مشاركات
وصل
إلى برق الشرق :
ما
بين إعادة الأراضي ...
والأصلاح !
مسيرة
أستبداد وضياع للأوطان
فريد
حداد
الحديث
الرسمي المتداول عن الأصلاح
اليوم , يندرج في نفس منحى
الحديث عن تحرير الأراضي المحتلة
الذي كان متداولاً
بالأمس . فكلاهما
استُعمل , ويُستعمل
, ليعطي مبرر وجود السلطة السياسية ,
وبالتالي المهام المترتب عليها انجازه
فيما هو قادم من الأيام ,
أو الشهور , أو
حتى السنوات القادمة
. وهذا
بدوره يحتم
وجود برنامج سياسي لدى السلطة ,
تحدد فيه بالأضافة الى الهدف
المنشود , طريقة
وصولها اليه , وأدواتها التي ستستعملها
لذلك .
خلف
يافطة السرية العسكرية في الأعداد
لمعركة التحرير , أختفت
البرامج , وأختفت معها امكانية حساب
المسئوليين عن أخفاقهم في الوصول الى
الهدف خلال أمدٍ منظور يُفترض ان يكون
محدداً ومعروفاً . كما اسٌتعملت تلك
السرية من قبل السلطات الحاكمة , لفعل
ما لا يُفعل . فقد تم
الأستيلاء رويداً رويداً على مصادر
الدخل القومي , وعلى
الرغم من عمومية الأهداف المعلنة
للموازنات المتتابعة منذ عام 1963 فقد تم
أخفاء الجزء الأعظم من ميزانية البلاد
تحت يافطة " ميزانية
الدفاع "وتصرف بها أفراد قليلون ,
دون أن يكون للشعب الحق حتى في
الأطلاع على جهة صرف تلك الأموال .
ونّصب أولئك القليلون أنفسهم
كبديل عن
الشعب , أو
أوصياء عليه , واحتكروا
حتى الوطنية , وخونّوا كل من لم يسير
بركبهم , وكان كل نقد لفرديتهم
وأخطاءهم , يوصف
بأنه أرتباط بالمخططات الأستعمارية ,
كما أعتبروا أنفسهم الوحيدين المؤهلين
للأئتمان على الأموال العامة , ومصالح
البلاد .
وعلى
الصعيد البشري فقد
سُرح , أو أعُتقل ,
أو شُرد , أكفأ
ضباط الجيش العربي السوري , بسبب ان
ولائهم الأول كان للوطن , ورفضوا
الدخول في محاور سياسية داخل الجيش
الواحد , مما
سيقوده الى التفكك والضعف . وتم الحفاظ
على , وجلب المزيد من , َمن قدم فروض
الولاء والطاعة للرأس الحاكم .
وهكذا
فقد تم تغيير البنية
الأساسية للجيش , فتحّول من مؤسسة
وطنية , مهمتها
حماية الوطن وتحرير الأجزاء
المحتلة منه , الى مؤسسة خاصة تعمل
بأشراف الأجهزة الأمنية , ومهمتها , حماية النظام الحاكم أولاً ,
وتطويع أفراده
المجندين الذين سيعودون الى
الحياة المدنية قريباً وتدجينهم
ثانياً , والمساعدة في ضبط حركة المجتمع
وقمعه ثالثاً . ذلك ما أثبتته أحداث
المدن السورية في أوائل الثمانينات من
القرن المنصرم
, وأحداث الحرب الأهلية اللبنانية
والأداة التي شارك " الأشقاء "
العرب فيها .
وفي
خضم التحول ذاك ومن شروطه وضروراته ,
اتُخمت جيوب المتنفذين المتربعين
على رأس الهرم العسكري
, بعمولات صفقات
شراء خردة
الأسلحة من اي مكان من العالم , كلما
كان ذلك متوفراً .
