منظمة
"مراقبة حقوق الإنسان"
التقرير السنوي لعام 2003
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
يتناول الفترة من نوفمبر2001 إلى نوفمبر
2002
سوريا
التطورات
في مجال حقوق الإنسان
تلقت
حركة المجتمع المدني وحقوق الإنسان
الناشئة في سورية ضربةً شديدة بسبب
الإجراءات الحكومية التي أدت إلى تآكل
الهامش الضيق المتاح من الحق في حرية
التعبير وحرية تكوين الجمعيات
والانضمام إليها. ففي الفترة من مارس/آذار
إلى أغسطس/آب، حُكم على عشرة من دعاة
الإصلاح الديمقراطي بالسجن لمددٍ
تتراوح بين عامين وعشرة أعوام
لإدانتهم بتهم جنائية صيغت بعباراتٍ
فضفاضة، مثل "محاولة تغيير الدستور
بطرقٍ غير مشروعة" و"نشر معلومات
كاذبة". كما استُدعي عدد من النشطاء
المنتمين إلى إحدى منظمات حقوق
الإنسان المستقلة لمحاكمتهم أمام
المحكمة العسكرية في عام 2003. ونظرا
للمكانة البارزة التي يتمتع بها بعض
هؤلاء السجناء، ونظرا لميراث القمع
الذي يرجع إلى عهد الرئيس السابق حافظ
الأسد، فقد كان لهذه التدابير ولا شك
أثر كبير في ترهيب غيرهم من أنصار
الإصلاح الديمقراطي وحقوق الإنسان في
سورية.
وبينما
كان بعض السوريين، ممن يتمتعون بما
يكفي من الشجاعة لانتقاد الدولة
علناً، يتعرضون للمحاكمة والسجن،
واصلت السلطات إطلاق سراح عددٍ من
السجناء السياسيين المحتجزين من
الحقبة السابقة، ومن بينهم أفراد
كانوا ضالعين في أعمال العنف المناهضة
للحكومة. ففي أواخر نوفمبر/تشرين
الثاني 2001، أُفرج عن 113 سجيناً سياسياً
بموجب عفو رئاسي، كان بعضهم قد سُجن
لمدة تصل إلى 22 عاماً، ومنهم أعضاء في
جماعة "الإخوان المسلمين"
المحظورة والجناح العراقي "لحزب
البعث"، و"حزب العمال الشيوعي
السوري". ومن بين أعضاء "الإخوان
المسلمين" المفرج عنهم ثلاثة قُبض
عليهم في عام 1980، وهم الشيخ عماد رنكو
والشيخ محمود عثمان والشيخ هشام
مجذوب، إلى جانب الشيخ خالد الشامي
الذي قُبض عليه في عام 1982. وكانت محكمة
عسكرية قد حكمت بالإعدام على خالد
الشامي حسبما أفادت الأنباء، ثم خُفف
الحكم بعد ذلك إلى السجن مدى الحياة
بموجب قرار رئاسي. وفي 11 أغسطس/آب 2002،
أُطلق سراح هيثم نعال الذي كان في
حالةٍ صحيةٍ سيئةٍ بعد أن أمضى 27 عاماً
من مدة الحكم الصادر ضده بالسجن في
السجن مدى الحياة. وكان هو ومجموعة من
أعضاء "المنظمة الشيوعية العربية"
قد اعتُقلوا عام 1975 وحُوكموا بسبب ما
زُعم من ضلوعهم في أعمال تفجيرات.
وحُكم على بعض هؤلاء المتهمين
بالإعدام وتم إعدامهم بالفعل، بينما
ظل اثنان آخران في السجن، وهما عماد
شيحة وفارس مراد، اللذان ورد أنهما في
حالةٍ صحيةٍ سيئة.
