مشاركات
معارضون
سوريون للبيع!
*الطاهر
إبراهيم
قيل
في المختصر المفيد من الحِكَم"خالف
تعرف"،وبعض الناس يتاح لهم النشر في
صحف معروفة فيظن أنه صار علما يشار له
بالبنان، فيخرج على الناس بآراء
سياسية، يعرضها في "بازار"
السياسة الذي يعرض فيه الغث والثمين،
لا يوافقه عليها أحد، ولا تكاد تجد من
الناس من يسومها بفلس أو درهم.
ومن
هذه البضاعة ما عرضه الأستاذ "ماهر
شرف الدين" في مقال له نشرته "النهار"
في 30 آذار الماضي، بعد أن وضع له عنوانا
استفزازيا هكذا: (كيلو، نيوف، الترك،
الحاج صالح .. جردة حساب لغزل المعارضين
والنظام)، متكئا على حلقة الاتجاه
المعاكس، التي كان طرفاها: السفير "رياض
نعسان آغا" والكاتب المعروف الأستاذ
"ميشال كيلو".
وحتى
يلفت الانتباه أكثر، يزعم (بأن تسوية
تمت بين السلطة والمعارضة). ولو ذهبت
تبحث من أين جاء بهذا الاستنتاج
الخطير؟لوجدته ادعاء أجوف ولا يستند
إلى أساس. لأن الحوار الذي جرى بين
المتحاورين ليس فيه ما يشير إلى ذلك من
قريب أو بعيد.
ولا
يكتفي بذلك، بل يقول ( إن ما يسمى
بالمعارضة السورية قاصرة سياسيا، وأن
السلطة أجدر بما لا يقاس بإدارة الحياة
السياسية).ليؤكد لنا مرة ثانية،(بعد
مقاله الآخر الذي نشرته "النهار"
أيضا في12 آذار الفائت تحت عنوان "
إلى متى المعادلة الرسمية..إما
الإسلاميون وإما الطوارئ".)، بأنه
يحاول أن يعرض خدماته على النظام
السوري من خلال هجومه على رموز
المعارضة.وفي نفس الوقت يحاول أن يظهر
للناس،وكأنه واحد من المعارضة
السورية، ولكن من المعارضة المعروضة
للبيع في "بازار" النظام.
ورغم
كثرة الاتهامات التي وزعها "ماهر"
يمينا وشمالا، فقد كان المقصود الأساس
فيها تهمتين أعاد تكرارها في مقاليه
الأول والثاني:
التهمة
الأولى: هجومه الشرس على الأستاذ رياض
الترك، الذي أبدى استعداده للتحالف مع
الإخوان المسلمين، بعد ما لمس من صدق
توجههم.وفي الحقيقة فإن ماهر،بهذا
الهجوم ،إنما يقدم "شهادة حسن سلوك"
له عند النظام السوري، الذي ساءه كثيرا
هجوم الأستاذ "الترك" على فترة
حكم الرئيس حافظ الأسد واصفا إياها
بالحكم بالاستبدادي.
ولعلنا
نضيف للأستاذ "ماهر" معلومة هامة
تنقصه، يمكن أن يضيفها إلى أرشيف
اتهاماته، وفي نفس الوقت تضاف إلى مآثر
الأستاذ "الترك". ففي بداية عام 1980
،عند تصاعد المواجهات
مع الإسلاميين، وجه الأستاذ "الترك"
اللوم إلى نظام حزب البعث على ما آل
إليه الوضع في سورية، رافضا أن يَقْصُر
الاتهام في ذلك على الإخوان المسلمين
فقط .
وللأسف
الشديد، فبدلا من أن يتحفنا الأستاذ
"ماهر" ببرنامجه السياسي إن كان
عنده أي شيء من هذا القبيل، نجده يتهم
المعارضين الذين جمعهم مع الأستاذ
الترك في سلة واحدة –حسبما جاء في
المقال- متسائلا: ( أين برنامجكم
السياسي إلى الشعب؟ وماذا بشأن تحرير
الجولان؟ وما ذا بشأن الوجود في
لبنان؟وما ذا..وماذا...).وكأن هؤلاء
المعارضين لا النظام، هم الذين أضاعوا
الجولان! وكأنهم هم الذين أدخلوا الجيش
السوري إلى لبنان!. ونحن نقول للأستاذ
"ماهر" بأنك توجهت نحو الجهة
الخطأ، لأن الذي أصعد الجمل إلى
المئذنة، هو من يقع على عاتقه إنزال
ذلك الجمل.
أما
التهمة الثانية: فقد وردت في مقال
الأستاذ "ماهر" الأول، في 12 آذار،
الذي أشرنا إليه، وهي تساؤله: (ما الذي
قد فعلته، وتفعله، السلطة منذ عشرات
السنين وفي الأعوام القليلة الماضية
تحديداً لمواجهة هذه المشكلة؟ هل
سنبقى إلى الأبد أسيري معادلة مرعبة
كهذه:إما ديموقراطية تأتي بالإسلاميين
الظلاميين، وإما قانون طوارئ وسجون؟!).
