صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الاثنين 05 - 04 - 2004م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

مشاركات

العراق  بين زمنين

فائز البرازي

عام مضى على سقوط نظام الدكتاتورية والمغامرات الدموية التي تركت العراق بأهله وأرضه وثرواته وتاريخه وثقافته محطمآ يعايش نكباته المرة المجللة بالدماء ، وتركت الوطن العربي ممزقآ مستنزفآ شرعت أبوابه التي بالكاد كانت تستره ، شرعت أبوابه للغزاة والمحتلين والطامعين وبمبررات هشه كان الغزاة بحاجة لها أو لم يكونوا ، وأبانت بوضوح تلك الوصمة على جبين الإنسانية ، وهدمت آخر القلاع المنخورة حتى العظم للنظام الرسمي العربي وحتى الشعبي في معظمه . ومن المفارقات المثيرة للألم والسخرية بآن ، هي أن يتحول سقوط النظام ، تجسيد لبداية سقوط لفكرة عظيمة – كالقومية العربية – والتي لم يكن هذا النظام يمثلها ، وإن جسد إستغلالها أو جسدها بالحد المتدني منها وإستعارها ليجزء لا ليوحد ، وليحتل لا ليحرر فأصابها في مقتل .

عام مضى على الإحتلال . الإحتلال ليس للعراق فقط الذي أحتلت أرضه وترك شعبه من الغريب ومن القريب ليواجه مصير الإبادة والتحطيم والتجزيئ ، وإنما أيضآ بدء إحتلال الإرادة العربية والعقل العربي بغض النظر عمن ستستدعي الظروف إحتلال أرضه ، أم الإكتفاء بإحتلال إرادته وقراره وعقله وثقافته .

زمن مضى .. والزمن القادم في بداياته ، فما هذه سوى مقدمات . مقدمات تظهر العراق بالصورة المستنسخة للزمن القادم تحمل ضمن إطارها :

1-    وكلاء بالنيابة عن المحتل تعتمد توقيعاتهم لدى المندوب الأمريكي ، مع فارق الدوافع لدى كل  منهم .

2-    دستور مؤقت يتحكم بدستور دائم مقبل ، وفق الرؤية الأمريكية .

3-    تجميل صورة التجزئة والفتنة ليس للمصلحة الأمريكية بقدر ما هي للمصلحة الصهيونية .

4-    منح الحق " بالمواطنة " حتى لمن رغب من اليهود العودة للعراق ، بموجب المادة – الحادية عشرة – فقرة : ( د ) التي تقول : ( يحق للعراقي ممن أسقطت عنه الجنسية لأسباب سياسية أو دينية أو عنصرية أو طائفية أن يستعيدها ) . وطبعآ بدون أي تفسيرات أو تحديدات زمنية أو ظرفية . مع " إلزام " الجمعية الوطنية – المستقبلية – بإصدار القوانين الخاصة بالجنسية والتجنس والمتفقة مع أحكام هذا القانون ، كما ورد في الفقرة ( و ) من المادة الحادية عشرة .

إن حقبة جديدة قد بدأت في العراق وفي المنطقة كلها بعد أن سقطت العراق في أيدي القوات الغازية . وضمن هذه الصورة للزمن القادم ، ما هي أبعاد القوى المتشابكة في العراق ؟ .

الولايات المتحدة الأمريكية :