وعلى
الرغم من السماح بدخول المواطنين
السوريين العائدين إلى سورية بعد
سنوات طويلة قضوها في المنفى لأسبابٍ
سياسية، فقد ألقت السلطات القبض على
عدد منهم. وفي إحدى الحالات تُوفي محمد
حسن نصار، الذي كان قد غادر سورية
ليعيش في الأردن منذ عام 1980، بعد
اقتياده إلى الحجز إبان عودته، وذلك
حسبما ذكرت "اللجنة السورية لحقوق
الإنسان" التي تتخذ من لندن مقراً
لها. وذكرت اللجنة أن نصار كان مريضاً
مرضاً شديداً، وأن أسرته كانت قد
استصدرت إذناً من السفارة السورية في
عمان لإعادته، ولكن قُبض عليه في 17
فبراير/شباط على الحدود. وفي 23 مارس/آذار،
سُلم جثمانه إلى أسرته في قرية تقع على
مقربة من مدينة حلب ودُفن في اليوم
التالي. وأفادت "اللجنة السورية
لحقوق الإنسان" عن احتجاز ثلاثة
آخرين من المنفيين، هم نورس حسين
الرمضان وهو مدرس فرَّ من سورية في عام
1980 وكان يعمل في الإمارات العربية
المتحدة، وقُبض عليه يوم 13 فبراير/شباط
لدى وصوله إلى مطار دمشق؛ ود. محمد غازي
حبيب في 16 أبريل/نيسان عند وصوله إلى
مطار دمشق قادماً من المملكة العربية
السعودية حيث كان يعمل طبيباً؛ وموسى
زين العابدين الذي قُبض عليه في 12
أغسطس/آب عند إحدى نقاط التفتيش
الحدودية بعد عودته من المنفى في
المملكة العربية السعودية التي كان
يعمل فيها بالتدريس لمدة تزيد على 20
عاماً. وفي وقت كتابة هذا التقرير كان
الرمضان لا يزال محتجزاً بمعزلٍ عن
العالم الخارجي، أما د. حبيب فقد أطلق
سراحه في 14 مايو/أيار لكنه أُمر
بمغادرة سورية خلال أسبوع، بينما
أُطلق سراح زين العابدين في أواخر
أكتوبر/تشرين الأول.
واحتجزت
السلطات السورية سراً محمد حيدر
زمَّار، وهو مواطن ألماني سوري المولد
مشتبه في قيامه بتجنيد ثلاثةٍ من
مختطفي الطائرات في أحداث 11 سبتمبر/أيلول.
وذكرت تقارير صحفية مختلفة أن زمَّار
اعتُقل سراً في المغرب ونُقل إلى سورية
بعلم الحكومة الأمريكية، ولكن بدون
إخطار السلطات الألمانية. وذكرت صحيفة
"واشنطن بوست"، في 19 يونيو/حزيران،
نقلاً عن مسؤولٍ أمريكي لم تذكر اسمه،
أن الولايات المتحدة لم "تتصل
بزمَّار مباشرة" ولكن "الأمريكيين
كانوا يقدمون تساؤلات إليه من خلال
السوريين، وأن بعض الأجوبة ساعدت على
اختبار مصداقية بعض المعتقلين
المحتجزين في الولايات المتحدة".
وحُوكم
عشرة من النشطاء في مجال الديمقراطية
في سورية، كانوا قد قُبض عليهم في
أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2001 وصدرت ضدهم
أحكام مختلفة، ومن بينهم عضوان
مستقلان من أعضاء مجلس الشعب، وهما
مأمون الحمصي ورياض سيف اللذان حكمت
عليهما محكمة الجنايات بدمشق بالسجن
خمس سنوات، في مارس/آذار وأبريل/نيسان
على التوالي، بتهمة "محاولة تغيير
الدستور بطرقٍ غير مشروعة"، إلى
جانب بعض التهم الأخرى. وأيدت المحكمة
إدانتهما في الاستئناف. وحُوكم
المتهمون الثمانية الآخرون، وبينهم
محاميان وطبيبان ومهندس، أمام محكمة
أمن الدولة التي لا تخضع أحكامها
للاستئناف أو الطعن. والجدير بالذكر أن
النقابات المهنية السورية الخاضعة
لسيطرة الحكومة لم تتخذ أي إجراء لصالح
هؤلاء المتهمين.
