صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم السبت 16 - 08 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

مشاركات

وصل إلى برق الشرق :

ما هكذا تضمد الجراح يا دكتور !

عبد الحميد الحسيني / بوخوم – المانيا

منذ رجوع الدكتور مصطفى ميرو من رحلته التاريخية من أنقرة ، عاصمة تركيا العلمانية ، بعد أن وقع على عدد من عقود التعاون المشترك بين الدولتين الجارتين ، ووكالات الأنباء لاتكل من ترديد نبأ نية الدكتور بشار الأسد  تنصيب حكومة جديده تضطلع بمهمة الإصلاحات السياسية التي طال انتظارها من قبل النخب السياسية التي لا تزال تحسن الضن في بعض أركان السلطة . وأخيراً جاءت جهينة بالخبر اليقين . ( إن الحكومة السورية القادمة ، ستشكل في مطلع شهر  أيلول ) _ ذلك الشهر الذي يعتبر في نظر الشعب أتعس من طويس هل سيحمل هذا النبأ للشعب السوري  مزيداً من التسويف والتشرذم ؟  ليس تشاؤم مني عندما أطرح مثل هذا السؤال  ، بل واقعية مكتسبة لكل من خبر طبائع الاستبداد . قد تكون نصف السياسة هو تحديد الأولويات ولكن بك تأكيد أن النصف الأخر هو ترتيب تلك الأولويات . كيف  ستتعامل أهل السلطة مع هذه المعادلة الصعبة في هذه الظروف الصعبة  ؟ إ ن أهل السلطة قد حددوا أولوياتهم منذ وصولهم إلى السلطة وهي : الحفاظ على السلطة ، التمتع بالسلطة ، توثين السلطة ثم تسويق السلطة . أما التردي ، الذي وصلت إلية البلاد والعباد ، فيفرض أولويات أخرى ، كما يرتب المعانون هذه الأولويات على غير ما تشتهي سفينة السلطة  . قبل أن يشخص  الدكتور بشار الأسد الداء ، قال : أن الدواء  هو  الإصلاح الاد اري . أي أن الأمر لا يعدو عن مجرد أزمة إدارية ، وإن مهمة الحكومة القادمة حل هذه الأزمة . 

قد نتفق مع أهل السلطة أن هناك فساداً إد ارياً ، لا يفترس الشعب فحسب بل يفترس الإدارين أنفسهم ، ومع ذلك لا يقع في سلم الأولويات ، خاصة إذا تذكرنا أن الدكتور بشار الأسد ، وقبيل وفاة والده ، كان يعتبر أن مكافحة الفساد أولى الأولويات . وربما كانت كذلك لكونها حملة لا بد منها للتخلص من الخصوم الحقيقين أو المحتملين ، وقد كان له ذلك .  حتى إذا سلم الخصوم ، من آل بيته ، له بالسلطان . زين له سدنة السلطة برفع شعار " الإصلاح الاقتصادي أولاً " سائراً على خطى أهل الصين في مضمار الإصلاح ، ولم يخطر في لب أهل السلطة ، هذا إن كانوا من أولي الألباب ، أن الصين في حد ذاتها سوق تجارية قائمة بذاتها فضلاً عن أن فلاسفة العو لمة لهم مصلحة مؤقتة في إفساد ورشوة القادة الجدد في الصين لاستدراجهم إلى آليات السوق التي يحسنون التلاعب بها وإخضاعهم لسلطانهم

كما حدث تماماً للنمور الآسوية في تسعينيات القرن المنصرم ، حيث أنقلبت النمور الكاسرة إلى قطط تموء بشكل يدع إلى الرأفة والشفقة . الرشوة التي قدمت للصين كانت فعلاً مغرية ، 60% من القروض التي يقدمها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تذهب  للصين مما جعل شنغهاي وبعض المدن الصينية تبدو وكأنها غابات من الصواري والروافع  العملاقة .حيث 50% من الروافع العملاقة في العالم توجد في الصين .

