حالة
الطوارئ وأثرها على حقوق الإنسان
المحامي
هيثم المالح ـ رئيس جمعية حقوق الإنسان
في سورية
ترزح
بعض أقطار عالمنا تحت نير إعلان حالة
الطوارئ المستندة لقانون الطوارئ الذي
يعم هذه الأقطار، كما تتفاوت شدة قبضة
النظام من خلال هذه القوانين بحسب
طبيعة البلد الذي تسود فيه، وبحسب
نوعية النظام الذي يحكمها. ولقد مضى
على إعلان حالة الطوارئ في سورية
أربعون عاما كاملة في هذا اليوم الحزين
الذي نرى فيه تردي حقوق الإنسان على
أكثر من صعيد، وللوقوف على طبيعة هذه
الحالة سوف أناقش :
أولا-
تعريف حالة الطوارئ.
ثانيا-
العرض التاريخي لقانون الطوارئ وإعلان
حالة الطوارئ.
ثالثا-
وضع حالة الطوارئ في سورية منذ إعلانها.
رابعا-
آثار حالة الطوارئ على حقوق الانسان.
أولا
- تعريف حالة الطوارئ
اختلف
الفقهاء في تعريف حالة الطوارئ . فقال
بعضهم :
"
إن حالة الطوارئ نظام استثنائي شرطي
مبرر بفكرة الخطر المحيق بالكيان
الوطني " .
وقال
بعضهم أيضا :
"
إنها تدبير قانوني مخصص لحماية كل أو
بعض أجزاء البلاد ضد الأخطار الناجمة
عن عدوان مسلح " .
وقال
آخرون :
"
إنها الحالة التي بواسطتها تنتقل
صلاحيات السلطات المدنية إلى السلطات
العسكرية " .
أما
عندنا فليس هناك أي تعريف لحالة
الطوارئ ، وهذا طبيعي لأن المشرع لم
يتبين أية نظرية من النظريات الفقهية
حين اقتبس من الحقوق الفرنسية النصوص
القانونية الناظمة لإعلان حالة
الطوارئ والتدابير والقيود المفروضة
على الحريات في حالة إعلانها . وإنما
اقتبس الأحكام الفرنسية القانونية
التي لم تعن بالتعريف . ثم إن الأبحاث
الفقهية عندنا ، بهذا الموضوع قليلة
جدا ، بل قل إنها نادرة .
والحقيقة
أنه ، في معرض تعريف حالة الطوارئ يمكن
أن تجمع هذه التعاريف جميعا فيؤلف منها
تعريف جامع لحالة الطوارئ فنقول أنها :
"
نظام استثنائي شرطي مبرر بفكرة الخطر
المحيق بالكيان الوطني يسوغ اتخاذ
تدبير أو تدابير قانونية مخصصة لحماية
البلاد كلا أو جزءا ضد الأخطار الناجمة
عن عدوان مسلح داخلي أو خارجي يمكن
التوصل إلى إقامته بنقل صلاحيات
السلطات المدنية إلى السلطات العسكرية
" .
على
أن هذا التعريف جامع حقا ولكنه غير
مانع لأنه ما زال ناقصا :
فباعتبار
أن المشرع أحاط هذا النظام بضمانات
للحريات العامة فتطلب أن تكون فيه صفات
من المشروعية ، فهو بهذا الاعتبار نظام
ولكنه نظام دستوري استثنائي.
وباعتبار
أن السلطات العسكرية التي تعطى
صلاحيات السلطات المدنية في فترة
إعلان حالة الطوارئ تنوب عنها وتحكم
باسمها ، لا يسوغ اعتبار هذا النظام
شرطيا محضا لذلك وجب استبعاد هذه الصفة.
وتأسيسا
على ذلك يمكن أن يؤول التعريف إلى ما
يلي:
"إعلان
حالة الطوارئ هو نظام دستوري استثنائي
قائم على فكرة الخطر المحيق بالكيان
الوطني يسيغ اتخاذ السلطات المختصة
لكل التدابير المنصوص عليها في
القانون والمخصصة لحماية أراضي الدولة
وبحارها وأجواءها كلا أو جزءا ضد
الأخطار الناجمة عن عدوان مسلح داخلي
أو خارجي ويمكن التوصل لإقامته بنقل
صلاحيات السلطات المدنية إلى السلطات
العسكرية".
