كلمة حول " الاستحقاق التشريعي "
تُعتبر الانتخابات
التشريعية في البلدان الديمقراطية ,
أو إذا صح التعبير في البلدان "
النصف ديمقراطية " , مفصل هام في حياة
تلك البلدان , لأنها من أكبر الفرص ,
التي يجلس فيها
الجميع , أحزاب , وأفراد , وقوى اجتماعية
فاعلة مختلفة , في كرسي الاعتراف ,
أمام كاهنهم - الشعب - ليدلوا بما
صنعت أياديهم , وفكرت عقولهم في الحقبة
الماضية , وما ينون فعله ,
بموجب ما أبدعت عقولهم للفترة
اللاحقة .
وبموجب تلك
الاعترافات , يعاقب الكاهن – الشعب - من
أساء , بعزله
من منصب الإدارة , ويكافئ الأمين
الصادق , بتوليته
لدفة الإدارة للحقبة القادمة .
فالانتخابات
التشريعية إذاً , هي وقفة حساب للإدارة
القائمة , ومكافئتها , عن طريق إعادتها
لإدارة الحياة العامة , أو معاقبتها
وإقالتها , وفي هذه الحالة , إعطاء
الفرصة للآخرين , للتصدي لإدارة الدولة
بشكل افضل مما كان عليه .
أما في بلادنا
العربية جميعها , ومنها بالطبع سوريا ,
فان منطق الانتخابات المؤسس على قاعدة
" الديمقراطية الشعبية " لهو
مختلف تماما , ولعل خلافه مع منطق
الانتخابات في البلدان الديمقراطية ,
هو ما نسميه ( خصوصيتنا ) .
فإدارة الدولة عندنا
لا ُتحاسب , ولا
تتبدل , وهي قائمة ما قامت فروع الأمن
الكثيرة ( مقيمة ما أقامت ميسلون ) وهي إدارة لا تُخطئ
أصلاً لكي تحاسَب , لأنها بمنطق "خصوصيتنا"
هي إدارة ملهَمَة , أي
أن دوافع
تصرفاتها , تستمدها
من خارج العالم الأرضي ,
طالما هي ملَهَمَة , وبالتالي لا
يحق للبشر الأرضيين أن يحاسبوا ما هو
سماوي .
ولا
يمكن تبديلها , لأن قابلية
التبديل تقتضي
وجود البديل ,
وحيث أن البديل , لا يُعترف بوجوده
أصلاً , فيتحول الحديث عنه
للكلام عن الظلال , ويعتبر وجود
الظل تعبيراً عن ديمقراطيتنا الخاصة
والمتفوقة , وحيث
أن الظل لا يمكن أن يحل مكان الأصل ,
لذلك وجب على الظل أن يبقى ظلاً , ولا
أهمية له إن كان ظلاً طويلاً أو قصيراً
.
أما كون الانتخابات التشريعية ,
كمباراة رياضية , يجهد
فيها المتسابقين أنفسهم ,
ضمن نفس الشروط للجميع , للحصول على
ثقة الناس , فان ذلك أيضاً لا يتناسب مع
( خصوصيتنا ) , حيث أن "ديمقراطيتنا
الجبهوية العريقة " قد حولت السباق
النزيه , حيث
يخضع فيه جميع المتسابقين إلى نفس
الشروط , إلى عرس " ديمقراطي " تزف
فيه الرعية العرسان الجدد إلى دخلتهم
إلى موائد السلطان ,
لِلملمة فتاته , والتي تسمى مشاركة
في صنع القرار .