ولآن نحن أمام أولويات الإصلاح الإداري الذي يتطلب حكومة جديد تقوم به : يا دكتور بشار الأسد ! ثق لا أريد أن أزاحمك مهنياً ، عندما أحاول أن أشخص ما تعاني منه سوريا كأفراد ، وشعب ، ودولة ، ونظام إنتاج واستهلاك ، وسلطة ثم تحديد الأولويات وترتيبها حسب سلم زمني معين ، وذلك لأني أعلم  علم اليقين أن كل مخلوق ميسر لما خلق له . لا أعتقد أن طرح شعار الإصلاح الإداري في هذا الوقت بالذات هو لصرف الغضب الجماهيري ، هذا إن وجد ، إلى أحلاس الوظائف وطلاب المراتب . ولكن علمت منذ مدة ، أن أهل السلطة طلبوا  من الدوائر السياسية الفرنسية دراسة للمشكلة السورية التي أصبحت في كثير من جوانبها تشبه إلى حد كبير ما أطلق عليه "الرجل المريض " . وأعتقد أن الحلول الفرنسية أصبحت مدونة وجاهزة على أقراص الكمبيوتر . السؤال : ما هي معالم تلك الحلول بل ما هي المشكلة أصلاً ؟ ببساطة : : كيف يمكن إدخال سوريا عالم العولمة دون المساس بمصالح ومكاسب أهل السلطة ؟ وأهم من هذا وذاك طمأنة أصحاب القرار السياسي أن العملية لا تتضمن مخاطر قد تعصف بملكهم . لذلك ستكون الحكومة من " ذوي الاختصاص " وعلى درجة كبيرة من الحس الأمني " المسؤول " . ليعلم الجميع أن الخبراء الفرنسيون  ليسوا من أهل الكهانة والسحر بل لا يملكون أي حدس سياسي شرقي ، شحذته أفكار الملل والنحل والطوائف وصقلته عقلية المؤامرة وهاجس الخوف . هم في الغالب بيروقراطيون من الدرجة الثانية وإداريون من الدرجة الثالثة . أما المهمة التي سيقومون بها فهي تكرار لما قاموا به من قبل في بلادهم وهو ما يطلق عليه " ترشيق الدولة " . إخراج الدولة من السمنة والترهل إلى الرشاقة والنشاط . : كيف سيتم ذلك ؟ 1-إيقاف تعين موظفين ومستخدمين جدد في قطاع الدولة   2- إحالة الموظفين والمستخدمين الطاعنين في السن إلى التقاعد بدخل لا يسمن ولا يغني من جوع . 3- نقل الموظفين والمستخدمين إلى القطاع الخاص ، إن وجد ، أو إلى المؤسسات المخصصة . 4- إجبار الناس على الهجرة إلى دول عربية أصبحت هي نفسها تعاني من البطالة الشيء الكثير . إذن العملية : ليس إصلاح إداري فحسب بل نسف لكل المثاليات التي قامت عليها السلطة في ستينيات القرن المنصرم ,بررت بها إلغاء الحريات المدنية والعامة وفرض قانون الطوارىء إلى يومنا هذا . هل يشمل الإصلاح الإداري إخلاء السجون والمعتقلات من الذين زج بهم ظلماً وعدواناً ؟ لو قامت السلطة بذلك لوفرت مئات الوظائف من الحراس ورجال الأمن وخبراء التعذيب . قال ماركس مرة ساخراً من منظرين الدولة اللبرالية : " لماذا تلعنون المجرم والجريمة ؟ فلولا المجرم لما كان هناك ضرورة للشرطي والقاضي والمحامي والسجن والسجان والبرلمان الذي يشرع القوانين والوزراء ورجال الدولة وجندهم وأعوانهم ، وبكلمة واحدة لا ضرورة للدولة كلها . إن المجرم هو الذي يوفر لكم كل فرص العمل هذه "  السؤال الذي يجب أن يشغل المثقفين اليوم ، واليساريين بشك خاص ، كيف ستكون سخرية ذلك العجوز من الدولة الشمولية والتي قامت على بعض من تنظيراته السحرية ومنها مقولته الشهيرة ، التي تفتح شهية السلطة ، في البيان الشيوعي " إن تاريخ الإنسانية هو تاريخ الصراع الطبقي " .  الصراع في العالم العربي لا يحتاج إلى الطبقة العاملة ، فالنهب والسلب عادة جاهلية وصعاليك العرب هم أئمة وفضلاء الفوضوية . ونحن العربَ ، منصوبة على الاختصاص ، لدينا أفضل من كتاب لينين " ما العمل " لدينا الإرث القرمطي وعجائب الباطنية وما أجتهد الطوسي وابن العلقمي وما " أبو رغال " عنا ببعيد . إن دراسة الدولة الشمولية السورية صعوداً وتردياً وموتاً قريباً ، بإذن الله ، يغني عن دراسة أمهات الكتب الموسوعية في علم السياسة والتآمر . حتى يبدو للدارس أن أصحاب السلطة في سورية  يلد متآمراً .كما كان يلد المغولي على صهوة جواده . ولعل هذا هو التفسير المقنع أن الابن يرث أبيه . يرثه في رئاسة الدولة وقيادة الجيش وتسنم الوزارة  . وإذا كان الابن مبدعاً وصاحب إضافة ، فإنه يصبح من رجال المال والأعمال وأهل الثروة والثراء . يا دكتور ! إن الإصلاح الإداري الذي تريد ربما يكون مستحيلاً وقد يحزم الفرنسيون أمتعتهم ويعودن إلى باريس العجيبة . تماماً كما فعل أجدادهم قبل 57 سنة بعد أن نالت سوريا استقلالها الناجز في 17 من نيسان عام 1946