هذا
هو الأصل في إعلان حالة الطوارئ ولكل
مشرع في أي دولة أن يعدل في الصيغة بحيث
يوسعها على أن لا تتخطى ما هو ماثل فيها
من مبادئ.
ثانيا-
لمحة تاريخية:
لم
تكن حالة الطوارئ المنظمة في تشريعنا
معروفة في التشريع العثماني فلقد كانت
السلطات العثمانية تعالج ما يجد في
البلاد من طوارئ الاضطرابات الداخلية
بالمؤيدات الجزائية الماثلة في
القواعد العامة التي انطوى عليها
قانون الجزاء العثماني الصادر في شهر
ذي الحجة سنة 1274 . وأول محاولة لإعطاء
هذه الطوارئ أهميتها في الإجراءات
القضائية، هي المجلس العرفي الذي ألفه
في عاليه جمال باشا حاكم إيالة سورية
لمحاكمة زعماء الثورة العربية في
نهاية العهد العثماني بموجب فرمان خاص
بذلك غير مستند إلى تعريف لحالة
الطوارئ.
ثم
جاء الانتداب الفرنسي فأتبع في بادئ
الأمر الأراضي السورية للأحكام
الصادرة عن رئيس الجمهورية الفرنسية
ومنها النصوص الناظمة لإعلان الأحكام
العرفية.
وأوكل
في القرار 415 الصادر بتاريخ 10/9/1920 أمر
النظر والبت في أمر الأفعال المرتكبة
ضد قوات الاحتلال إلى المحاكم
العسكرية الفرنسية وألف بموجب القرار
رقم 880 الصادر عام 1921 ما سمي بمجالس حرب
الجيش. وانتقى قضاته من العسكريين
الفرنسيين بموجب القرار ذي الرقم 950
الصادر بتاريخ 9/7/1921 .
ومع
استقرار الأمور في سورية أصدر المشرع
الفرنسي قرارا بتاريخ 1923 بشأن
هذه المجالس الحربية مرة ثانية،
فنظمها تنظيما جديدا وسماها المجالس
الحربية العرفية، فكانت هذه أول
محاولة لاستقلال سورية في التشريع
بهذا الموضوع الذي نعالجه في هذا البحث
عن النصوص النافذة في فرنسة.
وقد
تناثرت في هذا القرار بعض الأحكام التي
تعالج حالة الطوارئ دون أن تسميها بهذه
التسمية بل ومن دون أن تعرفها . وكانت
محاولة خجلى بمعنى أنها اقتصرت على ما
يمكن أن يحدث من اضطرابات داخلية أو
محاولات الانتقاص من السلطة المحتلة
أو الانتقاض عليها. وأصدر المشرع
العرفي الفرنسي القرار رقم 208 س بتاريخ
19/8/1925 بشأن تنفيذ أحكام الديوان
الحربي، معقبا في ذلك على القرار رقم 4
س الصادر بتاريخ 10/1/1925 بشأن حفظ الأمن
في الأراضي المشمولة بالانتداب
الفرنسي والقرار رقم 5ص الصادر بتاريخ
10/1/1925 الذي يعاقب التعرض للجيوش
الفرنسية.
واستمر
المشرع الفرنسي يستكمل التشريع الخاص
بسورية ولبنان، فأصدر بتاريخ 1/11/1925
القرار رقم 302/س بمعاقبة إباحة أسرار
العمليات العسكرية وعدم الإطاعة، ثم
القرار رقم 313 في 25/5/1926 بمراقبة الأسلحة
والذخائر، والقرار 736 في 26/1/1927 بتنظيم
حيازتها وحملها، ثم القرار 51 ل.ر تاريخ
3/5/1932 الذي أعطى للمحاكم الأجنبية
صلاحية النظر في مخالفاتها، ثم القرار
203 ل-ر في 2/9/1939 لمنع بيعها، وأخيرا
القرار رقم 233ل.ر في 9/9/1939 بإعلان
الأحكام العرفية وقرارات أخرى تقمع
أعمال العنف.
وجاء
القرار رقم 1815 بتاريخ 16/2/1928 أول محاولة
جديرة بالاهتمام لتنظيم الإدارة
العرفية في دمشق على أثر الثورة التي
قامت في سورية ، ويعتبر هذا القرار
نواة لكل الأحكام التي صدرت فيما بعد
بهذا الشأن.
