صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الخميس 09 - 10 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

مشاركات

وصل إلى برق الشرق :

كلما دخلت أمة لعنت أختها

الطاهر إبراهيم */ السعودية

تساءل الكثير من المراقبين للشأن السوري عن المغزى الذي من أجله تم تغيير الوزارة السورية؟ وكانت قد سرت إشاعات التغيير على مدى أكثر من سنة، قبل أن يعهد إلى المهندس محمد ناجي العطري بتشكيلها. وأين يكمن سر التغيير؟ أفي شخص رئيس مجلس الوزراء، أم في برنامج الوزارة، أم في تغيير بعض الوجوه؟.

ونحن نزعم أن التغيير الوزاري الأخير لم يحظ باهتمام المواطن السوري، المتأثر الأول بأي تغيير يحصل في سورية، لماذا؟. لأنه يعلم علم اليقين أن رضا المواطن وسخطه عن أي تغيير يحصل في البلد، هو آخر ما يفكر به حزب البعث والراسخون في مراكز صنع القرار السوري. بل الأهم من ذلك هو إدراكه أن أي تغيير وزاري سوف يزيح وزيرا فاسدا، -ملأ جيوبه من أموال الوطن التي دفعها الشعب إلى خزانة الدولة-،ويأتي بآخر يتطلع هو الآخر ، إلى ملء جيوبه من تلك الخزانة، -هذا إذا بقي فيها شيء- التي ستضطر الحكومة الجديدة، لفرض ضرائب جديدة ،يدفعها هذا المواطن المغلوب، لإرضاء الأعضاء الجدد في الوزارة الجديدة.

أما على مستوى سياسة الحكم، التي ترسخت على مدى أكثر من ثلاثة عقود، فإن رئيس الوزراء وأعضاء حكومته العتيدة، يعرفون أن من أراد منهم أن يبقى مرضيا عنه فعليه  أن لا يتجاوز الخطوط المسموحة، وبالتالي فإنك لن تجد فرقا بين وزير ووزير إلا في طول الوزير ولون عينينه، وأنهم نسخة مكررة على مستوى الوزارة الواحدة، أو على مستوى الوزارات المتعاقبة "فوتوكوبي". وإذا حصل –لاسمح الله- أن تخطى أحد الوزراء المجال المرسوم، فإنه سوف يجد أن الكرت الأحمر بانتظاره لإخراجه من اللعبة.

المواطن السوري هو آخر من يفكر به حزب البعث.لأن هذا الحزب افترض ابتداء،أن هذا المواطن قاصر، عندما قصر حق العمل السياسي على البعثيين فقط، وذلك  بموجب المادة "8" من الدستور السوري التي تنص على "أن حزب البعث قائد للدولة والمجتمع"،فلا يحق له إلا أن يكون مواطنا صالحا، يدفع الضرائب،ويبصم بإصبعه عند الاستفتاء على منصب رئيس الجمهورية. ويكون صالحا أكثر إذا جرح إصبعه وبصم بدمها بدلا من الحبر،على قائمة الاستفتاء. أما من يتجرأ على ممارسة حقه ،الذي كفله له ذلك الدستور، فيعلن عن قناعته بأنه لا بد من إعادة النظر في هذا الدستور،الذي عطل قدرات شعب بأكمله، وجعله خارج المعادلة الوطنية، بموجب المادة "8" أعلاه.

لقد وصل الأمر بحزب البعث، أن يضيق ذرعا بأي معارضة حتى ولو كانت من خلال المؤسسات التي صنعها على عينه، كما هو الحال عندما اعتقل النائبين "رياض سيف" و "مأمون الحمصي"، في صيف عام 2001، عندما اعترضا -من تحت قبة البرلمان التي هي المنبر الطبيعي لممارسة النائب المهام التي انتخب من أجله- على غيض من فيض التجاوزات التي يقترفها أعضاء نافذون في النظام السوري.ومع أن هذين النائبين لم يشيرا بإصبع الاتهام إلى أسماء محددة، فقد رفع "عبد القادر قدورة"،رئيس مجلس النواب السابق، عنهما –في غياب مجلس النواب- الحصانة البرلمانية. وقد أحالهما وزير العدل الهمام إلى المحكمة بعد أن أرفق بيان الإحالة بقائمة اتهامات، ليس أعظمها الاعتداء على الدستور ،الذي فصله حزب البعث على مقاسه في عام 1973. وكأن هذا الدستور "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه" ،إذا كان الاتهام موجها إلى مثقفين معارضين مثل المعتقلين العشرة، الذين أودعوا المعتقلات -وما زالوا فيها إلا رياض الترك- في خريف عام 2001 ، لأنهم تجرأوا وأعربوا عن قناعتهم بحتمية تغيير بعض مواد هذا الدستور. أما عندما يقوم مجلس الشعب ،صبيحة وفاة الرئيس حافظ الأسد، بتعديل مادة في هذا الدستور تتعلق بعمر المرشح لمنصب رئيس الجمهورية،وأن ينجز هذا التعديل في زمن قياسي لا يتجاوز خمس دقائق، فإن سدنة نظام حزب البعث يعتبرون التعديل دستوريا وقانونيا. بل إن النائب "منذر الموصلي"، -الذي اعترض على عدم إرفاق التعديل بمسوغاته التي ينص عليها الدستور- تم توبيخه وتقريعه على ملأ ،ربما فاق عشرات الملايين ممن تابعوا وقائع المهرجان البكائي، الذي كان يبثه التلفزيون السوري أثناء جلسة التعديل.  

