مستقبل
المسلمين في أوروبا
عدنان برجي
*
الحديث عن مستقبل الوجود الإسلامي
في أوروبا يستدعي معرفة حجم هذا الوجود
وتاريخ انتشاره وكيفية تواجده
والتحديات المشتركة التي تواجهه ،
إضافة الى التحديات الخاصة في كل بلد
من البلاد الأوروبية ، حيث ان قوانين
هذه البلاد وطرق تعاملها مع المسلمين
ليس واحداً ، وان كان هناك اتحاد
أوروبي يشمل بلداناً مهمة في هذه
القارة …
تاريخ
الوجود الإسلامي في أوروبا
بدأ
في الوجود الإسلامي في أوروبا منذ ان
وصل العرب في فتوحاتهم إليها ، حيث
فتحوا مدينة ناربون الفرنسية عام 716م ،
ومدينة تولوز عام 721م ومدينة ليون عام
726م ومدينة بوردو عام 731م ثم هزموا في
مدينة بواتيه عام 736 الا ان والهزيمة لم
تؤدي الى جلاء كل المسلمين العرب عن
فرنسا . ثم انه وبعد سقوط الأندلس لجأ
أكثر من 150الف عربي ومسلم الى جنوب
فرنسا .
وأبان
الاحتلال الفرنسي لأفريقيا ، استقدمت
مجموعات عمالية للعمل في الصناعة وفي
شق الإنفاق والطرقات وغالبتهم من دول
المغرب العربي ( المغرب – الجزائر –
تونس ) . ثم جاءت موجة الهجرة بعد الحرب
العالمية الثانية وكانت مزيجاً من
الطلاب القاصدين التعلم في الجامعات
والعمال القاصدين العمل رغم الظروف
الصعبة التي كانت تضطرهم الى الانفصال
عن عائلاتهم مع يرافق ذلك من انفصال
ثقافي يؤدي الى تشتت ذهني وضياع
اجتماعي ومعاناة من تلك النظرة
الدونية التي ينظر بها اليهم حيث هم في
أدنى المراتب الاجتماعية : عمال في
الأنفاق والبناء والتنظيفات وما شابه
ذلك .
هذا
في جانب فرنسا أما على الجانب
البريطاني فقد كان الوفود إليها كثيفا
من شبه القارة الهندية نتيجة لطول
الاحتلال البريطاني للهند ، ونتيجة
للتقسيم الذي تم بين الهند وباكستان
والذي دفع بالكثير من الباكستانيين
الى الهجرة الى بريطانيا .
وفي
البلقان ودول الاتحاد السوفياتي سابقا
، فإن الوجود الإسلامي كان نتيجة
الفتوحات العربية والاسلامية ، ونتيجة
وصول التجار العرب والمسلمين الى تلك
الأصقاع مما أدى الى تجذر الوجود
الإسلامي تاريخيا في تلك المنطقة .
حجم
الوجود الإسلامي في أوروبا
ليست هناك إحصاءات دقيقة عن عدد
المسلمين في الدول الأوروبية مجتمعة
ولا عددهم في دولة معينة ، وذلك لان
الإحصاءات هناك تتم بمعزل عن الدين ،
لكن هناك أرقام تقريبية تتراوح بين 25
مليون مسلم حسب محاضرة لرئيس جمهورية
البوسنة والهرسك سابقا السيد علي عزت
بيغوفيتش وحيث يقدر ان النسبة ستصبح 3,8
% من مجموع سكان أوروبا في نهاية القرن
العشرين وبين 52 مليون مسلم حسب إحصاءات
وكتابات أخرى أي ما نسبته 6 % من مجموع
سكان أوروبا ( عدد سكان أوروبا 705 مليون
نسمة ) .
