تقرير
سياسي
قرار
مجلس الأمن 1511
إجماع
آخر تكرسه الحكومة السورية
لا
يهمنا كثيراً أن نتداخل في حيثيات
الموقف الفرنسي أو الألماني أو
الروسي، فنحن نعلم أن لمواقف هذه الدول
مرتكزاتها وارتباطاتها الذاتية
والمصلحية التي قد تلتقي قليلاً أو
كثيراً مع هذا الطرف أو ذاك.
الذي
يهمنا في هذا المقام الموقف السوري
الذي يفترض فيه أن يمثل موقف الأمة
التي كان قادتها مجتمعين في ماليزيا،
وموقف الأمة التي يذبح أبناؤها في
فلسطين، وتحتل أرضها في العراق، وتقصف
أرضها في سورية، ويهدد كيانها ووجودها
في كل مكان.
الذي
يهمنا الموقف السوري الذي يناط به أن
يحسن التعامل مع جنرالات الإدارة
الأمريكية الذين كانوا أثناء انعقاد
مجلس الأمن يقودون الحملة الصليبية
الرعناء ضد المسلمين: إلههم وعقيدتهم
ودينهم وشعوبهم الذين وصفهم جنرال
أمريكي بالوثنيين والشياطين !!
كان
هذا هو الإطار الأول للموافقة السورية
على مشروع القرار الأمريكي، الذي منح
النصر للإدارة الأمريكية، فخرجت من
مجلس الأمن ممتنة جداً جداً وسعيدة
جداً جداً !!
أما
الإطار الثاني، فهو إطار الفيتو
الأمريكي الذي وجه أكثر من لطمة، ليس
إلى وجه المندوب السوري، ولا إلى
الحكومة السورية ولا إلى الشعب السوري
فقط، وإنما إلى الأمة بأسرها.. (الفيتو)
الذي حال دون إدانة العدوان الصهيوني
على سورية نفسها، وشربته الحكومة
السورية سائغاً زلالاً دون أن (تشرق)
به، وكأن العدوان لا يعنيها، ولم يقع
أصلاً على أراضيها. و(الفيتو) الآخر
الذي منع مجلس الأمن من إدانة بناء (الجدار
العدوان) على أرض فلسطين، الذي يشكل
وسيلة صهيونية جديدة لسرقة الأرض،
وكسر إرادة الشعب الفلسطيني.
والإطار
الثالث للاستجابة السورية للهوى
الأمريكي، هو إقرار قانون محاسبة
سورية في مجلس النواب الأمريكي،
القانون الذي سيكون المعبر الأول
للإدارة الأمريكية للتدخل في الشأن
السوري، وتنفيذ إملاءاتها ذات الصبغة
الصهيونية، بالطريقة التي تقررها
الولايات المتحدة، وليس بالطريقة التي
تتعاطى بها الحكومة السورية هذه
الأيام.
في
إطار هذه السياقات الثلاثة، تأتي
المكافأة السورية للإدارة الأمريكية،
في صورة هذا الخضوع بالموافقة على
مشروع القرار الأمريكي مثيرة للدهشة
والاستغراب.. ومنبئة عن روح الاسترضاء
والاستجداء التي تسري في بنية القرار
السوري. القرار الذي بات دائماً يدير
خده الأيسر، ويعطي لمن نازعه المعطف
الرداء والمئزر أيضاً.. !!
قرار
مجلس الأمن /1511/
إذا
كان قرار مجلس الأمن رقم /1472/ قد كرس
الاحتلال الأمريكي للعراق، باعتباره
واقعاً، فإن القرار /1511/ قد منح الشرعية
لهذا الاحتلال. ولكل المؤسسات والبنى
الناشئة عنه. وهذه هي النقطة الأخطر
التي تضمنها القرار. إن الحديث عن
انسحاب أمريكي غير محدود ولا مبرمج ليس
أقل ميوعة من الحديث عن (الدولة
الفلسطينية) أو عن سلام مدريد الموعود.
وستجد الولايات المتحدة دائماً في ظل
هذا القرار الذرائع لتمديد وجودها على
أرض العراق، وسيكون هذا تحت ملاءة
الشرعية الدولية التي شاركت الجمهورية
العربية السورية طائعة مختارة في
نسجها..
ومن
شرعنة الاحتلال، سيستمد بريمر شرعيته،
ومن شرعية بريمر يستمد مجلس الحكم
المحلي أو أي (قائمقام) آخر يعينه بريمر
شرعيته أيضاً. ويصبح الخارجون على أي
مؤسسة من هذه المؤسسات إرهابيين
بمنطوق الأمم المتحدة ومفهومها.
