من
الزباء الى صدام
.. مقاربات تاريخية
وجيه
عمر مطر
إذا
قلنا بصدق مقولة / التاريخ يعيد نفسه /
فذلك يعني انه لا بد من حضور زمن
التاريخ المشابه، بكل ما فيه ومنه وله
وعليه، أي في التشابه الكلي والكامل
للظروف الذاتية والموضوعية، من سياسية
واجتماعية وثقافية وعلمية وحضارية
ونمط اقتصادي، وحتى طبيعة العقل
والناس بعامة.. وهذا أمر مستحيل وغير
ممكن وجوده أو حصوله، لأنه لكل مكان
زمان، ولكل زمان وجود مختلف.
ولذلك
فلن نأخذ بهذه المقولة، ونبطل مفعول
وهمها،
ولكن
...
كيف
يمكننا قراءة المقاربات التاريخية ،
التي تقع أو تحدث عبر الحقب التاريخية
المتباعدة ؟؟
أذكر
هنا على سبيل المصادفة لا التحديد، أنه
بعد توقيع اتفاق اوسلو، وبخاصة بعد
التسارع المريب، الذي لم يخرج عن دائرة
الشكوك السابقة، حول تأمر النظام
العربي الرسمي وتهافته
واستسلامه المطلق للاشتراطات
الأمريكية، وهرولته باتجاه العدو
الصهيوني، وتقديم ولاء الطاعة، باثبات
حسن النوايا. كنت في حينها بصدد
اعادة قراءة بعض من تاريخ المنطقة،
وبخاصة ذلك الذي يتحدث عن اليهود
وعلاقتهم بالمنطقة، وما مرَّ بها من
أحداث. وكانت دهشتي تتزايد وأنا أتجول
فيه، مما كان يحفزني للمزيد من القراءة
والتأمل والتركيز أكثر، فتوغلت فيه،
حتى تلبسني وكأني أضحيت جزءا منه،
أعايش أحداثه ، أقلبها ، وأدقق في
تفاصيل أحداثها، وقد أخذ مني ذلك زهاء
السنتين، وكما قلت في احد الاهداءات،
دخلت التاريخ برغبة، وخرجت منه برهبة.
حينها
كنت بصدد كتابة قصيدة بعنوان،( أغنيات
لرب أريحا )، حاولت فيها أن أضمن بعض
الأحداث التاريخية ، التي تعطي
القصيدة شيئا من الفعل الدرامي لما جرى
في أوسلو، وما سينتج عن هذه الكارثة
القومية التاريخية.ولكنني فوجئت بتلك
المقاربات المذهلة في التاريخ ، ما بين
تاريخ مضى عليه ما يزيد عن ثلاثة الاف
عام ، وما بين الذي يجري اليوم من أحداث
، وبنفس المنطقة الجغرافية. فقد استطاع
يوشع بن نون ، من هزيمة خمسة ملوك
أنذاك، فهرب جميعهم واختبئوا في مغارة
تدعى (( مقيدة
))، وحسب الاسطورة التوراتية ، طلب يوشع
من الرب أن يعيره اياهم شمسا واحدة،
فلبى له الرب وعده، وكان له ما أراد ،
فقتل من قتل وحرق ما حرق فلحق بالبلاد
خراب ودمار كثير، ثم سد فم المغارة على
الملوك الخمسة، ولم يخرج أي منهم . ومن
هذه الحادثة أخذت أعمل على المقاربات
التاريخية،فلاحظت مدى التقار ب ما بين
حادثة مغارة مقيدة وحادثة هزائم
النظام العربي .
هزم
يوشع بدخوله أريحا خمسة ملوك وحبسهم في
مغارة مقيدة، واليوم يقهر يوشع
الصهيوني الجديد ، خمسة جيوش عربية،
ويحبسهم في مغارة أخرى ، وهي اليوم
أكثر من مقيدة، يحبسهم في مغارة السلطة
، كراسي الحكم، وامتيازات الحكم، وهي
مغارة أكثر قساوة من مغارة مقيدة
السابقة.