وسيزول استغراب القارئ من التضمين الذي أوردته بين مزدوجتين أعلاه ، إذا علم أن شاعرا من شعراء حزب البعث السوري في الستينيات ألقى قصيدة جاء في أحد أبياتها: "آمنت بالبعث ربا لا شريك له   وبالعروبة دينا ما له ثان". تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

وعودا إلى وزارة المهندس العطري، وأسباب التغيير التي قد يظن البعض أنها أسباب موضوعية، حتمتها ظروف المرحلة التي تمر بها سورية، أو بسبب الوضع الاقتصادي الذي تأخذ بتلابيب الوطن والمواطن. أو تحسبا لما قد يسلكه الجار الأمريكي الجديد الذي انتقل للسكن في البيت العراقي، والذي قد يعجبه الجو الشامي، فيسعى لتأثيث بيت آخر له في سورية لا سمح الله، وبالتعبير العامي "كش برا وبعيدا". أو مما قد يخطر في البال من أسباب أخرى قد تصدق وقد لا تصدق!.

ونحن نعتقد التغيير الوزاري الأخير، لم يأت لقطع دابر الفساد الذي استشرى في الوزارة السابقة. بل إن بعض المتابعين للشأن السوري يعتقد أن الفساد مطلوب في الوزير، ليبقى تحت السمع والبصر، تسجل عليه حركاته وسكناته في ملفات مرقمة ومعنونة بكل وزير على حدة، توضع في أحد الأدراج. فإذا ما حاول وزير ما أن ينسى نفسه، فيتصرف وكأنه وزير "بحق وحقيق"، فإن تلك الملفات تستخرج وتنشر على الملأ، والوزير المحظوظ هو الذي يكتفى بصرفه من الوزارة. وقد اتهمت حكومة الدكتور "ميرو" الأولى رئيس الوزراء الأسبق "محمود الزعبي" واثنين من وزرائه. وسعى مدير مخابرات أمن الدولة الحالي بالمدير السابق اللواء النجار، فصودرت أمواله، وسجن ومات في سجنه. كما أن حكومة المهندس "محمد ناجي العطري" الحالية، اتهمت "عصام الزعيم" وزير الصناعة في وزارة الدكتور "ميرو" المنصرفة، وحجزت أمواله المنقولة وغير المنقولة. وسوف يأتي اليوم الذي توجه فيه التهم إلى وزراء في حكومة المهندس "العطري"، بعد أن تصرف من الخدمة وتحل مكانها حكومة جديدة. وقد شبه البعض الحكومات المتعاقبة ب "قواديس نواعير حماة" التي يقوم كل قادوس بإفراغ بعض مائه على قفا القادوس الذي سبقه. ويصدق فيها قول الله تعالى في سورة الأعراف "..كلما دخلت أمة لعنت أختها..".

كذلك فإن التغيير الأخير لم يأت لإنعاش الاقتصادي السوري، الذي ما زال يرسم خطا بيانيا هابطا منذ استولى حزب البعث على السلطة بعد انقلاب 8 آذار 1963، وما زالت لقمة المواطن يرتفع سعرها، ودخله يهبط في قيمته الشرائية، حتى (..أصبح الناتج المحلي السوري بحدود /16/ مليار دولار لسكان يزيد عددهم على/16/ مليون، أي بحدود ألف دولار للفرد، وهو يراوح في مكانه منذ سنوات. بينما هو في لبنان أربعة آلاف، وفي الأردن /1700/ ،وفي مصر /1500/، وفي إسرائيل /17/ ألف دولار... من محاضرة الأستاذ أحمد فائز الفواز ألقيت في منتدى أتاسي بتاريخ 7/9/2003  ).

كما أن التغيير الوزاري الأخير لم يقصد منه الإصلاح السياسي، لأن القيادة السياسية في سورية ترفض أي إصلاح سياسي (نصا لا استنتاجا)،حيث أعلن ذلك أكثر من مرة وعلى لسان الرئيس بشار الأسد "أن الإصلاح السياسي غير مطلوب في هذه المرحلة".

