صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الثلاثاء 06 - 05 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |   ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع | كــتب | مجموعة الحوار | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

وصل إلى مركز الشرق العربي :

في سورية .. لماذا لا يصدرون العفو العام

السيناريو المتوهم .. اطلبوا العفو لهم لا تطلبوه منهم

عادل الحمصي

من يعفو على من ؟

أكثر ما يثير الاستغراب مناشدات لجان حقوق الإنسان، وبعض قيادات المعارضة السورية، الرئيس بشار الأسد بإصدار عفو عام عن المعتقلين السياسيين، ومعتقلي الرأي في سورية..!!

إن المحامي إذا طلب العفو أو الشفقة لموكله، فهذا يعني أنه أقر عنه بالذنب. ولا نظن أن الأبرياء الذين أغلقت عليهم الزنانين منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً، مذنبون ينتظرون عفواً، وإنما هم في حقيقة الأمر أبرياء ينتظرون اعتذاراً.

إن على الذين سجنوهم وعذبوهم وأهدروا أعمارهم وإنسانيتهم وتسببوا في عذاباتهم وآلامهم وعذابات ذويهم أن يجثوا أمامهم على الركب ليطلبوا منهم العفو والغفران.

إن العدوان على آدمية الإنسان المستضعف والمغلوب، مهما بدا مؤلماً وكريهاً  ينعكس في حقيقته على آدمية مقترفيه، أمراً وتنفيذاً، ففعل الإنسان هو بعض صورة نفسه. لذا نتمنى على العاملين في نصرة قضايا الإنسان، أن يكفوا عن استجداء العفو للمظلومين، وأن يلتمسوه للظالمين.

أما لماذا لا يصدرون العفو العام في سورية ؟ ولماذا لا يتبردغون في فضاء الإشادة والتأييد ؟! ولماذا لا يتردون أو يأتزرون بالمحمدة، فذلك لأنهم سياسيون تحكمهم البصيرة لا العاطفة، ولأنهم يحسبون أبعاد الخطوة وانعكاساتها أو تُحسب لهم. ولا تغريهم الطبقة السكرية على قرص (الكينا). ولأنهم أخيراً يرفضون أن يدفعوا ثمن ما كسبت أيديهم.

عندما ذكر الأسد الأب بمرض الرفيق (صلاح) في سجنه، على أمل أن يشفق عليه فيطلقه، أجاب: يخرج عندما أدخل. فردانية لا تربطها بالآخرين غير جسور الحقد والكراهية، لم تنتم إلى بيت سؤدد ومجد وإنما نمت في ضعة حتى كانت خضراء دمن...

توهمت، والوهم لي عادة، أن الرئيس بشار الأسد أخطأ كل الحسابات، وخالف كل الناصحين، وأخذته حمية وطنية، تحت وطأة التهديدات الأمريكية والصهيونية، فأعلن من إذاعة دمشق مرسوماً أو قانوناً بالعفو العام عن جميع المعتقلين السياسيين من سابقين ولاحقين، حرصاً على الوحدة الوطنية، وتدعيماً للجبهة الداخلية، واستعداداً ليوم الفصل.

وتجارى بي الوهم، وتلاعب بي الحلم فرأيت ـ وخيراً رأيت وخيراً يكون ـ المواكبَ، من أولياء المحررين، تتحرك من العواصم العربية أجمع من صنعاء وتطوان والخرطوم والجزائر والقاهرة وعمان وعُمان وبغداد وبغذاذ وبغدان ومن مرعش وماردين وأنطاكية ثم تنضم إلى هذه المواكب العربية مواكب وطنية من أقصى الشمال من القامشلي والحسكة ينحدر الأكراد السوريون أو (البدون) لاستقبال أحبابهم، وتردفهم أفواج أبناء حماة وحلب وإدلب، وينضم إليهم أبناء المخيمات من اليرموك وعين الحلوة والكرنتينا وصبرا وشاتيلا وأبناء بيروت الغربية وبيروت الشرقية وأبناء المختارة يسعفهم أبناء الجنوب فإذا أنا أمام خميس بشرق الأرض والغرب زحفه ولكنه عربي عربي عربي. احتشدوا جميعاً ليفرحوا بالعفو، ويستقبلوا الغائب الذي انتظروا طويلاً لكي يعود.

في دمشق التقت الحشود، بل التقت الحشود في دمشق، فكانت دمشق أزمة الأزمات، افترش الناس الأرصفة، افتتحت أجنحة المعرض الدولي لاستيعاب الألوف، تداخلت أزمة الفنادق مع أزمة المخابز مع أزمة بائعي الفلافل مع أزمة المياه مع أزمة وسائط النقل لتقود إلى الأزمة الكبيرة.

عندما استجاب الرئيس بشار لنداء المنظمات، وتغاضى عن نصح الناحصين، المطالبين بالمماطلة والتسويف، لم يفكر في كل ما سبق ولا في الداهية التي ستكون.

فجأة تأكد أن الخطوة التي خطا كانت كارثية بكل الأبعاد.

فحين خرج مئات أو آلاف المضامير المهزولين من الزنازين، وقف خمسون ألف أسرة ينتظرون الغائب الذي لن يعود.. خمسون ألفاً أو يزيدون يسألون بلهجات الأمة أجمع عن المنتظر المفقود.

وفجأة انطلق في سماء دمشق خمسون ألف سؤال: عن خمسين ألف إنسان اختفوا دون أن يتركوا أثراً ولا حتى مزعة من قميص عليها دم كذب !!

كانت ساعة العفو ساعة الفجيعة.. تداخلت الأسئلة وسط الهرج: أين ابني؟ تصرخ بها أم شاخت وما ملت الانتظار. أين زوجي ترمي بها أيم حفظت لعقود العهد، أين أبي يصرخ رجل في الثلاثين تركه أبوه جنيناً في بطن أمه، أين أخي؟ أين ابن عمي أين جاري وتتعمق الفجيعة أكثر...

وتدور التساؤلات حيرى ثم غاضبة: من أين إلى متى؟ ومن متى؟ إلى كيف؟ ومن كيف إلى مَن؟ وعندما يقترب السؤال من (مَن) تقترب ساعة الكارثة. ويتحول اليوم الذي يقترحه المقترحون يوماً للفرح الوطني، وللوفاق الوطني، يوماً للزلزال الوطني الكبير الذي هو آت لا محالة. وهو اليوم الذي يخافون.

وإني لأرجو أن يفهم المطالبون (بالعفو) سر المعادلة. أرجوكم لا تطلبوا منهم العفو ولكن اطلبوه لهم... السابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  الموقف  
  برق الشرق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  تراث  
  بيانات وتصريحات  
  بريد القراء  
  قراءات  
  شآميات  
 

 

  اتصل بنا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد ـالموقع | كــتب | مجموعة الحوار | ابحث في الموقع |ـ

| ـالموقف |  برق الشرق  | رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  | تراث  | بيانات وتصريحات |  بريد القراء |  قراءات  | شآميات  |  ـ