صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الأحد 25 - 05 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |   ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع | كــتب | مجموعة الحوار | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

وصل إلى مركز الشرق العربي :

محاولة في تحديد موقع الكرد

ضمن المعادلة الاقليمية لتوازن المصالح

بقلم : صلاح بدرالدين*

 فتحت عملية حرية العراق وانهيار النظام الدكتاتوري الباب على مصراعيه من جديد لتناول المسألة العراقية بكافة جوانبها وبشكل اخص القضية الكردية وذلك في اطار النقاش الواسع الذي تشهده الساحتان الاعلامية والثقافية في بلدان منطقة الشرق الاوسط واوروبا وحتى امريكا حول مسألتى الحرب والسلام في العراق ، وهل أن اقدام التحالف على شن الحرب واسقاط النظام يعد تحريرا أم احتلالا أم غزواً. وهل أن العملية ستتركز على العراق أم ستطال دولا ومناطق اخرى لاجراء التغييرات وتعديل خارطة الشرق الاوسط الجيوسياسية ، وهل ان الاستراتيجية الامريكية من وراء هذه الحرب تقتصر على صيانة وتعزيز مصالحها المعروفة في المنطقة أم انها تسير وفق خطة مدروسة تستهدف الالتفات ايضاً الى مصالح شعوب المنطقة ومحاولة " التوفيق " بين الجانبين حتى لوكان ذلك على حساب جانب من تحالفاتها القديمة مع مجموعة من انظمة الشرق الاوسط اللاديموقراطية انسجاماً مع كونها القطب الاوحد الذي يتحكم بقيادة العالم وتهمها مسؤولية الامن والاستقرار . ضمن هذا السياق تشهد القضية الكردية. في العراق والدور الكردي في مستقبل البلاد وللمرة الاولى اهتماماً متزايداً وملحوظاً من جانب متابعي الشأن العراقي يتراوح بين التناول الموضوعي والنظرة المسؤولة وبين الطرح الشوفيني بادانة علاقاتهم الامريكية والتشكيك بنياتهم حول وحدة العراق . ومحاولة في الاحاطة بهذا الموضوع والاجابة على مختلف التساؤلات المثارة وكاسهام في سلسلة النقاش التي يبدو أنها ستطول باطراد ولن يتوقف قريباً أبدأ بالتوقف عند القضايا التالية :

 -  1 -

    عملية – حرية العراق – لم تشكل الحالة الوحيدة في تغيير الانظمة عبر تدخل خارجي ، وقد سبقتها حالات اخرى في التاريخ ، وفي عصرنا الراهن وتحديداً في السنوات الاخيره شهدت اوروبا حرباً من جانب الحلف الاطلسي بقيادة عسكرية امريكية على – يوغسلافيا – السابقة مستهدفة نظام حكم الدكتاتور – سلوبودان ميلوسييفج – الذي اقترف جرائم التطهير العرقي بحق الشعوب والقوميات المغلوبة على امرها ، ومارس القمع السياسي ضد خصومه وانتهك حقوق الانسان ، كما شهدت – آسيا – حرباً مماثلة بقيادة عسكرية امريكية ايضاً ضد نظام – طالبان الرجعي المتخلف المعادي لحق الشعوب وحريتها والذي حول افغانستان الى ساحة للارهاب والاعتداءات ومرتع لمنظمات ارهابية عالمية مثل تنظيم – القاعده - . في هذه الحالات الثلاث التي حدثت في قارات متباعده كان هناك اولا تشابه في طبيعة الانظمة  الحاكمة ( الدكتاتورية – الاستبداد – الارهاب – رفض التغيير ) وثانيا عجزت الشعوب في البلدان الثلاث وقواها الوطنية والديموقراطية من التمكن من تحقيق التغيير وايجاد البديل الديموقراطي عبر النضال والاعتماد على الذات رغم تقديم الضحايا بمئات الآلاف . وثالثاً وقوف الانظمة الثلاث عقبة أمام التحولات الجاريه والتي مازالت تجري منذ توقف الحرب الباردة واصرارها على مواجهة حقائق العصر ووقف دولاب التطور تحت ظل شعارات التطرف والتعصب والايديولوجياً القومية الشوفينية أو الدينية المتزمتة أو الاثنتين معاً . ورابعاً سكوت العديد من الانظمة المجاورة للثلاثي البائد عن المخاطر والتهديدات المترتبه بل تورط البعض في التواطئ لقاء مصالح ضيقه وهذا التواطئ لم يتوقف على حكومات بل شمل قوى وحركات سياسية وشخصيات في مختلف بلدان العالم ، وهذا ما ضاعف من خطورة حدوث الاعمال الارهابية على غرار ما حدث في 11 سبتمبر / 2001 بحيث لن يكون هناك مكان آمن على الكرة الارضية . وخامساً واخيراً تناقض وجود ذلك الثلاثي المنهار وخاصة النظام العراقي مع محاولات تشكل النظام العالمي الجديد واعادة ترتيب الاوضاع الاقليميه بما يتوافق مع مصالح القوة العظمى المنتصرة في الحرب العالمية – الثالثة – " الحرب الباردة " ومن ضمنها تحقيق الاستقرار وحل مسألة الصراع العربي – الاسرائيلي ، وتوفير المستلزمات الضرورية لأمن الطاقة في الخليج العربي استخراجاً ، وتسويقاً ، وتسعيراً .