النفط ، والهيمنة على العالم من خلال السيطرة عليه ، هو المحرك والهدف في السياسة الأمريكية بعد سقوط الإتحاد السوفييتي . فمنذ عام 1979 وبعد قيام الثورة الإيرانية ، باشرت واشنطن في عهد الرئيس ( ريغان ) بإعادة تقييم سياستها تجاه العراق والتي لم تشهد منذ عام 1967 أي علاقة أمريكية عراقية تذكر ، خاصة مع إهتمام واشنطن بتدعيم روابط قوية مع إيران والمملكة العربية السعودية ، ووجود علاقة تحالف وثيقة بين العراق والإتحاد السوفييتي . وكان الهدف من إعادة تقييم السياسة الأمريكية تجاه العراق ، هو في عدم تقبل الولايات المتحدة وجود أي قوة في العالم تهيمن على هذه المنطقة الغنية بالنفط ، خاصة مع ظهور عداء شديد من إيران تجاه واشنطن منذ عام 1979 بعد قيام الثورة الإيرانية . وبالتالي كان لا بد للولايات المتحدة الأمريكية من رسم سياسة يكون العراق فيها القوة المقابلة للثورة الإيرانية في هذه المنطقة البترولية . وبالتالي شجعت بشكل غير مباشر على الحرب التي شنت في إيلول / 1980 ،وقدمت واشنطن مساعدات ملاحية في البداية لحماية النفط ما لبثت أن تحولت إلى مساعدات عسكرية وصفقات أسلحة وتقنيات ذات الإستخدام المزدوج ، وذلك بعد بدء رجحان كفة الميزان لصالح إيران وإنتقال الحرب إلى داخل الأراضي العراقية عام 1982 ، وسمحت إدارة ريغان وبدون إبلاغ الكونغرس ، للمملكة العربية السعودية بمد العراق بالأسلحة الأمريكية ، مع تقديمها دعم إقتصاديآ بشكل إئتمانات زراعية مثل القمح والأرز الأمريكيين ، إضافة لمنتجات زراعية أخرى منذ عام 1983 وحتى عام 1989 ، رغم الأدلة القاطعة بدعم العراق للجماعات الفلسطينية المقاتلة والتي تصنفها واشنطن " كمنظمات إرهابية " . وكان الهدف هو الحيلولة دون تحقيق إيران نصرآ عسكريآ يعزز قدرتها على إرهاب الدول الحليفة لواشنطن ، وبالتالي السيطرة على سياساتها النفطية . فدخلت واشنطن في المنطقة عسكريآ بشكل عام ، وفي الحرب العراقية الإيرانية بشكل خاص ، مما حقق الإنتصار العسكري العراقي عام 1987 ، وأجبرت إيران على قبول وقف إطلاق النار عام 1988 بعد تدمير كلا البلدين وتدمير إقتصادهما ، مع آلاف القتلى والجرحى والأسرى والمآسي الإجتماعية الممتدة في أفق الزمن .

وبعد إنتهاء الحرب العراقية الإيرانية ، ومجيئ ( جورج بوش الأب ) ، بدا تلمس رغبة العراق بتطوير أسلحة الدمار الشامل التي تشكل خطرآ يهدد المصالح الغربية في المنطقة ، ويهدد أمن " إسرائيل " بشكل مباشر ، مع أنه تم غض الطرف عن إستخدام العراق للأسلحة الكيماوية ضد إيران وضد الأكراد . ورغم ذلك فقد تبنت الإدارة الأمريكية في عهد بوش الأب منهجآ متساهلآ مع العراق ، والتي دعت توصية مجلس الأمن القومي رقم – 26 – إلى إستمرار التعاون مع النظام العراقي عام 1988 ، والذي مهد الطريق أمام العراق لإحتلال دولة الكويت في آب / 1990 ، متلازمآ مع اللقاء التشجيعي بين صدام حسين وسفيرة الولايات المتحدة الأمريكية ( غلاسبي ) في تموز / 1990 .

وقد سهل ( صدام حسين ) بغزوه لدولة الكويت ، مهمة واشنطن في دخول المنطقة بشكل جلي ، وبدعم تحالف دولي للسيطرة الأمريكية المباشرة على موارد النفط في المنطقة . وتشكلت سياسة ( المنطق الجيو سياسي ) لدى إدارة بوش الأب ، ورسمت إستراتيجية السيطرة على المنطقة .