في فرنسا ، حيث الجذور العربية
للمسلمين هي الغالبة ، فإن حجم
الانتشار يفوق الستة ملايين مسلماً
مما جعل من الدين الإسلامي ، الدين
الثاني بعد الكاثوليكية في فرنسا . أي
أن عدد المسلمين أكثر من عدد
البروتستانت والأرثوذكس واليهود ،
وذلك ما دفع بالدكتور جيل كيبل مدير
الدراسات في المؤسسة الوطنية للدراسات
السياسية والمتخصص في شؤون الشرق
الاوسط والحركات الإسلامية للإعلان ان
واحد على خمسة من السكان هو من اصل
إسلامي . وقد جاء في إحصاء عام 1993 ان عدد
العمال في
فرنسا من اصل أجنبي بلغ 1541500 عاملاً
منهم 237400 جزائري ، 179500 مغربي ، 71000
تونسي و 73500 تركي . كما قدرت منظمة
اليونسكو ان نسبة المثقفين تقدر بـ 15 %
من مجموع الجالية العربية المسلمة في
فرنسا . هذا وقد قدرت المجموعة
الأوروبية في تقرير لها عام 2001 صادر في
بروكسل ان المهاجرين يساهمون بـ 14,7 % من
الناتج المحلي في فرنسا .
في هولندا يقول الدكتور مرزوق
أولاد عبد الله نائب رئيس الجامعة
الإسلامية في هولندا أن عدد المسلمين
الهولنديين بلغ
800 ألف مسلم ، وهم يمثلون اكبر أقلية في
هولندا ولهم 7 أعضاء مسلمين في
البرلمان .
في بريطانبا ، أدت حركة الاستشراق
الى التعرف الى الإسلام من وجهات نظر
متعددة ، فمن المستشرقين من هاجم
الإسلام والمسلمين ، ومنهم من انصفهم ،
وقد تدفقت أعداد المسلمين على
بريطانيا من شبه الجزيرة الهندية التي
كانت توصف يوماً بـ " درة التاج
البريطاني " ومن ماليزيا وإندونيسيا
، ودول إسلامية أخرى . وكانت غالبية
هؤلاء من العمال ، فيما تميزت الهجرة
العربية بالطابع النخبوي الى بريطانيا
. وتدل المؤشرات الى وجود نحو ثلاثة
ملايين مسلم حاليا في الجزر
البريطانية ، يتركزون أساسا في
العاصمة لندن والمدن الصناعية الكبرى
، الا ان مؤسسة " راتيميد " تقول ان
عدد مسلمي بريطانيا بلغ في أواخر القرن
العشرين المليون ونصف المليون نسمة ،
وقد وصل احد المسلمين في مدينة غلاسكو
الاسكتلندية " محمد سرور " الى
مجلس العموم البريطاني عام 1997 ليكون او
مسلم يشغل مقعدا نيابيا في تاريخ
الحياة السياسية في بريطانيا .
في ألمانيا ، ليس هناك رقم تقريبي
لعدد المسلمين ، الذين قدموا
بغالبيتهم من تركيا ، لكن هناك نشاط
إسلامي حيث يذكر الكاتب نبيل شبيب من
بون ان صلاة الجمعة نقلت كاملة من مسجد
صغير في برلين ، وكانت قد ألقيت
بالألمانية من جانب الدكتور نديم
الياس رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في
ألمانيا ، وقد استقبله المستشار
الألماني غيرهاد شرودر في نطاق وفد
إسلامي .
في البوسنة والهرسك وألبانيا أي
بلاد البوشناق والألبان ، فإن عدد
المسلمين يتجاوز السبعة ملايين ،
وظروفهم تختلف عن ظروف المسلمين في
باقي البلاد الأوروبية ، اذ انهم من
اصل السكان وليسوا من المهاجرين إليها
حديثا ، وهم عانوا طويلا أبان الحقبة
الشيوعية الإلحادية ، و أبان فترة
انحلال الاتحاد السوفياتي حيث ارتكب
الصرب المجازر بحقهم …
المشاكل
والتحديات التي تعترض مسلمي أوروبا
المشاكل
ليست واحدة عند عموم المسلمين فهي
تختلف بين بلد وآخر ، وذلك باختلاف
قوانينه وباختلاف نظرة سكانه الى
الإسلام والمسلمين لكن هناك أمور
مشتركة أبرزها :
التردد
بين العزلة والاندماج ، حيث يدور
الصراع الداخلي بين ان ينعزل المسلم
ليحافظ على المفاهيم التي حملها من
بلاده ، وبين ان يندمج في المجتمع
الجديد الذي اصبح متواجدا فيه مع
الاختلافات بين المفاهيم الموروثة
والمفاهيم المستجدة . وهذا التردد لا
نلحظه كثيرا عند الجيل الذي ولد وعاش
وترعرع في المجتمع الأوروبي .
