مشاركات
وصل
إلى برق الشرق :
مشاركة
الحزب الإسلامي العراقي في مجلس الحكم
رؤية
جديدة للعلاقة مع المحتل أم كبوة جواد
؟
زاهر
بيراوي*
لقد
كانت رؤية الإخوان المسلمين العراقيين
للحرب على العراق منذ البداية واضحة
تماماً ومتفقة مع مبادئ الجماعة الأم
وفكرها المستند إلى مبادئ الإسلام
والتي تعتبر ثقافة رفض الاستعمار
ومقاومته مكونا مهما من مكونات فكرها
ومادة أساسية تشتمل عليها أدبياتها
ووقوداً لخطابها ووسيلة لتعبئة الأمة
لتحقيق نهضتها والسير بها إلى مدارج
التقدم والازدهار، ولذلك حرص الحزب
الإسلامي –الواجهة السياسية للإخوان-
على النأي بنفسه عن الدخول في مستنقع
التنسيق مع الأمريكان قبل الحرب على
العراق، ورفض المشاركة في مؤتمر لندن
وانسحب من اللجنة التي انبثقت عن
المؤتمر وأصدر بياناً يؤكد فيه أن
المؤتمر لا يخدم المصالح العراقية ولا
يحقق تطلعات العراقيين في عراق حر
ومستقل وأنه، أي المؤتمر، موجه ومحكوم
من قبل الأمريكان. وفي تلك الفترة لم
يمنعه ذلك الموقف من التعاطي مع
المستجدات السياسية بحكمة ومن التنسيق
مع القوى الوطنية الصادقة بروح
المسؤولية الوطنية لتخليص العراق من
نظام صدام بدون اللجوء إلى التعاون مع
الأمريكان.
وكان
الحزب قبل ذلك قد أصدر بياناً قوياً
يوضح زيف الدعاوى الأمريكية من أهداف
التغيير في العراق وطالب العرب
والمسلمين بأن لا ينخدعوا بوعود
الأمريكان وأن يدركوا بأن أمريكا ومن
معها لا يريدون خير العراق وإنما
تدفعهم للحرب مصالح الكيان الصهيوني
في الهيمنة على المنطقة. وفي نفس
البيان استنكر الحزب مواقف بعض القوى
التي تعتمد على أمريكا في صناعة مستقبل
العراق واعتبر ذلك خيانة للدين والوطن.
وخلال
الأيام الأولى للحرب تصدرت الآية
الكريمة (أذن للذين يقاتلون بأنهم
ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير) بيان
الحزب الإسلامي العراقي الذي أكد فيه
أن الحرب الأمريكية على العراق تأتي
ضمن العدوان الأمريكي على الأمة وأنها
جزء من الخطة الاستعمارية الجديدة،
وحمل البيان الإدارة الأمريكية
المسؤولية القانونية عن كل ما سوف
يترتب على الحرب، وفيه أوضح الحزب رفضه
لاستبدال نظام صدام باحتلال أمريكي.
وفي نفس الفترة أعلن المراقب العام
للإخوان العراقيين، الدكتور أسامة
التكريتي، بوضوح، في مقابلة حوارية مع
إسلام أون لاين، أن ((الإخوان المسلمين
في العراق كانوا دائما ضد أي وجود
أجنبي.. وإننا في العراق وقفنا ومازلنا
وسنبقى نقف ضد الاحتلال ونعمل على
مقاومته بكل الوسائل حتى يغادر أرض
العراق. ولا يمكننا أن نتصور إسلاما
يقوم في عراق محتل من قبل أجنبي كائنا
من كان..دورنا في هذه المرحلة هو تعبئة
الأمة والشعب العراقي على وجه الخصوص
لمقاومة الاحتلال ودحره بكل ما يتيسر
لنا من وسائل)).