وإذا كنا كرعايا , لا
نتمتع بحق أن
نسأل أولياء الأمور الأسياد عن سبب
إجراء هذه الانتخابات المهزلة ,
فلنتوجه بأسئلتنا إلى من هم مثلنا من أبناء الرعية ,
ويريدون المشاركة في تلك
الانتخابات :
1 – هل يحق بالفعل
لكل أبناء الرعية السورية , الترشيح ,
من دون المرور بمصافي الأجهزة الأمنية
,ذات الفتحات المتعددة
الأشكال الهندسية والحجمية . ؟
2 – وان حصل وتم قبول
طلبات الترشيح تلك , هل يحق للمرشح أن
يتصل بأبناء دائرته وعرض برنامجه
السياسي أو الانتخابي من دون أن يخرق
قانون الطوارئ , الذي يحظر اجتماع أكثر من خمسة
مواطنين بدون إذن مسبق من السلطات
الأمنية .؟
3 – وان حصل ذلك , هل
للمرشح المعارض أن يستعمل سيارة
الدولة وصحيفتها وتلفزيونها وغيره كما
يستعملهم خصمه في نفس الدائرة
الانتخابية .أم أن إمكانيات الدولة
لخدمة العرسان المزفوفين سلفاً ,
فقط دون سواهم ؟
4 – وان حصل ذلك , هل
يحق للمرشح أن يرسل مندوباً عنه
للمشاركة في الأشراف على فرز الأصوات .؟
5 – وإن حصل ذلك . وتم
تلاعب في عملية فرز الأصوات , وتم كشفها
, فهل هناك قضاء مستقل مشرف على
العملية الانتخابية يمكن عرض المظالم
أمامه .؟
6 – وإن حصل ذلك ,
واحتلت المعارضة مقاعد مجلس الشعب
بالكامل , فما هي الضمانة للبرلمانيين
أولئك , من أن يجاوروا السيدين مأمون
الحمصي ورياض سيف , في اليوم اللاحق
للانتخابات أو بنفس اليوم
بتهمة العمل على تغيير الدستور
بوسائل عنيفة .؟
إن المشاركة في
العملية الانتخابية التي ستجري في
البلاد , في ظل الظروف السياسية
والقانونية السائدة , والتي تتلخص
بسيادة قانون الطوارئ ,
وحالة الأحكام العرفية , وسيادة
أربعة عشر جهازاً أمنياً , ممنوحة
الصلاحيات للتدخل جميعها في شأن لون
ربطة عنق المواطن الواحد , وغياب قانون
عصري , واضح , وصريح , لتنظيم الحياة
الحزبية في البلاد , وغياب قانون
انتخابي عملي وصحيح يضمن للجميع
إمكانية عمليّة للترشيح ,
وليست نظرية ,
لا يمكن أن يكون لها أي معنى سياسي ,
إلا إعطاء السلطة السياسية
القائمة , وأساليبها
في إقصاء الآخر وإلغائه ,
شرعية , عجزت
عن تحقيقها , رغم
كل البطش الذي مارسته بحق القوى
الديمقراطية خلال الثلاثين عاما
الماضية , ولن يؤدي نجاح أحد ممن
تريد السلطة التنفيذية له أن ينجح
من طرف المعارضة , إلا إلى توسيع
دائرة القوى المتلقية لرشوة السلطة
التنفيذية في بداية كل دورة جديدة
للمجلس , والتي اعتادت أن تكون شقة
سكنية فاخرة في مدينة دمشق , وجمركة
لأحدث سيارة في العالم يشتريها
المندوب , - ويبيعها بالسوق الداخلية -
من دون مقابل .
لقد كان رئيس مجلس
الشعب المنتهي المهام ,
أصدق من بعضنا هذه المرة ,
عندما أكد أن لاشيء قد تغير ,
فلماذا الكلام عن نغير قواعد الانتخابات . فلماذا
يبشر بعضنا أن الأوضاع في سورية قد
تغيرت وعلينا اللحاق لشغل مقعد في
البرلمان . فنحن لسنا بحاجة لنتدرب على
أصول الانتخابات , لا كأحزاب ولا
كأفراد , لنكسب وقتنا ونبدأ تعلم منذ
الآن قبل أن يدركنا الوقت ,
بل نحن بحاجة لأن نتدرب أولاً على
السير في الطريق من دون أن نتلفت حولنا
, فان نجحنا في التدريب على هذا , نكون
قادرين لاحقاً على الترشيح والانتخاب
بفاعلية تفوق فاعلية الديمقراطيات
الحقيقية في العالم . فنحن لسنا أقل
شأناً من أحد .
نقطة أخيرة : على
السلطة وأجهزتها أن تتوقف عن الكلام عن
قانون الأحزاب والانتخابات كما نتحدث
عن ليلة القدر , كحدث ليس للناس فعل فيه
, بل انتظار لنتائجه العظيمة على
حياتنا وآخرتنا . إن قانوني الأحزاب
والانتخابات , إن صدرت , سيكون لها
تأثير كبير على حياة البشر , والبشر هم
الفاعلون والمنفعلون بها . لذلك ,
إن لم يسبق صدور هذه القوانين ,
نقاشات عامة تشمل كل المواطنين والقوى
وتراعى مصلحة التعددية على أسس
ديمقراطية عصرية , فان هذين القانونين
سيكون لهما شكل ومضمون قانون الصحافة
سيئ الذكر , ولن يؤديا إلا إلى مزيد من
الاحتقان السياسي والاجتماعي .
فريد حداد ـ كندا
5\1\2003
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|
|