وفي عام 1993 ظهرت إدارة أمريكية جديدة برئاسة ( كلينتون ) حاولت التعايش مع الإعتبارات الجيو سياسية وإن كان بدرجة أقل ، خاصة مع ضعف الإجماع الأمريكي والدولي ضد العراق . حيث وجدت إدارة كلينتون نفسها تحت ضغوط إقتصادية أمريكية ترافقت مع ضغوط من الوطن العربي وهيئة الأمم المتحدة التي وقفت ضد إستمرار الضغوطات والعقوبات على العراق ، مما دفع الإدارة الجديدة لتبني سياسة ( الإحتواء المزدوج ) ضد العراق وإيران في وقت واحد . وكان لهذه السياسة دور في تجميد الرؤية والتصرف الأمريكي تجاه العراق لسنوات عديدة ، حيث كان الإنطباع السائد أن السياسة الأمريكية تجاه العراق قد وصلت إلى طريق مسدود ، ودون تحقيق إجماع واضح حول إمكانيات عمل جديد لتغيير الوضع .

ومع قدوم إدارة ( جورج بوش الإبن ) عام 2001 ، ظهر الإنقسام في صفوف هذه الإدارة بين (رامسفيلد)    

الداعي إلى " قانون تحرير العراق " ومد المعارضة العراقية بكل ما تحتاجه لإسقاط النظام ، وبين ( كولن باول ) الداعي إلى مجموعة صارمة من القيود تتعلق بإستخدام القوة الأمريكية في الخارج . وإستمر هذا الإنقسام حتى أحداث إيلول / 2001 ، حيث حصل المحافظون الجدد على الفرصة الذهبية التي قدمت إليهم أو ساهموا بصنعها . لكن العائق كان أمام تنفيذ سياسة الإحتلال عام 2002 ، يتمثل في رسالة الدول الخليجية بعدم دعمها لأي عمل أمريكي عسكري شامل ضد العراق ، بسبب إستمرار حالة العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين المغذى بدعم الإدارة الأمريكية لإسرائيل وحكومة شارون ، مع وجود رفض للنخب والشعوب في الخليج للسياسة الأمريكية في المنطقة ، كذلك بسبب عدم وجود شرعية دولية من خلال الأمم المتحدة داعمة لأي هجوم عسكري أمريكي على العراق .

ورغم الرفض الدولي والعربي والإقليمي للهجوم الأمريكي ، أقدمت الإدارة الأمريكية على شن الهجوم منفذة سياسة إستيلاد ( الإمبراطورية الأمريكية ) ، مع وجود الحافز القوي لواشنطن والمتمثل بثروة نفطية هائلة في العراق يمكن إستغلالها في ظل حكومة عراقية صنيعة الولايات المتحدة وموالية لها ، من قبل الشركات الأمريكية لتستكمل الهيمنة على الخط البترولي من بحر قزوين وحتى الخليج العربي .         

وسيتطلب هذا إستثمارآ هائلآ في الأموال الأمريكية إضافة لوجود قوة عسكرية دائمة تحمي هذا الإستثمار،

وفي وجود حكومة عراقية يعتمد عليها . ويبدو من سياق الأحداث المتواترة ، أن وحدة العراق لا تبدو بالنسبة لأمريكا أمرآ مقدسآ أو غير قابل للنقاش ، بل ان تجزءة العراق يلبي الحاجات الأمريكية والإسرائيلية معآ . وهذا ما سعت إليه واشنطن منذ إحتلالها العراق بأسلوب تحطيم الدولة وأجهزتها ومؤسساتها ، مع تشجيع وخلق الفتن بين أهل البلد الواحد من سنة وشيعة وأكراد وتركمان وآشور وكلدان،ليبقى العراق ممزقآ تعصف به نوازع الشر والفتنة والإقتتال الداخلي ، في ملهاة عن مشروع الشر للإمبراطورية الأمريكية ، والذي ظهر هذا المشروع في وثيقة بإسم ( أمريكا والشرق الأوسط في قرن جديد ) صادرة عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط ، ترسم الأولويات والإستراتيجيات الأمريكيــة 

" بالسيطرة على إحتياطي النفط والتحكم بطرق نقله – إيجاد شراكة إستراتيجية مع إسرائيل – المساعدة في إقامة تحالف عسكري تركي إسرائيلي – الحيلولة دون نشوء أي دولة أو مجموعة دول عربية قوية مستقلة " .

