آخر تحديث يوم الجمعة 23 - 05 - 2003م

.....

وصل إلى مركز الشرق العربي :

الاعتراف بالآخر لا يعني بالضرورة التوافق معه

رجاء الناصر*

اعتقد أنه من المبكر جداً التوصل إلى الخلاصات التي توصل إليها المحرر السياسي لأخبار الشرق حول وجود تحول في موقف القوى السياسية الوطنية والديمقراطية العاملة في سورية من جبهة الميثاق الوطني التي تضم الأخوان المسلمين وبعض الشخصيات الملتفة حولها في مقال (( جبهة الميثاق .. مرشحة للتوسع .. )) مستنداً في ذلك إلى توقيع شخصيات وطنية ديمقراطية بياناً مشتركاً مع بعض رموز جبهة الميثاق الوطني يندد بالتهديدات الأمريكية ويطرح مطالب لتحسين وتصليب الوضع الداخلي لمواجهة تلك التهديدات ويجب الانتباه هنا إلى :

1ـ إن بيان 17 نيسان جاء أساساً تحت عنوان رفض التهديدات لسورية ، وهو عنوان يدفع الجميع للتعامل معه على قاعدة وطنية .

2ـ إن هذا البيان جاء ضمن سلسلة من البيانات والعرائض التي كانت مطرح تداول في الشارع السوري .

3ـ إن المطالب التي ضمها البيان هي مطالب عامة رفعتها جميع القوى والتيارات السياسية في سورية منذ عدة سنوات .

4ـ إن التوقيع على هذه البيانات تتم بصورة فردية ، وليس تعبيراً عن مواقف حزبية رسمية . وإن التوقيع على تلك البيانات لم يشترط المعرفة المسبقة بأسماء باقي الموقعين وخصوصاً إن هذه التوقيعات كانت تجمع عبر الانترنيت في كثير من الأحيان .

كما أن محاولة تصوير عدم انضمام القوى الوطنية الديمقراطية إلى (( لجنة الميثاق الوطني ))   إنما كان بسبب ( الخوف من ردّ فعل السلطة أحياناً ، أو الحذر من الآخر أحياناً أخرى ) إنما هو تصوير مغاير للحقيقة ، حيث أن هناك من القوى الوطنية الديموقراطية في سورية من بنى موقفه على أسباب وطنية ، وقراءة سياسية ، ورأى البعض أن الوحدة الوطنية تتطلب تحولات فكرية عميقة لدى القوى السياسية تتجاوز الخطاب السياسي المصدّر للخارج ، واعتبر هؤلاء أن الخطاب السياسي للإخوان السوريين لم يتطور إلى العمق الإيدلوجي ، وهو ما تم ملاحظته من الخطاب الموجه من السيد بيانوني إلى ندوة قانون الطوارئ في سورية والتي انعقدت في العاصمة الفرنسية قبل شهرين ، حيث بدا الخطاب غير متسامح من جهة ، وغير ديمقراطي من جهة أخرى وهو ما يدل على عدم ثبات الخطاب السياسي الديمقراطي المعلن في أحسن الأحوال .

إن هذه المواقف لا تنبع من مواقف مسبقة ضد الإسلام السياسي وضدّ خطاب معتدل ديمقراطي يرتكز إلى ثقافة إسلامية ، وإنما تنبع أساساً عن تخوفات من استمرار الكامن العنفي ، والمذهبي الذي ينفلت عبر خطابات ، ومواقف تعلن بين الحين والآخر .

إن مصالحة وطنية تتطلب تحولاً فكرياً ديمقراطياً وليس مجرد تقاطعات سياسية خطابية آنية ، والاعتراف بالآخر في معرض المصالحة الوطنية لا يعني توافقاً مع ذلك الآخر بالضرورة ، بل هو ينظم قواعد ضبط الخلاف ، وبدون ذلك نبقى أسرى النظام الشمولي الذي ننتقده وندعو للخروج منه . ومن هنا فإن مهمة أي مؤتمر وطني ليس هو خلق استقطاب حدّي بين النظام ، وبين معارضيه . ولا هي إقامة جبهة وطنية جديدة ، قد تستدعي  التصادم ( مع ) والغاء مع ( من ) يختلف معها ، إن مهمة مؤتمر وطني هي وضع ضوابط العمل السياسي ، وما يعرف بالثوابت الوطنية التي يلتزم بها ( مختلفون ) ترتبط أساساً بتوحد المواطنين ضد العدو الخارجي من جهة ، وبصيانة  الوحدة الوطنية ووحدة التراب الوطني واعتماد الديموقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية من جهة أخرى.

على ضوء هذه الملاحظات ومع التقدير التام لأية تحولات  ديموقراطية ،من أي فريق وطني ، مهما كانت أحجامها ، فإنني أجد من المبكر الوصول إلى استنتاجات من حملة التوقيعات على بيانات تندد بالتهديدات الامريكية أكبر ما يحتمله الموقف من تلك التهديدات والمخاطر ، وآمل أن لا يتم توظيفها على غير الأهداف المعلنة منها .

* كاتب وباحث سوري