فبريمر بعد هذا القرار لم يعد يمثل
الإدارة الأمريكية، وإنما يمثل
الشرعية الدولية التي سيستمدها بعد
اليوم من القرار /1511/.
ثم
بموجب القرار الأمريكي /1511/، الذي غدا
بالموافقة السورية إجماعاً دولياً،
أصبح العراق ميداناً مفتوحاً لكل قوى (الارتزاق
العالمي)، لا نقصد شركات الاستثمار
متعددة الجنسيات، وإنما نقصد القوات
العسكرية من جنود المغامرين
والمقامرين وأصحاب المصالح، الذين غدا
من حقهم بفعل هذا القرار، أن يحطوا
الرحال على أرض العراق:
ـ
لمساندة الجندي الأمريكي، في ذبح
الإنسان العراقي وكسر إرادته.
ـ
ولتكريس الاحتلال إلى أبعد مدى تحلم به
الولايات المتحدة، وإسرائيل.
ـ
ولتخفيف العبء المقاوم عن الجندي
المحتل، لكي تحارب هذه القوى بالنيابة
عنه، بعد أن بدأت الأصوات تتعالى في كل
من بريطانيا والولايات المتحدة (لعنة
على حرب بوش وبلير المجنونة).
إن
أي قراءة إيجابية لمشروع القرار
الأمريكي العتيد إنما هي قراءة مخادعة
ومراوغة. وأن المواقف الأوربية إنما
جاءت منسجمة مع مصالح أصحابها، وبعد
حصولهم على ثمن لا نستطيع أن نتحدث عنه
إلا تكهناً، بينما جاءت الموافقة
السورية شكراً على الصفعات الأمريكية
التي أشرنا إليها.
جاء
قرار مجلس الأمن المذكور ليطلق العنان
للإدارة الأمريكية لتبقى في العراق ما
شاءت، ولتفعل على أرض العراق ما تشاء،
وليقلل من فرص المقاومة العراقية،
وليضيق على الإنسان العراقي ميادين
الجهاد، في ظروف يعز فيها الجهاد.
حرص
سورية على شهادة حسن سلوك أمريكية على
الرغم من جميع الإساءات والإهانات، هو
الذي يدفعها إلى السير في الركاب
الأمريكي إلى أبعد مداه، فلم تكن هذه
هي المرة الأولى التي تتبرع بها سورية
بوصل حلقة الإجماع لتمنحه للولايات
المتحدة، على طبق ذهبي أو فضي، ففي 8
كانون الثاني 2002، صدر القرار 1441،
ممهوراً بالموافقة السورية، فحاز
فضيلة الإجماع. وهو القرار الذي طالبت
الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة لا
فرق، العراق بموجبه بنزع أسلحته،
وطالبت بغداد بتسليم تقرير حول وضع
أسلحة الدمار الشامل. لقد كان هذا
القرار كما يعلم الجميع بوابة العبور
إلى الحرب العدوانية التي شنها بوش
وبلير على العراق. وكم سمعنا هذين
يتنطعان بأن العراق لم يلتزم بقرار
إجماعي من مجلس الأمن.
ثم
في 28 نيسان 2003، صدر القرار 1472 والذي سمح
للولايات المتحدة التصرف بالنفط
العراقي بذريعة استئناف برنامج النفط
مقابل الغذاء. وكانت سورية العربية من
الدول التي شاركت في تصنيع هذا القرار
ليصدر أيضاً بالإجماع.
وفي
22 أيار 2003، تبنى مجلس الأمن القرار 1483
الذي يضع حداً للعقوبات المفروضة على
العراق والتي أعاقت حرية حركة السلطة
الأمريكية. وقد قاطعت سورية جلسة مجلس
الأمن بذريعة أنها لم تعط فرصة كافية
لدراسة القرار. ثم عادت فأودعت
موافقتها عليه في حركة مسرحية قصد منها
لفت النظر.
سر
هذا الحب أو الوله السوري بالإدارة
الأمريكية فهو الذي نعجز عن إيجاد أي
تفسير له.. حب إلى حد الفناء، ولكن من
طرف واحد فقط، ولعلك إن تساءلت:
كيف
يحب القلب من لا يحبه
أجابك
شاعر عربي:
بلى، قد تريد النفس من لا يريدها..
|