2-     أوروبـــا  :

وفرنسا تحديدآ بين الدول الناشطة في منطقة الشرق الأوسط ( أمريكا – بريطانيا -  

فرنسا – ألمانيا ) إذ يرى المؤرخ والمحلل السياسي الفرنسي ( شارل سان يرو ) عضو المجلس العلمي ومدير دراسات الشرق الأوسط في الأكاديمية الجيو سياسية الدولية في جامعة السوربون بباريس ، أن السياسة الفرنسية في المنطقة تأتي مناقضة لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية . وتقوم على أساس من التاريخ والجغرافيا والمصالح المتبادلة ، وهي تعبير عن مبدأ تقليدي وفلسفة سياسية وخيار إستراتيجي  .

وبالنسبة لنا ، وعلى رغم المآخذ وتاريخ الهيمنة والإحتلال الفرنسي لمناطق كبيرة في الوطن العربي بدافع مصالحها وتنافسها في صراع النفوذ والسيطرة الإستعمارية على العالم ، فإن علم السياسة لا يقوم على عداء مطلق ، و لا على تحالف وإنسجام مطلق ومستمر بين الدول .

وتعتبر فرنسا على الصعيد الجغرافي جارة للوطن العربي الذي يسهل التبادل التجاري والثقافي ، وتعتمد سياسة الدولة فيها على مقولة ( نابليون ) : أن سياسة الدولة تعتمد على جغرافيتها . ويعود تاريخ السياسة الفرنسية تجاه الوطن العربي إلى نهاية القرن الثالث الميلادي ( منذ 2200 سنة ) ، ثم تعزز بتحالف ( بيبان ) ملك الفرنكيين مع الخليفة العباسي ( المنصور ) في بغداد في القرن الثامن الميلادي ، وعلاقة الملك ( شارلمان ) مع الخليفة هارون الرشيد . وقامت ممالك فرنسية في لبنان وسورية وفلسطين أثناء الحرب الصليبية في القرن الحادي عشر ، وإكتشف الفرنسيون كنوز الحضارة العربية والتقدم الذي أحرزه العلماء العرب على نظرائهم في أوروبا ، وإفتتاح فرنسا لأول كرسي أستاذية في جامعة فرنسية لّلغة العربية عام 1587 ، ثم محاولة نابليون أثناء الحملة الفرنسية على مصر لإقامة تحالف فرنسي – عربي مع ( خلف إبن سعود ) ضد الأتراك حلفاء الإنكليز . وبعد إنتهاء الإحتلال للجزائر وعودة ( ديغول ) إلى الحكم ، أعاد تأكيد سياسة الإستقلال الوطني وبأحد أركانها " تعزيز العلاقات مع العالم العربي " ، وأدان ديغول إسرائيل لإعتدائها على العرب عام 1967 ، وفرض حظرآ على مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل ، وندد بإحتلال الأراضي العربية . وتابع الرئيس ( بومبيدو ) السير على سياسة ديغول . وكذلك فعل ( ديستان ) ، فقد أقر فتح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في باريس عام 1980 . وعندما إندلعت الحرب العراقية – الإيرانية عام 1980 ، وقفت فرنسا ضد تهديد الهيمنة الإيرانية الأصولية على المنطقة إنسجامآ مع سياستها ومع مصالحها . وتباينت السياسة الفرنسية عن بعض الدول الأوروبية وكثفت مساعدتها للعراق في عهد ( ميتران ) عام 1981 ، حتى كسب العراق حربه مع إيران . وإن لم ينجح ميتران في فرض حل سلمي تفاوضي لأزمة إحتلال العراق للكويت عام 1990 . ونشطت السياسة الفرنسية مرة أخرى عند تولي ( شيراك ) رئاسة الجمهورية الفرنسية عام 1995 وعدلت لأكثر إيجابية توجهات السياسة الفرنسية إزاء الوطن العربي .

وإن أهم ما يميز السياسة الفرنسية ، هو رفضها عالم أحادي القطبية تسيطر عليه قوة عظمى واحدة ، وسعت إلى إيجاد توازن دولي عن طريق تنظيم عالم متعدد الأقطاب قائم على الحفاظ على الأمم وهوياتها .