-  2 -

    في سنوات القرن التاسع عشر تعرضت شعوب العالم وفي مقدمتها الشعب الكردي الى حروب استعمارية عدوانية نتجت عنها الخراب والتدمير والتقسيم والسيطرة على الموارد واستغلال الطاقات لصالح المستعمرين الذين جاؤوا محتلين ومستوطنين لسنوات طويلة معتمدين على معادلتهم الشهيره – فرق تسد – وفي العصر الجديد عشية القرن الحادي والعشرين تشهد البشرية نوعاً جديداً من الحروب تستهدف انظمة بعينها وليس دولا أو شعوباً وتساهم في خلاص الشعوب من القهر والعبودية وظلامية القرون الوسطى وذلك عبر التنسيق والتفاهم وخاصة في حالة الحرب العراقية مع قوى المعارضة الوطنية بل بناء على الحاحها منذ عقود للتدخل وازالة النظام الدكتاتوري والعمل على اعادة العراق شعباً ودولة الى الموقع الطبيعي في المشاركة الايجابية في بناء وتعزيز العلاقات الاقليمية على قاعدة التعاون والتكامل اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.

منذ عقود وقوى المعارضة الديموقراطية التي كانت تمثل الرأي الآخر المواجه للنظام البائد وبما تمثل من قوى واحزاب واطياف كانت تدعو الى اسقاط النظام وتحاول ذلك اعتماداً على قواها الذاتية ، ولما عجزت امام الآلة القمعية الرهيبة للنظام استنجدت بالدول العربية والاسلامية ، وبالقوى العالمية وخاصة الولايات المتحدة الامريكية بعد انتهاء الحرب البارده . وهذا يؤكد توفر نوع من الشرعية الوطنية العراقية لجهة الحرب التي شنت على النظام واسقطته بدعم واسناد المعارضة الوطنية العراقية نفسها . حيث التقت المصالح الوطنية للشعب العراقي مع المصالح الآنية للقوة العظمى حول هدف اسقاط النظام أما بعد ذلك فهناك امكانية لتطوير هذه الشراكة لصالح الطرفين الى حين .  