وكانت
المحاولة الثانية لإبراز معالم هذا
الموضوع هو القرار 66ف.ل في 4/8/1941 الذي
أفرد للمخالفات والجرائم العسكرية
الصرفة محاكم عسكرية خاصة بها ودائمة
في سورية، والقرار رقم 83 ف.ل بتاريخ
9/8/1941 الذي فصل في إجراءات المحاكمة
أمام هذه المحاكم.
ويستفاد
مما عرضناه حتى الآن أن مفهوم حالة
الطوارئ لم يتبلور في نظر المشرع بعد،
ولم يأخذ أبعاده وشكله النهائي، إذ إن
التدابير التي تقتضيها هذه الحالة لم
تنظم دفعة واحدة بل تباعا حسب الظروف
والحاجة، وحسب ظهورها على مسرح
الحوادث، لذلك نجد القرار 85ل.ر تاريخ
1/5/1939 صدر بإحداث مصلحة الدفاع السلبي،
والقرار 198 ا.س الصادر في 1/8/1939 ينظم
مصادرة الأشخاص للدفاع السلبي والقرار رقم 103 ل.ر في 17/5/1940 بتنظيم مصادرة
الأشخاص للدفاع السلبي، أي إن المشرع
لم يرد في ذهنه بعد، التفريق بين طارئ
الحرب والطوارئ الأخرى. حتى إنه في
19/6/1941 أصدر المرسوم الاشتراعي رقم 9س
بشأن المحافظة على الأمن العمومي
واستمرار حالة الحصار ، محاولة منه
لإبراز حالة الطوارئ، فسماها حالة
الحصار ترجمة حرفية سيئة للتعبير
الفرنسي، إذ سمى حالة الطوارئ باسم جزء
من عناصرها أو واقعة من واقعات كثيرة
يمكن أن تستلزم إعلان حالة الطوارئ،
وهي حالة الحصار ()، ثم عدل هذا المرسوم
بآخر رقم 29 س بتاريخ 22/7/1941 ثم ألغاه
نهائيا في 18/12/1941 بالقرار رقم 46 أ.س.
ومعنى ذلك أنه مازال يعتبر حالة
الطوارئ شيئا طارئا حسب التسمية لا
يستحق أن يفرد
له تشريع خاص ودائم
لاحتمالات المستقبل.
واقتصر
التشريع من بعد ذلك على الإجراءات التي
تقتضيها الحرب العالمية الثانية، فصدر
المرسوم الاشتراعي رقم 11 في 19/4/1944
بإحداث مصلحة الدفاع السلبي التي
أتبعت لوزارة الداخلية، ثم المرسوم
الاشتراعي 12 في 19/4/1944 بتنظيم الإنارة
في سورية وقرارات أخرى.
وبتاريخ
15/5/1948 وبمناسبة حرب فلسطين صدر القانون
رقم 400 بشأن حالة إعلان الأحكام
العرفية، فجمع قسما من شتات ما تفرق في
التشريعات السابقة البيان جمعا مخلا
،وألغى ما يخالفه منها، وصدر بالتاريخ
ذاته القانون رقم 401 بإعلان الأحكام
العرفية في أراضي الجمهورية السورية،
حدد مفعولها بستة أشهر ابتداء من تاريخ
نشره . وقد نظم القانون 400 السلطة
المختصة بفرض التدابير والإجراءات
التي تقتضيها حالة الحرب، كالمراقبة
ومنع التنقل والإخلاء والاستيلاء
وتنظيم الإعاشة والدفاع السلبي، ورصد
لمخالفاتها مؤيدات جزائية خاصة، وسمح
بتأليف محاكم عسكرية خاصة لها. وقد
صدرت من بعد ذلك قرارات تنفيذية لهذا
القانون مثل القرار 5 بتاريخ 23/5/1948 بمنع
التجول في منطقة العمليات الحربية،
والقرار 13 تاريخ 25/5/1948 بمصادرة الأطباء
والممرضين والمهندسين والفنيين،
والقرار 18 تاريخ 26/5/1948 بمنع دخول
المصورين للاماكن المجاورة للمنشآت
والمراكز العسكرية، والقرار 31 تاريخ
30/5/1948 الذي يحظر على موظفي الدولة
والمؤسسات التابعة لها مغادرة أماكن
عملهم، والقرار 41 تاريخ 7/6/1948 بمنع
السفر خارج الأراضي السورية بدون
إجازة.
