مشاركات
وصل
إلى برق الشرق :
السلطة
لم تحسم موقفها من الإصلاح
د.
عمار قربي*
نحن في سورية كما في لبنان
لدينا "موضة "موسمية، وباعتبار أن
المجتمع السوري بأغلبييته يفتقر إلى
الحياة السياسية ويتعطش إلى الحريات
نجد أن أكثر الموضات عندنا من النوع
السياسي كتعويض عن الحرمان من
الممارسة السياسية وكتقطيع للوقت عسى
الغد أن يأتي بجديد .
إن الموضة السائدة حاليا" هي
موضة الإصلاح بعد أن كانت موضة التطوير
والتحديث تستحوذ على الاهتمام في
السنتين الأخيرتين .
الكل مهتم بالإصلاح في سوريا
والكل يتحدث عن الإصلاح من السلطة
والمعارضة حتى وصل إلى المثقفين
اللبنانيين ...الناس وحدها لا تتحدث عن
الإصلاح لأنها حسمت أمرها وعرفت أن
الاهتمام بلقمة عيشها أجدى لها من حديث
عقيم لا يجدي نفعا"، ولهذا نجد أن
سواد الشعب بقي ككتلة حيادية مهملة
تجاه أي حدث داخلي أم خارجي مهما علا
شأنه واقترب أم ابتعد عن همه اليومي،
ادلل على كلامي بمثال واقعي عن آخر
استحقاق من المفروض أن يهم الشعب وهو
انتخابات الإدارة المحلية منذ ثلاثة
اشهر حيث لم تتعدى نسبة التصويت 3% من
الذين يحق لهم الانتخاب ..بل إن عدد بعض
المرشحين لم يتجاوز في بعض الدوائر
الحد المسموح من المقاعد فنجحوا
بالتزكية.
إن هذا الإحجام عن الحياة
السياسية أو اللامبالاة بتعبير أدق،
لها أسبابها العديدة سأحاول أن
اختصرها بجملة واحدة هي أن الناس "
لم تشعر بأي تغيير أو تطوير أو إصلاح
" في أي مجال وعلى أي صعيد ، حيث
ازداد غلاء المعيشة وارتفعت الأسعار
حتى طالت الجامعات والعلامات المخولة
لدخول التعليم العالي والمتوسط ، وكان
هناك ارتداد على المستوى القومي
العربي والإسلامي
، أما اقتصاديا" فالتخبط هو
الرائج، فطاسة رأسمالية وطاسة
اشتراكية مع سياسة افقارية عامة تابعت
مسيرة القضاء على الطبقة المتوسطة في
ظل هيمنة مافيا رأسمالية من تحالف بعض
المسؤولين بواجهة من مواطنين مرتزقة
أهم ميزاتهم أنهم محدثو نعمة .
إن سياسة التجريب التي تتبعها
السلطة السورية لم تعد تقنع أحدا"
حتى أنني بدأت اشك فيما إذا كانت تلك
السلطة تعرف فعلا" ماذا تريد هي
نفسها .واليكم بعض الاحجيات :
فهي - أي السلطة – تندد بمحاكمة
عزمي بشارة من قبل كيان العدو باعتباره
عضو برلمان منتخب وتعتقل رياض سيف
ومأمون الحمصي عضوي مجلس الشعب السوري
العتيد .
أيضا" تنشر على صفحات صحيفة
تشرين وتشيع بين الناس أن مأمون الحمصي
متهرب من الضرائب والقضية ليست سياسية
ونجد أن الحكم يصدر بإدانته بجريمة
تغيير الدستور بالقوة وزعزعة الوحدة
الوطنية ..الخ...
السلطة تندد وتشتم الولايات
المتحدة صباح مساء ، وبنفس الوقت
تتعاون معها امنيا" تحت يافطة
محاربة الإرهاب باعتبار أن سورية
رائدة في هذا المجال .
تندد بإبعاد ياسر عرفات من غزة
وتستنكر اضطهاده من قبل العصابة التي
تحكم إسرائيل وبنفس الوقت كلنا نذكر
كيف أن سورية هي التي أبعدته من دمشق ثم
تابعته في بيروت ولاحقته في طرابلس .
تندد بالاحتلال الأمريكي
للعراق وتوافق على كل مشاريع القرارات
الأمريكية -المثيرة للجدل -المقدمة
لمجلس الأمن.
تندد بإسرائيل وممارساتها
الوحشية ضد شعبنا في فلسطين وتدعو إلى
دعم الانتفاضة الباسلة، ومن ثم تقمع
اعتصاما" في مدينة حلب من اجل دعم
نفس الانتفاضة في ذكرى حريق المسجد
الأقصى أواخر أب الماضي.
تدعو إلى سماع الرأي الأخر
وتغلق صحيفة الدومري الربع معارضة .
تندد بالممارسات " الغير
ديمقراطية " في الدول الغربية تجاه
المتظاهرين ضد العولمة و المتظاهرين
ضد الحرب في العراق، وتحيل أربعة عشر
مواطنا" سوريا" في مدينة حلب إلى
محكمة عسكرية رغم عدم وجود أي عسكري
بينهم بتهمة الشروع في حضور محاضرة
علنية كان قد سبق وألقيت في محافظتين
سوريتين من قبل ، بالرغم من إلغاء هذه
المحاضرة نتيجة الضغوط الأمنية .