-  3 -

   طوال سنوات القرنين التاسع عشروالعشرين – قرنا الاستعمار والحروب العدوانية والابادة –وخلال مسيرة كفاح حركات التحرر الوطني في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية لم نسمع أن احدى حركات التحرر لدى الشعوب المناضلة من اجل الحرية والاستقلال قد استنجدت بـ – الامبريالية – الامريكية لمد يد العون والمساعده اليها ، ونشهد الآن ان هذه – الامبريالية – قد قامت – بدعوة أو طواعية – بتحرير شعوب يوغسلافيا السابقة ، وافغانستان والعراق ، وقبل ذلك تيمور الشرقية وقامت بالاشراف على مفاوضات السلام بين جبهه تحرير جنوب السودان والحكومة ، وقبل ذلك رعت المصالحه بين فصيلين كرديين عراقيين وتقوم اليوم بالمساهمة في حل النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي عبر الالتزام المعلن في الجمعية العمومية لهيئه الامم المتحدة باقامة الدولة الفلسطينية المستقله ، وكما هو معلوم فان منظمة التحرير الفلسطينية التي تشكل اهم حركة تحرر وطني في العصر الحديث طالبت منذ سنوات باعتراف امريكي بوجودها وشرعيتها والتحاور معها وكان الجانب الامريكي بسبب علاقاته الخاصه المعروفه مع اسرائيل يمانع ويماطل ويتردد إلى أن جاء وقت الحسم حيث التطورات الراهنة تشير الى امكانية تسوية القضية الفلسطينية عبر مشروع – خارطة الطريق – خاصة بعد الاعلان عن تشكيل أول  حكومة فلسطينية برئاسة السيد محمود عباس .

من جهة اخرى هناك وكما هو ملاحظ ومعلن تغير عميق في الخطاب السياسي للادارات الامريكية منذ انتهاء الحرب الباردة فعلى سبيل المثال قادت الولايات المتحدة الامريكية الحرب على النظام العراقي تحت شعارات وعناوين التغيير الديموقراطي واحترام حقوق الانسان وازالة اسلحة الدمار الشامل ، والقضاء على جذور الارهاب ، وازالة حكم الفرد الدكتاتور ، والحزب الواحد ، ودعم حقوق القوميات والاقليات الاثنية والدينية والمذهبية ونصرة المظلومين وارساء قواعد العدالة الاجتماعية والحريات والمنافسة الاقتصادية وهذه الاجنده الامريكية المعلنة لاتختلف عن برنامج الحركة الوطنية العراقية بكافة تياراتها ومشاربها بل يجوز ان تكون متقدمة على بعضها .

ان هذه الحقائق تصطدم كل لحظة بخطاب قديم مازال يصدر بين الحين والآخر ليس من – ايتام النظام البائد – فحسب بل من بعض مثقفي انظمة عربية واحزاب حاكمة وغير حاكمة والذي يمتلئ مغالطات واوهام بترديد مقولات على شاكلة " وجود مؤامره امريكية – صهيونية – غربية لتقسيم العراق والمنطقة واقامة كيانات عنصرية اثنية طائفية " والدعوة الى رحيل القوات الامريكية فوراً ، ان هذا الخطاب يرمي من وراء اطلاق التحذيرات والدعوات الى الخروج عن النص ودفع الجماهير الى – الالتهاء – بامور لاتخرج عن نطاق – الكلمات والخطب الحماسيه – ونسيان القضية الاساسية وهي ضرورة التغيير والاصلاح السياسي والاقتصادي واعادة النظر في الدساتير والقوانين وطرق الحكم والعلاقات الاجتماعية في بلدان المنطقة ، كما انه يرمي وبصورة اوضح الى – لبنئة – الوضع العراقي عبر التدخلات الاقليمية ووضع اسس لاحياء مناطق نفوذ لدول الجوار والتخريب بعد ذلك على مشروع الشعب العراقي وبرنامجه الوطني وتفتيت المجتمع العراقي باحياء روابط مذهبية بديلاً عن الانتماء  الوطني كما حصل في لبنان منذ عقود . كما يحمل هذا الخطاب مفردات اخرى من قبيل ان بديل النظام السابق سيكون حكم الطائفة الشيعية بقيادة ايران وهذه الذريعة الفارغه من اي مضمون واقعي والتي رفعتها انظمة عربية في وجه الرئيس جورج بوش الاب خلال عملية تحرير الكويت ادت الى توقف القوات الامريكية امام ابواب بغداد ودفعت الامور باتجاه قمع انتفاضه الشعب العراقي في الجنوب وفي كردستان فهل تحاول تلك الانظمة بالذات التلاعب بمثل هذه المفردات مرة اخرى بالنسبة للعراق أو ما يتعلق بذريعة مماثلة بان بديل حكم حزب البعث في سورية هو الاصولية الاسلامية . فلماذا هذا الاستخفاف بقدرات شعوب العراق وسورية وبارادتها وخياراتها الوطنية الديموقراطية . وهل ان سقوط النظام العراقي قد خلف فعلاً الحرب الاهلية ، والتقاتل وحكم الطوائف وتقسيم البلد .