وفي
البيان التالي بتاريخ 23/3 أكد الحزب
رؤيته للحرب وأنها تأتي تنفيذاً
لمخططات استعمارية صهيونية ضد العراق
والمنطقة، وأنه سيكون من نتيجتها
السيطرة على مقدرات الأمة واستعمارها
لفترة طويلة ورهن مقدراتها الاقتصادية
وإلغاء استقلالها وثقافتها الدينية
والحضارية. أما بيان 31/3 الذي حمل عنوان
"اصمد يا عراق فإن الله معك" فقد
أشاد الحزب بوعي القوى السياسية
العراقية لخطورة الهجمة الأمريكية على
الأمة وبوحدتهم في مقاومتها. ثم جاء
البيان الأول للحزب من داخل بغداد بعد
احتلال العراق ليؤكد وضوح الرؤية عند
الإخوان العراقيين، فقد جاء في البيان
أن التعاون التام مع القوى الدينية
والسياسية المؤثرة في رسم مستقبل
العراق والعمل المشروع لإنهــاء
الاحتلال وترسيخ الاستقلال هو أهم
أهداف الحزب.
وبالرغم
من وضوح مواقف وتصريحات قيادة التنظيم
العالمي للإخوان والكثير من قياداته
القطرية بما فيهم التنظيم العراقي
المتعلقة برفض الاحتلال والدعوة
لمقاومته إلا أن المفارقة تكمن في
إقدام الحزبين الممثلين للإخوان على
المشاركة في مجلس الحكم العراقي الذي
عينه بريمر، الحاكم الأمريكي للعراق.
حيث أصبح كل من محسن عبدالحميد، أمين
عام الحزب الإسلامي العراقي، وصلاح
الدين بهاء الدين رئيس الاتحاد
الإسلامي الكردستاني
أعضاء في مجلس الحكم المعين. وإذا
كانت مشاركة إخوان كردستان متوقعة
وتأتي في سياق مواقفهم السابقة
والداعية إلى التعاون مع الأمريكان
للتخلص من نظام صدام لا فرق في ذلك
بينهم وبين الحزب الديمقراطي والاتحاد
الوطني الكردستاني، وتأتي معبرة عن
قناعاتهم في أن الأمريكان إنما يقدمون
خدمة للعراق وأهله وأن تغيير النظام عن
طريق الأمريكان سيحمي العراق من
الاحتراب الداخلي السني الشيعي
والعربي الكردي، فإن المستهجن هو موقف
إخوان العراق ومشاركتهم في هذا المجلس
الذي جاء لتكريس الاحتلال وتزيينه
ومن أجل محاصرة المقاومة والنيل منها
بأيد عراقية (وطنية) ولإعطاء الأمريكان
فرصة للتنفس وتنفيذ مخططهم من غير
تشويش ومن غير انتقاد دولي.
ولا
أعتقد أن قيادة الحزب تجهل مخاطر
وتبعات مشاركتها في عضوية هذا المجلس
الذي اعتبرته قطاعات كبيرة من الشعب
العراقي وأغلب القوى الحية في المجتمع
العربي والإسلامي، وفي مقدمتها
الحركات الإسلامية، أداة لتكريس
الاحتلال ووسيلة لطمس بشاعته
والالتفاف على المقاومة التي باتت تقض
مضجعه، الأمر الذي سيجعل من مواقف
الحزب مناقضة لمصالح الشعب العراقي
والأمة العربية والإسلامية ومناهضة
لأي مشروع يقاوم الاحتلال ويسعى إلى
تقويضه، كما أن هذه المشاركة ستعمل على
تجيير مصداقية الحزب وتاريخه النظيف
ورصيده لصالح شرعنة وتزيين الاحتلال
وإطالة عمره جاثما على صدر الشعب
العراقي. بالإضافة لكل ذلك فإن هذا
الموقف سيسبب حرجاً للأحزاب والحركات
الإسلامية ضمن مدرسة الإخوان التي ما
فتأت تندد بالاحتلال وتدعو لحشد
الطاقات لمقاومته بينما إخوانهم في
العراق وكردستان يظهرون تفهماً لوجود
المحتل ويبررونه، ويعتبر قسم منهم على
الأقل أن التعامل معه واجب شرعي يكون
الحزب آثماً ومفرطاً بمصالح الشعب
العراقي لو لم لو لم يقم به.
