وصل
إلى مركز الشرق العربي :
خياران
للأنظمة العربية .. لا ثالث لهما
فريد
حداد
تجسدت
مصالح الدول الغربية الأستراتيجية
في المنطقة العربية , زمن الحرب
الباردة بين المنظومتين الشرقية
والغربية , بثلاث نقاط رئيسية وهي
1 – الحيلولة دون توسع النفوذ السوفييتي
الى منطقة الشرق العربي , بعد استيلائه
على بلدان اوروبا الشرقية ,
كنتيجة للحرب العالمية الثانية ,
وتحويلها الى أجرام تدور في فلكه . وذلك
لما كان يشكله الأتحاد السوفيتي من خصم
ايديولوجي وسياسي للغرب , ولما كان
سينجم عن ذلك التوسع فيما لو حصل , الى
خسارة اسواق واسعة بالنسبة للشركات
الصناعية الغربية .
وبالفعل
فقد نجح السوفييت , في الحاق الأذى
بالغرب الى حد ما , وفي دول معينة ,
وبفترات محددة . كما حصل في ستينات
القرن الماضي , في دول مثل العراق
وسورية ومصر .... وبالتحديد في اطار
استخراج النفط , وبناء السدود المائية ,
وتسليح الجيوش ... اما باقي القطاعات
الصناعية , فلقد حافظت تلك الدول على
علاقاتها بالغرب , بسبب العجز السوفيتي
آنذاك عن تلبية الحاجة , كمجال صناعة
السيارات , والمعدات
الصناعية , والزراعية
, والكهربائية
, وأجهزة
الأتصال , والعلاج , والكمبيوتر
لاحقاً . على الرغم من ان الأتحاد
السوفيتي كان قد احكم الأغلاق بشكل
كامل على دول كتلته ,
بوجه اي علاقة مع الغرب ومهما كانت
.
2 – ضمان أمن وسلامة اسرائيل , باعتبارها
جزء عضوي من الجسد الأمبريالي العالمي
, وليست بصفتها الزوجة المفضلة لدى
الزوج الأمريكي , على حساب " ضرائرها
" حكام العرب , كما يحلو لهم ان
يصفوها . الرئيس بشار الأسد يقول
لصحيفة كويتية "
المشكلة بيننا وبين اميركا هي الموضوع
الاسرائيلي فقط. اميركا ترضى عن سوريا وعن
الدول العربية عندما تكون اسرائيل
راضية عنها. اما في الموضوع الثنائي
فلا مشكلة." على الرغم من احتلال
أمريكا للعراق , وفلسطين , احتلال عسكري
مباشر للعراق , واستيطاني لفلسطين ,
وسياسي لباقي الدول العربية . فليس
هناك مشكلة ثنائية بين سورية وامريكا ؟
3 – استمرار تدفق
النفط العربي الرخيص ,
الى الماكينة الصناعية
الغربية , للحفاظ
على وجود , واستمرار , وتطور
البلدان تلك ,
الذي لا يمكن ان يكون ,
بدون الطاقة الرخيصة القادمة من
المشرق العربي .
لتحقيق
هذه المصالح , كان لا بد من ترتيب اوضاع
المنطقة بشكل عام , واوضاع الدول التي
تمكن الأتحاد السوفيتي من احداث
خروقات فيها بشكل خاص .
ففي
العراق وبعد انتصار التيار العسكري
داخل صفوف حزب البعث ,
على الجناح المدني العقلاني , قفز
الحزب الى سدة الحكم عام 1968 ,
وحكم العراق منذ ذلك التاريخ
بالحديد والنار , وانهك بلده كما
جيرانه بحروب رعناء لم يستفد منها الا
معامل السلاح الأمريكية ,
وأعداء شعوب المنطقة . ونجم عنها
ايضاً , انسلال كل او أغلب الوفر المالي
الذي كان موجوداً في الخزائن السعودية
, والكويتية ,
والعراقية , والايرانية , الى
خزائن المال الأمبريالية في اوروبا
وامريكا , كثمن لأسلحة أو كثمن مواد
لاعادة بناء ما دمرته الحرب .
وقد
ختم النظام الطاغية ادائه بتسليم
العراق الوطن الى اعدائه ,
بشعب منهك , مثقل
بالجراح , أولوياته تنسم نسمة حرية من
اي جهة هبت , بعد سنوات الظلام الدامس ,
الذي مازال مبكراً التفكير بمن سببها
للعراق .
وفي
سورية , تمكن الجناح الذي كان معارضاً
لتقديم اي عون للمقاومة الفلسطينية في
ايلول الأسود الى سد ة الحكم , بعد اقل
من شهرين من اخراج المقاومة من الأردن ,
واعلن قبوله مباشرة بقرار مجلس الأمن
242 الذي كان مرفوضاً من قِبل القيادة
السابقة , كما استتبعت هذه الموافقة
بعد حرب 1973 التحريكية بموقف وعمل
مكملين لما سبقهما وهما :
اطفاء جبهة الجولان بشكل كامل والى
أمد ما زال ممتداً حتى يومنا هذا , حيث
تم اخراج ما تبقى من مقاومة بعد
التدمير المركز الذي حصل لبنيتها
التنظيمية , من
لبنان وبهذا تكون المقاومة الفلسطينية
قد اسُتبعدت نهائياً عن اي احتكاك مع
المغتصبين .
