مشاركات
وصل
إلى برق الشرق :
لماذا
أهمل المسلمون السياسة !؟
خالد أحمد
الشنتوت*
من الملاحظ في واقع كثير من
المسلمين في القرن العشرين وما سبقه ؛
انصرافهم عن العمل السياسي ، وترفعهم
عنه ، حتى تركوا سـاحة العمل السياسي
للعلمانيين ولغير المسلمين ، فحكموا
المسلمين في دارهم ، وساموهم سوء
العذاب ، وجرعوهم كؤوس الذل ، كما هو
حال المسلمين اليوم ، فلماذا أهمل
المسلمون السياسة ؟
المعتزلـة
:
شــاع علم الكلام في العهد الأموي
والعباسي ، وقدمت أفكار تقلل من أهمية
االإمامة ([1])
، كما يقول المعتزلة : الإمامة واجبة
بالعقل وليس بالشرع ، ويـرد النووي
عليهم فيقول : (وأجمعوا على أنه يجب
تنصيب خليفة ، ووجوبه بالشرع لا بالعقل
، وأما ماحكي عن الأصم ( معتزلي ) أنها
لاتجب ، وعن غيره أنها تجب بالعقـل لا
بالشرع فباطـلان (شرح النووي علىصحيح
مسلم ، كتاب الإمارة )، ويقصد النووي
يرحمه الله أنها واجبة بالشرع وبالعقل
أيضاً . .
ومن
الأسباب التي ساهمت في إبعاد المسلمين
عن السياسة مايلي :
الملك العاض ([2]):
حيث افترق السلطان عن القرآن ،
فانصرف العلماء إلى الفقه ، وحصروه في
فقه الشعائر التعبديـة فقط ، ثم
المعاملات ، وابتعدوا عن فقه السياسة
إلا في حالات نادرة ( كالماوردي
والجويني والفراء يرحمهم الله ) ، لأن
حديثهم في فقه السياسة سيغضب السلاطين
، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال : [ لتنقضن عرى الإسلام
عروة عروة ، فكلما انتقضت عروة تشبث
الناس بالتي تليها ، فأولها نقضاً
الحكم ، وآخرهن الصلاة ] ([3]).
فقد نقض الحكم العاض مبدأ الحكم
الإسلامي ، وهو الشورى ، والبيعة ،
وسكت العلماء اجتهاداً منهم ، ورأوا في
ســكوتهم ضرراً أقل من كلامهم في
السياسة . وساد الفكر الإرجائي والطرقي
( الصوفي المتطرف ) وهو انسحاب من
الحياة الاجتماعية ، ومازال هذا
الانعزال مستمراً لدى كثير من
المسلمين حتى يومنا هذا .
الملك
الجبـري ( الديكتاتوريات ) :
في بداية القرن العشرين الميلادي
سادت الانقلابات العسكرية في معظم
أقطار العالم الإسلامي ، وتسلط
العساكر على الشعوب المسلمة ، وخنقوا
الحريات وكموا الأفواه ، واضطهد
العلماء والمفكرون والدعاة ، حتى أن
زياد بري أحرق مجموعة من العلماء في
الساحة العامة ، وكذلك فعل الشيوعيون
في كابل ، وقضت هذه الديكتاتوريات على
كل من لديه أدنى اهتمام بالسياسة
والحياة الاجتماعية ، فشجعت العلماء
على عزلتهم ، ودفعت سائر المسلمين إلى
البعد عن السياسة والتعاون مع الآخرين
.
المكيافيلليـة
ومما أبعد المسلمين عن السياسة
مفهوم السياسة الذي زرعته
المكيافيللية في أذهان الناس ، وهو أن
السياسة كذب وخداع ومرواغة ، والغاية
تبرر الوسيلة، فساعد ذلك على إبعاد
العلماء المسلمين عن السياسـة ، ووازى
ذلك مفهوم فصل الدين عن الدولة في
الغرب ، وهو فهم خطير جداً، أحد أنواع
الفهم الجزئي للإسلام. الذي يركز أعداء
المسلمين على نشـره وترسـيخه بين
المسلمين ، وبينما كانت الشيوعية
تحارب الإسلام من جذوره ، وقد فشـلت
وانهارت ولله الحمد ، مازالت الصليبية
والصهيونية يحاربون الإسلام بتشويه
مفهومه عند المسلمين ، ويحرصون على نشر
مفهوم الإسلام الجزئي عند المسلمين ،
وأهم ما يؤرق ويقض مضاجع أعداء
المسلمين ؛ اهتمام الشباب المسلم
بالسياسـة ، بعد أن أيـقـن أنها جزء
أسـاس من ديـنه ، وأنها نوع من أنواع
العبـادة والجهاد .