فبعد الجلاء الثاني للفرنسيين عن سوريا ، إنشاء الله ، وانقلاب السحر على الساحر سنقول لأهل السلطة أي إصلاح نريد 1- الحرية أولاً : الحرية بكل مفرداتها ، حرية الاعتقاد فلا إستتابة ولا حد بل نعلنها كما أراد الله ، سبحانه ، " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " 2-حرية التعبير " ليست عليهم بمسيطر " 3-وحرية تشكيل والانضمام إلى التجمعات السياسية والنقابية والثقافية . تطبيقاً لقوله تعالى " لست عليهم بوكيل " 4- أما حرية الصحافة والنشر فهي الآلية التي تخلص المجتمع من النفاق والمنافقين ليصدع كل إنسان بما يعتقد  دون إكراه أو قهر ،  مع إيماننا بأن المنافقون فهم في الدرك الأسفل من النار  .

لقد دق على كثير من الدارسين والباحثين أسباب ظهور النحل والفرق الباطنية في الماضي والحاضر  . لقد لفت انتباهي عدم ظهور أي فرقة أو نحلة إسلامية منذ بداية القرن الماضي ، ولم أجد تفسيراً لذلك سوي انتشار ثقافة الحرية . فالفرق والنحل والطوائف هم أبناء وبنات الاستبداد وانعدام الحرية  . فمن أراد تطهير المجتمع من الضلال والانحراف وفساد  الفطرة فعليه بالحرية . ومع أن الحرية هدف في حد ذاته إلا أنها كانت الوسيلة الأكثر فعالية للوصل إلى مجتمعات أكثر عدلاً . أن الإصلاح الذي ننشده وينشده كل مواطن ، باستثناء أهل السلطة وأحلاس الوظائف ، هو إشاعة الحرية كسلم إلى السلام والتواد والرحمة ، ولما كانت العلاقة بين الشعب وأهل السلطة علاقة سياسية ، فلا بد من تأطير هذه المطالب في إطار سياسي وقانوني ملزم سماه جان جاك روسو في النصف الثاني من القرن الثامن عشر  (العقد الاجتماعي ) بعد أن مهد له في رائعة الفلسفية " إميليا " التي كانت عبارة عن صياغة غربية لقصة (حي بن يقضان