- 4  -

    لقد حققت كل من التجربتين اليوغسلافية والافغانية النجاح في ازالة انظمة الحزب الواحد الدكتاتورية الشوفينية واعادت الى شعوبهما حق تقرير المصير ولاشك ان التجربة العراقية ستحقق نجاحاً اكبر بحكم موقع العراق وغناه وتعدديته القومية والحضارية وامتداداته الثقافية في دول الجوار ، وكذلك بسبب وقوع العراق في منطقة تقع على رأس اهتمامات الولايات المتحدة الامريكية واروبا واليابان وليس سراً ان التعامل الدولي مع العراق من خلال الحرب على النظام وحصاره بالسابق ودعمه ورعايته الآن يصب في اتجاه تحقيق دمجه مع سائر دول المنطقة بالعالم المتمدن عبر بناء المؤسسات المدنية وتحقيق الديموقراطية وانتخاب الهيئات الادارية والبرلمانية والتي ستقوم بدورها في اقامة السلطات التنفيذية ، وتعزيز استقلالية السلطة القضائية واطلاق الحريات السياسية والثقافية والاعلامية وتضمين حقوق الشعوب والقوميات العراقية في الدستور الدائم والقوانين النافذه . وكما هو معلوم فان عملية الدمج على الصعيد العالمي قد مرت عبر ثلاث موجات . الاولى في عصر الاستعمار التقليدي حيث تم الدمج بالقوة وبصوره تعسفيه والثانية خلال حقبة الحرب البارده حيث قام كل طرف من طرفي الصراع بدمج الآخرين بالايديولوجيا والمساعدات والثالثه مانشهدها الآن حيث تجري عملية الدمج الديموقراطي ومن خلال التعاون وتوافق المصالح والحوار . وفي هذا السياق يبدو واضحاً مدى التوافق حول ضرورة الغاء نماذج ثلاث من انظمة الحكم في منطقة الشرق الاوسط التي تشكل عقبة في طريق التقدم وهي النماذج البعثية ، والايرانية والتركية وهي اضافة الى نماذج اخرى في العالم العربي ساهمت في اطالة عمر نظام صدام حسين عندما اخترقت قرارات – العقوبات الذكية – وعقدت اتفاقات – التجارة الحرة – مع بغداد وساهمت في تهريب النفط وايصال المواد الممنوعه ، وهي مسؤولة ايضاً عن اطالة معاناة الشعب الفلسطيني.

-  5 -

   اما بشأن القطبية الدولية الاحادية أو المتعدده فهي ليست من اختصاصات الشعوب المقهورة والدول الصغيرة ولايمكنها اقرار هذا أو ذاك وهي قضية تهم القوى العظمى منذ بداية القرن التاسع عشر .  فقد جرى تشكيل النظام العالمي منذ مؤتمر – فيننا – عام / 1815 على اساس تعدد الاقطاب وفي ظله لم تتوقف الحروب حيث نشبت حربان عالميتان وراحت ملايين الضحايا وعم الفوضى وعدم الاستقرار في معظم بلدان ومناطق العالم ، وبدأت – الحرب الباردة – والحروب بالوكالة وحروب الخليج ، وظهر نوع جديد من الحروب : حرب الارهاب والحرب على الارهاب ، وحتى عشية القرن الجديد وتحت مظلة التعددية القطبية بقيت شعوب عديدة محرومة من حق تقرير المصير وفي المقدمة الشعبان الكردي  والفلسطيني .