مما
اضطرني هذا الوضع التاريخي شبيه
التماثل، وهذه المقاربة التاريخية،
المحزنة، أن أطور من عملي الشعري. وحسب
مقتضيات الحاجة الشعرية للحدث، فأخذت
مساحة القصيدة تمتد حتى أضحت ديوانا
شعريا كاملا، ولكني أبقيت على العنوان
الأصلي للقصيدة.
ويستمر الخط البياني بالانحدار
أكثر وأكثر، وتتسع دوائر المأساة،
وينهار كل شيء، بما في ذلك صمت الشارع
العربي ،والخلل البنيوي الذي أصاب
حركة التحرر العربي، حتى طال الأمر
الوطن العربي بساحته الجغرافية،
وامكاناته المادية والبشرية، فتحول
الوطن الىملعب غولف أمريكي، يضربون
فيه كرة الغولف لتصل الى حفرتها، فيعلن
اللاعب الأمريكي الانتصار. وها هي تصل
اليوم الى الحفرة المعدة لها، في سقوط
بغداد، أو لنقل تماشيا مع مصطلح الغولف
، الى حفرة بغداد، اذ أنه بسقوط بغداد
تم الاعلان الصارخ والصريح عن سقوط
النظام العربي الرسمي، وانهيار منظومة
العمل العربي الرسمي والشعبي منه.
أصابنا
الذهول ، ولكننا على ما تعودنا عليه
خلال قرون خلت ، ومنذ ما قبل غزوات
المغول والتتار والفرنجة،أي منذ
الارهاصات الأولى لحلول التراجع الذي
أدى الى مجمل الهزائم التي لحقت بالأمة
منذ أمد طويل ، ويمكننا تحديدها
باستقالة العقل العربي ، ليأتي
الاحتلال العثماني ليقتل الحراك
الاجتماعي داخل بنية المجتمع العربي ،
ونحن في مصالحة مع الواقع، حتى اكتسبنا
مناعة قوية ضد الهزيمة، وهو أمر بقدر
ما فيه من الاحباط ، الا أنه يحمل في
ثناياه الكثير من الدلالات الهامة ،
ومن أهمها هو رفض الأمة العربية الخضوع
لشرط الهزيمة،وما زالت تعاند بصبر
وروية كل المؤامرات المتلاحقة، وان
كان البعض يرى اننابالتجاوز الحاصل
انما هو التأقلم مع المستجد، بغض النظر
عن مدى القهر والألم الذي نعاني.
هذه
جيوش الفرنجة من جديد ،فلسطين .. بيت
المقدس يقبع تحت أحذية الجنود الغزاة..
يطرد الشعب من أرضه... تشن الحروب تلو
الحروب... تحتل أراض عربية أخرى... وتحتل
عاصمة عربية أخرى( بيروت ).. تُخترق حدود
الأمة ... تُنتهك سيادتها القومية شرقا
وغربا، شمالا وجنوبا... توغل وتخريب...
تدمير وتقتيل... حملات جديدة من الفرنجة
يدخلون عواصم الخلافة من القاهرة الى
بغداد .. دخول بقوة السياسة وأخرى بقوة
السيف .. تدق أبواب الحضارة... بغداد
تستغيث ... لا صلاح الدين .. لامعتصم في
العرب.. أنين وجرحى ... دموع وثكالى.. ألم
.. وجع .. حزن وعناد.. وصيحات في السر
والعلن.. يا سادة الانتحار .. يا ولاتنا..
يا صناديد الصفحات الأولى من الصحف
وشاشات المرئيات.. يا أبطال الصباح
والمساء وما بعد المساء.. يا عناترة
الشعب المصابر.. لا خليفة .. لا ولي .. لا
دولة .. لا ملك مهاب .. والكل يهاب.. أفواه
مفغورة على المدى .. ليس الا أذان للسمع
.. ورقاب للولاء والطاعة..
