صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الخميس 09 - 01 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |   ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع | كــتب | مجموعة الحوار |ـ

.....

   

برق الشرق

كلمة حول " الاستحقاق التشريعي "

تُعتبر الانتخابات التشريعية في البلدان الديمقراطية ,  أو إذا صح التعبير في البلدان " النصف ديمقراطية " , مفصل هام في حياة تلك البلدان , لأنها من أكبر الفرص ,  التي يجلس  فيها الجميع , أحزاب , وأفراد , وقوى اجتماعية فاعلة مختلفة , في كرسي الاعتراف ,  أمام كاهنهم - الشعب - ليدلوا بما صنعت أياديهم , وفكرت عقولهم في الحقبة الماضية , وما ينون فعله ,  بموجب ما أبدعت عقولهم للفترة اللاحقة .

وبموجب تلك الاعترافات , يعاقب الكاهن – الشعب - من أساء ,  بعزله من منصب الإدارة , ويكافئ الأمين الصادق ,  بتوليته لدفة الإدارة للحقبة القادمة .

فالانتخابات التشريعية إذاً , هي وقفة حساب للإدارة القائمة , ومكافئتها , عن طريق إعادتها لإدارة الحياة العامة , أو معاقبتها وإقالتها , وفي هذه الحالة , إعطاء الفرصة للآخرين , للتصدي لإدارة الدولة بشكل افضل مما كان عليه .

أما في بلادنا العربية جميعها , ومنها بالطبع سوريا , فان منطق الانتخابات المؤسس على قاعدة " الديمقراطية الشعبية " لهو مختلف تماما , ولعل خلافه مع منطق الانتخابات في البلدان الديمقراطية , هو ما نسميه ( خصوصيتنا ) .

فإدارة الدولة عندنا لا ُتحاسب ,  ولا تتبدل , وهي قائمة ما قامت فروع الأمن الكثيرة ( مقيمة ما أقامت ميسلون ) وهي إدارة لا تُخطئ أصلاً لكي تحاسَب , لأنها بمنطق "خصوصيتنا" هي إدارة ملهَمَة , أي  أن  دوافع  تصرفاتها ,  تستمدها  من خارج العالم الأرضي ,  طالما هي ملَهَمَة , وبالتالي لا يحق للبشر الأرضيين أن يحاسبوا ما هو سماوي .

 ولا يمكن تبديلها , لأن قابلية  التبديل تقتضي  وجود البديل  , وحيث أن البديل , لا يُعترف بوجوده أصلاً , فيتحول الحديث عنه  للكلام عن الظلال , ويعتبر وجود الظل تعبيراً عن ديمقراطيتنا الخاصة والمتفوقة ,  وحيث أن الظل لا يمكن أن يحل مكان الأصل , لذلك وجب على الظل أن يبقى ظلاً , ولا أهمية له إن كان ظلاً طويلاً أو قصيراً .

أما  كون الانتخابات التشريعية , كمباراة رياضية ,  يجهد فيها المتسابقين أنفسهم ,  ضمن نفس الشروط للجميع , للحصول على ثقة الناس , فان ذلك أيضاً لا يتناسب مع ( خصوصيتنا ) , حيث أن "ديمقراطيتنا الجبهوية العريقة " قد حولت السباق النزيه ,  حيث يخضع فيه جميع المتسابقين إلى نفس الشروط , إلى عرس " ديمقراطي " تزف فيه الرعية العرسان الجدد إلى دخلتهم إلى موائد السلطان ,  لِلملمة فتاته , والتي تسمى مشاركة في صنع القرار .  

 

وإذا كنا كرعايا , لا نتمتع بحق  أن نسأل أولياء الأمور الأسياد عن سبب إجراء هذه الانتخابات المهزلة , فلنتوجه بأسئلتنا إلى من  هم مثلنا من أبناء الرعية ,  ويريدون المشاركة في تلك الانتخابات :

1 – هل يحق بالفعل لكل أبناء الرعية السورية , الترشيح , من دون المرور بمصافي الأجهزة الأمنية ,ذات الفتحات  المتعددة الأشكال الهندسية والحجمية . ؟

2 – وان حصل وتم قبول طلبات الترشيح تلك , هل يحق للمرشح أن يتصل بأبناء دائرته وعرض برنامجه السياسي أو الانتخابي من دون أن يخرق قانون الطوارئ ,  الذي يحظر اجتماع أكثر من خمسة مواطنين بدون إذن مسبق من السلطات الأمنية .؟

3 – وان حصل ذلك , هل للمرشح المعارض أن يستعمل سيارة الدولة وصحيفتها وتلفزيونها وغيره كما يستعملهم خصمه في نفس الدائرة الانتخابية .أم أن إمكانيات الدولة لخدمة العرسان المزفوفين سلفاً ,  فقط دون سواهم ؟

