صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الثلاثاء 19 - 08 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

مشاركات

وصل إلى برق الشرق :

عتاب بالنيابة عن الشهداء

وهل ينفع العتاب في زمن الاحتلالات؟

بقلم : محمد المحمود*

أراد الدكتور وحيد عبد المجيد أن يحسن للشعب العراقي الشقيق ، فأساء إلى شعب عربي آخر هو الشعب السوري ، وذلك في مقاله المنشور في صحيفة ( الأهرام ) الغراء بتاريخ 6/8/2003م ، تحت عنوان : ( العراق والعرب وجامعتهم ) .

من أجل أن يحسن الكاتب إلى الشعب العراقي اتكأ على فكرة ، مفادها : أن ( النظام العراقي السابق كان فريداً في نوعه لا مثيل له ، ليس فقط في المنطقة العربية . ولكن في العالم الراهن ) ، وهذه الفرادة في النظام السابق تستدعي من العرب أو الجامعة العربية حلاً فريداً أو استثنائياً أيضاً .

هذا هو موجز المقال ، الذي يمكن أن يقول القاريء فيه ببساطة متناهية : لا غبار عليه . لكن البنية الفكرية ، أو الحجج التي بنى الكاتب عليها المقال أساءت إلى الفكرة الأساسية ، كما أساءت إلى حقائق التاريخ ، وإلى شعب عربي شقيق هو الشعب السوري ، فيما أساء .

أول الوهن : إطلاق الأحكام التعميمية : ( لا مثيل له .. في المنطقة ..في العالم ) ، وسوف نجد في الأقل من هو أشدَ منه فرادة في أولئك الذين احتلوا أرض غيرهم ، وأقاموا عليها (دولة ) توسعية ، ولم يضموا قطراً أو أرضاً وحسب إلى أرضهم، وذلك في أرضنا المحتلة !

الوهن الثاني : جوابه على سؤالين : الأول ( لا توجد مقابر جماعية في بلد عربي آخر ) والثاني    ( ما من نظام عربي آخر احتل بلداً شقيقاً ، وحوله إلى محافظة تابعة له ) .

نبدأ بالشق الأخير ، فنقول : هناك أنظمة احتلت أقطاراً أخرى ، وإن لم تجعلها محافظة تابعة لها ، فقد جعلتها (مزرعة =عزبة ) ، وفعلت فيها الأفاعيل ، وهي حتى الآن لم تخرج منها ، وهي من الشهرة إلى الحد الذي لا نحتاج معه لتسميتها . وهذا لا يسوغ منطق الاحتلالات على كل حال ، ولسنا في معرض الدفاع عن نظام أو سياسة بعينها . إننا نمتحن المقولات ، ونؤسس لمنطق سليم حرّ .

أما القول : لا توجد مقابر جماعية في بلد عربي آخر ، فلم يستطع الكاتب إقناعنا بما ساقه من حجج قاصرة ، ومعلومات مبتورة ، وربما حمله على ذلك انسياقه مع فكرة ( فرادة الحل العربي للشعب العراقي ) إلى اصطناع ( فرادة النظام السابق ) التي حملته إلى تجريد أنظمة أخرى من فضيلة ( المقابر /المجازر الجماعية ) ، فدافع من حيث يدري أو لا يدري عنها .

لنتأمل أطروحته في المقابر الجماعية في سورية :

يحصر الكاتب كل ما حصل في القطر السوري بمأساة حماة عام 1982م ، معتبراً ما حصل آنذاك  ( حملة لتحرير مدينة سيطرت عليها هذه الجماعات وحولتها إلى ثكنة مسلحة . وما حدث كان أقرب إلى معركة بين قوتين مسلحتين . إحداهما تمثل شرعية الدولة ، والأخرى تعبر عن تمرد على هذه الشرعية بالقوة ) .

سوف نتجاوز عامدين مسألة الشرعية للدولة ، وإن كانت الطريقة نفسها التي وصل فيها صدام حسين إلى السلطة ، هي نفسها في سورية ، وهي الانقلاب العسكري على رفاق آخرين انقلابيين أيضاً ، والحزب في التسمية ( واحد ) .

أولاً : ليست مدينة حماة وحدها التي تعرضت في الثمانينات من القرن الماضي للمجازر فالمقابر الجماعية ، فهناك محافظات أخرى حصل لها هذا الشرف ، مثل : مجزرة ( تدمر ) ، ومجزرة سوق الأحد وحي المشارقة في مدينة حلب ، ومجازر كل من دير الزور وحمص وجسر الشغور وسرمدا .