وبتاريخ
22حزيران 1949 صدر المرسوم التشريعي رقم
150 بتنظيم الإدارة العرفية، وهو وإن لم
يورد أي نص صريح بإلغاء القانون 400 إلا
أنه استوعب ما فيه بكامله، واعتبر
القانون 400 بذلك فاقدا لوجوده القانوني
أصلا، والجدير بالذكر أن الأسباب
الموجبة لهذا المرسوم التشريعي جاءت
بهذا النص:
"لا
يوجد في التشريع السوري النافذ نص
قانوني يحدد اختصاص السلطة العسكرية
والقضاء العسكري وعلائقهما بالسلطة
الإدارية وبالقضاء المدني في حالة
إعلان الإدارة العرفية، وقد وجدت
وزارة الدفاع
الوطني من الضرورة تلافي هذا النقص
بإعداد مشروع المرسوم المرفق، وهو
يتضمن تحديد اختصاص القضاء العسكري
وتنظيم الإدارة العرفية على أسس واضحة"
ويبدو
أن القانون 130 الصادر بتاريخ 8/12/1955 إنما
صدر إتماما للمرسوم التشريعي 150 وأحدث
مديرية خاصة للدفاع السلبي.
ولكن
هذا المرسوم التشريعي ما لبث في 27/9/1958
أن ألغي بالقانون رقم 162 الصادر بشأن
حالة الطوارئ الذي ألغاه بعد أن استند
إليه في حيثياته، وبذلك استبان بوضوح
أن المشرع يفرق بين حالة إعلان الأحكام
العرفية وتنظيم الإدارة العرفية من
جهة، وبين حالة الطوارئ من جهة أخرى.
وأخيرا
جاء المرسوم التشريعي رقم 51 الصادر
بتاريخ 22/12/1962 الذي سمي بقانون حالة
الطوارئ فألغى القانون 162 ،وهو –
المرسوم 51- الذي مايزال نافذا
حتى الان.[1]
في
العرض التاريخي المتقدم وضح لنا
التدرج الذي استنت فيه قوانين الطورائ
وإعلان حالة الطوارئ المستمرة حتى
يومنا هذا.
وإنه
لمن نافلة القول أن القانون 162 الذي صدر
في عهد الوحدة بين سورية ومصر قد كرس
الحالة وأرخى بظلاله على كافة مراحل
الحياة، ولقد أرفقت مع هذه الكلمة نص
القانون 162 والقانون 7 والقرار 1174
والأمر رقم 44 لعام 1958 بإنشاء محكمة أمن
الدولة.
ومن
تتبع هذه القوانين والقرارات نستخلص
الملاحظات التالية:
1-
إن يد رئيس الجمهورية مطلقة في إعلان
حالة الطوارئ وإنهائها بقرار منه دون
وجود أي مرجع أعلى لمناقشتها.
2-
إن الحالات التي يجوز إعلان حالة
الطوارئ فيها حالات عائمة وغير محددة
بصورة تقطع الشك باليقين .
وأذكر
أني في عام 1960 كنت وكيلا للنيابة
العامة في دمشق وأثناء التحقيق في بعض
الجرائم اطلعت على الموقوفين في (نظارة
الشرطة) دون مذكرة قضائية أو ما شابه
ذلك، وعندما كتبت بهذه الواقعة إلى
المحامي العام وكان وقتها الأستاذ
منير سلطان أبدى دهشته لذلك وقال لي:
ألا تعلم أننا في حالة طوارئ!!
3-
إن الأوامر التي يصدرها رئيس
الجمهورية إما أن تكون كتابية أو شفوية
وقد حددت المادة التدابير الممكن
اتخاذها فيمكن الرجوع إليها.
ثالثا-
وضع حالة الطوارئ في سورية منذ إعلانها:
حالة
الطوارئ حديثا:
في
الثامن من آذار 1963 أعلنت حالة الطوارئ
في البلاد نظرا للتغيير الذي حصل
بالسلطة على إثر انقلاب عسكري ، ولن
نناقش هنا صحة الأسباب التي دعت السلطة
لإعلان حالة الطوارئ، لأن هذه المسألة
تعتبر من أعمال السيادة التي تمارسها
أية سلطة مالكة لزمام الحكم، وإنما
سنناقش مدى مشروعية حالة الطوارئ من
الناحية الدستورية الشكلية ، ومن
الناحية الموضوعية ، ثم نبين الآثار
السيئة لحالة الطوارئ على حقوق
الإنسان في سورية ، وخاصة لجهة
الاعتقال دون محاكمة .