مرة
أخرى يحاصرني التاريخ بمقارباته
المفجعة،.. فجأة .. وأنا ألاحق ما يجري
في العراق.. وسواده يترنح تحت ضربات
الغزاة الحاقدين.. هذا ليس احتلال .. هذا
وباء وحقد دفين.. تحضر في لجة النار
وزحمة الأحداث ، تحضر تدمر .. تنتصب
الزباء بكل كبرياء.. الزنوبيا السامقة،
على رأس مملكتها الشاسعة.. ملكة مهابة..
بحلتها التدمرية.. وجيوش الفرنجة من
الرومان تدق أبوابها المحصنة، وعلى
رأسهم ( أورليانوس ) أورليان / بطرس
الناسك / ريكاردوس ( قلب الأسد ) / هرتزل /
بوش / عذرا فقد اختلطت عليَّ الأسماء..
أم أن الادراك لا يرى من فرق بين غزاة
الفرنجة منذ الاغريق والرومان الى
بوش،.. المهم وأورليانوس قائد جند
الفرنجة، يتأهب لدخول تدمر، وقيصره في
روما، كما بوش في واشنطن..
يريد ملكة العرب داخل البيت الحاكم
هناك .. ليس لجمالها أو لأي شيء أخر سوى
اذلال العرب ، هؤلاء الذ ين يتمردون
على أسياد الأرض .. ( ولربما السماء ) ،
يريد ملكة العرب أسيرة أمامه، وكان
يريد ذلك لكسب الحرب للأنتصار على
مناوئيه داخل البيت الحاكم هناك،
لتوسيع دائرة هيمنته على مراكز
الحضارة التاريخية، ليعرضها على شاشات
روما .. أسواقها وشوارعها.......
أيضا
تعود المقاربات لتصطادني رغم كل هذا
الزحام، جند تتزاحم.. وقعقة سلاح..
وصرخات.. وسنابك الخيل تدق وجه الأرض ..
فأراني أقف على خشبة المسرح .. وأنا
أقلب ( سكريبت ) مسرحية غنائية بعنوان (
القلعة ) قمت باعدادها عن لحظة سقوط
قلعة تدمر، وتحديدا لحظة اعتقال
زنوبيا.. ملكة العرب أنذاك.. أو سيدة
الشرق.. ويحضرني أكثر ذلك المشهد
الدرامي، الذي كان يهتز له المتفرج، في
سياق جعل المألوف غريبا.
يقف
الشعب التدمري وقفة واحدة للدفاع عن
سيادته، ليقول كلمة الفصل في الرد على
مليكتهم الزباء:
أوفياء
للزمان يا تدمر.. ، بعد أن صرخت فيهم:
يا
أهل تدمر
يا
أهل تدمر
لقد
تعب الزمان طويلا حتى أنجبكم..
ثم
أردفت قائلة:
لقد
ذاق هذا المكان الموت ألف مرة، حتى
وهبكم نعمة الخلود، فكونوا أوفياء
للمكان..
فيرد
عليها الشعب بصوت واحد مجلجل:
أوفياء
للمكان يا تدمر
سنزرع
الرمال
بالخيل
والرجال
ليكبر
الزمان ...
هنا
تتقدم منشدة القصر مخاطبة أهل تدمر بكل
كبرياء الحزن:
يا
أهل تدمر
يا
عشب الأرض وحجارة الصحراء
يا
أعمدة الأرض وكواكب السماء
لقد
باركت فيكم عشقك أرضكم
لتصبح
الشمس عنوانكم ...
وتستمر
المشاهد الى دخول أورليانس بعد اقتحام
أسوار تدمر، بينما كان بعض رجالها
يجوبون البلادلتأليف القلوب وجمع الصف
للوقوف أمام الفرنجة الغزاة،الا ان
الرومان كانوا أسبق ، وكان الوهن قد
أخذ مأخذه في النفوس، وبات الكثير من
زعامات النواحي ليس بالتخلي ، وانما في
تقديم الولاء والطاعة لهذا الفرنجي
الغازي ، ويدبرون الأمر في تنفيذ
أوامره ، متخلين عن سيادتهم، وعن سيادة
تدمر التي كانت تمسك بطرق التجارة على
اتساع المملكة، مما كان يؤدي ذلك الى
فقدان الفرنجة هيبتهم وتقليص مناطق
نفوذهم وهيمنتهم على الشرق، الذي كان
وما زال محط أطماع الغرب على اختلاف
تسمياتهم.