الخوف
من الذوبان في ثقافة الآخر ، حيث
الإعلام الأوروبي والغربي ، أقوى
بكثير من الإعلام الإسلامي والعربي .
ضعف
الإمكانيات والموارد وندرة الدعاة
المتخصصين والواعين والبعيدين عن منطق
التطرف وفقه البداوة الذي لا يستطيع
فهم حقائق العصر ولا يقدر على استنباط
الحلول الإسلامية الملائمة لتحديات
هذا العصر ، فتراه يلجأ الى التمسك
بالقشور التي تكون عادة مادة دسمة
للإعلام المعادي … لقد نشر التلفزيون
الفرنسي مرة تحقيقا عن أسرة فرنسية
اعتنقت الإسلام ،
كيف انها تخلت عن تناول الطعام من على
الطاولة ، لتفترش الارض كما في الايام
السالفة ، وكيف انها استبدلت فرشاة
الأسنان بالمسواك مع ما يعني ذلك من
تناقض مع مفاهيم المجتمع الفرنسي
الحديث .
تشتت
الاتجاهات وتعددها بتعدد البلدان
والمصالح والمفاهيم بل قل والجماعات ،
مما يشرذم المسلمين ويفرقهم ويخفف من
إمكانية إحداث الضغط المطلوب لتحقيق
المطالب القادرة على تحسين ظروفهم
الاجتماعية والاقتصادية … ان كثير من
المسلمين يعيشون في ظروف صعبة ، فهم
اما في أحزمة البؤس التي تحيط بالمدن
الأوروبية الكبرى ، و اما في في تجمعات
سكانية مكتظة ، و اما في حالة تهميش
وتقوقع ثقافيين .
صعوبة
كسب العيش عند الكثير منهم وذلك
بارتفاع نسبة البطالة في صفوفهم ،
وهناك من يقول ان التمييز العنصري دفع
ببعض الاوروبيين الى وضع عوائق امام
الطلاب المسلمين وقد دفعوا بهم قسراً
الى تخصصات تمنعهم من الارتقاء
الوظيفي وحتى الذين اخترقوا هذه
القاعدة ونالوا تعليما متقدما
واختصاصات علمية مرموقة يعاملون
كمواطنين من الدرجة الثانية . فمن كان
طبيبا تقع عليه أعباء العمل الليلي
وأيام الأعياد ومن كان طالبا تقع عليه
أعباء العمل القاسي كغسل الصحون
والتنظيفات لكسب بعض المال ليستعين به
على استمرار دراسته الجامعية .
صعوبة
الحفاظ على الخصوصيات الثقافية
الدينية ، فالدساتير تضمن حرية
التعبير إجمالا لكن التطبيق يتفاوت
بين دولة وأخرى بين ظرف وآخر … وقد
جاءت قوانين الرقابة في ألمانيا مثلا
لتضع كل مسلم بين العشرين والأربعين من
عمره في دائرة الاتهام ، مما يعني ذلك
من خوف وقلق .
وصم
الإسلام بالإرهاب بعد أحداث 11 أيلول 2001
.. وهذا الوصم لم يكن وليد تلك الأحداث
وانما كان نتاج آلة الدعاية الصهيو –
اميركية التي وجدت في الإسلام عدواً
بديلاً عن العدو الشيوعي فراح صموئيل
هنتغتون ينظِّر لصراع الحضارات
وفوكوياما لنهاية التاريخ . لقد أججت
أحداث 11 أيلول العداء ضد المسلمين في
الغرب عموماً وساهمت في مساعدة
العنصريين الغربيين لتفجير أحقادهم
وضغائنهم ضد المسلمين ، فتعددت
الاعتداءات عليهم ، وتشددت القوانين
وذهبت أدراج الريح مقولات حقوق
الإنسان والمساواة وعدم العنصرية .