كما نُهبت مخصصات الطعام للجنود , من
قِبل الفاسدين في مختلف الرتب
العسكرية , ان عن طريق رفع قيمة العمولة
على مشتريات المواد الغذائية على حساب
جودة الطعام وكميته , واما عن طريق نهب
الطعام بحد ذاته وتحويله الى البيوت
التي أُتخمت على حساب حرمان الجنود
الشرفاء . ولم يكتفِ الفساد بالأعتداء
على حقوق الجنود التي أقرتها اللوائح
العسكرية , من
مأكل , وملبس ,
وخدمة , بل تم تحويل الجندي من
مقاتل , الى مصدر ارتزاق " للمعلم "
. وكما يقال . فبمقدار ما يكون عظم
الجندي مليء , يُعفى من الخدمة
المطلوبة منه , وُترمى على صاحب العظم
الهش . ومع الأمعان في الأبتزاز , اصبح
الأزلال والتعذيب لازمة لكل من لا يدفع
المعلوم . هكذا تم استبدال الجيش
الوطني بالجيش العقائدي .
وفي
داخل الجيش الجديد , تم العمل على تدمير
وتدجين شخصية
الشاب السوري , المدنية ,
والحضارية . فقد حُظّر التساؤل ,
وساد التسليم مكانه , بحسب نصف المبدأ
القائل " نفذ ثم اعترض " بعد أقفال
أبواب الأعتراض . ومُنع التفكير
والنقاش , لأنه دليل اثبات على
الأنتماء الى معسكر " الأعداء "
الداخليين . وساد
التسطيح , والتلقي
, والأحاديث المبتذلة المثيرة للغرائز
. وحُظّر التضامن , لأنه تعبير عن نضوج
" المؤامرة "
على " الثورة
" وقيادتها
, ودُعّم الشعور الفردي الأناني ,
وشُجّع على انتهاك القوانين تحت مقولة
" عسكري دبر راسك " . وعُمم هدر
الكرامة , وكأن تحرير الأرض لا يتم الا
بفقر الدم الناجم عن سوء التغذية ,
وقضاء الحاجة في العراء ,
وحكة الجلد الناجمة عن اتساخ كل ما
يُستعمل , وعدم توفر شروط النظافة اللائقة
بالأنسان .
ومن
ضمن ثقافة الجيش العقائدي , تلك النزعة
الجامحة لأحتقار الأنسان المدني , ومن
ضمن عبارات الشتم والأستخفاف بمظاهر
الضعف الأنساني كأن يقال للفرد " أنت
مدني سخيف ولست عسكري , العسكري لايخاف
أو لا يبكي أو....كن عسكرياً رجلاً وكف
عن هذا " بالأضافة الى تحقير كل
مظاهر الحياة المدنية والحضارية
فالقاء تحية الصباح أو المساء هو سبب
كافي لأثارة السخرية , كما ان اظهار
المشاعر الأنسانية الأيجابية من ود
وأحترام وحب تُعتبر من مظاهر"
التخنث " المرفوضة
المثيرة " للغثيان " . وهذا كله في
النهاية , لخلق الحالة النفسية عند
المواطن ان العسكري هو الأكفأ , وهو من يستحق ان يمسك بزمام الأمور
.
ان
النظام السياسي , الُمنبعث من سلطة
مُغتَصَبة بالقوة العسكرية , ومستمرة باستفتاءات من
فئة ال 99.99% , لايمكن له ان يبني أداة "
تحرير الأرض " الا على هذه الشاكلة
من العلاقات الداخلية المتخلفة و
القاهرة للأنسان , ولا بد له ايضاً من
ان ينحدر بطموحه من مستوى تحرير الأرض
الى مستوى ضبط النفس وكبح فرامل عدم
الأنجرار الى معركة تحدد اسرائيل
زمانها ومكانها . ؟
أليس
هذا بكافياً لمعرفة سبب حقد هذا النظام
على صندوق الأقتراع ؟ ولماذا لاتناسب
الديمقراطية " الغربية "
مجتمعاتنا ؟ . ألا يكفي هذا لنعرف لماذا
أحاط " قائد الأصلاح " واقع جيشنا
هذا وواقع
الأجهزة الأمنية المبنية بنفس الطريقة
, بالخطوط الحمراء ؟ بالتأكيد فان
تجاوز تلك الخطوط سيساهم في ذوبان ثلوج
القهر, والأستعباد
, والتخريب ,
والتضليل .
واظهار الحقيقة . ذاك الظهور الذي
سيحطم هالات القداسة الزائفة ,
التي وُضع البعض ضمنها , وستحين
عندها ساعة الحق .
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|
|