وفي
نفس اللحظة التي كنا نتدرب فيها على
هذا العمل ، قامت قوات من الفرنجة
أيضابالاعتداء على السيادة العربية في
المياه الأقليمية مقابل خليج سرت عام
1986 ، مما اضطرنا الى زيادة مشهد
لاستكما حلقة المواجهة، فقلنا في مطلع
هذا المشهد:
وخليجي
أيضا لن يؤسر
قد
يطعن
لكن
يحمل جرحه ويكبر
فخليجي
أبدا لن يقهر
...
صرخة
الزباء أيقظتني
حضرتني
في ليلة تدمرية
انها
عاشقة تربتها الحجرية
لكن
ما زالت ..
في
قصر القيصر مسبية
وتبقين
يا تدمر صبية
وتبقى
العزة فينا
يحملها
طفل يرضع
ومفتاح
مدينتنا
في
قلب الحلم يرتع
لن
يأخذها الغازي
ولا
من وراء البحر يقبع
...
لتنتهي الى :
أبشري
يا شواطيء
زغردي
يا خلجان
أورليانس
_ بوش _ بلير _ شارون ، امتداد الحقد من
غرب قاصر على شرق حاضر، نفس الوجوه وان
اختلفت الأسماء في الزمان والمكان.
تدمر
... بغداد
الزباء
... صدام
العدو
واحد.. الهدف واحد.. فيتو على الشرق..
لا
يسمح للشرق أن ينهض، أن يتحرر، أن
يمتلك عناصر القوة ، أن يأخذ دوره في
صياغة الحضارة الانسانية كما كان
رائدها، أجهضوا مشروع محمد علي ، وكذلك
مشروع عبد الناصر.. يجب أن يبقى في
كبوته، وقد قالتها واشنطن على لسان
مفكريها الاستراتيجيين، عندما قال (
جاك ريسلر )في وصفه ورؤيته للعرب
والأمة العربية ( الجواد الجامح الذي
قفز قفزات خيالية ، ثم كبى ، وهو الأن
يستريح، ولا بد أن يبقى في استراحته
هذه )، كما قال الكاتب
والمفكر الفرنسي ( جاك بيرن )، وان
كانت قولته من وجه أخر ، ( الأمبراطورية
ال كبرى مع وقف التنفيذ )، انه القرار
الغربي الذي ينتقل في عقل أجيالها ،
عبر أفكارها الشوفينية ، وفعل التمركز
الغربي ، بعدم تمكين العرب من عودتهم
لأخذ دورهم ، أو أية فرصة تمكنهم من ركب
قطار الحضارة.
هكذا
تعامل الغرب مع تدمر، التي شكلت قوة
كبرى في حينها، ووحدت القبائل
والممالك تحت قيادتها ، فوقفت بعزة
ومنعة أمام أطماع الغزاة والحاقدين،
وانتشر الرخاء والأمن في البلاد، مما
لم يرق للفرنجة الرومان، القوة
الامبراطورية في الغرب أنذاك كما
أمريكا اليوم،فدبروا ما دبروا من
مؤامرات ، وجندوا العملاء ، وكان هؤلاء
بمثابة الطابور الخامس داخل البلاد
وخارجها، فقدموا المعلومات التي كان
الرومان يفتقرون لها، واستمالوا بعض
ضعاف النفوس، وعملوا على تهيئة
الأجواء لاقتحام تدمر، لتدمير القوة
العربية التي صانت سيادة الأمة لردح من
الزمن.