ولن
نعلق على كلمة "الظلاميين"، فقد
كفانا ذلك آخرون .
إن
العالم كله ينادي الآن بديموقراطية
صناديق الاقتراع، لأنها المقياس
الحقيقي لقياس رغبة الشعوب. ولا يوجد
ديموقراطية حقيقية بدون الاحتكام إلى
هذه الصناديق-مع التأكيد على زيف
صناديق ال 99%-، وإن أي اعتراض على ما
تفرزه تلك الصناديق، سواء أجاءت
بالإسلاميين أم بغيرهم، إنما هو
اعتراض على الديموقراطية نفسها.
أما
أن نقول أن الإسلاميين سوف ينقلبون على
الديموقراطية، بعد أن يصلوا إلى
الحكم، فهو نوع من اتهام النوايا،أو
ضرب من التنجيم. وهاهو حزب "العدالة"
التركي ،ورغم أنه مع العسكر في تركيا
كأنما يمشي على حبل مشدود، فقد استطاع
أن يزيد رصيده في صناديق الاقتراع من 34%
أثناء الانتخابات الاشتراعية أواخر
عام 2002، إلى أكثر من 42% في الانتخابات
البلدية التي جرت في آذار من هذا العام.
ولو رأى الشعب التركي، بعد تجربة امتدت
لأكثر 18 شهرا، لما منح حزب العدالة ذي
التوجه الإسلامي تلك الثقة.
صناديق
الاقتراع –يا صاحبي- مفتوحة أمام
الجميع. وهي "ميدان أبو علي"، كما
يقال في المثل السوري، يمكن لجميع
الأحزاب والتوجهات أن تجري خيلها في
هذا الميدان.
والحزب
أو التوجه صاحب الخيل الأصيلة، -وسورية
فيها أكثر من حزب وأكثر من تيار يستطيع
أن يدخل المنافسة- هو الذي تستطيع
جياده أن تصل إلى آخر الميدان، وتنال
من الجائزة على قدر ما تستحق. ومن كانت
جياده عجفاء، أو لا يملك جيادا أصلا،
فليس من حقه أن يسب تلك الجياد أو يسب
أصحابها.
كما
أنه ليس عدلا، أن نعمد إلى العداء
السريع، فنكسر إحدى رجليه، حتى يستطيع
العداء الأبطأ أن يسبقه أو يساوقه.
وليس من الإنصاف في شيء، أن نأتي
بالمشعوذ الهندي الذي يزعم بأنه
يستطيع تقصير قامة الإنسان، فنطلب منه
تحجيم المعارضة صاحبة القامة الأطول
في الشارع ،حتى ترتفع في الساحة
السياسية قامة الأقزام.
ونشير
هنا إلى قضية كانت ظاهرة في المقالين
الأول والثاني، وهي إدراك الأستاذ
ماهر أن المعارضة السورية محصورة بين
قطبين لا ثالث لهما على الساحة السورية
وهما: المعارضة العلمانية ،التي تدين
بالولاء لشيخ المعتقلين الأستاذ "رياض
الترك"، والمعارضة الإسلامية ،التي
يأتي على رأسها جماعة الإخوان
المسلمين.
وإذا
كان الأستاذ ماهر يعتقد بأن أميركا سوف
تتكفل له بمنع وصول "الإخوان
المسلمين" إلى الحكم في سورية، فما
عليه إذن، إلا أن يوجه نقده نحو
الأستاذ "الترك" ومن يدين له من
المعارضة العلمانية. وبعدها ربما
ترتفع قامة "النكرات السياسية" في
الساحة السورية.
لقد
أدرك الجميع في سورية ،ما عدا النظام،
أن المطلوب أمريكيا هو رأس سورية ،وطنا
وشعبا.فمتى يدرك النظام السوري هذه
الحقيقة؟ ومتى يدرك أن التعايش مع
أمريكا -الذي جربه هذا النظام أربعة
عقود،من خلال التفاهمات من تحت
الطاولة،أو ظاهرا للعيان مثلما حصل في
حرب الخليج عام 1991-، لم يعد ممكنا، بعد
أن تغيرت أولويات أمريكا. وإذا لم
يتنبه النظام إلى هذه الحقيقة، فلم يبق
إذن ،إلا أن تتكاتف المعارضة
الحقيقية، بكافة أطيافها، لكي تبني
جبهة تتصدى لأمريكا طالما أن النظام
ليس في وارد ذلك.
وإنه
لشيء مؤسف أن نجد الأستاذ ماهر يشجب
العلاقة الإيجابية بين "رياض الترك"
وبين "الإخوان المسلمين"، عند ما
أشار إلى: ( تصريح مؤسف
–حسب زعمه- لأبرز أقطاب المعارضة
العلمانية رياض الترك حيث قال إنه
مستعد للتحالف مع "الإخوان المسلمين"
إذا ما قاموا بالاعتراف بخطئهم.).
*كاتب
سوري مقيم في السعودية / عضو مؤسس في
رابطة أدباء الشام.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|