كما تؤمن السياسة الفرنسية بعدم إمكانية الفصل بين الصراع العربي – الإسرائيلي ، وبين تسوية المشكلة العراقية حيث هي مصدر آخر من مصادر العداء والإضطراب والإستياء في الوطن العربي ، وتعتقد بأن هناك صلة بين الصراع العربي – الإسرائيلي ، وبين المسألة العراقية حيث يسود الإعتقاد بأن إسرائيل تريد غزو العراق لحاجتها الدائمة إلى مزيد من الإضطرابات في الوطن العربي ، وإلى إضعاف العرب وتمزيقهم لصالح تدعيم قوتها في المنطقة ، ولخشيتها من السلام الذي يمكن أن يغير بموازين تعادل القوى في الصراع . وقد وقفت فرنسا في عام 1998 ضد العمل العسكري الأمريكي في عملية ( ثعلب الصحراء ) ضدالعراق ، إنسجامآ من مصالحها مع سياستها التي ترفض التدخل في الشؤون العراقية ، ودعمت وحدة أراضي العراق كشرط أساسي من شروط الإستقرار في المنطقة ، وكانت سياستها تقوم على رفض غزو العراق الذي سيؤدي إلى خلق مشكلات أكبر وأكثر مما يحل من مشكلات قائمة ، خاصة أن الغزو الأمريكي للعراق سيشعل المنطقة ويؤجج جذوة التعصب ، إضافة إلى قناعتها بأنه مع حاجة أمريكا لمثل هذه الحروب والسيطرة على المنطقة وعلى العالم ، فإن إسرائيل تساهم في الدفع نحو هذه الحرب خاصة بعد إضعاف دور الأمم المتحدة ، ليهيمن على العالم قانون دولي جديد يرتكز على أن : ( القوة على حق ) ، وأن مثل هذه التطورات تدفع بالعالم نحو الفوضى وعدم الإستقرار .

وتسعى فرنسا داخل الإتحاد الأوروبي بإقناع شركائها ببذل المزيد من الجهد لتحقيق السلام والإستقرار في المنطقة ، مع تباين وجهات نظر هذه الدول حول قضايا الشرق الأوسط . فمن بريطانيا المنحازة تمامآ إلى أمريكا ، إلى إيطاليا المؤيدة للرؤية الأمريكية حول صراع الحضارات وتخلف مستوى الحضارة الإسلامية ، إلى ألمانيا المشغولة بمصالحها في وسط أوروبا  .

3-     الوضع الإقليمي  :

إن دول الجوار للعراق : دول الخليج – سوريا – الأردن – تركيا – إيران ،    

إضافة إلى دول إقليمية أخرى مثل : مصر والدولة الصهيونية ، لهي على علاقة جدلية في التأثير والتأثر بإحتلال العراق وبمصير العراق .

فعلى مستوى الدول الخليجية :  فقد عاشت أقسى أيامها منذ عام 1979 عند قيام الثورة الإيرانية ، وشكل الهاجس الأمني والإستقرار السياسي والإجتماعي والإقتصادي ، قلقآ خطيرآ ومتزايدآ مع إستمرار عدم الإستقرار في المنطقة ودخولها مجال الصراعات الإستراتيجية والعسكرية إقليميآ ودوليآ . فمن الثورة الإيرانية ، إلى الحرب العراقية – الإيرانية ، إلى إحتلال العراق للكويت ، إلى الحرب الأمريكية على العراق منذ عام 1991 وحتى سقوط العراق وإحتلالها الآن ، كانت الأجندة السياسية الخليجية تتعامل مع الأحداث كمن يسير في حقل ألغام . ومع سقوط نظام صدام حسين ، تحقق وضعآ أكثر أمنآ وأكثر إستقرارآ عما مضى ، وساد شعور بالإرتياح الأمني عززه عدم إلزامها بدفع الفواتير المالية كما جرت العادة سابقآ . لكن هذا الشعور بالإرتياح يشوبه القلق لأسباب كثيرة منها : أن إحتلالآ قائمآ لدولة عربية ، ومنها أن هذا الإحتلال قد خلق ظروفآ ومعطيات جديدة تتعلق بعدم الإستقرار للنظام الخليجي لفترة قادمة ، ومنها الشعور بالقلق من توجه الإدارة اليمينية الأمريكية تجاه المنطقة عمومآ والسعودية بشكل خاص وخصوصآ إذا إستمرت هذه الإدارة بالسيطرة على القرار الأمريكي لسنوات قادمة ، ومنها ما قد يجري من محاولات وضغوط لضم العراق واليمن إلى مجلس التعاون الخليجي ، ومنها إزدياد التهديد الداخلي بالعنف والمهدد لأمن هذه الدول من قبل الجماعات الإسلامية المتشددة والإرهابية مع إحتمال إمتداد المقاومة والرفض للوجود الأمريكي إلى دول الخليج ، ومنها خطر العمالة الأجنبية وخاصة الآسيوية مع إمكانية فتح تلك الملفات كعامل أمريكي ضاغط على دول الخليج . 