وهكذا
أيضا هي بغداد، التي كانت حامية الشرق
وما زالت، ومصدَّة لرياح الغزاة،
وكانت في طريق صناعة القوة لوقف نزيف
المنطقة، وحماية سيادة الأمة، بتطوير
قدراتها الذاتية، واعتمادها على
نفسها، واستقطاب العقول العربية في
المجالات المختلفة، والعلمية في
المقدمة منها،
فطورت صناعاتها وبخاصة العسكرية، وخطى
العراق بذلك الى أمام مما أخاف الغرب
وأثار رعبه ، وبخاصة ان العراق صاحب
تاريخ حضاري عريق، وهو مؤهل لذلك كقوة
بشرية واقتصادية وعلمية، ومع تنامي
قوته واعتماده على الذات العربية في
شتى المناحي، وأمام تخوف الغرب ، وعلى
وجه التحديد ، الكيان الغاصب في
فلسطين، لما أصبح يشكله العراق من
مخاوف على الوجود الصهيوني الغاصب في
فلسطين، وكما نعلم فان الكيان
الصهيوني يشكل في الذهنية الغربية
والأمريكية في مقدمته ، قاعدة متقدمة
وقوة مانعة وحاجز عازل ما بين الأمة
العربية وتقدمها الحضاري، فاتخذ الغرب
قرارا بوقف ( جموح ) القوة العراقية،
معتبرة انه تجاوز ( الخط الأحمر ). وهنا
أخذ الفرنجة الجدد يعدون العدة
للايقاع بالعراق، فألبوا الرأي العام
الدولي ، واستمالوا النظام العربي
الرسمي ، واشتروا ضعاف النفوس من
العراقيين السماسرة أمثال الجلبي
والربيعي ( كريم شاهبور ) والعملاء
التاريخيين من الأكراد أمثال طالباني
والبرزاني، ولعبوا بأوراق الضغط على
المحيط الاقليمي سياسيا واقتصاديا،
للعمل على اسقاط النظام في العراق ،
كونه النظام الطامح والطامع الذي يشكل
الخطر الحقيقي على محيطه الاقليمي
وجيرانه من العرب أمثال الكويت
والخليج بعامة.
وحقيقة
الأمر ليست كذلك، وان استطاعت أمريكا
وأعوانها الاستمرار بالكذب حتى بات
كذبهم الحقيقة عند من لا يريد رؤيتها ،
أو التعامي عنها ، لأن الأهداف المعلنة
غير المبطنة، فالتخوف الأمريكي
والغربي بعامة ، مصدره الخوف من
امكانية التحول نحو دولة الوحدة ، خاصة
اذا ما تحقق الاقليم القاعدة على
الطريقة الألمانية أو الايطالية. وكان
بالضرورة القضاء على هذا التحول ،
والقضاء عليه ليس باضعاف دولة العراق ،
وانما في نسف الامكانات وقتل الروح
الممكنة، في زرع فيروس المستحيل في
الذهنية العربية، حيث ان كل المحاولات
التي مرت في التاريخ العربي منذ
البابليين ومصر القديمة، الى الزباء،
الى المشروع العربي الاسلامي، الى
صلاح الدين، ومحمد علي، وعبد الناصر،
وبكل ما ترافق مع هذه المحاولات من
نجاحات وفشل ، الا انها ما زالت الأمل
الذي يراود أبطال هذه الأمة من حين
لأخر. ولذلك لا بد من تدمير ذات البطل
في الع قل العربي، وتحويله الى مجرد
يوتوبيا مستحيلة.
فكان
أن جرد الرومان الجدد/ أحفاد الفرنجة /
أمريكا وبريطانيا، وكلاهما غارق في
التأمر على أمتنا وشعبنا وحقوقه
التاريخية.
بريطانيا..
الذي استعمر اجزاء من الوطن العربي
لعقود، وصاحب المشروع الاستعماري
الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، وهي
ذاتها صاحبة الوعد المشئوم / وعد بلفور
/ باعطاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
وأمريكا
.. وارثة الاستعمار الغربي القديم،
صاحبة قرار حماية دولة الاغتصاب،
وصاحبة الفيتو الدائم ضد العرب في كل
المحافل لصالح الدولة الصهيونية.