تستند
حالة الطوارئ المعلنة منذ
أربعين عاما إلى المرسوم التشريعي
رقم 51 لعام 1962 ونصت المادة 2 منه على ما
يلي :
أـ
تعلن حالة الطوارئ بمرسوم يتخذ في مجلس
الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية وبأكثرية
ثلثي أعضائه، على أن يعرض على مجلس
النواب في أول اجتماع له .
ب
ـ يحدد المرسوم القيود والتدابير التي
يجوز للحاكم العرفي اتخاذها والمنصوص
عليها في المادة الرابعة من هذا
المرسوم التشريعي دون الإخلال بأحكام
المادة الخامسة منه.
وتنص
المادة الخامسة ما يلي:
أـ
يجوز لمجلس الوزراء المنعقد برئاسة
رئيس الجمهورية توسيع دائرة القيود
والتدابير المنصوص عليها في المادة
السابقة عند الاقتضاء، بمرسوم يعرض
على مجلس النواب في أول اجتماع له.
ب
ـ ويجوز لهذا المجلس تضييق القيود
والتدابير المشار إليها .
وقد
حددت المادة الرابعة من قانون الطوارئ
صلاحيات الحاكم العرفي، ولا نرى حاجة
لتعدادها إلا أننا نورد ملاحظات هامة :
1ـ
إن إعلان حالة الطوارئ منوطة بالسلطة
التنفيذية الممثلة بمجلس الوزراء
المجتمع برئاسة رئيس الجمهورية وذلك
في الفترة السابقة لصدور الدستور
الحالي لعام 1973 ، وبرئيس الجمهورية
منفردا في الفترة التالية لنفاذ هذا
الدستور .
2ـ
تختص السلطة التشريعية بالمصادقة على
حالة الطوارئ، وإن عرض مرسوم الإعلان
على مجلس النواب ليس لإعلامه فحسب ،
وإنما للمصادقة على المرسوم ، وتعتبر
مصادقة مجلس الشعب من الشروط الجوهرية
لنفاذ حالة الطوارئ ، لتعلقها بإرادة
الشعب والنظام العام والحريات العامة.
ويستنتج
مما سبق أن حالة الطوارئ كما هي نسبتها
حالة استثنائية أو طارئه، وكل طارئ هو
مؤقت فلا بد أن يكون لها بداية ونهاية
وهي حالة لها علاج غير اعتيادي مؤقت
واستثنائي ويجب أن تعالج على هذا
الأساس.
وتبعا
لذلك فإن النظام الذي يحكمها يتخذ هذا
الشكل من الاستثناء والتوقيت والعلاج
غير العادي، وإن في استدامة هذا النظام
ما يتعب الشعب ويقيد فعاليته ويشل
الشعور بالإبداع والتقدم ويرهق
معنوياته، وبالعكس فإن رفعه يؤدي
بسرعة إلى ازدهار ملحوظ، ازدهار الطير
الذي كان مهيض الجناح ثم أصبح حرا
طليقا يسبح في
الأجواء التي طالما حن إليها أُثناء
إساره.
فإعلان
حالة الطوارئ انقضت فعليا بمرور الزمن
وانقضاء الحالة التي أعلنت من أجلها،
وهي تغيير السلطة الذي تم في الثامن من
آذار على يد أفراد القوات المسلحة،
وباستقرار الحكم لم يعد هناك أي مبرر
لاستمرار هذه الحالة المؤقتة كما
بيناه آنفا.
ثم
إن الدستور السوري الصادر عام 1973 وهو
يعلو كل قانون باعتباره أبو القوانين
وقد صدر متأخرا عن إعلان حالة الطوارئ
بخمس سنوات، مما يعتبر هذه الحالة
ملغاة ضمنا وإن كان لم يصرح عنها، وذلك
في مواده 25-49 .