وبالتالي فإن دول الخليج معنية بشكل مباشر بما يجري وسيجري في العراق مع إستمرار عدم الإستقرار والتفتيت والفتن الطائفية والإثنية ومقاومة الإحتلال وبقاء القوات الأمريكية في العراق على المدى القريب والبعيد . ولا يبقى أمام دول الخليج لمواجهة كل الإحتمالات الآنية والمستقبلية سوى البدء بتنمية الإنسان الخليجي ، وتفعيل دور عربي يتنامى لتفعيل الأمن القومي العربي الذي يتصدى للأخطار والمشكلات المحلية والإقليمية والدولية .

وعلى مســتوى دول الجوار الأخرى :  فإن الإحتلال الأمريكي للعراق ، ما هو إلا مقدمة لخطة أمريكية تهدف إلى إعادة ترتيب المنطقة بما يتلائم مع إستراتيجيتها في سيطرة الإمبراطورية الأمريكية على العالم . وهذا يمس بشكل مباشر وآني وسريع دول الجوار للعراق مع إنعكاساته ونتائجه على دول المنطقة الأخرى. فبخلاف التأثير المباشر على كل من سوريا ولبنان والأردن والسعودية والكويت وعلى الأوضاع في فلسطين المحتلة وعلى إيران وتركيا ، فإن له تأثير فاعل على دول إقليمية عربية أخرى مثل : مصر والسودان وليبيا ودول الخليج ، وتكون النتائج المرجوة من المخطط الأمريكي : الهيمنة وإعادة تشكيل المنطقة برعاية وتفوق وسيطرة إسرائيلية صهيونية . وما إجتماعات دول الجوار العراقي إلا بسبب تلمس تلك الدول لتلك النتائج الخطيرة . وقد سارت هذه الإجتماعات من خلال التعامل المفروض والواقع ، فبدأت تتعامل مع الأوضاع في العراق كأمر واقع وإن كان أمرآ مرفوضآ لديها . إلا أنه لا بد من التعامل معه وعدم تجاهله أو تجنبه ، وكذلك بشأن التعامل مع الحكومة المؤقته مهما كان الرأي حول شرعيتها .

وتتطلع تلك الدول إلى عدة أهداف وإن كانت متباينة الأهمية لدى كل منهم : فهي تهدف إلى تحجيم الدور الأمريكي وشططه في المنطقة ما أمكن ، وتهدف إلى نوع من الإستقرار النسبي داخل العراق لأن عدم وجوده سيكون له تأثيرعليها وعلى مصالحها الوطنية ولو بشكل منفرد ونسبي بين هذه الدول ، وتهدف إلى منع عمليات التسلل والتغلغل لتنظيمات مسلحة متشددة مثل تنظيم القاعدة إليها وإلى مجتمعاتها لوعيها بخطورة ذلك على الأمن والإستقرار داخل هذه الدول ، وتهدف إلى الحيلولة دون تقسيم العراق والتي ترى أن " الفدرالية " ستؤدي إلى هذا التقسيم والذي سيفتح الباب أمام فوضى شاملة وعارمة في هذه الدول وفي جميع دول المنطقة ، تكون إسرائيل هي الطرف الوحيد الذي يستطيع جني فائدة ذلك .