وخلال الحرب الاخيره على نظام بغداد ولدى ظهور تكتل اوروبي من : فرنسا والمانيا وروسيا في مواجهة الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها حول مصالح تجارية وادوار اقليمية ودولية بدأنا نسمع اصواتاً عربية تكيل المديح والثناء لموقف الدول الثلاث وتعتبرها انظمة تقدمية صديقة لقضايا العرب وتطالب بضرورة تكريس مبدأ التعددية القطبية بمشاركة هذه الدول الثلاث الى جانب القوة الاعظم . لقد تناسى اصحاب هذه الاصوات أن تلك الدول تبحث عن مصالحها أولاً واخيراً ، وهي كانت تاريخياً الخصم والعدو لشعوبنا من خلال الاستعمار والانتداب والنهب والتقسيم ، وهي المسؤولة عن اتفاقية سايكس – بيكو السيئة الصيت التي قسمت العالم العربي وهي التي اصدرت وعد بلفور في اقامة اسرائيل . واذا كان الوضع قبل انتهاء الحرب البارده بالشكل الذي عرضناه فلماذا الاصرار على العودة مجدداً الى جحيم القطبية التعددية .

نعتقد أن القطبية الاحادية – وهي ليست من صنعنا – اذا سادت فلن تكون نهاية العالم ، بل بالعكس تماماً فان ذلك القطب الاوحد سيحاول تحقيق الامن والاستقرار في العالم بمعزل عن المنافسات والتخريب على البعض . وفيما يتعلق بالوضع الكردي علينا وضع النقاط على الحروف فالقضية الكردية لم تحظ باي اهتمام خلال نصف قرن من – القطبية التعددية – ومنذ عقد من السنين وتحديداً بعد توقف الحرب البارده عادت القضية الى الواجهه ويجب الاعتراف بالجميل للولايات المتحدة الامريكية وحلفائها اللذين قاموا بحماية شعب كردستان العراق منذ عام 1991 وحتى الآن كما قامت الادارات الامريكية برعاية المصالحة الكردية – الكردية وبناء علاقات سياسية مع كرد العراق وكذلك سمحت بعقد اتصالات مع سائر فصائل الحركة التحررية الكردية في ايران وسورية وتركيا . والآن هناك تحالف وثيق وعمل مشترك بين كرد العراق والولايات المتحدة الامريكية كما أن هناك موقف متطور تجاه حق تقرير المصير لشعب كردستان على اساس الخيار الفدرالي في اطار العراق الديموقراطي الموحد . ومن هنا فليس من مصلحة الكرد والقضية الكردية التمسك بمقولة ضرورة نشوء – القطبية التعددية – على الصعيد العالمي لانها لاتشكل مطلباً آنيا ملحاً في المرحلة الراهنة . هناك معادلة جديدة بدأت تتشكل اسسها منذ عقد مضى في كردستان العراق تستند الى مبدأ التوافق في المصالح مع الولايات المتحدة الامريكية وهي قابلة للتطويرو التعزيز في المستقبل المنظور خاصة وان الجانب الامريكي وكما يبدو من استراتيجيته الراهنة يبحث عن تحالفات جديدة في المنطقه وذلك من اجل دعم مصالحه بالدرجه الاولى ، ويبدي ميلاً نحو اجراء تغييرات في سياسته التقليدية السابقة التي كانت اقرب الى الانظمة المستبده وفي موقع العداء لحركات التحرر والدول النامية المستقله .