) التي كتبها العلامة والفيلسوف أبو بكر محمد بن طفيل  الذي ولد في قادش0 (لأندلس ) وتوفي في مراكش عام 1185أي أن ابن طفيل توصل إلى ضرورة العقد الاجتماعي وبالتالي إلى ضرورة الدستور قبل روسو ومنتسكو بحوالي ستة قرون ولكن بعد وفاة روسو ومنتسكو، بعقدين أو ثلاث ، عرفت فرنسا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1787 ثم تلاه أول دستور مكتوب عام 1791 بينما عرفت مصر كأول بلد عربي  دستور مكتوب عام 1923 ثم العراق وسوريا ولبنان حيث بقيت المواد الدستورية المتعلقة بالسيادة رهن بيد المستعمر  انجيليزياً كان أو فرنسياً . إلا أن العالم العربي والإسلامي عرف الحركة الدستورية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بل شكلت لأول مرة لجنة من أهل الاختصاص لوضع أول دستور للدولة العثمانية عام 1876 وكان هذا الدستور هو مادة الخلاف بين السلطان عبد الحميد الثاني الذي كان يتهم بالطغيان والاستبداد وحزب تركيا الفتاة ، الذي تحول فيما بعد إلى جمعية الاتحاد والترقي . قد يسيء بعض القراء الضن فيعتقد أن ذكر هذه المعلومات التاريخية للتعالم أو الاستطراد . والأمر ليس كذلك ولكن أسلوب أخذته عن الجاحظ لما فيه من طرد للملل أحياناً والتنويع أحياناً أخرى  . أن ثقل التاريخ السياسي والقانوني منذ الثورة الفرنسبة  وحتى قبيل الحرب العالمية الثانية كان يتمحور 

حول المطالبة بدستور عادل ينص على الحقوق الأساسية للأفراد وينظم علاقة الفرد بالدولة وكذلك آلية فصل السلطات بعضها عن  ببعض  وكذلك آلية تداول السلطة . إلا أن الأمر بدأ ينحو  منحى آخر ، رغم صدور الميثاق العالمي لحقوق الإنسان والذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948وأصبح شرطاً لابد منه للانضمام لهذه المنظمة العالمية . كما أن دساتير الدول الأعضاء يجب أن لا تتعارض نصوصه أو بعضها مع الميثاق العالمي لحقوق الإنسان . أقول رغم ذلك، كان التركيز منصباً على الديمقراطية والحرية بمفهومها الاقتصادي الضيق من جانب المعسكر الغربي ، حتى أنك تجد دولاً وحكومات تضرب بأبسط المعايير لحقوق الإنسان ومع ذلك تعد من منظومة العالم الحر مثل ايران تركيا إسرائيل إسبانيا البرتغال الفلبين تشيليالخ بل كانت الدوائر الغربية وراء الكثير من الإنقلابات العسكرية التي جاءت بالطغم العسكرية أو الملوك الجلاوزة إلى سدة الحكم مثل شاه إيران في الخمسينيات وبنوشيت في السبعينيات من القرن العشرين ، أما المعسكر الاشتراكي فكان التزييف على أشده في كل المجلات فدكتاتورية البروليتاريا  أو بالأحرى دكتاتورية الحزب أصبحت تسمى رسمياً الديمقراطية والشعبية . أما الإنتاج الاشتراكي فهو  نوع من أنواع  السخرة الرمانية أو الفارسية القديمة . إن الحرب الباردة لم تزيف الوعي بالحقوق والواجبات فحسب بل كادت أن تقتل الحقيقة نفسها . من هذه الخلفية التاريخية ولوضع الحصان أمام العربة أرى لا بد من عود على بدء . نقطة البدء هي دستور الجمهورية السورية لعام 1955 الذي أوقف العمل به رسمياً في 28 من شباط عام 1958 أي بعد قيام الوحدة بين الجمهورية السورية والجمهورية المصرية لتقوم دولة الوحدة ويطلق عليها الجمهورية العربية المتحدة  و يذهب السيد شكري القوتلي ، رئيس الجمهورية ، إلى منزله بعد أن حاز  على لقب المواطن الأول . لا أعتقد أننا سنحصل على أغلبية مطلقة أو نسبية لصالح الوحدة لو خير الشعب السوري آنذاك بين الحرية والوحدة ولو خير الشعب السوري أو أي شعب عربي آخر اليوم بين الحرية والوحدة لكانت النسبة 98 %  لصلح الحرية أي نفس النسبة التي اختار بها الشعب السوري الوحدة قبل أكثر من أربعين عاماً . ربما أنه من السنن  الكونيه " أن  الخروج من دار العبودية إلى رحاب الحرية يحتاج إلى أربعين سنة من التيه . تماماً كما حدث لبني إسرائيل عندما خرجوا من مصر إلى أرض كنعان فكتب الله عليهم التيه والشقاء أربعين عاماً . نعم منذ 8 آذار عام 1963 إلى يومنا هذا أربعين عام من التيه والشقاء . إذن : فلنبك على الحرية كالنساء لم نحافظ عليها كالرجال . من يفقد الحرية سيفقد كل شيء حتى المال والولد ومن أوتي الحرية فقد أوتي حظ عظيم ، ألم يشبه القرآن الكريم ، العبد والحر ،  بالأعمى والبصير ! ولهذا سمي شوقي أمير الشعراء . .وأضيف والبيان  لأنه قال : وللحرية الحمراء باب       بكل يد مضرجة يدق 

