المجتمع
الإسرائيلي ..والمنطق اللاأخلاقي
الصارخ
الذي يغذي جوهر الحركة الصهيونية
بقلم:
عميرة هس
هذا
اعتراف بالفشل: الكلمات المكتوبة لا
تنجح في تجسيد فظائع الاحتلال في غزة
بصورتها الكاملة للإسرائيليين،إذا
كتبوا عن البحر المغلق في وجه
الفلسطينيين في غزة سيقولون هنا أنهم
إرهابيون.
وإذا
تحدثوا عن الإسكان المبني غرب خيم خان
يونس المليء بالثقوب الناجمة عن القصف
المتواصل الغزير سيقولون ان
الفلسطينيين هم البادئون، وإذا كتبت
الصحافة عن الفتى يوسف بشير ابن الخمسة
عشرة عاماً الذي تحول منزل عائلته في
دير البلح الى موقع عسكري سيقولون في
إسرائيل أنه لا مناص من ذلك من أجل
الدفاع عن المستوطنة اليهودية كفار
داروم.
مثلما
هو الحال مع نفيه دكاليم و عتصمونه
وموراج، و إذا تناقلت وسائل الإعلام
نبأ موافقة جنود الحاجز العسكري
الموضوع فوق منزل الصبي يوسف بشير على
زيارة طاقم من الأمم المتحدة لباحة
المنزل سيقولون في إسرائيل أن هذا دليل
على انسانية الجنود المستعدين
للمخاطرة بأنفسهم ابان أدائهم
لواجبهم.
وإذا
أضافوا وحدثوا عن قيام أحد الجنود
بالانفجار فجأة واطلاق النار على
دواليب سيارة الامم المتحدة باعتبارها
سيارة مشبوهة سيردون عندنا أن ذلك أمر
لم يحدث.
و
عندما ستقول الأخبار أن الصبي سوق قد
أصيب بظهره عندما لوح بالتحية لضيوفهم
من موظفي الأمم المتحدة ومن المحتمل أن
يبقى مشلولاً بقية عمره.
ربما
تؤثر كلمة مشلول في هذه المرحلة في
نفوس بعض القراء ولكن كم هو عدد
اليوسفيين الذين لم تتناقل الأخبار ما
حدث معهم ولن تتناقله.
هذا
الاعتراف بفشل الكلمة المكتوبة لا
يهدف الى الرفع من مرتبة وقيمة الصور،
الصورة فعلاً تعادل ألف كلمة، ولكن حتى
يقترب الاحتلال الإسرائيلي في غزة من
درجة الإدراك الملموس يتوجب اعطاء
الإسرائيلي فرصة للاطلاع على هذا و
ذاك، أو مشاهدة أفلام وثائقية مدة كل
واحد منها ثماني ساعات أحد هذه الأفلام
يوثق في بث مباشر الخوف في عيون طلاب
المدارس حيث تحمل الصافرة التي تمر من
فوق رأسهم قذيفة تحول ما تصيبه الى جثث
متفحمة و معادن مصهورة ممزقة.
أو فيلماً آخر يري المشاهدين
بيارات الشيخ عجلين و الأعناب
والفلاحين الذين يرعونها بعرقهم بحب
كبير طوال سنين لتتحول بين ليلة وضحاها
الى أرض محروقة مدمرة بفعل الدبابات
والبلدوزرات الإسرائيلية.
لم
يبتدعوا بعد فيلماً يسمح للإسرائيليين
بأن يتذوقوا طعم أعناب الشيخ عجلين
الفاخرة كروم الشيخ عجلين اختفت حتى
تتمكن المواقع العسكرية من الدفاع عن
مستوطنة نتساريم.
كيف
ستصف الصور المعطيات التالية، منذ
التاسع والعشرين من أيلول 2000و حتى
الاثنين الماضي قتل في غزة 94
اسرائيلياً – 27 مدنياً و 67 جندياً (
معطيات الناطق بلسان الجيش ) .
في
المقابل قتل في غزة 1231 فلسطينياً في
نفس الفترة وحتى الثامن عشر من شباط 2004
كلهم ارهابيون في غياب طرف فلسطيني
مركزي واحد توجد فوارق في المعطيات
التي تملكها المؤسسات و الهيئات
الفلسطينية و لا تدعي أي منها أنها
دقيقة مائة في المائة.
مؤسسة
الميزان لحقوق الإنسان الموجودة في
جباليا تحققت و وجدت أن 81 امرأة قد قتلن
بنيران الجيش الإسرائيلي في غزة 344
طفلاً تحت سن الثامنة عشرة.
255
من عناصر الأمن والشرطة الفلسطينية (
الذين قتلوا في مواقعهم ومكاتبهم و
احياناً خلال المعركة ) 264 من القتلى
كانوا مسلحين شاركوا في المعارك في
مواجهة الجيش الإسرائيلي او حاولوا
مهاجمة مواقع عسكرية أو مستوطنين أو
مستوطنات.
46
كانوا هدفاً لعمليات التصفية
الإسرائيلية 80 من المارة قتلوا خلال
عمليات الاغتيال تلك، الاخفاق في
تجسيد هول المسألة ليس نابعاً من ضعف
الكلمة او في قلة الصور.
إنما
هو نابع من حقيقة أن المجتمع
الإسرائيلي يعيش بسلام مع المعطيات
التالية حوالي 8000 يهودي يعيشون اليوم
في غزة، و 104 مليون فلسطيني مساح غزة
الشاملة هي 365 كيلومتراً مربعاً.
المستوطنات
تحتل 54 كيلومتراً مربعاً، الى جانب
المساحة الخاضعة لسيطرة الجيش حسب
اتفاقات اوسلو 20 من غزة يخضع للسيطرة
الإسرائيلية أي 20 من المساحة مخصصة لـ
0.5 من السكان.
مهمة
الجيش الإسرائيلي هي الدفاع عن أمن الـ
0.5 الإسرائيليين من مجموع
السكان الذين يتمتعون بأرض غزيرة
وحرية الحركة ومياه عذبة ( خلافاً
للمياه المالحة المخصصة للفلسطينيين )
ومن امكانية التنمية والتطوير.
مواقع اطلاق النار الإسرائيلية
الهادفة الى الدفاع عن المستوطنات
وتشرف على كل حي مدني فلسطيني قرب كل
مستوطنة واسعة من تجمع سكاني فلسطيني
مكتظ مختنق هو الذي يحدد ارتفاع عدد
القتلى الفلسطينيين في غزة ومن بينهم
عدد كبير من المدنيين.
هو
الذي يحدد أوامر اطلاق النار المرنة و
نوع القاذفات الانشطارية والطائرات
التي تقذف الصواريخ.
الجيش يتحرك في اطار نطاق هذا
الاستيطان الوقح السافر والقاسي
لأقلية محظية بالامتيازات الوفيرة
التي تقيم على الأراضي الواسعة
الاحتياطية لنماء الفلسطينيين في غزة.
رغم
الأحاديث عن الانسحاب إلا أن المجتمع
الإسرائيلي لا يظهر مؤشرات التنصل من
المنطق اللاأخلاقي الصارخ الذي يغذي
جوهر الحركة الصهيونية ومشروعها في
غزة كما في الضفة.
صحيفة
هآرتس 9/3/2004
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|