-  6 -

    هناك اسباب موضوعية اخرى تدفع الكرد الى التمسك بمبدأ بناء وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية في العراق وخارج العراق ، واولها تشخيص الجانب الامريكي الصائب لطبيعة معظم الانظمة المقسمة لكردستان والذي يصفها بالدكتاتورية ، والارهابية والاستبداد ، ودعوته الى تغيير تلك الانظمة ليس عبر الاسلوب العسكري بل بواسطة الضغوط السياسية والاقتصادية وعبر الانتقال السلمي الى الديموقراطية والتعددية وازالة انظمة الحزب الواحد وتغيير الدساتير والقوانين بما يتوافق مع ارادة شعوب تلك البلدان ومن هنا فان الموقف الكردي لن يكون ضد هذه المبادئ والاهداف كما لم يكن ضد الحرب في العراق لقد عارض البعض الحرب من اجل مصالحه ، والبعض الآخر من اجل معاداة الولايات المتحدة الامريكية ، والبعض من اجل السلام العالمي ، اما الشعب العراقي ومن ضمنه الشعب الكردي فقد أيد الحرب من اجله ايضاً اذ لكل طرف مصالحه ومستقبله . وهذه حقيقة يجب ان يستوعبها الاصدقاء ويتقبلها الاشقاء . فالحركة التحررية الكردية ومنذ حوالي – 70 – عاماً تدعو الى الحوار والحل الوطني الديموقراطي للقضية الكردية والى التآخي القومي والوئام ولكن دون جدوى . ان الكرد مستبعدون من الخطاب السياسي العربي ومن المشاريع العربية ومن برامج الاحزاب العربية الحاكمة والمعارضة ومن ميثاق جامعة الدول العربية . وهذا يعني ان الكرد ليسوا في حساب جدول المصالح العربية ومستبعدين وجوداً ومصالح ومستقبلاً وهم بالنهاية مجبرون للبحث عن صياغة مشروعهم وتحديد مصالحهم القومية بمعزل عن مصالح القوى السائده الحاكمة في العالم العربي وتركيا وايران ايضاً ، لانها ببساطه لاتمثلهم والواقع الجديد الذي يحمل في طياته بداية تشكل مصالح قومية كردية يبرز الآن بشكل واضح في كردستان العراق مع مايحمله هذا الواقع من اشكاليات وتداعيات وما ينتظره من نتائج ووقائع ، ويقيناً فإن تلك المصالح لاتتناقض ابداً مع مصالح شعوب المنطقة . لقد برزت الميول الجانبيه المعادية لطموحات الشعب العراقي قبل وخلال الازمة العراقية بشكل فاقع وخاصة من جانب الدول المجاورة فحتى عملية تحرير العراق كانت انظمة الجوار تحاول الامساك بالوضع العراقي من خلال التحكم باطراف المعارضة العراقية السابقة ليس عبر لقاءي استانبول والرياض والصلات الثنائية والثلاثية فحسب بل باساليب اخرى وبواسطه وكلاء محليين . تركيا عبر التركمان ، وايران عبر القوى الشيعية وسورية عبر منظمات حزب البعث وبعض الشخصيات ، وبدرجه اقل السعودية والامارات عبر التيارات والعناصر السنية ، وضمن هذه المعادلة كانت الحركة القومية الكردية موضع تجاذب بين الانظمة الثلاث ( تركيا – ايران – سورية ) تارة بالضغط والاكراه واحيانا بتسعير الخلافات الداخلية والاقتتال الكردي – الكردي وذلك حسب خطه استيعاب الوضع الكردي واختراق امن كردستان بواسطه افراد ومجموعات معروفه ، واذا علمنا في هذا المجال مدى تغلغل هذه الانظمة واجهزتها الامنية من خلال اللقاءات والصلات العلنية والسرية مع مختلف الاطياف السياسية والمجموعات الكردية ، والتركمانية ، والآشورية والشيوعية ، والاسلامية والعشائرية فاننا لن نستغرب ما كانت تهدف اليه هذه الانظمة وكأحد الامثلة فقد تحولت نقطة عبور – الخابور – التي تربط بين سورية واقليم كردستان العراق كأحد اهم محطة مخابراتية سورية لجمع المعلومات وتجنيد المخبرين ، مستغلة العبور الاضطراري للمواطنين من اكراد وغير اكراد  خاصه بعد الاجراءات القاسيه التي فرضتها السلطات التركية والايرانية على المعابر الحدوديه المشتركه . وهناك مئات الحوادث التي تعبر عن تلك المعاناة التي عاشها ابناء كردستان العراق جراء عمليات الابتزاز من جانب اجهزة الامن السورية المشرفه على ذلك المعبر ، وهكذا نرى ان انظمة الجوار العراقي كانت منشغله بادارة الازمة العراقية عاملة على الحفاظ على الوضع القائم وفارضه كل القيود على المعارضه الوطنية وبالاخص على الحركة القومية الكردية محاولة النيل من انجازاتها والقضاء على تجربتها .