لهذه
الأسباب فإن حالة الطوارئ في سورية
تعتبر غير نافذة واقعيا ودستوريا
باعتبار أن الحالة التي أعلنت من أجلها
حالة الطوارئ قد انقضت بفعل الزمن
وبفعل الدستور مما يستتبع عدم قانونية
كافة القرارات الصادرة بالاستناد
إليها ، وخاصة أوامر الاعتقال دون
محاكمة، لأن ما بني على باطل فهو باطل .
ثالثا-
الآثار السلبية لحالة الطوارئ على
حقوق الإنسان :
إن
التطبيقات الواقعية لحالة الطوارئ –
غير الدستورية – قد أفرزت الآثار
القانونية الخطيرة على حقوق الإنسان
وهي :
1ـ
انعدام ممارسة السلطة القضائية لأية
صلاحية بصدد الاعتقالات، سواء لجهة
الأمر بالاعتقال أو تنفيذه، ومسؤولية
التحقيق مع المعتقل ، أو معاقبته ، أو
الإفراج عنه ، فضلا عن أن ذلك يتعارض مع
الفقرة 3 من المادة 9 من اتفاقية الحقوق
المدنية والسياسية التي وقعت عليها
سورية.
2ـ
حرمان المواطنين من ممارسة حقهم في
الطلب من القضاء البت بشرعية توقيف أي
شخص وهو يخالف الفقرة 4 من المادة 9 آنفة
الذكر .
3ـ
حجب حق الدفاع عن المعتقل أو توكيل
محام للتشاور معه ومن ثم منع المحامين
من ممارسة مهامهم، وهذا يتعارض مع
الفقرة 7 من المادة 14 من الاتفاقية
المذكورة .
4ـ عدم نفاذ أي
قرار قضائي بإلغاء الأوامر العرفية
والحيلولة دون وصول المواطنين لحقوقهم
.
على
سبيل المثال تم إغلاق مخبر للتحاليل
الطبية تحت اسم المخبر الأهلي جانب قصر
العدل ، وقد حصلنا على حكم ببطلان
الأمر العرفي الذي تم إغلاق المخبر
بالاستناد إليه،إلا أننا لم نفلح
في تنفيذ هذا القرار منذ أربع سنوات.
5ـ
منع ذوي المعتقل من معرفة مصيره أو
التهم الموجهة إليه وعدم إمكان زيارته
.
6ـ إن الأوضاع
الجائرة والتي تخرج عن مفهوم الأحكام
القضائية والتي صدرت إما عن محكمة أمن
الدولة أو عن المحاكم الميدانية، قد
قضت بإعدام الآلاف من المعتقلين
بالجملة حتى إن بعض من أعدم كان بطريق
القرعة.
ثم
إن من حكم بأحكام جنائية قد تم وصم كافة
مستنداته في سجلات الأحوال المدنية
والسجلات العدلية بهذه الأحكام بصورة
تؤدي إلى عرقلة عودته للحياة الطبيعية
واستئناف عمله، إذ سوف يخرج أصحاب
الأعمال من وظائفهم ومن ثم، تسد في
وجوههم سبل العيش الكريم.
7ـ
تعمد السلطات استنادا لإعلان حالة
الطوارئ إلى مراقبة الاتصالات
الهاتفية والبريدية، وتخترق بذلك سرية
المراسلات والمكالمات الهاتفية.
8ـ
يمنع المحكومون بعد الإفراج عنهم
والناشطون في الشأن العام من الحصول
على جوازات سفر بأوامر الأجهزة
الأمنية.
9ـ أدت حالة
الطوارئ وممارسة القمع إلى فرار
عدد كبير من المواطنين خارج القطر ومنع
هؤلاء من جوازات السفر مما يتناقض مع
المواثيق الدولية.
10ـ إن طغيان
الأجهزة الأمنية والرعب الذي عشش في
النفوس، أضحى عاملا حاسما في الحيلولة
دون اتخاذ قرارات من قبل السلطة
القضائية في الرقابة على الإدارة
العرفية، وأدى بعد ذلك لطغيان هذه
الإدارة واستهتارها بكل الحقوق جملة
وتفصيلا.
11ـ ألغيت
حصانة الملكية الفردية وتمت
مصادرة الآلاف من دور السكن بحجة الأمن
ولقد مارست إقامة الدعاوى على السلطة،
وأرفق م السلطة، وأرفق منا صادرا عنها
يبين مدى استهتارها بقيمة الملكية .