ثانياً : ما حصل في المحافظات والمدن السورية الأخرى ليس تمرداً  مسلحاً أو سيطرة ، بل مظاهرات شعبية سلمية . والفجيعة الأشد ما حصل في سجن مدينة  ( تدمر ) الواقعة في بادية الشام ، بلا مظاهرات ، بل هجوم قوات النظام السوري على سجناء مدنيين عزل ، وهم في زنازينهم ، أبادوهم خلال نصف ساعة بلا أدنى مقاومة ، تحت وابل الرصاص والقنابل اليدوية بتاريخ 27/7/1980م ، وقد قدّر تقرير منظمة ( رقيب الشرق الوسط لحقوق الإنسان – الصادر عام 1990م عدد ضحايا هذه المجزرة بـ1000 ألف سجين ، على حين قدرها المستشرق الفرنسي سيرو بـ ( 1181) ضحية .)

أما مجزرة حي المشارقة صبيحة يوم العيد 11/8/1980م ، فيصفها تقرير ( رقيب الشرق الأوسط المذكور ) بقوله : ( قامت مغاوير القوات الخاصة باقتحام حي المشارقة لتجبر السكان المدنيين الذكور ، عشوائياً ، على مغادرة منازلهم ، لكي تقتادهم إلى مقبرة وبالقرب من قبر إبراهيم هنانو ، فتح الجنود النار على أولئك الناس ليقتلوا ( 83) شخصاً منهم ، ويجرحوا عدة مئات آخرين ... تبين بعد هذه المجزرة أن بعض الذين قتلوا فيها كانوا من البعثيين الموالين وعمال الحكومة والمؤيدين للنظام ) ص 34 – الطبعة العربية .

ثالثاُ : ليست مأساة (حماة ) عام 1982م التي أشار إليها الكاتب هي الوحيدة في المدينة المغدورة ، فهناك ( مجزرة جماعية في نيسان= إبريل عام1980، قتل فيها عدد من أعيان الدينة وشخصياتها ( بقطع الآذان وفقأ الأعين ثم طرح الجثث على المزابل ) ، بعد أن فتشت المدينة بيتاً بيتاً واعتقل المئات . ومجزرة ثانية بتاريخ 24/4/1981م ذهب ضحيتها 335 مواطناً ، ألقيت جثثهم في الشوارع والساحات ، ولم يسمح بدفنهم إلا بعد أيام عدة . ( انظر كتاب : حماة مأساة العصر ص 24 ) .

رابعا : هل يجوز اختزال ما حصل عام 1982م في ( حماة ) بتمرد سيطرت عليه السلطة الشرعية للدولة ؟

أ – استمرت المجزرة طوال شهر كامل (شباط= فبراير ) ، ولم تقتصر عل مواجهة المسلحين ، بل شملت المدنيين جميعاً كبارا وصغاراً  مسلمين ونصارى ، أسواقاً ( سوق الطويل – حي الدباغة ) ومدارس  ( كالثانوية الشرعية 30 شهيداً ) ومساجد( 88 ) مسجدا تم هدمها ، وكنائس( 5 ) كنائس كذلك  ، ومواقع أثرية ( 45) موقعاً أثرياً تمت تسويتها بالأرض .

بـ - لم تقتصر مجزرة حماة على قصف المباني والمؤسسات ، وهدمها على من فيها من السكان ، بل تمّ جمع المواطنين في أماكن محددة ، ثم القضاء عليهم جماعياً بالرصاص ، مثل : ( مجزرة الملعب البلدي استشهد فيها المئات ، ومجزرة منجرة البدر 25 شهيداً ) ، أو حرقاً ( دكان الحلبية : 75 مواطنأ ، ودكان عبد المعين مفتاح ) و( مجزرة آل شيخ عثمان ما يزيد على 25 مواطناً ، في حي البارودية فتحت أسطوانات الغاز ، وأضرمت النار ، وأحرقت أسرة كاملة في بيت واحد منهم ) ، أو دفناً تحت التراب وبعضهم أحياء ، مثل مجزرة ( سريحين ) الجماعية ، وهي قرية قرب مدينة ( حماة) قتل فيها بالرصاص أو الدفن حياً ما لا يقل عن حمولة (11) إحدى عشرة سيارة شاحنة (لوري) من الرجال المدنيين العاديين . هذه عينات أو أمثلة للتوضيح لا للحصر ، ويمكن مراجعة كتاب ( حماة مأساة العصر ) أو ( تقرير رقيب الشرق الأوسط  المذكور سابقاً ) ، وغيرهما من المؤلفات ومن تقارير الصحافة الأجنبية والعربية .

