية ..... لذلك تقرر نقض القرار
وإلزام مؤسسة التامين بدفع مبلغ مائتي
ألف ليرة سورية تعويضاً لذوي الطفل
المغدور ... قراراً مبرماً ؟؟!!!
.
تعليل يثير الدهشة والاستغراب
وبنفس الوقت يعطينا
فكرة عن سطحية وهشاشة المؤسسة
القضائية فكرياً وقانونيا ًوإنسانياً
،فإذا ما
كان الضحية من بيئة فلاحية فهل
يعني هذا أنه أقل درجة وقيمة إنسانية
من القاطنين في
المدن الحضرية ،أم أن شعور الإنسان
الريفي بالأبوة أو الأمومة هو أقل درجة
من شعور الحضريين
،لذلك ليس عيباً أن يتمنى أي شخص إذا ما
حان أجله أن يموت في حادث طائرة أمريكية
يتهم في تفجيرها طرف عربي حصراً لأن
العرب كرماء وأصحاب نخوة في جبر ضرر
الآخرين وخصوصاً إذا ما كانوا
أمريكان ،ولأن مبلغ العشرة ملايين
دولار ثروة ،ينتفع
بها ورثة المتوفى، فإذا ما تم تحويلها
للعملة السورية فهو يساوي مبلغ
خمسمائة مليون
ليرة سورية تقريباً وهو تعويض الضحية
الأمريكية وإذا ما قارنا هذا التعويض
بالتعويض الذي
دفع لذوي الطفل الريفي الصغير الذي كان
مقداره ألف ليرة سورية ،نجد أن كل ضحية أمريكي
يعادل ألفان وخمسمائة ضحية من العرب
،من هنا تدرك لماذا هم يقتلون من العرب
في حصارا تهم وحروبهم مئات الآلاف
إن لم نقل بالملايين ،مقابل ما يموت
لهم مئات
الأفراد من جنود أو مدنيين في حروب أو
عمليات فردية ،ومن هنا تدرك أيضاً
أسباب صمت الحكومات
العربية ،فهذه الحكومات بنظرتها
الثاقبة والصائبة ترى أن المعادلة
متوازنة ،ونحن
نرى أن المعادلة تتوازن عندما نحترم
بعضنا البعض ،عندما يتساوى المواطنون
أمام القانون في الحقوق والواجبات
،عندما ترفع الوصاية عن القضاء ،عندما
يسود القانون
على الجميع ولا يبقى أحد فوق القانون
،عندما ندرك بأن الإنسان ولد حراً وحريته هي
الأصل أما حجزها فهو الاستثناء ،عندما
ندرك أن العدل أساس الملك ،وعندما
نحقق التوازن فيما بيننا ،فستكون
المعادلة متوازنة مع الآخرين ،ولكي
يستعيد مرفق
العدالة صحته ،
نقول للسيد وزير العدل الجديد القاضي
نزار العسسي
يا معالي الوزير:
إن
وزارة العدل مسحورة وحتى تستطيع رفع
السحر عنها
عليك أن تضع في مدخلها حجابا ً في
داخله سورتيّ المعوذتين ،ولابد لك من
أن تملك عصا
موسى لتلقي بها عند الحاجة ،وأن تعسعس في
أروقة وزارتك وقصورها العدلية ،وحذاري
من
عسس الآخرين الأكثر خبرة في العسعسة ،
إذا كان الهدف هو العدل وإصلاح القضاء
.
*محام
وكاتب من الرقة – سورية
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|