أن المحن والسنون جعلت منا رجال دراية وسياسة فلم نعد نؤمن بالشعارات والعهود ما لم تكن محسوسة ومعقولة ومكتوبة تماماً كما في مسائل الدين ، رهان مقبوض أو كاتب عدل وشهود . ولهذا نطالب بدستور مكتوب يكون موضع  إجماع بين أبناء الشعب . لماذا رجعت كل دول المنظومة الاشتراكية بعد انعتاقها من النظم الشمولية إلى الدساتير التي كانت سائدة قبل الإكراه الحزبي الشيوعي  المعسكر ؟ . لقد جمعتني الصدفة الشرود مع أحد أبناء الوطن ، المشردين مثلي ، فطرحت عليه هذا السؤال ، لعلمي أنه كان اشتراكي الفكر ثوري الهوى والمزج ، ولكن ما أغراني على طرح هذا السؤال عليه هو ما كنت اعهد فيه من عقلانية مفرطة ضرستها سنون مديدة  من البعد عن الأهل والوطن ولأنه عاش في أحد الدول الاشتراكية . بدأ الأخ الحديث وكأنه يعلن التوبة النصوح أمامي دون إكراه أو إغراء عما فرط من أمره فقال : اعلم أن أكثر من 90 % من مواطني دول أوربا الشرقية لم يعش يوماً واحداً تحت ظل الدساتير التي كانت سائدة قبل المد الاشتراكي بل لم يكن أحد منهم في سن تسمح له أن يفهم ما تعني كلمة دستور ، ومع ذلك وقف الشعب بقضه وقضيه مع إلغاء كل الدساتير الشمولية وإيقاف مسرحيات الطاولة المستديرة التي كانت تبحث عن صيغ توفيقية بين أهل السلطة وقوى الشعب التي تريد الحسم والحزم ،ومع ذلك تمكنت المافيا وقادة الأجهزة الأمنية من سرقة كل ما خف وزنه وغلى ثمنه في تلك الفترة الانتقالية . لقد تمكن قادة  ال ( ك ج ب ) ومنظمات المافيا  ورجال المال من أثرياء اليهود من تهريب أكثر من 1000 مليارد دولار إلى البنوك الأمريكية والأوربية . ليعود قسم من هذه الثروة  الهائلة إلى الوطن الأم إما قروضاً للدولة أو ثمناً لمئات المعامل والمصانع التي بيعت بثمن بخس إلى أثرياء العولمة الجدد من اليهود الصهاينة بعد خصخصتها . وأخص بالذكر  مؤسسات الإعلام وشركات النفط وشركات استخراج الذهب والماس والمعادن الإستراتيجية في روسيا الاتحادية.

ماذا نريد بهذا مثلاً ؟ لم يكن خطأً أن تطالب شريحة من المثقفين الذين يحسبون في الغالب على اليسار بتفعيل مؤسسات المجتمع المدني بكل أصنافها ، وكان عين الصواب أن تطالب مؤسسات حقوق الإنسان بعفو عام عن كافة من لحق بهم الأذى من الأجهزة القمعية  ورد المظالم

إلى أهلها ،كما قال الأستاذ رياض الترك . وقد كان خطوة متقدمة على الطريق الصحيح عندما تنادى أهل المروءة من الطبقة السياسية السورية ممثلين لأحزابهم وجمعياتهم وهيئاتهم أو مجرد أفرادهم في 23 من شهر آب العام الماضي واعتمادهم ميثاق للعمل الوطني .

كل هذا صحيح ولازم ولكن غير كافي حتى لو أضفنا إليه ، إلغاء قانون الطوارئ اللعين ، والقانون 49، وتعديل بعض مواد الدستور الشمولي.