ومن
بين المتهمين الثمانية الآخرين رياض
الترك، وهو محامٍ يبلغ من العمر 72
عاماً وأحد قدامى النشطاء السياسيين،
وسُجن بدون تهمة واحتُجز بمعزلٍ عن
العالم الخارجي من عام 1981 إلى عام 1998،
ثم حُكم عليه بالسجن سنتين ونصف السنة
في 26 يونيو/حزيران بتهمة "محاولة
تغيير الدستور بطرقٍ غير مشروعة". (وقد
حصل الترك على عفو رئاسي وأُفرج عنه في
16 نوفمبر/تشرين الثاني "لأسباب
إنسانية"). أما المتهمون السبعة
الباقون، وجميعهم من النشطاء في
المنتديات المدنية الشعبية ومنظمات
حقوق الإنسان المستقلة في سورية، فقد
صدرت ضدهم أحكام فيما بين يونيو/حزيران
وأغسطس/آب. وفي 24 يونيو/حزيران، أُدين
حبيب صالح، وهو رجل أعمال ومؤسس أحد
منتديات المجتمع المدني في مدينة
طرطوس، بتهمة "مناهضة أهداف الثورة"
و"إثارة النزعات الطائفية
والمذهبية"، وحُكم عليه بالسجن ثلاث
سنوات. وفي 31 يوليو/تموز، أُدين عارف
دليلة، وهو اقتصادي بارز وأستاذ
جامعي، بتهمة "محاولة تغيير الدستور
بطرقٍ غير مشروعة" وحُكم عليه
بالسجن عشر سنوات. ويُعد عارف دليلة من
الأعضاء المؤسسين للجان إحياء المجتمع
المدني، ومن دعاة الإصلاح الاقتصادي
ومنتقدي الفساد الرسمي في سورية. وفي 31
يوليو/تموز أيضاً، أُدين د. وليد
البني، وهو طبيب ساهم في إنشاء "جمعية
حقوق الإنسان في سورية" المستقلة
عام 2001، بنفس التهمة الجنائية
المنسوبة لعارف دليلة وحُكم عليه
بالسجن خمس سنوات. وفي 19 أغسطس/آب، حُكم
على المحامي حبيب عيسى، وهو الناطق
باسم "منتدى جمال الأتاسي للحوار
الديمقراطي" وعضو مؤسس في "جمعية
حقوق الإنسان في سورية"، بالسجن خمس
سنوات لإدانته بتهمٍ شتى من بينها "محاولة
تغيير الدستور بطرقٍ غير مشروعة"، و"نشر
معلومات كاذبة"، وكان عيسى محامي
الدفاع عن رياض السيف.
أما
المتهمون الثلاثة الباقون فصدرت ضدهم
أحكام في 28 أغسطس/آب. فقد حُكم على د.
كمال اللبواني، وهو طبيب، بالسجن ثلاث
سنوات بتهمة محاولة إثارة العصيان
المسلح. وكان اللبواني عضواً نشطاً في
"لجان الدفاع عن حقوق الإنسان في
سورية"، وهي لجان مستقلة. وذكرت هيئة
الإذاعة البريطانية أن أحد قضاه محكمة
أمن الدولة قال له "أنت طبيب،
فلتتعلم أن تذهب إلى عيادتك وألا تتدخل
في السياسة". وأُدين فواز تللو، وهو
مهندس، بتهمة "محاولة تغيير الدستور
بطرقٍ غير مشروعة"، وحُكم عليه
بالسجن خمس سنوات. وكان تللو عضواً
نشطاً في "منتدى الحوار الديمقراطي"،
و"جمعية حقوق الإنسان في سورية".
أما حسن السعدون، وهو مدرس متقاعد ومن
النشطاء في حركة المجتمع المدني وعضو
مؤسس في "جمعية حقوق الإنسان في
سورية"، فقد أُدين بتهمة نشر
معلومات كاذبة وحُكم عليه بالسجن
عامين.
