مشاركات
المجتمع
الإنساني ... وبرمجة المستقبل
نسرين
الفار
نحن
في هذا العالم، لدينا على الأرض
مجتمعات إنسانية ولدت منذ ولادة
التاريخ الإنساني، وساهمت في بناء
أصولها بالفن والأدب واحترام الذات
والحضارة، ونحن أيضا في هذا العالم،
لدينا مجتمعات عسكرية وسياسية وعلمية
ودينية ضخمة، تشكل في مجملها
المجتمعات البشرية على الأرض بسلوكها
وثقافاتها وعاداتها وعقيدتها، إلا أن
المجتمعات الإنسانية ومنذ قدم التاريخ
الإنساني بقيت تنادي بعدم إحراج
الإنسانية الصالحة الشفافة
بالآيديولوجيا والمعايير التي يحكم
بها البشر، كذلك بقيت ولا زالت إحدى
عناصر قوات الأمن المسلحة، أو جنوداً
في جيش دولة من إحدى دول العالم سواءً
الفقيرة أو الغنية أو المتسلطة.
فمن
هو جيش أي دولة في العالم؟ ومن هم أفراد
هذا الجيش سوى أنفسهم أفراد مجتمعاتهم
وطبقاتهم المختلفة؟ ..
وفي
ذهن العقل الإنساني, فإن الخضوع
لقوانين الدولة العسكرية وخصوصاً في
حال حدوث حرب قريبة أو متوقعة ـ هجوماً
أو دفاعاً أو وقاية ـ أمر لا زال
موجوداً بالرغم من حركات ونزعات
التحرر الإنسانية في هذا الموضوع،
وتبلغ الدرجة في هذا العقل الإنساني في
أن يتبع عرف القانون العسكري للدولة
حماية إنسانية لمجتمعه الخاص، وحماية
لتراث أجداده القدماء حتى وإن كان في
بعض نظريات الأجداد ومنطقيتهم تجاه
الحياة ما هو مرفوض في المجتمع
الإنساني الحديث، وهذا الأمر كذلك
يندرج في قيم ومبادىء الإنسانية
السمحاء، التي لا تستطيع التجرؤ على
رفض فكر وسياسة الأسلاف من القدماء،
وأكثر دليلاً على ذلك هو أن كافة دول
العالم تحتفظ بتمجيد ذكرياتها في
المعارك والبطولات والصراعات
التاريخية والقديمة.
وحتى
الدول التي تتخذ من مبادىء وقوى حقوق
الإنسان سياسة مركزية واستراتيجية
لها، تحتفل سنوياً بأيام الحروب التي
خاضتها مع غيرها سواء انتصاراً أو
هزيمة، أو ثورة أو درء احتلال
واستعمار، وكل دولة تحتفل مع غيرها في
هذا الانتصار العظيم أو الهزيمة
المبجلة.
كذلك،
فإن ما نراه واقعياً يحتفل ويتفاعل في
هذه الاحتفالات هو المجتمع الإنساني
تحت ضرورة الحفاظ على الوطن المقدّس
وثقافة الأمة وتراثها الحضاري.
وكل
أمة أو دولة، لا تستطيع التنازل عن
معركة ضحاياها من الأبرياء، لمجرد أن
تنازلها سيطيح بها، وإذا ما طبق هذا
الوصف على كافة مجتمعات ودول العالم
المختلفة، لوجدناه موجود بواقعية
مجردة لدى كل مجتمعات وشعوب الأرض.
هذا
لا يعني تأكيد وتثبيت منطقة الشر ونزعة
الحرب والصراع على الأرض، بل هو تساؤل
مشروع للبدء في إعادة النظر بحقيقة
المجتمع الإنساني الحالي الذي يتوقف
عند حدود عدم إحراجه لكي يتمكن من
الوصول إلى معادلة عادلة تلغي ما يدور
على الأرض من صراع الحرب ودوائر الخوف
والفقر والمعاناة والألم.
وفي
هذا الأمر وخلال العقد الأخير احتدم
النقاش والحديث بين كافة أقطاب العالم
على تفسير نظرية العولمة، التي ليس لها
مكتشف أو مخترع أو رسول كباقي النظريات
والمفاهيم العالمية، والعقائد
والتوجهات الدينية، الشيء الذي قد
يعني وجود انهيار كبير في جسم
المثاليات والقوى الإنسانية الحية
التي وإن عاشت صراعاتها وحروبها
القديمة، وفي قراءة قصص تلك الحروب،
فإن الفكر الإنساني وجد أمثلة كثيرة
وبارزة على احترام لغة الشعوب لبعضها
وفكرها الشخصي في السلوك ومطارحة
الثقافة والمعتقد، رغم أن ذلك قد أدّى
في النهاية إلى تداخلات وتشابكات
سياسية عميقة جعلت محور الصراع ممتداً
إلى لحظتنا هذه، وهذا قد أدّى إلى بروز
القطب الآخر من مستوى التفكير البشري
خصوصاً مع تطور الصناعات والتقنيات
العالمية الحديثة وهو السير في درب "برمجة
المستقبل" كبديل عن عالم العواطف
الهائل والمكتنز في صدور الشعوب وفي
قلب كل البشر.
ربما
كان هذا الدرب هو الطريق الذي أخرج ما
يسمى " العولمة " وبدأ بدراسة
الخطوط الإيحائية للوحة الأرض حتى
تكتمل صورة العالم المتقدم الذي كما
يعتقد المثقفون والمحللون الإنسانيين
أنها صورة جرحت الإنسان ومشاعر
الإنسانية.
وهذا
الافتراض الجدلي، قد يكون إنساني
أيضاً عندما تتحول مثلما تحولت عدة
صناعات علمية متطورة كانت فقط من
استخدامات أجهزة الدولة السرية التي
استخدمت وتستخدم حتى الآن في قراءة
النتائج التي قد تحصل نتيجة قراراتها
السياسية أو الأمنية أو العسكرية، قد
يكون إنساني ذلك، عندما تتحول لمصلحة
المجتمع الإنساني المدني، لقراءة
ومقارنة سلوكياته وقراراته بالنسبة
لهذا العالم والشعوب الأخرى التي يرى
فيها صراعاً لا بد أن ينتهي.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|