4 – وان حصل ذلك , هل يحق للمرشح أن يرسل مندوباً عنه للمشاركة في الأشراف على فرز الأصوات .؟

5 – وإن حصل ذلك . وتم تلاعب في عملية فرز الأصوات , وتم كشفها ,  فهل هناك قضاء مستقل مشرف على العملية الانتخابية يمكن عرض المظالم أمامه .؟

6 – وإن حصل ذلك , واحتلت المعارضة مقاعد مجلس الشعب بالكامل , فما هي الضمانة للبرلمانيين أولئك , من أن يجاوروا السيدين مأمون الحمصي ورياض سيف , في اليوم اللاحق للانتخابات أو بنفس اليوم  بتهمة العمل على تغيير الدستور بوسائل عنيفة .؟

إن المشاركة في العملية الانتخابية التي ستجري في البلاد , في ظل الظروف السياسية والقانونية السائدة , والتي تتلخص بسيادة قانون الطوارئ ,  وحالة الأحكام العرفية , وسيادة أربعة عشر جهازاً أمنياً , ممنوحة الصلاحيات للتدخل جميعها في شأن لون ربطة عنق المواطن الواحد , وغياب قانون عصري , واضح , وصريح , لتنظيم الحياة الحزبية في البلاد , وغياب قانون انتخابي عملي وصحيح يضمن للجميع إمكانية عمليّة للترشيح ,  وليست نظرية  , لا يمكن أن يكون لها أي معنى سياسي ,  إلا إعطاء السلطة السياسية القائمة ,  وأساليبها في إقصاء الآخر وإلغائه ,  شرعية ,  عجزت عن تحقيقها ,  رغم كل البطش الذي مارسته بحق القوى الديمقراطية خلال الثلاثين عاما الماضية , ولن يؤدي نجاح أحد ممن  تريد السلطة التنفيذية له أن ينجح  من طرف المعارضة , إلا إلى توسيع دائرة القوى المتلقية لرشوة السلطة التنفيذية في بداية كل دورة جديدة للمجلس , والتي اعتادت أن تكون شقة سكنية فاخرة في مدينة دمشق , وجمركة لأحدث سيارة في العالم يشتريها المندوب , - ويبيعها بالسوق الداخلية -  من دون مقابل .

 

لقد كان رئيس مجلس الشعب المنتهي المهام ,  أصدق من بعضنا هذه المرة ,  عندما أكد أن لاشيء قد تغير ,  فلماذا الكلام عن  نغير قواعد الانتخابات . فلماذا يبشر بعضنا أن الأوضاع في سورية قد تغيرت وعلينا اللحاق لشغل مقعد في البرلمان . فنحن لسنا بحاجة لنتدرب على أصول الانتخابات , لا كأحزاب ولا كأفراد , لنكسب وقتنا ونبدأ تعلم منذ الآن قبل أن يدركنا الوقت ,  بل نحن بحاجة لأن نتدرب أولاً على السير في الطريق من دون أن نتلفت حولنا , فان نجحنا في التدريب على هذا , نكون قادرين لاحقاً على الترشيح والانتخاب بفاعلية تفوق فاعلية الديمقراطيات الحقيقية في العالم . فنحن لسنا أقل شأناً من أحد .

نقطة أخيرة : على السلطة وأجهزتها أن تتوقف عن الكلام عن قانون الأحزاب والانتخابات كما نتحدث عن ليلة القدر , كحدث ليس للناس فعل فيه , بل انتظار لنتائجه العظيمة على حياتنا وآخرتنا . إن قانوني الأحزاب والانتخابات , إن صدرت , سيكون لها تأثير كبير على حياة البشر , والبشر هم الفاعلون والمنفعلون بها . لذلك ,  إن لم يسبق صدور هذه القوانين , نقاشات عامة تشمل كل المواطنين والقوى وتراعى مصلحة التعددية على أسس ديمقراطية عصرية , فان هذين القانونين سيكون لهما شكل ومضمون قانون الصحافة سيئ الذكر , ولن يؤديا إلا إلى مزيد من الاحتقان السياسي والاجتماعي .

فريد حداد ـ كندا

5\1\2003 السابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  الموقف  
  برق الشرق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  تراث  
  بيانات وتصريحات  
  بريد القراء  
  قراءات  
  شآميات  
 

 

  اتصل بنا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد ـالموقع | كــتب | مجموعة الحوار |ـ

| ـالموقف |  برق الشرق  | رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  | تراث  | بيانات وتصريحات |  بريد القراء |  قراءات  | شآميات  |  ـ