واستهدفت
السلطات نشطاء آخرين من المنتمين إلى
"جمعية حقوق الإنسان في سورية".
ففي يونيو/حزيران، منع رئيس الجمعية
هيثم المالح، وهو محام يبلغ من العمر 70
عاماً، من مزاولة مهنة المحاماة لمدة
ثلاث سنوات بناءً على إجراءٍ اتخذه
مجلس التأديب بنقابة المحامين في دمشق.
وفي أغسطس/آب، أُمر المالح وثلاثة
آخرون من أعضاء "جمعية حقوق الإنسان
في سورية"، وهم محمد فاروق الحمصي
ومحمد خير بك وغصوب علي الملا، بالمثول
أمام المحكمة العسكرية في 18 يناير/كانون
الثاني 2003. واتُّهم الأربعة بتوزيع
مجلة "تيارات"، التي تصدرها
الجمعية بصفة غير دورية، بدون الحصول
على إذن توزيع، وكانت قد طبعتها هذه
المرة في لبنان. كما اتُّهم المالح
والحمصي وخير بك "بالانخراط في
جمعيةٍ سياسيةٍ ذات طابعٍ دولي دون
إذنٍ الحكومة، ونشر مطبوعاتٍ تثير
النعرات وتعكر الصفاء بين عناصر الأمة".
ومن ين التهم الأخرى التي وُجهت إلى
المالح والحمصي تشكيل جمعية لحقوق
الإنسان دون موافقة وزارة الشؤون
الاجتماعية والعمل، بينما وُجهت إلى
المالح وحده تهمة "إذاعة أنباءٍ
كاذبة خارج القطر".
وظل
الغموض يكتنف حالات "المختفين" من
المواطنين السوريين والفلسطينيين
والرعايا الأجانب الآخرين، ومن بينها
حالات تعود إلى ثمانينيات القرن
العشرين. وتلقت منظمة هيومن رايتس ووتش
معلومات تشير إلى أن أسماء بعض "المختفين"
من السوريين أدرجت مؤخراً في السجلات
المدنية على أنها أسماء متوفين، وأن
العديد من أفرع جهاز الأمن الداخلي
تنصح الأقارب بمراجعة هذه السجلات.
وثار القلق لدى دعاة الحقوق السوريين
من أن السلطات قد تستغل هذا الأسلوب
على نطاق أوسع "لحل" تلك القضايا
ومن ثم تسهيل تسوية الأمور القانونية،
مثل الحالة الاجتماعية والميراث، دون
أن تعلم الأسر بظروف وفاة أقاربها.
وما
برح الأمل يراود أسر "المختفين"
في أن يكون ذووهم ما زالوا على قيد
الحياة في سورية، وتبين في إحدى
الحالات أن هذا الأمل قد لا يكون
بالضرورة وهماً زائفاً. ففي 13 ديسمبر/كانون
الأول 2001، أُطلق سراح فلسطيني طلب من
منظمة هيومن رايتس ووتش عدم ذكر اسمه،
بعد أن "اختفى" في دمشق في مايو/أيار
1988. وكان قد ظل محتجزاً بمعزلٍ عن
العالم الخارجي لمدة 14 عاماً في سجن في
قاعدة للتدريب قرب دمشق تابعة للتنظيم
الفلسطيني المعروف باسم "فتح-الانتفاضة"،
والذي يتزعمه أبو موسى (موسى محمد
مراغة) وأبو خالد الأملح. وذكر أنه
احتُجز في زنزانة تحت الأرض تحت اسمٍ
مستعار، وأنه تعرض للتعذيب وحُرم من
الرعاية الطبية ومن قراءة الصحف
والاستماع إلى المذياع. كما قال إنه في
وقت إطلاق سراحه كان هناك 15 سجيناً آخر
على الأقل يذوقون الأمرين في الحبس
الانفرادي في المخيم الذي تحرسه
القوات السورية، وأن بعضهم "أُصيبوا
بالجنون" بسبب التعذيب.
