مشاركات
خطاب
بوش الابن
تزييف
للحقائق وخلط للأوراق
رجاء
الناصر
الهدف
الرئيسي لخطاب الرئيس الأمريكي جورج
بوش والذي تحدث عن أهمية الديمقراطية
في " الشرق الأوسط " هو تحسين صورة
الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن
أثبتت التقارير الأمنية ارتفاع حدّة
العداء للولايات المتحدة الأمريكية ،
وعدم قدرة الدبلوماسية الأمريكية كسب
أصدقاء لها في شعوب المنطقة وتحديداً
لدى العرب والمسلمين ، وهو ما أدى
لاعتراف الولايات المتحدة الأمريكية
بخطئها التاريخي بدعمها لحكومات
وأنظمة ديكتاتورية وقمعية وتجاهلها
لأهمية الديمقراطية ، وجاء هذا
الاعتراف على لسان مسؤولة الأمن
القومي في الإدارة الأمريكية السيدة
رايس قبل أن يكرره الرئيس الأمريكي في
خطابه الشهير عن عزم الولايات المتحدة
تبني الدعوة الديمقراطية ومحاربة
الأنظمة الديكتاتورية والتي سمي بعضها
بالاسم .
ويرى الرئيس الأمريكي أن غياب
الديمقراطية سمح بنمو التطرف وتعاظم
الكبت الذي جرى تفجيره ضد الولايات
المتحدة الأمريكية وضد "إسرائيل "
في معظم الأحيان ، وضد الحكومات
القائمة وخصوصاً تلك الصديقة لأمريكا
في بعض الأحيان .
ما قاله الرئيس الأمريكي صحيح
في بعض جوانبه فقد كانت الولايات
المتحدة الأمريكية – ولا زالت – تقف
إلى جانب الأنظمة القمعية
والاستبدادية والمغرقة في رجعيتها
وتخلفها ، فوقفت إلى جانب النظام
الملكي الأمامي في اليمن , وإلى جانب
الأسر المالكة , ومع جميع الحكام
المستبدين دون أي استثناء يذكر , هذا
الموقف الأمريكي جعل من النموذج
السياسي الذي تمثله نموذجاً سلبياً لا
يشكل دافعاً للاقتداء به من حيث المبدأ
على عكس الأنظمة المعادية للولايات
المتحدة الأمريكية التي كانت محط
إعجاب لدى شرائح واسعة من النخب
السياسية والثقافية وخصوصاً في عقدي
الخمسينيات والستينيات من القرن
الماضي , وهي المرحلة التي برز حضور
الولايات المتحدة في المنطقة على حساب
الإمبراطوريات الغربية الأخرى , وصحيح
أيضاً ما أشار إليه من أن القمع يولد
الكبت فالتطرف فالعنف , وإن الأنظمة
العربية القمعية الديكتاتورية لا تشكل
مدخلاً صحيحاً للإصلاح فهي أصلاً قامت
على الفساد وساهمت في تفشيه , ولكن
الكثير من خطاب الرئيس الأمريكي غير
صحيح على الإطلاق , فالعداء الشعبي
العربي للولايات المتحدة الأمريكية
تشكل من سلة تحتوي أسباب متعددة في
مقدمتها .
1- ارتباط السياسة الأمريكية
في الذهنية الشعبية العربية بالدعم
اللامحدود للمشروع الصهيوني ، وللكيان
الصهيوني وعدوانه المستمر على الأمة ,
فالولايات المتحدة الأمريكية لم تكتف
بكونها أول دولة تعترف بالاغتصاب
الصهيوني لفلسطين , بل شكلت باستمرار
وتحديداً بعد اضمحلال النفوذ
البريطاني – الفرنسي في المنطقة
الحليف الاستراتيجي للصهيونية التي
ينظر إليها العرب وتحديداً منذ عام 1948
باعتبارها العدو الرئيسي للأمة
العربية , وتجلت الشراكة الأمريكية –
الصهيونـية بالدعم اللامحدود الـذي
قدمته الإدارات الأمريكية "
لإسرائيل " ومشاركتها في عدوان 1967
وفي تكوين الآلة الحربية الإسرائيلية
وفي الدعم السياسي والعسكري والمالي
المفتوح .
2- وقوف الولايات المتحدة
الأمريكية ضد الوحدة العربية ومنعها
محاولات التوحيد العربي ودعمها
للانفصال على جميع الصعد والميادين ,
وإعلانها حرباً مفتوحة ضد القومية
العربية رغم ما مثلته من حركة تقدمية
ومشروع نهضوي .
3- محاولتها الدؤدبة لبسط
وجودها السياسي والعسكري بدءاً من
مشروع النقطة الرابعة مشروع ايزنهاور
لملء الفراغ في منطقة الشرق الأوسط ,
وصولاً إلى إقامة قواعد عسكرية في
المملكة العربية السعودية ودول الخليج
.
4- ممارستها العدوان الفظ على
الدول العربية وفرضها الحظر والحصار
على أكثر من دولة عربية , السودان
وليبيا والعراق , وارتكابها عمليات
إبادة ضد شعب العراق طوال أكثر من
ثلاثة عشرة سنة وإعادة الاحتلال
العسكري البشع إلى العراق وتدمير
كيانه .