انها
مقاربات مذهلة ...
من
تدمر الى بغداد ، استمرار الحقد
وافتعال الاسباب والمسببات ، لتبرير
الغزو وتدمير حضارة الشرق العربي .
من
الزباء الى صدام، المذلة الحاضرة،
والمهانة الصاغرة للاباء العربي ،
والعزة العربي ، والقيم والشيم التي لم
يعد للعرب من غيرها للاعتزاز به. وكله
كان نتيجة لتخلي العرب عن بعضهم،
والتعاون بل التعامل مع الاجنبي
والاستقواء به ضد سيادتهم القومية وضد
أمتهم.
يحتل
الغزاة تدمر .. تخرب ويقتل الالاف من
ابنائها، فيقع الوطن كله تحت أقدام
الغزاة، ويتوقف دور تدمر ودور العرب.
وامعانا في اذلال العرب وأمة العرب ،
كان لا بد من اعتقال زنوبيا، رغم انه
كان بامكانها الهرب أو المساومة، خاصة
وان البعض حاول أن يزين لها الهروب
وضامنا لها الامان، ولكنها رفضت باباء
الماجدات العربيات، وقررت المواجهة ،
وظلت تقاتل حتى وقعت أسيرة في أيدي جند
الفرنجة الرومان، ولأنها ملكة واية
ملكة، فكان أن تعامل معها القيصر في
روما ، بطريقة ملوكية، فكانت الأصفاد
سلاسل من ذهب ، ووضعت في قفص من ذهب
ليتم عرضها على شاشات الفضائيات أنذاك
، ساحات وشوارع روما، امعانا في اذلال
العرب وامتهان كرامتهم. وكأن السلاسل
الذهبية تَذهب ذل الأسر واحتلال الارض
وانتهاك السيادة القومية.
يحتل
الغزاة العراق خاصرة الحضارة العربية،
ويدخلون بغداد عاصمة العباسيين
والرشيد،ومنبر العلم والعلماء ،
ويدمرون البصرة حافظة النحو العربي
ومعزة مدارس اللغة وألسنيتها، ومعزة
العرب.وتخرب دولة العراق في فاتحة
الألفية الثالثة، وعنوان عولمة الغرب
الحاقد،وتعاد الى عهود البداءة، كما
صرح بذلك بوش الأ ب ونفذها الأبن وخطط
لها الروح القدس الصهيونية العالمية.
تسرق
دولة ، هكذا جهارا ونهارا، وتحت مرأى
ومسمع العالم أجمع ، وبخاصة أولئك
الذين يدعون أنفسهم عربا، ويتكلمون
العربية ، ولكن بلسان أعجمي، وأعادتها
الى ما قبل بدايات القرن الماضي، وهي
الدولة التي استطاعت وعي دورها القومي
بعد رحيل زعيم الأمة جمال عبد الناصر،
وامتلكت مقومات الدولة الحديثة
القائمة على العلم والصناعة والاعتماد
على الذات.
وتتهاوى
المنطقة اثناء وبعد الحرب على العراق
منذ عام 1991،ويقع العرب تحت طائلة وشروط
الغرب الحاقد بقيادة أمريكا والعدو
الصهيوني، وتأكيدا على حقدهم القديم
المتجدد، وبعد أن دمروا الدولة
العراقية العريقة، قام الصهاينة
وعملائها بسرقة كل ما يمت الى تاريخ
العرب وحضارتهم، من أثار وكنوز ووثائق
تاريخية نادرة ، توثق مدى ما وصل اليه
العرب من حضارة وقيم تاريخية
وعلميةسباقةفي التاريخ.