-  7 -

    يواجه النموذج العراقي في الخلاص من الدكتاتوريه عبر الدعم الخارجي من جانب الولايات المتحدة الامريكية تحديات عديده من ابرزها مهمة انجاز حل المسألة القومية الكردية بشكل خاص وقضايا القوميات الاخرى غير العربية بصورة عامة . هذه المهمة التي عجزت الحكومات العراقية المتعاقبة عن ايجاد الحل الجذري الحاسم لها والتي أدت الى استنزاف طاقات العراق البشريه والمادية منذ الاستقلال . ليست اهمية حل القضية الكردية تكمن في حل مسألة عراقية وطنية داخلية فحسب بل تتجاوز ذلك نحو العمق الاقليمي والبعد الخارجي أي أن هذا التحدي يواجه الدول الحليفة ايضاً ويختبر جديتها ومدى التزامها بمبادى حق الشعوب وحقوق الانسان ومدى صدقية شعاراتها المرفوعه حول حرب حرية العراق ، خاصة وانه تبين لها مدى الترابط بين ترك مسألة القوميات دون حل وبين نمو الارهاب حيث ساحات الشعوب المقهوره تشكل مرتعاً لظاهرة الارهاب من جانب الافراد والمجموعات وكذلك من جانب الدول . اضافة الى العمق الاقليمي للقضية الكردية ووجود قضايا كردية بالدول المجاوره للعراق ، وفي نجاح النموذج العراقي لحل القضية الكردية من خلال النظام الفدرالي فإن ذلك سيشكل تجربة لتحقيق السلام القومي والتعايش في سائر بلدان المنطقة على اساس ديموقراطي سلمي وفي اطر البلدان القائمة .

 لاشك أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية يحمل شعوراً بالانتصار السهل في العراق وهو في وضع الواثق من نفسه على امكانية مواصلة عملية التغيير السلمي في اماكن اخرى ولذلك فهو احوج ما يكون الى تحقيق التوصل الى حل القضايا القومية العالقه وخاصة الكردية والفلسطينية اللتان تشكلان معاً آخر اهم حركات التحرر الوطني في الشرق الاوسط . ومطلوب من التحالف ان يثبت لشعوب المنطقة ولشعوب العالم ان في الامكان تطبيق ماجرى في يوغسلافيا بخصوص حقوق الشعوب في العراق ايضاً واثبات انه مؤهل لتفهم طموحات الشعوب بعد أن عجزت هيئة الامم المتحدة طوال نصف قرن من انصاف الشعبين الكردي والفلسطيني ، وبعد ما سكتت اوروبا – حفاظاً على مصالحها – على معاناة الشعبين ولم تبادر الى تقديم مشاريع ومبادرات عملية بهذا الخصوص ، وبالاخير فإن الولايات المتحدة الامريكية أمام المحك بوزنها ومصداقيتها وزعامتها الاحادية .

 ان النجاح في حل المسألة الكردية في العراق عن طريق قيادة وطنية عراقية شرعية ودعم دولي من جانب التحالف سيمهد الطريق لمتابعة الحلقات الاخرى في سلسلة الحالة الكردية في الشرق الاوسط وذلك بقيام الحكومة العراقية الحرة الديموقراطية الفدرالية باطلاق مبادرة سلمية بدعم واسناد دوليين تتحقق في اطار مؤتمر اقليمي – دولي لحل المسألة الكردية في المنطقة على اساس من التعايش والاعتراف بالحقوق وفي اطر الدول القائمة وذلك بحضور ومشاركة البلدان الاربعه وممثلي الشعب الكردي ورعاية القوى الدولية وهيئة الامم المتحدة والمنظمات الاقليمية لوضع الاسس والقواعد الضامنة لحقوق الكرد القومية والديموقراطية وتعزيز دعائم الوحده الوطنية والعيش المشترك في هذه البلدان حتى يسود السلام والوئام دون تفريق بين جميع الاطياف والشعوب والقوميات والثقافات .

* كاتب سياسي كردي سوري  السابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  الموقف  
  برق الشرق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  تراث  
  بيانات وتصريحات  
  بريد القراء  
  قراءات  
  شآميات  
 

 

  اتصل بنا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد ـالموقع | كــتب | مجموعة الحوار | ابحث في الموقع |ـ

| ـالموقف |  برق الشرق  | رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  | تراث  | بيانات وتصريحات |  بريد القراء |  قراءات  | شآميات  |  ـ