وما يجري في العراق لا يمكن فصله عما يجري في السودان وليبيا ، فهناك خيوطآ تحرك في داخل دول المنطقة لا يمكن فصلها عن الأخطار والتهديدات والضغوط الخارجية على تلك الدول ، وكذلك فإن الوضع في مصر يزداد صعوبة وتعقيدآ خاصة مع تفاجئها بالموقف الليبي وما يمكن أن يتطور إليه ، وكذلك ما تفرضه عليها طبيعة الأمور من ضرورة الوقوف إلى جانب الموقف السوري حول الأسلحة المحظورة في إطار إخلاء المنطقة كلها من أسلحة الدمار الشامل وبما يشمل إسرائيل وبرنامجها النووي ، وكذلك بضرورة دعمها لسوريا في مواجهة الضغوط الأمريكية التي تمارس على سوريا على كافة المستويات الداخلية والخارجية .

إن صورة الوطن العربي ومن خلال ما يجري في العراق الآن ، هي صورة مهزوزة معرضة لكثير من التغيرات والتحولات الجذرية والتي سيكون بعضها مفروضآ من القوى الخارجية المعادية ، وبعضها بفعل العوامل الداخلية . إن هذا الوضع يجب أن يدفع الأنظمة والشعوب إلى معالجة الإشكال القائم ومنذ زمن بعيد والمتمثل في غياب الحريات المسؤولة والواعية ، وإدمان القوى الحاكمة على التمسك بالسلطة بدون مشاركة الآخرين بإعتبار السلطة مسؤولية وليست فخرآ أو مكاسب ، والعجز عن السير في طريق الإصلاح السياسي والإجتماعي والإقتصادي ، وضرورة وعي قوى المعارضة الوطنية لأهمية ما يجري وبأن الوطن أعلى شعار يرفع ويحافظ عليه وببرامج وطنية تحشد كل قوى وطاقات الشعب بدون عداوات أو إستبعادات أو بإدعائها بالصحة المطلقة لرؤيتها للإصلاح والمشاركة ، والإبتعاد عن إلغاء الآخر ، وعن المماحكات الفكرية التي تفرق و لا توحد وليس لها أدنى فعل أو نتيجة على أرض الواقع والوطن والشعب الجائع والمقهور والمهمش .

4-     الوضع فــي  العــراق  :

إن ما يثير القلق والريبة ، أن وحدة العراق لا تبدو بالنسبة لواشنطن    

أمرآ هامآ ، بل من الواضح أنها تسعى ومن وراء ستار أحيانآ وبالفتن الداخلية أحيانآ وبالتصريح المباشر أحيانآ أخرى ، والدفع في هذا الطريق أصبح جليآ بالضغوط التي مورست ليظهر الدستور المؤقت مؤكدآ هذا الإتجاه .

فقد سعت أمريكا منذ إحتلالها للعراق إلى تحطيم الدولة ومؤسساتها وأجهزتها وإمكانياتها ، ولتقدمها برضا لعمليات نهب وسلب منظم في بداية الإحتلال ، ولعمليات لها الصبغة المؤسساتية من خلال عقود الإعمار المقدمة للشركات الأمريكية بشكل مباشر أو من خلال وكلائها في المنطقة أصحاب سوابق النهب والسلب والإختلاس ، وحتى سوابق في القهر والتقتيل والتدمير للشعب العراقي أبان النظام السابق . وتسعى أمريكا اليوم وبدور صهيوني فاعل إلى تحقيق أمرين على المدى القريب في العراق : أولهما : إقامة قواعد عسكرية ثابتة لها في العراق ، تبسط بالقوة عند اللزوم إرادتها على أية حكومة قادمة أو متوالية على العراق ، لتحقيق الإستراتيجية الأمريكية الصهيونية في المنطقة وتاليآ في العالم ، وهي لهذا تسعى إلى عراق مستقر حسب مفهومها . وثانيهما  :  تقسيم العراق بما يشكل من تفتت وبؤر صراع وفتن داخل العراق ، يشعلها الوجود الأمريكي حين اللزوم ، ويشكل بؤر صراع وفتن وتفتت في دول الجوار كسوريا وإيران وتركيا لتبقيهم في حالة ضعف وقلق وعدم إستقرار حتى لا يكون لهم دورآ فاعلآ مهما ضعف في التأثير على المخطط الأمريكي الصهيوني لإعاقته ، أو إفشاله في أعظم الأحوال خيالية .