وواصلت
المنظمات اللبنانية غير الحكومية
الدعوة بقوة لتقديم إجابات عن حالات
اللبنانيين "المختفين"، ومنهم من
يُعتقد أنهم محتجزون في سورية. وفي 22
يوليو/تموز، قام حوالي 60 من أعضاء "لجنة
أهالي اللبنانيين المفقودين أو
المختفين في سورية" بزيارةٍ إلى
دمشق حظيت بتغطية إعلامية واسعة، حيث
قطعوا الرحلة في حافلة عليها لافتات
تقول "يمكنكم أن تخففوا محنتنا
وتعيدوا أحبابنا إلينا"، و"من
حقنا أن نعرف إن كانوا أحياء أم
أمواتاً". فالتقى بعض كبار ضباط
الجيش السوري بالحافلة على الحدود
واصطحبوها إلى وزارة الداخلية في دمشق
حيث قدم الأهالي إلى وزير الداخلية علي
حمود أسماء 176 لبنانياً يُعتقد أنهم
ضحايا الاحتجاز التعسفي أو "الاختفاء"
على أيدي السلطات السورية. فذكر الوزير
للأهالي أنه سيحتاج إلى ثلاثة أشهر قبل
أن يتمكن من الرد عليهم. وفي 2 نوفمبر/تشرين
الثاني، اتجه 48 من أعضاء اللجنة مرة
أخرى إلى دمشق حسب ميعاد محدد سلفاً مع
وزير الداخلية، لكنها أُعيدوا من على
الحدود. وقال أحد المشاركين لمنظمة
هيومن رايتس ووتش إن أحد الضباط أخطر
الأهالي بأن الوزير قد لا يكون موجوداً
لمدة شهر كامل، وقال إن عليهم "العودة
إلى لبنان ومحاولة الحديث مع مسؤوليهم".
وظل
النشطاء السياسيون في لبنان يطالبون
بانسحاب كل القوات السورية من لبنان
وينظمون المظاهرات على مدار العام،
وفي كثير من الأحوال فرَّقت قوات الأمن
الداخلي هذه المظاهرات بالقوة. وفي
خطبةٍ ألقاها يوم 19 مارس/آذار، انتقد
الأب سليم عبّو، رئيس جامعة القديس
يوسف في بيروت، النفوذ السوري في الجيش
اللبناني قائلاً إن ذلك "إضافةً
للهيمنة العسكرية، أدى لسيطرةٍ
سياسيةٍ تتوسع بشكلٍ متزايد"، وأضاف
أنه "لم يبق للسوريين إلا أن يتدخلوا
في تعيين حراسٍ على المباني، إذ
سيكونون مخبرين جيدين". وذكرت وكالة
"رويترز" للأنباء أن الجيش رد في
اليوم التالي ببيانٍ دعا فيه الأب عبو
إلى "توخي الدقة والموضوعية قبل
الإدلاء بمثل هذه الآراء التي تسهم في
تضليل الطلاب والشبان وزرع اليأس
بينهم بدلاً من إرشادهم بالتوعية
الوطنية واحترام الدور الوطني للجيش".
وفي
أكتوبر/تشرين الأول، ورد أن اللواء
غازي كنعان، الذي ترأس الاستخبارات
العسكرية السورية في لبنان وظل لفترةٍ
طويلة رمزاً للهيمنة السورية هناك،
ترك منصبه لتولي منصب آخر في دمشق؛
وخلفه العميد الركن رستم غزالي الذي
يرأس منذ وقت طويل فرع الاستخبارات
العسكرية السورية في بيروت. وأفادت
وكالة "الأسوشيتد برس"، في 9
أكتوبر/تشرين الأول، أن كنعان التقى في
بيروت بالرئيس اللبناني إميل لحود
ورئيس الوزراء رفيق الحريري قبل
مغادرته وأنه مُنح "وسام الأَرز
تقديراً لجهوده في لبنان".