12ـ أدى إعلان
حالة الطوارئ لفقدان شخصية العقوبة،
فتم اعتقال الأقرباء والأصدقاء للشخص
المطلوب لممارسة الضغط عليه لتسليم
نفسه مما أدى لفقدان حصانة المواطن
لشخصنة العقوبة .
13ـ إن اختلال
العدالة الناجم عن إعلان حالة الطوارئ
يؤدي للإحباط ، وقد يكون سببا لتولد
العنف أو ما اصطلح عليه بالإرهاب.
في
عام 1980 صدر مرسوم تشريعي برقم 32 بسط
صلاحيات المحاكم الميدانية العسكرية
لمحاكمة المدنيين .
ومعلوم
أن المحاكم الميدانية التي من المفترض
أن تكون موجودة في جميع جيوش العالم،
إنما ينحصر اختصاصها بمحاكمة
العسكريين في أثناء الحروب أو الكوارث
التي تشارك فيها قطعات من الجيش لأمور
تتعلق بهذه الكوارث ، وتجري هذه
المحاكم محاكمات سريعة على من يتخلف عن
أداء واجبه العسكري أو يفرمن الخدمة أو
يتصل بالعدو، بحيث تجري له محاكمة
سريعة، كما يجري التنفيذ السريع حرصا
على الحالة التي يكون الجيش فيها .
وفي
حالة الطوارئ تهدر
القواعد القانونية العادية وتطبق
قواعد خاصة بالعسكريين ، وإن في تشميل
المدنيين بمحاكمتهم أمام مثل هذه
المحاكم، إهدار لحقوقهم في أن يحاكموا
محاكمة عادلة أمام قضائهم العادي،
وينتظروا أحكاما يكون حق الدفاع
والطعن فيها ضمانة لحقوق
المحاكمين .
وعن
طريق هذه المحاكم الميدانية تم إعدام
آلاف المواطنين في السجون دون أن يتوفر
لهم الحد الأدنى من الضمانات في محاكمة
عادلة .
ومن
ثم، فإن
الممارسات التي تمت بالاستناد إلى هذه
المحاكم هي محاكمات باطلة ولا ترتكز
على أساس قانوني سليم باعتبار أن هذه
المحاكم تنظر في الجرائم الداخلة في
اختصاص المحاكم العسكرية والمرتكبة
زمن الحرب .
ولقد
نصت المادة 2 من المرسوم التشريعي 109
لعام 1968 والذي أنشئت بموجبه المحاكم
الميدانية على ما يلي :
أـ
زمن الحرب ، وهو المدة التي تقع فيها
اشتباكات مسلحة بين الجمهورية العربية
السورية وبين
العدو ويحدد بدؤها وانتهاؤها بمرسوم .
ب
ـ العمليات الحربية والأعمال أو
الحركات التي يقوم بها الجيش وبعض
وحداته في الحرب أو عند وقوع صدام مسلح
مع العدو .
ومن
ذلك يتبين أن المحاكم الميدانية هي
محاكم لا تتمتع بالوجود القانوني وليس
لها مرجعية قانونية، ولاسيما إذا
علمنا أن الفقرتين السابقتين قد حددتا
صلاحياتها، وليس منها محاكمة المدنيين
الذين حوكموا أمامها دون سند من
القانون.
وليس
عنا ببعيد الاعتقالات التي تمت في
العام الماضي والتي تناولت عضوين في
مجلس الشعب هما السيدان رياض سيف
ومأمون الحمصي، وأكاديميين وأعضاء في
جمعية حقوق الإنسان هم السادة حبيب
عيسى ، فواز تللو، عارف دليلة، كما ل
اللبواني، وليد البني، حسن سعدون ،
حبيب صالح، وذلك لمجرد الرأي وحرية
التعبير مما يسلط الضوء على عقلية
الأجهزة الأمنية .
ولا
بد لنا هنا من التنويه بالخلل الذي
أصيبت به السلطات الثلاث التشريعية
والتنفيذية والقضائية ، إذ تداخلت
الأوامر والبلاغات ووقعت هذه السلطات
تحت خوف سطوة الأجهزة الأمنية، وليس
عنا ببعيد ملاحقة النائبين الحمصي
وسيف ورفع الحصانة عنهما بصورة تلبي
رغبات الأجهزة، في حين أن بعض أعضاء
مجلس الشعب الذين اتهموا بالفساد تم
التحقيق معهم ومحاكمتهم دون أن يجري
توقيفهم.