يقول
الدكتور زكي بدوي ، عميد الكلية
الإسلامية في لندن ، ان ابرز المخاطر
على المسلمين هو التعصب المذهبي الذي
يسود في أروقة المؤسسات الكبرى في
بريطانيا وغيرها . وخطر التعصب المذهبي
انه يؤسس لتشرذم المسلمين وتفرقهم من
جهة ويدحض مقولة قبول الآخر ، والحوار
مع الآخر من جهة ثانية . فإن كان
المسلمون يكفرون بعضهم بعضا ، فكيف لا
يكفرون الآخرين من العلمانيين
والأديان الاخرى . واذا كان التعايش
صعبا بين أبناء المذاهب الإسلامية ،
فكيف يكون التعايش ممكنا بين المسلمين
وغير المسلمين ..
غياب
المرجعية الإسلامية الموحدة ، وقد بان
أثر ذلك في معالجة قضية الحجاب ، فشيخ
الأزهر في مصر أفتى منفردا بجواز
القانون الفرنسي الذي يمنع الحجاب ،
وخالفه في ذلك مراجع كثيرة في مصر
وخارجها . وهذا الاختلال لا شك سينسحب
على المسلمين في أوروبا ، فبعضهم سيجد
في التصرف الفرنسي ممارسة مقبولة
للسيادة الوطنية ، وبعضهم الآخر سيجد
في هذا التصرف اعتداءً على القيم
الدينية الإسلامية ، حيث أن الحجاب ليس
رمزا من رموز الدين ، إنما هو اصل الدين
الذي يمنع السفور . تجدر الإشارة الى أن
مجلس شورى الدولة ما انفك يؤكد منذ
العام 1989 ان ارتداء الملابس الدينية لا
يتعارض مع العلمنة . وقضية الحجاب ،
مثلها مثل كثير من القضايا ، التي تظهر
الاختلاف في التفسير والاختلاف في
المعالجة . يقول الدكتور توفيق عبد
العزيز السديري وكيل وزارة الشؤون
الإسلامية في المملكة العربية
السعودية ان تعدد المناهج الدعوية
يحدث نوعا من التباين والتشويش الفكري
وان عدم وجود مرجعية إسلامية يشتت جهود
الدعاة .
الصعوبات
العادية التي تتعلق ببناء المساجد
بمآذنها وقبابها ، وبتدريس المادة
الإسلامية في المدارس العامة ، وقضايا
اللحوم والذبائح والأطعمة الحلال ،
والإجازات في الأعياد الإسلامية ،
والتعطيل أثناء صلاة الجمعة ، وقضية
حصص السباحة المختلطة في المدارس …
تتفاوت
كل تلك الصعوبات
والمشاكل بين بلد أوروبي آخر وذلك حسب
قوانين كل بلد ، وحسب تأثير الكتلة
الإسلامية فيه ، وحسب نمو المتطرفين
فيه ، الذين يضعون كل مشاكلهم
الاقتصادية والاجتماعية على المسلمين
بوصفهم غرباء ينهبون الثروة ومن
خلالهم تتفشى الجريمة حسب زعمهم ..
فبلجيكا وإيطاليا وإسبانيا تعترف
سلطاتهم العامة قانونيا بجميع الأديان
وقد جرى انتخاب مجلس إسلامي كمحاور
للدولة في بلجيكا عام 1998 ، وإسبانيا
اعترفت بالدين الإسلامي من خلال لجنة
إسلامية محاورة للدولة عام 1992 ، وفي
فرنسا وبعد محاولات استمرت منذ العام
1996 تم إنشاء مجلس إسلامي يتحاور مع
الدولة ويكون ممثلا للجان المساجد
الإسلامية ولجمعياتهم ، مع الإشارة
الى التمسك الشديد بالعلمنة في فرنسا ،
اما المجتمع الألماني فهو غير جاهز
لتقبل الإسلام كدين مقيم ومعترف به حسب
رأي الدكتورة جوسلين سيزاري الباحثة
والأستاذة الزائرة في جامعة كولومبيا
الاميركية .