سوريا
المدافعون
عن حقوق الإنسان
واصلت
الحكومة الضغط على حركة حقوق الإنسان
الهشة في سورية من خلال مزيجٍ من
الترهيب والمقاضاة الجنائية والزج في
السجون. وذكر بعض دعاة حقوق الإنسان
لمنظمة هيومن رايتس ووتش أن القسم
السياسي في جهاز أمن الدولة "دعاهم"
لإجراء مناقشاتٍ معهم حول عملهم.
وبالإضافة إلى ذلك، قال بعضهم إن عناصر
الأمن الداخلي بعثوا برسائل شفهية عبر
وسطاء يهددونهم فيها بالاحتجاز ما لم
يتوقفوا عن أنشطتهم. وقال أحد كبار
النشطاء إنه كان يُستدعى لاستجوابه
بصفةٍ دورية.
وعلى
الرغم من المضايقات التي تعرض لها دعاة
الحقوق فقد واصلوا إصدار بيانات عامة،
والإدلاء بتصريحاتٍ صحفية وتنظيم
لقاءاتٍ مفتوحة في شتى أنحاء سورية،
وحضر بعضها أفراد من قوات الأمن
الداخلي. وقال أحد دعاة الحقوق لمنظمة
هيومن رايتس ووتش "إننا نبلِّغ
الناس بشكلٍ شخصي، وإذا ظل العدد
قليلاً فلن نتعرض لمضايقات".
وظلت
سورية توصد أبوابها في وجه المنظمات
الدولية المعنية بحقوق الإنسان؛ وكانت
منظمة العفو الدولة قد زارت سورية
بصفةٍ رسميةٍ لآخر مرة في عام 1997،
وزارتها منظمة هيومن رايتس ووتش في عام
1995، ولم ترد الحكومة على الطلبات
الكتابية المقدمة من كلتا المنظمتين
لزيارة سورية.
سوريا
دور
المجتمع الدولي
الاتحاد
الأوروبي
لم
يبذل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء
فيه جهوداً علنية نشطة لصالح دعاة حقوق
الإنسان والإصلاح السياسي السوريين
المحاصرين على الرغم من تأثيره الكبير
على سورية. وذكرت المفوضية الأوروبية
في ديسمبر/كانون الأول 2001 أن العلاقات
التجارية القوية مستمرة بين سورية
والاتحاد الأوروبي، حيث تتجه 66 بالمئة
من صادرات سورية إلى الدول الأعضاء في
الاتحاد الأوروبي، منها 62 بالمئة من
صادرات النفط الخام السوري وغيره من
المنتجات النفطية، كما أن حوالي 34
بالمئة من إجمالي واردات سورية تأتي من
دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها
إيطاليا وألمانيا وفرنسا.
ومنذ
عام 2000، أبرم الاتحاد الأوروبي سبع
اتفاقيات مالية مع سورية لتمويل
مشروعات الإصلاح الاقتصادي في إطار
الشراكة الأوروبية-المتوسطية. وتتضمن
البرامج التي أُعدت في عام 2001 مساعدات
مخصصة للإصلاح في قطاع الصحة وتحسين
نظم المياه والصرف الصحي في مخيمين
للاجئين الفلسطينيين والقرى السورية
القريبة منهما. وذكرت المفوضية
الأوروبية في يناير/كانون الثاني 2002 أن
خطط المعونة للفترة 2002-2004 تركز على "التحديث
والإصلاح الاقتصادي"، مع إعطاء
أولوية لمجالات "التطوير المؤسسي
والتحديث الصناعي وتنمية الموارد
البشرية وتعزيز التجارة". وأضافت
المفوضية أن المنح المخصصة لسورية من
ميزانية الاتحاد الأوروبي "سيتم
استكمالها من القروض المقدمة من بنك
الاستثمار الأوروبي، والتي تستهدف
عموماً مشروعات البنية الأساسية
الاقتصادية الكبرى".