كما أن الإصلاح السياسي لا يكون بتغيير الوزارات، بل بالانفتاح على الشعب وقواه الحية من خلال الأحزاب والمعارضة الداخلية والخارجية ومؤسسات المجتمع المدني وأذرعتها الحيوية المتمثلة في النقابات والجمعيات الأهلية والفعاليات التي تشكل ،في الدول المتقدمة، دولة داخل الدولة. وقد يعجب المراقب كيف أن أجهزة الأمن السورية تلاحق المثقفين وتضيق عليهم بل وتعتقلهم أحيانا، في الوقت الذي يبدي فيه الرئيس بشار الأسد، عدم الاعتراض على ما جاء في عرائض هؤلاء المثقفين، وخصوصا الأخيرة منها، عندما قال (هي لا تختلف عن الشيء الذي طرحته أنا وأطرحه أنا، طرحته أولاً في خطاب القسم وأطرحه بشكل مستمر ... من مقابلة الرئيس مع قناة العربية في شهر أيار الماضي). فإذا كان هذا رأي قمة النظام في سورية، فلم إذن يترك الحبل "على الغارب" لأجهزة الأمن في مطاردة هؤلاء المثقفين الذين يعربون عن آرائهم التي تعترض على الأسلوب الأمني في حكم سورية؟.بل إن هذه الأجهزة تعتقل كل من يحاول إلقاء محاضرة داخل القطر؟. وآخر ما سجل في هذا الخصوص قيام جهاز الأمن السياسي في حلب باعتقال مجموعة من المثقفين جاؤوا لسماع محاضرة في منتدى الكواكبي،كان من المفترض أن يلقيها الأستاذان هيثم المالح وعبد المجيد منجونة،حول قانون الطوارئ المطبق في سورية منذ استلم حزب البعث السلطة في آذار 1963.

وقد يقال إن التغيير الوزاري جاء لتعزيز الإصلاح الإداري. ولكن هذا الإصلاح لا يوجد في سورية من يستطيع القيام به، فأوكل إلى خبراء فرنسيين باعتراف الرئيس بشار الأسد في نفس المقابلة مع قناة "العربية"،(..وأنا قلت في مجلس الشعب إن لم نقم بالإصلاح الإداري لن نصل إلى نتيجة...هناك فريق من الخبراء الفرنسيين الذين يساعدونا في وضع هيكلية جديدة سوف تنتهي في الشهر القادم إنشاء الله، في تموز..).‏

وقد يقال أن التغيير الوزاري الجديد جاء ليضخ دماء جديدة في الوزارة.وهذا -عد عن أنه لم يكن مطلوبا في أي وزارة سابقة- لم يحصل في هذه الوزارة، حيث أن بعض وزراء هذه الحكومة دخلوا كتاب "غينس" للأرقام القياسية، بعد أن تجاوزت مدة بقاء أحدهم في الوزارة أكثر من ثلاثين عاما. ولأن طول مدة بقاء الوزير في منصبه يجعله متمكنا في شؤون وزارته، فقد اقتطع هذا الوزير قسما من وقته لتأليف الكتب – التي كان أحدها في فن الطبخ- منذ أكثر من ربع قرن. علما أن وزارته لا تحتاج إلى تأليف الكتب بقدر حاجتها إلى رسم الخطط والإشراف على تنفيذها ميدانيا زودا عن حياض الوطن.

والوزارة الجديدة لم تكن وزارة "تكنو قراط"، كما ظن البعض. فقد بقيت حكومة حصص، وزع قسم من الوزارات الهامشية فيها على أحزاب الجبهة التقدمية، "تكميل عدد".

في البلاد المتقدمة تسقط الوزارة إذا ارتكب فيها أحد أعضائها مخالفة لا تتناسب مع بعض القوانين وربما الأعراف السائدة. وفي بلدان العالم الثالث ،وسورية واحدة منها، يتم احتلال جزء من أراضيها والوزارة صامدة لم تتزعزع، كما حصل مع وزارة الدكتور "يوسف زعين"، عندما احتلت إسرائيل هضبة الجولان في حزيران عام 1967.

أغلب الظن أن ذهاب حكومة الدكتور "ميرو" ومجيء حكومة المهندس "العطري" خلفا لها، لا يتعلق بأي سبب من الأسباب التي استعرضنا بعضها.

يبقى أن هناك سببا، ربما أريد من التغيير، وهو طلبا لتحسن الأحوال بتغيير الوجوه تمشيا مع الحكمة المشهورة "الرزق وجوه".

الأسئلة كثيرة، والتوقعات ضبابية، ونحن نرجو أن يخيب رئيس الوزراء الجديد ظن المتشائمين، وأن يضع سورية ،الوطن والدولة، على السكة التي لم يستطع أسلافه أن يضعوها عليها، سكة التقدم والازدهار، وقبل ذلك كله أن تصبح سورية لكل السوريين، لا للبعثيين فقط.

*عضو مؤسس في رابطة أدباء الشام   السابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
  اتصل بنا  
   
   

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