ج – لم تقف المجزرة على عناصر المعارضة ولا المدنيين العاديين ، بل شملت أيضاً العناصر التابعة للسلطة والحزب الحاكم وجبهته التقدمية ورجال الأمن ( المخبرين ) ، وفي كتاب ( حماة مأساة العصر ) قوائم بمئات من أسمائهم ( ص 281 – 284  ) .

د - تقدّر مصادر المعارضة السورية عدد الضحايا بما لا يقل عن ( 30000) ثلاثين ألفاً ، على حين يقدرهم الصحفي البريطاني ( باتريك سيل ) بـ (10000) عشرة آلاف ، ولم يقل أحد إن عدد العناصر المعارضة يزيد عن (1000) ألف ، فلماذا قتل عشرة أضعافهم في أقل تقدير ؟ جاء في تقرير منظمة        ( رقيب الشرق الأوسط – ص 44 ) ما يلي : ( اختلفت تقديرات عدد القتلى كثيراً ، إلا أن أكثر المحللين مصداقية وضعوا العدد بين ( 5 آلاف و10) آلاف شخص ، وآلاف كثيرة جداً من الجرحى الآخرين ، ومع التدمير الكامل لما لا يقل عن ثلث مساكن المدينة تدميراً شاملاً ، وقد بقي ستون ألفاً أو سبعون من النساء مشردات من غير مأوى ، بل هجر المدينة حتى أولئك الذين سلمت دورهم من الدمار بسبب ما انتابهم من الهلع والرعب . ذكر أحد التقارير المعروفة بالموضوعية والصدق أن عدد المساجد المدمرة والكنائس المحطمة وصل إلى ( 88 ) مسجداً و( 5 ) كنائس ، فضلاً عن ( 21 ) سوقاٌ ، وسبع مقابر ، وسبعة حمامات عامة ، وثلاثة عشر مرفقاً سكنيا عاماً أو حياً مجاوراً .) .

فهل يصح القول بعد كل هذا : إنها كانت معركة بين قوتين مسلحتين ؟ أو ما حصل في حماة هو كل ما حصل في سورية ؟

لن نذهب بعيداً في تعليل ما وقع فيه الدكتور وحيد عبد المجيد بحق الشعب السوري ، فندخل إلى النوايا ، فنتهمه بتعمد التبرئة للأنظمة أو لنظام بعينه ، ونكتفي بظاهر حماسته لفكرة الفرادة لحل الإشكال العراقي من فرادة النظام السابق ، على حدّ رأيه  ، التي ذهبت به إلى نفي صفة المجازر/المقابر الجماعية  عما حصل في سورية ، مطلع الثمانينات من القرن الماضي ، ونقدّر أن عدم اطلاعه على أبعاد الواقع السوري من جهة ، وتقصيره في تحري الحقائق وتوثيق المعلومات من جهة ثانية ، كانت وراء ما وقع فيه ، ولا نزيد !

أما وقد بسطنا ما يمكن بسطه من القضية ، فما رأيه ، وما رأي التاريخ ، ورأي القاريء المنصف ، وما رأي الجامعة العربية ، التي عُرض عليها موضوع المقابر الجماعية في العراق وفي سورية لتقول كلمة العدل والإنصاف ، بعد التحقيق القضائي الميداني النزيه ، وبعد ما أُجريت عمليات تجريف وسحق لعدد من المقابر الجماعية في مدينة ( حماة ) وصحراء مدينة ( تدمر ) لإزالة الآثار المتبقية ، بدلاً من السعي لإصلاح وطني عام ، يواسي الجراح ، ويغسل صفحات الماضي ، بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ، وإنهاء تسلط حزب واحد وأجهزة القمع الأمنية ، والاحتكام إلى الحق والقانون ، والسماح بعودة آلاف المهجرين خارج البلاد والمحرومين وأولادهم وحفدتهم ثلاثة أجيال من الوثائق المدنية ووثائق السفر أو العودة الآمنة إلى حضن الوطن والأباء والأمهات المتقلبين على جمر .

إنها كلمة عتاب باسم الشهداء ، فهل ينفع العتاب في زمن الاحتلالات ؟!

*  كاتب سوري وعضو المؤتمر الأول للحوار الوطني - لندن

السابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
  اتصل بنا  
   
   

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