تتهم أمريكا بتجاوز كل الأعراف
بسبب اعتقالات "غوانتنامو"
لمواطنين غير أمريكيين وتتهمها بالسطو
المسلح نتيجة غزو العراق واعتقال
المقاومين العراقيين وبنفس الوقت تطنش
عن اعتقال الصحفي تيسير علوني وهو
مواطن سوري من قبل اسبانيا ، بل
وتستقبل الملك الأسباني خوان كارلوس
دون أي إشارة إلى هذا الإجراء التعسفي
رغم التعاطف العالمي مع قضيته كعربون
يدل على الكرم السوري .
تدعو إلى تحسين الوضع المعيشي
لدى المواطن السوري ، وترفع أسعار
الكهرباء والمحروقات و...الخ...
ويسألونك عن الإصلاح في سورية
؟؟؟
عندما كلف السيد محمد مصطفى
ميرو بتشكيل وزارته الثانية المنصرمة
قبل ثلاث سنوات كان الهدف المعلن لها
" الإصلاح الاقتصادي " وبعد
استنفاذ الفرص تم إعلان فشل ذلك
الإصلاح المزعوم من أعلى المستويات
التراتبية في السلطة ، والآن بعد تشكيل
وزارة السيد عطري القديمة الحديثة
ترفع الحكومة شعار "الإصلاح الإداري"
كموضة جديدة علها تأخذ حظها من الوقت .
يقول منظروا حزب البعث "
السوري " : (اكتشفنا انه لا يمكن
إجراء إصلاح اقتصادي دون إصلاح إداري
يسبقه ) ...ومع التغاضي عن استغراق هذا
الاكتشاف ثلاث سنوات أتسائل فيما إذا
كنا سننتظر ثلاث سنوات أخرى حتى
يكتشفوا انه لا يمكن إجراء إصلاح إداري
قبل البدء بالإصلاح السياسي ..هذا إن
كانت هناك نية للإصلاح أصلا".
إذا صح ما يقال عن وجود حرس قديم
وحرس جديد أو كم قال السيد الرئيس أن
هناك حراسا" للمصالح بغض النظر عن
قدمهم وحداثتهم، فيبدو أن أصحاب
السطوة الآن هم من القدماء أو من أصحاب
المصالح ، وهؤلاء نظرتهم للإصلاح انه
سيودي بالسلطة في سورية إلى غير رجعة،
فقانون الأحزاب سينهي حزب البعث
العربي الاشتراكي، وإصدار قانون عصري
منفتح للمطبوعات والصحافة سيجعل الصحف
السورية لصاحبها حزب البعث في خبر كان....ناهيك
عن إصلاح القضاء، وتفعيل المحاسبة
واختيار الرجل أو المرأة المناسبين في
المكان المناسب دون إتاوات أو
محسوبيات ومحاربة جدية للفساد..كل ذلك
– برأيهم - سيفكك السلطة السورية.
مع العلم أن الزمن سيكون أسرع
حتما" في تفكيك تلك السلطة إذا لم
تعمد إلى إجراء إصلاحات حقيقية
ومباشرة .
إن أصحاب الرؤوس الحامية في
السلطة لا يفكرون بالإصلاح ولا هم
يحزنون وإنما يراهنون على الزمن ...
قيل قديما" " المكتوب مبين
من عنوانه " فإذا كانت الحكومة
السورية جادة في الإصلاح فعليها
استحقاقات يجب أن تسويها قبل أي نقاش .
إلغاء قانون الطوارىء سيء
الذكر وإلغاء المحاكم الاستثنائية
التي تذكرنا بمحاكم التفتيش في العصور
الوسطى .
إطلاق سراح جميع المعتقلين
السياسيين.
عودة جميع المنفيين والمهجرين
قسرا" عن وطنهم ، وإعادة حقوق كل
المجردين و المحرومين من الجنسية أو من
حقوقهم المدنية.
مناقشة بعض مواد الدستور مثل
المادة الثامنة التي تنص على أن
المنتسب لحزب البعث مواطن من الدرجة
الأولى وباقي المواطنين يتوزعوا على
باقي الدرجات .
أما بالنسبة لموضوع مكافحة
الفساد فهذا لن ابحث فيه لأنه يتحقق
بمجرد أن تكف أجهزة الدولة عن الفساد.
عندها
تتولد الثقة بين الشعب والسلطة وعندها
يمكن مناقشة أي إصلاح .
حتى الآن اعتقد أن الحكومة لم تحسم موقفها من قضية الإصلاح
وبالتالي لم تتبناه كمنهج.
إن سورية اليوم أكثر ما تكون
بحاجة إلى جهود كل أبنائها كي تقف أمام
التحديات الكبيرة وتنطلق نحو ألفية
ثالثة بشكل عصري .
أصلحني الله وإياكم .
*سياسي سوري – حلب
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|