وجاءت
الصحـوة الإسلامية ، وانتشر مفهوم
الإسلام الحقيقي الذي أنزلـه الله
عزوجل في الكتاب ، وعلمه الرسول صلى
الله عليه وسلم لصحابته رضي الله عنهم
في سـنته الشـريفة ، الإسلام كنظام
شامل للدين والدنيا ، والدين والدولة ،
وصار المسلمون يدرسون السياسة ،
وعرفوا أن السياسة المسلمة تختلف عن
المكيافيللية ، كما يختلف الاقتصاد
الإسلامي عن الاشتراكية والرأسمالية ،
فالسياسة المسلمة سياسة أخلاقية ،
تقوم على المبادئ وليس على المصالح ،
وانتشرت هذه البدهيـة لـدى قطاع واسـع
من المسـلمين اليوم ، فراحـوا يطالبون
بتطبيق الشـريعة الإسلامية في حياتهم
، وأفضل السـبل التي يسـلكونها
المجالس النيابيـة ، واستخدام
الديموقراطية هذا النظام العالمي
اليوم التي تنادي بأن يختار الشـعب بكل
حـرية النظام الذي يـريده ، وعندما
يخيـر المسلمون لن يختاروا سـوى
الإسلام ، ولـن يرضوا عنـه بديلاً .
التربيــة
الســياسـية :
والتربيـة السـياســية مفهوم حديث بين المسلمين ، بعد أن
انتشر مفهوم الإسلام الشامل ، وأن
السياسة جزء أساسي من الإسلام لذلك عرف
الباحث التربية السياسية بأنها : إعداد
الفرد المسـلم ليكون مواطناً صالحاً
في المجتمع المسـلم ، يـعرف واجباتـه
فيؤديـها من تلقاء نفسـه ، طمعـاً في
ثـواب الله عزوجل ، قبل المطالبـة
بحقوقـه ، كما يعرف حقـوقـه فيسـعى إلى
اكتسـابها بالطـرق المشـروعة .
والتربية السياسية جزء أسـاس
من التربيـة الإسلامية ، لأن التربية
الإسلامية تربيـة شــاملة للفرد
والمجتمــع ، وهذه التربية السياسية
واجب اليوم ؛ من أجل إعداد اللبنات
المسلمة الصالحة لتكوين المجتمع
المسـلم ، وهي ركن أسـاس من أركان
التربية الإسلامية لأن التربية
الإسـلامية تربية شاملة تشمل التربية
الروحية ، والتربية العقلية ،
والتربية الجسدية ، والتربية
الوجدانية ، والتربية الاجتماعية ،
والتربية العسكرية ، والتربية
الاقتصادية ...إلخ ، فالإسلام دين للفرد
وللمجتمع ، ولايقوم مجتمع مسلم بدون
سياسة مسلمة ، فالتربية السياسية (
تـعد المواطنين لممارسـة الشئون
العامـة في ميدان الحياة ، عن طريق
الوعي والمشاركة ، وعن طريق إعدادهم
لتحمل المسئولية ، وتمكينهم من القيام
بواجباتهم ، والتمسـك بحقوقهم ، وتبدأ
التربية السياسية في مرحلة مبكرة من
العمر ، وتستمر خلال سنوات العمر كله) ـ
عثمان عبد العزيز، التربية السياسية
عند الإخوان المسلمين ـ 13ــ .
ولابد أن تسـهم جميع
المؤسـسـات التربوية في المجتمع
كالبيت والمدرسـة والأندية ووسائل
الإعلام من صحافة وإذاعـة وتلفزة ،
والجامعات والمكتبات العامـة ؛ في
إعداد المواطنين المسلمين إعداداً
سـياسـياً ، كي يقـوم المجتمـع
المسـلم .
والحمد لله رب العالمين
* باحث في
التربية الإسلامية
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|