وإن
أعظم الخلل هو الذي لحق بالسلطة
القضائية التي من المفروض أن تكون هي
الحصن الأخير للأمة فكانت مطواعة
لرغبات الأجهزة الأمنية وقد شهدنا
محاكمات للنائبين المذكورين لا تمت
للقانون والحق بأية صلة.
في
الخاتمة:
أـ
قصص من التاريخ المعاصر: إذا أردنا
إدراك الهوة التي انحدرت بحقوق
الانسان في بلدنا سأعرض لحادثتين
تاريخيتين وأترك للجمهور الحاضر
مقارنة ذلك بما يجري حاليا.
أولى
الحادثتين كانت عام 1948 فيما أذكر حين
كان يحتفل بيوم الجيش في مدينة حلب
الشهباء برعاية رئيس الوزراء المرحوم
جميل مردم، وإذ ذاك وقف الشاعر المعروف
عمر أبو ريشة يشيد بموقف الجيش البطل،
في استيلائه على مستعمرة كعوش ( مشمار
هاردن) ، وكان جميل مردم قد وضع يده على
بعض بساتينها فأنشد الشاعر بيتا من
قصيدته قال فيه:
إن
أرحام البغايا لم تلد
مجرما في شكل هذا المجرم
وأشار
إلى جميل مردم، وانتهىالحفل وصفق
الحضور بما فيهم راعي الحفل وخرج
الشاعر يمشي على رجليه .
وثاني
الحادثتين كانت عام 1962 حين كان المرحوم
خالد العظم يزور درعا، فأقدم
المتظاهرون على رجمه بالبندورة والبيض
وانقلب لباس خالد العظم إلى اللون
الأحمر واعتقلت الشرطة بعض
المتظاهرين، وما إن وصل رئيس الوزراء
المعتدى عليه إلى الصنمين في طريق
عودته إلى دمشق حتى اتصل بمحافظ درعا
وأمره بإطلاق سراح المعتقلين .
ب
ـ الآثار المترتبة على الشارع العربي:
وأخيرا وليس آخرا هل تستطيع أن نتساءل
أين الشارع العربي من التصفيات
الجماعية التي يقوم بها الكيان
الصهيوني المحتل بدعم الولايات
المتحدة الأمريكية، وكذلك أين هذا
الشارع العربي وما يجري الآن من مخططات
لتدمير العراق الشقيق.؟
وأذكر
هنا حادثتين أولهما حين عقدت حكومة
سورية إبان الحرب الفرنسية الجزائرية
صفقة لبيع الحبوب إلى فرنسة ، فتحرك
الشارع في سورية واقتحم المتظاهرون
مكتب وزير الاقتصاد الذي هرب بدوره من
الشرفة وسقطت الحكومة وألغيت صفقة
الحبوب.
وثانيتهما
حين مر وزير خارجية أمريكة لحضور الحلف
المركزي في الباكستان فتحرك الشارع
السوري منددا بالحكومة كيف تسمح لوزير
خارجية دولة عدوة إمبريالية بالعبور
في أجوائنا.
ولو
قارنا بين تلك الحوادث وقمع السلطات في
بلادنا للمواطن ومنعه من التظاهر
والتعبير إلا بأمرها وموافقتها، وما
أحدثته حالة إعلان الطوارئ من خوف لدى
المواطن للخروج إلى الشارع والتعبير
عن رأيه بحرية وجرأة ، لو قارنا واقعنا
اليوم بما يجري في عواصم الغرب حيث
تخرج ملايين البشر للتنديد بالولايات
المتحدة ولا أحد يعترض طريقها، فأين
منها البلاد العربية وخاصة سورية وهي
تشكل أحد نقاط الاستهداف الأمريكي في
الحرب المقبلة على العراق؟
لا
مناص لنا من أن نجري مصالحة مع الذات في
الداخل، وتعيد السلطة تقويمها للأوضاع
وتحفظ للمواطن كرامته وحقوقه وبذلك
نضع أرجلنا على بداية الطريق الصحيح
والسلام.
الرابع
من محرم 1424 الموافق
7/3/2003
|