5- عدم إخفاءها مطامعها في
ثروات العرب وخصوصاً النفطية منها ,
واعطاء نفسها حق السيطرة على هذه
الثروة وتوجيهها بما يخدم مصالحها في
القبض على رقاب العالم .
في سياق هذه السياسات وقفت
الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب
الكثير من الأنظمة القمعية العملية
لها . وساندتها في مقاومة حركة التحرر
الوطني ولم تكن المسألة الديمقراطية
تشغل أي حيز في سياسات واهتمامات
الإدارات الأمريكية .
تحسين صورة الولايات المتحدة
الأمريكية في المنطقة لا يمكن أن تتحقق
بإضافة مفردات الديمقراطية إلى خطابها
السياسي المعلن والذي حدده أكثر من
مسؤول بأنه يقوم على حماية مصالح
الولايات المتحدة الأمريكية وحليفها
" إسرائيل " وأصدقائها . فالولايات
المتحدة لا تملك مصداقية لدى الشعب
العربي وشعوب المنطقة , كما أن نهجها (
الديمقراطي ) مشكوك فيه , حيث أن تراثها
حافل بسياسة إبادة الشعوب ( الهنود
الحمر – الزنوج الأفارقة ) وبجرائم
بشعة بحق شعوب آسيا وأمريكا اللاتينية
. كما أن السنتين الأخيرتين , أظهرت
عودة المكارثية التي هي شكل من أشكال
القمع والاستبداد المتعارض مع
الديمقراطية إلى السياسة الأمريكية
الداخلية وتجلى ذلك بقوانين ما يسمى
بمكافحة الإرهاب الموجه أساساً
للمواطنين من أصول عربية وإسلامية .
المدخل الأساس في إعادة
المصداقية إلى الخطاب الأمريكي عن
الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان هو
تصحيح موقفها من العدوان الصهيوني
المستمر على الأمة العربية وعلى أهلنا
في فلسطين , واجبار الصهاينة على
الانسحاب من الأراضي الفلسطينية
والسورية واللبنانية المحتلة : وإعادة
الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني .
والمدخل الثاني : هو انسحابها
الفوري من العراق واحترام سيادته
ووحدته وعروبته والتعويض عليه بسبب ما
حل به من خراب ودمار . والانسحاب من
كافة القواعد العسكرية في الوطن
العربي .
المدخل الثالث : احترام
الإدارات الأمريكية لحقوق الإنسان
داخل الولايات المتحدة الأمريكية
وخارجها , وعدم فرض نفسها فوق القانون ,
والقبول بالاحتكام إلى الشرائع
والاتفاقات الدولية التي تشكل القاعدة
القانونية للشرعية الدولية .
قد لا يكون بإمكان الولايات
المتحدة الأمريكية تحقيق هذه المداخل
واعادة الاعتبار للديمقراطية كنظام
عالمي من أجل حرية الإنسان وكرامته
وخصوصاً في ظل هيمنة التحالف الصهيوني
–المسيحي المتصهين على مراكز القرار
فيها , وهو ما يفقدها مصداقية تقديم
النموذج الديمقراطي الذي يحد من تفجر
كوامن العنف , والعداء للولايات
المتحدة الأمريكية , ولكن هذا لا يجوز
أن يدفعنا إلى تجاهل بعض الحقائق في
الخطاب الأمريكي رغم ما قصد بها من
باطل وفي مقدمتها : أن الولايات
المتحدة الأمريكية تريد أن تجعل من
التعطش إلى الديمقراطية في الوطن
العربي مدخلاً لتنفيذ سياستها مستفيدة
من ذلك الإصرار غير المفهوم وغير
المقبول من الأنظمة العربية على رفض
المصالحة مع شعوبها في الوقت الذي تقدم
فيه التنازلات إلى عدوها الخارجي .
إن هذا الموقف من النظام
العربي المتساهل مع الخارج والخاضع
لاملاءاته والرافض لتقديم تنازلات
لشعبه وقواه الوطنية وهي تنازلات
لصالح الوطن , يساهم في تشجيع
الاستقواء بالعدو الخارجي بدل مجابهته
ويزكي حالة التسابق نحو هذا ( العدو
الخارجي ) من أجل تحقيق مكاسب آنية
لكنها لا تخدم الوطن بالنتيجة , إضافة
إلى أن هذا الخيار – أي خيار تقديم
تنازلات للخارج – لن يغير من مخططات
الخارج.
إن خطاب الرئيس الأمريكي جورج
بوش , ينطلق من زيادة الضغوط مع كل
تنازلات تقدم ويتم ذلك كله بتجاهل
القضية الفلسطينية باعتبارها أداة
توحيد للأمة العربية وتعزيز لقوتها ,
وأنها أيضاً الركن الرئيسي بتعميق
العداء للعدو الأمريكي هذا العداء
الذي يشكل أساساً نفسياً لمقاومته .
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|