وهنا
يحتاج المحلل إلى جهد كبير في محاولة
تفسير هذا التناقض، على الأقل فيما
يبدو في الظاهر، بين أقوال قادة ومفكري
الإخوان وبين سلوك ومواقف الحزب في
الفترة الأخيرة، الذي يعتبر تراجعاً
عن مكون رئيسي من مكونات الفكر
الإخواني. وبما أن القاعدة أن من يجتهد
فيخطئ فله أجر فإن ذلك ينفي المخاطرة
بأي خسارة عند الخوض في التفسيرات،
بشرط مراعاة أن لا يكون التفسير
تزييناً للخطأ أو تضليلاً للقارئ. فمن
التفسيرات المحتملة لهذه المشاركة أن
الحزب لا يريد أن ينفرد الأمريكان
بتقرير مصير الشعب العراقي وتحديد
ملامح الدولة العراقية الجديدة وتشكيل
مؤسسات الحكم وترتيب الأولويات
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
دون ضغط أو مشاركة عراقية، وهناك أيضا
التفسير الذي يميل إلى تبرير مشاركة
الحزب بالرغبة في الحيلولة دون نجاح
المساعي الشيعية في توظيف الأوضاع
الجديدة التي أوجدها الاحتلال بفرض
معادلة سياسية جديدة في العراق تؤدي
إلى تكريس السيطرة الشيعية عند مغادرة
الأمريكان في المستقبل، وخاصة أن
السنة يستشعرون بأنهم الطرف الأضعف في
المعادلة السياسية في العراق بسبب
نسبتهم للنظام السابق وتحميلهم
مسؤولية فترة حكم حزب البعث. وربما
يبرر الحزب موقفه بأنه ليس من الحكمة
ولا من السياسة الغياب عن ساحة العمل
السياسي في المرحلة الأولى للتغيير
لأن الأحزاب التي تثبت وجودها في هذه
المرحلة ستصبح رقما يصعب تجاوزه في
المستقبل. وربما يكون للمشاركة
أبعاداً تتعلق بحماية قيادات وأفراد
الحزب الذين قد يتهموا بموالاة النظام
السابق، أو لحماية الحزب من الحظر
والحيلولة دون إخراجه عن القانون.
كل
هذه التفسيرات الإيجابية وغيرها، إن
صدقت، تعكس بلا شك حسن النية كخلفية
لقرار الحزب بالمشاركة، ولكن حسن
النية والتأويلات الإيجابية للمشاركة
لا تعني بأي حال صحتها أو تبريرها من
الناحيتين الشرعية والسياسية، وذلك
لوضوح مخالفتها لثوابت المنهج
الإخواني الذي من المفترض أن يحكم أداء
الحزب الإسلامي العراقي الذي عبرت عنه
قيادات فكرية وسياسية من الإخوان،
وكذلك لمناقضتها لموقف قطاعات لا
يستهان بها من الشعب العراقي
ولمساهمتها المباشرة في ارتهان المصير
العراقي للمشروع الأمريكي الصهيوني.
مما يعني أن الحزب ربما وقع في خطأ
تاريخي قد يدفع ثمنه غالياً من رصيده
في الشارع العراقي، بالإضافة
لاحتمالات الانقسام أو الاختلاف
الداخلي الذي سيضعف الحزب ويظهره كحزب
موال للسلطة المحتلة ولا يعبر عن مبادئ
الإخوان. وخاصة أن مشاركة الحزب في
المجلس تلقى معارضة شديدة في أوساط
هيئة علماء السنة ورابطة علماء العراق
في الخارج وكذلك في أوساط الرابطة
العراقية الإسلامية والتي تعتبر
جميعها مقربة من الإخوان المسلمين،
وجميعهم يعتبرون المجلس فاقد للشرعية
وأنه أداة يعبّر عن إرادة المحتل وليس
عن إرادة الشعب العراقي.
وأخيراً
فإن حسن الظن يدعو إلى الأمل بأن
يدرك الحزب لهذه المخاطر المتوقعة
فيراجع قراره وعندئذ سيعتبر الشارع
العراقي وجماهير الحركة الإسلامية تلك
المشاركة مجرد كبوة جواد سرعان ما يقوم
منها الحزب ليتابع المسير على المنهج
الصحيح الذي يوصله إلى مرضاة الله
ويجعله في المقدمة لخدمة شعبه وأمته.
18/8/2003
*
مدير مركز المنظور السياسي للدراسات
والاستشارات – بريطانيا
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|