مستقبل
المسلمين في اوروبا
يتضح
مما سبق ان الوجود الإسلامي في أوروبا
لم بعد موجودا طارئا او استثنائيا ،
ولم يعد مجرد مجموعات مهاجرة للعمل لا
تلبث حتى تعود الى بلدانها ، فقد أصبحت
هذه المجموعات جزءاً من النسيج
الاجتماعي لأوروبا وهناك جيل ولد وعاش
واصبح جزءا لا يتجزأ من المجتمع
الأوروبي ، الذي يتجه بغالبيته الى
الشيخوخة ، فيما غالبية المسلمين هم من
جيل الشباب الذين لا بد وان تقع على
عاتقهم مستقبلاً مهمات ومسؤوليات
كثيرة داخل هذا المجتمع .
ان
صعود التيارات المتطرفة داخل أوروبا ،
ووصول بعضها الى مراكز في البرلمانات
الأوروبية ، يزيد من حجم المصاعب
والتحديات أمام المسلمين الاوروبيين .
خاصة وان قوى التطرف هذه تدعمها أصوات
صهيونية و إعلام صهيوني وقدرات مالية ،
غير ان انكشاف امر الكنيسة الصهيونية
المسيحية في وجه الكنائس الكاثوليكية
والانغليكانية وحتى البروتستانتية
سوف يتيح للمسلمين عدم الوقوف وحيدين
أمام قوى التطرف .. وقد رأينا كيف ان هذه
الكنائس اتخذن موقفا معارضا للحرب
الاميركية على العراق ، ورأينا كيف ان
الملايين نزلت الى الشارع منددة بكلام
الرئيس الاميركي جورج بوش حول "
صليبية " الحرب مع العراق .
لقد
كتبت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في تموز
2001 " ان التغيير الديمغرافي الجاري
في غرب أوروبا الذي يتضمن ارتفاع عدد
المسلمين وانخفاض عدد اليهود في
أوروبا وموقف الحكومات الأوروبية تجاه
اسرائيل ، لان الوجود الإسلامي الكبير
في أوساط السكان يتحول الى عامل سياسي
كما حدث في الانتخابات البريطانية "
. كما ان الكونغرس اليهودي العالمي أعد
ورقة تحت عنوان " نمو الإسلام في
أوروبا " جاء فيها " اليوم يتمتع
الدين الإسلامي بمعدلات النمو الأعلى
في أوروبا ،وهناك حوالي 20 مليون مسلم
في دول الاتحاد الأوروبي ، واذا تواصل
هذا الاتجاه سيشكل المسلمون في عام 2020
حوالي 10% من مجموع السكان في أوروبا
".
إن
السؤال الذي ينبغي طرحه في إطار مستقبل
المسلمين في أوروبا ، هو كيف يمكن
تعزيز دورهم بما يخدم الانتشار
الإسلامي كدين ، وقضايا العرب
والمسلمين في صراعهم ضد الصهيونية
والإمبريالية الاميركية المنطلقة من
الرأسمالية المتوحشة والمسترشدة
بتعاليم المسيحية الصهيونية المعادية
للمسيحية والإسلام معا…
يقول
المفكر الألماني المسلم الدكتور مراد
هوفمان ان الفرصة متاحة امام الإسلام
اليوم ليصبح الديانة الأولى للقرن
الجديد في العالم . وبمعزل عن مدى صحة
هذا القول فإن متطلبات حماية الانتشار
الإسلامي وتعزيزه تكمن في :
تعزيز
الوحدة بين صفوفهم والابتعاد عن
مفاهيم التعصب المذهبي وعن المصالح
الخاصة لهذا البلد أو ذاك . ومن أجل ذلك
نقترح إيجاد مجلس بحوث إسلامي متخصص
لشؤون الفقه المطلوب لأوروبا ، وذلك
حتى لا تستفرد كل جهة بفقه خاص ، او
باجتهاد خاص ، وحتى لا تحول الصراعات
المذهبية دون الانتشار الإسلامي نفسه
..