وفي
مصر , اندفع الرئيس الراحل انور
السادات بانسجام كلي مع المصالح
الأستراتيجية الأمريكية في المنطقة ,
حيث طرد الخبراء السوفيت من مصر ( هذا
الوجود الذي حافظ عليه السوريون بهدف
لعب ورقة العلاقة مع السوفييت , في اي
مساومات مستقبلية مع الأمريكان ) كما
عقد صلحاً واعترافاً بحق اسرائيل في
ارض فلسطين العربية , وكما شاركها
بموجب اتفاقيات " السلام " بنفط
سيناء .
وفي
السعودية تم اغتيال الرجل ,
الذي حاول ان يربط حتى ولو لفظياً ,
مسألة اعادة ضخ البترول عام 1973 ,
بتأديته للصلاة في المسجد الأقصى .
حيث اعلن خلفاؤه بان النفط اداة
للتنمية , وليس سلاحاً ,
ويجب عدم التفكير باستخدامه كسلاح
سياسي , لأن
ذلك يضر بالأقتصاد العالمي ؟.
هذه
الخدمات " الجليلة
" التي قدمتها الأنظمة العربية كلها
الى الولايات المتحدة , ومن كلٍ حسب
موقعه , لم تكن خدمات مجانية , أو كما
يحلو للبعض بأن يصفها , بأنها اتت من
حكام خونة . بل انها خدمات تمت بموجب
تفاهم سياسي قائم بين الأطراف
المختلفة , على قاعدة خيارات الأنظمة
وبرامجها السياسية , التي تتلخص بارضاء
الخارج وتحقيق مصالحه , مقابل الحصول
على الحماية
الخارجية , وتفويض
الأنفراد بالداخل ,
وهذا ما قدمته الولايات المتحدة .
حماية العروش من اية محاولة للاطاحة
بها شبيهة بتلك المحاولات التي اوصلت
حكامنا اليها ,
بالأضافة لحماية الأموال المنهوبة من
افواه المواطنين , في بنوك امريكا
واوروبا .
هذه
الخدمات المتبادلة , كان لابد لتنفيذها
من كمّ أفواه المتضررين منها وهو الشعب
العربي , الذي سُلبت أرضه , ونُهبت
املاكه , وأُغلقت أبواب المستقبل في
وجه شبابه . فاتسعت السجون وزاد عددها
من المحيط الى الخليج , وازدادت أعداد
المشانق وكثُرت القبور .
لقد
تزامن انهيار الأتحاد السوفيتي وكتلته
, اقتصادياً وسياسياً ونظاماً , مع
انهيار شبيه في العالم العربي , وخاصة
تلك البلدان التي
سُميت انظمتها في
أحد الأيام , انظمة
وطنية تقدمية , ولكن دون انهيار انظمتها
المحّمية . ذلك
الأنهيار الذي أتى على يد اولئك الجنرالات
المستبدين الفاسدين الملوثي الأيادي
بدماء مواطنيهم , الذين حولوا البلدان
العربية الى بلدان قزمة , امام الكيان
القزم أصلاً ( اسرائيل ) . حيث تحول
الشعب العربي من شعب فاتح ,
يحمل رسالة انسانية الى البشرية
جمعاء قبل
اربعة عشر قرناً , الى شعب تستغيث
قياداته بالأمم
المتحدة لارسال قوات حماية للشعب
الفلسطيني , وللتدخل لبناء حكومة لشعب
العراق , وها هو ديكتاتور العالم قادم
ليجمعهم في صفهم المدرسي
ليعطيهم وظائفهم للفترة القادمة , والا
.. فان اسامة
بن لادن سعودي الجنسية , وايمن
الظواهري مصري , وانتم داعمي الأرهاب .
الآن
..و مع زوال العدو اللدود للولايات
المتحدة من على الخارطة ,
والذي كان يشكل مصدر حماية لكل من
كان هارباً من عدوهم الأمريكي , ومع
التدمير الحاصل في المجتمعات العربية
كنتيجة لنهج الأستبداد خلال اربعة
عقود مضت . والذي نجم عنه فيما نجم
تدعيم لوجود اسرائيل وتفوقها على
العرب مجتمعين , كما لم يعد هناك من
يجرؤ حتى على التفكير باستخدام النفط
كأداة ضغط لصالح قضايا العرب .
لم يعد هناك اية حاجة للولايات
المتحدة بتلك الأنظمة الفاسدة القائمة
حالياً بديار العرب , وأصبح طبيعياً ان
ترفع امريكا العصا بوجه اولئك الحكام
علناً , وبدون
حرج , وهذا ليس بسبب هيمنة اليمين على
ادارة الحكم في امريكا فقط , ولكن بسبب
الأفلاس المريع لنهج الحكام العرب
جميعاً , ولأنحطاط المستوى الأخلاقي
والسياسي لهذه الأنظمة التي دأبت في العقود السابقة
على استرضاء أعداء الأمة ,
والأمعان في اضطهاد شعوبهم وازلالها .
أمام
حكامنا احد طريقين لا ثالث لهما , وهما :
اما الأمعان في السير بالطريق
السائرون به حالياً , وان نجحوا
فسيحولوا بلداننا الى مواخير للجيش
الأمريكي , او العودة الى صفوف الشعب
وسلوك خياره في المقاومة .
03/06/2003
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|
|