ولكن
القيصر الفرنجي القابع في واشنطن، قرر
الامعان في اذلال العرب وامتهان
كرامتهم، فجند كل الطاقات من أجل
اعتقال رئيس دولة العراق الذي رفض
الانصياع لأوامر واشتراطات أورليانس
وقيصره الروماني الجديد، وأعلن عن
جوائز مالية سخية، تدل على مدى الخوف
والحقد في آن، وعلى الطريقة اليانكي ،
طريقة الكاوبوي، وتم تجنيد العملاء من
عراقيين وبشمركة ومخابرات اقليمية
وجارة. ولكنهم المرة استفادوا من درس
المواجهة مع أبناء الرئيس وحفيده،
الذين قاتلوا قوات الفرنجة حتى نالوا
الشهادة بشرف العربي الأبي ، فمحوا
بشهادتهم كل ما كان التصق بهم من مثالب
وتهم بغض النظر عن صحتها من عدمه. والقي
على الرئيس المغيب قنابل غازية مخدرة
للأعصاب، للتمكن من اعتقاله ، وحتى لا
يعطى الفرصة للقتال ، فينال الشهادة ،
وحتى لا يتحول الى شهيد وبطل قومي.
ويؤسر
صدام حسين ، ويعرض على شعوب الفرنجة
والعرب في شوارع روما كما الزباء ،
ولكن ليس بسلاسل من ذهب ، وانما بطبيب
بيطري يكشف عن أسنان الرئيس المهيب
المهاب كما كان يطلق عليه ، الذي كان
اذا ما ذكر اسمه أمام الامعات من حكام
العرب الا وخروا خوفا ورعبا، وهو في
غاية الوداعة ، فاغرا فاه بكل
الاستسلام والسكينة.
أيها
العرب .. هذه هي مليكتكم الزباء ، ملكة
الشرق، صاحبة الصولجان، وعنوان ما
تسمونه الاباء العربي، أنظروها كيف في
قفصها كما الحيوانات في حديقتها،
فعليكم أن تتعظوا، فلا تخالفوا
أوامرنا اليكم... هكذا صرخ أورليانس
وقيصره في روما في رسالة موجهة الى
الشرق.
أيها
العرب .. ماذا أنتم فاعلون ، وها هو صدام
حسين ، صاحب المشروع العسكري الكبير ،
وصاحب المشروع القومي، يقع في الأسر
كما أي لص أو قاطع طريق ، بلحية كثة
وشعر منكوش، فلم تنفعه قصوره ولا
جبروته ، ووقع في شر رفضه لرغباتنا،
الا فاتعظوا .. فمن ليس معنا فهو مثل
صدام حسين ضدنا.. هكذا صرخ بريمر وقيصره
في واشنطن في رسالة الى الشرق.
وكانت
الفاجعة لكل عربي ما زال في وجهه بعض من
دم، وزعيم عربي ، أو مقاوم عربي ، أو أي
عربي ، يرفض ويقول لا لتجبر وتكبر
الفرنجة .. للغرب الحاقد، أن يكون مصيره
كهذا المصير.
انها
المفاضلة بين قيم العرب وحقد الغرب...
وانها
المقاربة التاريخية ما بين تدمر
وبغداد ما بين الزباء وصدام...
كلهم
أورليانس .. كلهم نيرون .. كلهم بطرس
الناسك .. كلهم ريكاردس.. كلهم هرتزل
وشارون.. وكلهم بوش وبلير..
كلهم
فرنجة صليبيون.. فالصليبية ليست دينية..
انها حقد الغرب على الشرق...
فمن
يقف في الشرق منذ ما قبل النبي العربي
محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام ،
الى يومنا هذا ، هو عدوهم.. من صلاح
الدين الى محمد علي وعبد الناصر الى كل
الشعب العربي ..
هي
الفرنجة المتجددة..
هي
الصليبية كونها كانت وما زالت امتداد
السيطرة والهيمنة..
امتداد
الحقد التاريخي والحضاري..
فهل
نعتبر ايها العرب .. هذه بعض من
المقاربات التاريخية..
ان
تأسيس الوعي، هو الوعي التاريخي.. فهل
نعتبر؟؟؟
الاَّ
أن عليا كرم الله وجهه قال: ما أكثر
العبر وما أقل الاعتبار.
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|