وهي تسوّق في داخل العراق وخارجه مقولة : ( العراق المستقر والديمقراطي والعلماني ) وليكون نموذجآ لباقي دول المنطقة . وأكاد أجزم بأن هذا الإحتمال غيرمتوفر له أي عامل من عوامل النجاح على أرض الواقع .

لأن الديمقراطية ، عملية تعتمد أساسآ على الحرية ، حرية الوطن وحرية المواطن . وهي عملية شاقة وطويلة تعتمد على تفاعلات إجتماعية وسياسية وإقتصادية ، وهي عملية بناء تدريجي يتعمق على طريق ممارسة إحترام الآخر وتقبله ، وهي عملية تنضج فيها الحقوق والواجبات بشكل متواز ، كل ذلك وغيره في مداه التفاعلي داخل المجتمع وداخل النظم الحاكمة . وهذا غير متوافر الآن وبحاجة إلى البدء الصحيح والمسار الزمني الطويل .

والعلماني والعلمانية ، مفهوم واسع ومطاط لم تتحدد مفاهيمه ونهجه في الوطن العربي بعد ، و لا يعدو عن كونه شعار قد يرفع أحيانآ قبولآ أو رفضآ للآخر .

والإستقرار ، بمفهومه النسبي على الأقل غير ملموس خاصة في تشابك القوى والفاعليات العراقية وبإنتماءاتها ومنطلقاتها الفكرية وإرتباطاتها على المستوى الداخلي أو الخارجي ، ومحاولة كل قوة إلغاء الآخر أو الهيمنة عليه . وأكاد أرى أن العراق سيظل في حالة إضطراب وعدم إستقرار لأعوام قادمة ليست قليلة .

ويدخلنا هذا في عامل التقسيم المراد للعراق وللشعب العراقي . هذا التقسيم الذي بدأ التوجه على طريقه ، لن يخدم العراق والشعب العراقي ، وسيلحق ضررآ خطيرآ بسائر الأطراف الإقليمية في الشرق الأوسط ، وستكون إسرائيل هي الطرف الوحيد المستفيد من إنجاز التقسيم . وحتى الأكراد وعلى المدى القريب المنظور ، وعلى المدى البعيد ، سيكونون من المتضررين الأساسيين بهذا السعي للتقسيم ، وإن كان يلمس أن ليس عموم الأكراد في المنطقة يفضلون مثل هذه الفكرة .. فكرة الدولة الكردية المستقلة والإنفصالية ، بما سيدفعوا من أثمان باهظة مقابل مثل هذه رؤية . إن بعض القوى الإنفصالية الكردية ذات الإرتباطات المشبوهة والمشكوك فيها ، هي التي تدفع في هذا الإتجاه متجاوزة آلام شعبها وما سيعانيه وطنيآ وإقليميآ وحتى أمريكيآ ، بعد تحقيق المآرب الأمريكية ، ومتجاهلة طموحه بالإستقرار وتطلعه لأن يكون جزءآ مواطنآ كاملآ في أي وطن إحتواه ، ضمن مواطنية متكافئة بالفرص وسيادة القانون وضمان الحقوق المشروعة لهذه المواطنية من جميع النواحي الثقافية والدينية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية ضمن الوطن الواحد .

وفي الواقع .. فلن يستطيع أحد الحيلولة دون تقسيم العراق ، غير العراقيين أنفسهم . ويبقى السؤال معلقآ:

إلى أي مدى ستنجح القوى العراقية على إختلاف أشكالها وتوجهاتها في الحفاظ على عراق موحد ؟ .

السابق

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
  اتصل بنا  
   
   

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