يقول
الدكتور هوفمان أن فريقا إسلاميا تبنى
المفاهيم الغربية حتى النخاع وهناك
فريقا آخر اتخذ موقفا متشددا رافضا
لسائر المفاهيم الغربية وهو يقترح ، أي
هوفمان ، التمسك بالطريق الوسط الذي
يلتقي مع ان الإسلام " دين الوسطية
" ويتفق مع الانفتاح على المنجزات
العلمية والتقنية وذلك قول مقبول في
رأينا .
لا
بد من تعزيز الحوار بين الأديان لاسيما
مع الكنائس الكاثوليكية
والانغليكانية وذلك في إطار شرح
الإسلام الذي يقول بأن لا إكراه في
الدين ، وبأن الإسلام لا يدعو الآخرين
الى التخلي عن دينهم .
ان
استمرار نهج الخلافات بين الجماعات
الإسلامية واعتماد بعضها على منهج
تكفير الآخرين تؤدي الى التفرقة بين
المسلمين من جهة والى عدم قبول الإسلام
من الآخرين ، فإذا كان المسلمون يكفرون
بعضهم بعضا ، فكيف لا يكفرون من هو خارج
دينهم كليا ؟؟
ان
بعض النماذج المتطرفة التي رأيناها في
نهاية القرن العشرين كالنموذج المتطرف
في الجزائر والذي ما يزال يرتكب
المجازر ضد أبناء جنسه ، ونموذج
اللادينية ( نسبة الى بن لادن ) تؤثر
سلبا على الإسلام وتعطي للمتطرفين
الغربيين مادة دسمة لمواجهة الإسلام
والمسلمين .
ان
الاقتداء بتجارب المسلمين غير العرب
والذين ينطلقون من فهمهم للإسلام من
خلال خصوصية مجتمعاتهم غالبا ما تؤثر
سلبا في فهم الآخر لسماحة الإسلام .
لا
بد من تأهيل العاملين في أوساط
المسلمين الأوروبيين تأهيلا مناسبا
فالله سبحانه وتعالى وصف الرسول
الأكرم بأنه مبشراً ونذيرا وبأنه لو
كان فظاً غليظ القلب لانفضوا من حوله ،
فما بالك بدعاة يصرون على تكحيل عيونهم
في مجتمع يرى في مثل هؤلاء " لواطيين
" وشاذين ..
ان
التطرف الذي يأتي به مسلم في مجتمع
متنور لا يفسر على انه تصرف فردي ، إنما
يوسم به المسلمون الآخرون ..
ومن هنا ضرورة التنبه الى كل قول
والى كل تصرف يأتي به فرد أو جماعة .
ان
تفعيل المؤسسات الإسلامية القائمة ،
وقيام مؤسسات استثمارية إسلامية
وعربية تساهم ولاشك في رفع المستوى
الاقتصادي والاجتماعي وتزيد بالتالي
من تأثير الوجود الإسلامي وتعزز دوره
ونشاطه . واذا كان متعذرا قيام وحدة بين
المسلمين في أوروبا فعلى الاقل يجب
قيام مجلس تنسيقي فيما بينهم
باعتبارهم أهل شورى لا أهل تفرد
ووحدانية …
ان
العبء الأكبر يقع على الجيل الجديد من
المسلمين الاوروبيين ، فهو الذي ينبغي
ان يتخلص من موروث الخلافات المذهبية ،
وهو الذي ينبغي ان يتولى شرح الإسلام
باللغة التي يفهمها جيدا الآخرون .
ان
تخلي بعض هذا الجيل عن الدين الإسلامي
والذوبان في المجتمع الأوروبي سوف
يؤثر سلبا على هذا البعض باعتبار ان
جزءاً من معاناة الإنسان الأوروبي
إنما نتج عن الابتعاد عن الدين
والالتصاق كليا بمفاهيم المادية التي
لا تقيم وزنا للأمور الروحانية
والمعنوية . ان التوازن بين الروح
والمادة الذي يجسده الإنسان ويعززه
الإسلام كدين سماوي سمح هو الذي يتيح
حياة هادئة مستقرة تنعكس إيجابا على
رفاهية الإنسان وسعادته .
*مدير
المركز الوطني للدراسات – لبنان
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|