إن العاملين في السياسة يمتلكون قدرات خاصة  منها " القدرة على مضارعة الماضي ، ومضارعة المستقبل ، في اللحظة  الراهنة التي يعيشونها

إن المطالبة بالعودة إلى دستور عام 1955 هو مضارعة الماضي الديمقراطي الحر لسوريا وهو مضارعة لمستقبل سوريا التي نريد حيث ينتخب الشعب السوري ممثليه احترماً  لإرادة الأمة . يجب أن يرد على أكذوبة " أن الرئيس الراحل هو باني سوريا الحديثة " بشكل حسي ، لقد أزاح حافظ الأسد وزمرته دستوراً ديمقراطية تقدمياً يوجب العدل ويدعوا للفضيلة ويرعى الضعفاء بمواده الدستورية التي توجب بناء شبكة رعاية اجتماعية لا تقبل المساومة مع صندوق النقد الدولي  لأن الرعاية الاجتماعية للذين يستحقونها هي حق أوجبته الشرائع السماوية قبل أن تعترف

 بضرورة القوانين الوضعية . لقد غيب الجيل الجديد عن كثير من الحقائق ، منها : أن سوريا كانت على رأس قائمة الدول العربية في ارتفاع نسبة التعلم وانخفاض نسبة الأمية . ليس حافظ الأسد هو الذي أدخل إلزامية التعليم والبطاقة الصحية بل كانت مادة دستورية وقانون ملزم

من الخمسينيات . إن قوانين التأميم الانتقامية التي استصدرها حزب البعث في الستينات والتي شملت معامل كان صاحبها ورئيسها وممولها والقائم عليها وصاحب فضل القيمة فيها هي أسرة شرقية مؤلفة من أب وأم وبضعة أولاد . ربما لا يصدقنا أحد اليوم إذا قلنا له : إن قيمة المعامل والمصانع  المؤممة بعد موجة التأميم الحاقدة كان لا يزيد عن 500 مليون دولار ولكن الأموال التي تمكن أصحابها من إخراجها من سوريا إلى لبنان أو دول أجنبية كان يزيد على 2000 مليون دولار ، وهذا يعني إفراغ سوريا من راس المال اللازم للتنمية . صحيح أن عبد الناصر قد بدأ هذه الحماقة ولكن أهل الحكم جعلوا منها كارثة ترتقي إلى مرتبة الخيانة الوطنية ، أي جريمة أكبر من قتل الحوافز والمبادهات الفردية . لا اقتصاد ،ولا ثروة ، ولا علم ، ولا معرفة ، دون حوافز ومبادهات وجهد . عندما استتب الأمر لحافظ الأسد وزمرته بعد حرب تشرين التي خاضها وزميله السادات نيابة عن شركات النفط العملاقة لمضاعفة سعر النفط الخام إلى أربع أضعاف ، كما قرر أهل الحل والعقد في هذه الصناعة باجتماع عقد في جزيرة قرب السواحل النروجية في شهر أبريل عام 1973 داره " الزميل " كيسنجر ، والذي وثق فيه أنور وحافظ حتى الموت .

منذ ذلك الحين وحتى اليوم والنزيف المالي لا يتوقف من سوري وإلى البنوك الفرنسية والإنكليزية وحتى الأمريكية نعم وبحسابات خاصة بأسماء الأبناء والأحفاد حتى إذا مات منهم أحد فجأة ، سافر ولي أمره ، الرئيس طبعاً ، لتسوية الأمر بشكل معقول مع الدوائر المختصة . والبلاد تنزف وتنزف يا دكتور ! . هل قرأت في كتب الطب أن الإصلاح الإداري قادر على إيقاف النزيف . ومن يدري لعلها من الوصفات السحرية التي تعلمها الدكتور من أستاذه البرفسور شالومبرج عندما كان يعكف على دراسة طب العيون في انكلترا  ، وشالومبرج تلفظه عند الألمان  بالجيم المصرية حتى يستقيم النطق ويتضح المعنى أي جبل السلام .. . والسلام على من اتبع الهدى .   

16 – 8 – 2003السابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
  اتصل بنا  
   
   

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