وفي
8 أغسطس/آب، أصدرت رئاسة الاتحاد
الأوروبي إعلاناً أعربت فيه عن القلق
بخصوص "التقدم المحدود" الذي
حققته سورية على صعيد الإصلاح السياسي
والاقتصادي منذ أن تولى بشار الأسد
الرئاسة في عام 2000. وأشار الإعلان إلى
أن الاتحاد الأوروبي سبق أن أعرب عن
القلق بخصوص "الاعتقالات
والمحاكمات ذات الدوافع السياسية التي
استهدفت أعضاء بارزين في حركة المجتمع
المدني بسبب ممارستهم السلمية لحقهم
في حرية التعبير"، وقال إن الاتحاد
"يأسف بشدة" لصدور أحكام السجن
التي فُرضت مؤخراً على عددٍ من النشطاء
السوريين، وحث على إطلاق سراح "كل
السجناء السياسيين".
واستمر
الاتحاد الأوروبي وسورية في المفاوضات
التي بدأت عام 1998 لإبرام اتفاقية شراكة.
وينص مشروع هذه الاتفاقية التجارية
على أن تكون العلاقات بين الطرفين "قائمة
على أساس احترام المبادئ الديمقراطية
وحقوق الإنسان الأساسية المنصوص عليها
في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
والتي توجه سياساتهما الداخلية
والدولية وتمثل عنصراً جوهرياً [من
عناصر الاتفاقية]". إلا إن الحكم على
النشطاء السوريين العشرة وسجنهم (انظر
أعلاه) لم يمنع عقد جلسة المفاوضات
الأخيرة في بروكسل في أكتوبر/تشرين
الأول، ولم يجعل الاتحاد الأوروبي
الإفراج غير المشروط عنهم معياراً
لإجراء مزيد من المفاوضات.
الولايات
المتحدة
سيطرت
بواعث القلق المتعلقة بالإرهاب
ومكافحة الإرهاب ومخاوف التسلح على
موقف إدارة بوش تجاه سورية خلال العام.
ففي 1 أبريل/نيسان، أعلن وزير الدفاع
دونالد رمسفيلد أن سورية، إلى جانب
العراق وإيران، تعمل على "تشجيع
وتمويل ثقافة الاغتيالات السياسية
والتفجيرات الانتحارية".
وفي 4 أبريل/نيسان، أضاف جوج بوش أنه
على الرغم من أن سورية "أصدرت
تصريحات ضد تنظيم القاعدة"، فإن
الولايات المتحدة "تنتظر منها أن
تتحرك ضد حركة حماس وحزب الله أيضاً"،
وأن الوقت قد حان لسورية "لتحدد إلى
أي طرفٍ ستنضم في الحرب على الإرهاب".
وفي خطابٍ ألقاه جون ر.بولتون نائب
وزير الخارجية الأمريكي لشؤون مراقبة
التسلح والأمن الدولي في 6 مايو/أيار،
ذكر بولتون سورية بالاسم - إلى جانب
ليبيا وكوبا - "كثلاث دول ترعى
الإرهاب [بالإضافة إلى العراق وإيران
وكوريا الشمالية] وتسعى لاقتناء أسلحة
الدمار الشامل أو يُحتمل أن تسعى إلى
ذلك أو لديها القدرة على ذلك بما يخالف
التزاماتها بموجب المعاهدات ذات الصلة".
وأشار بولتون إلى برنامج الأسلحة
الكيماوية السوري، و"مخزونها من غاز
الأعصاب (سارين)" و"جهودها للبحث
والتطوير المتعلقة بأفتك غازات
الأعصاب السامة وأطولها مفعولاً وهو
غاز "في إكس" (VX).
كما اتهم سورية "بمحاولة تطوير
الأسلحة البيولوجية"، وبأنها "قادرة
على إنتاج كميات قليلة على الأقل من
غازات الحرب البيولوجية". وقال إن
الصواريخ السورية المتنقلة يمكنها أن
تصل إلى "معظم مناطق إسرائيل
والأردن وتركيا من مواقع الإطلاق
الموجودة في قلب سورية".
وفي
21 مايو/أيار، ورد اسم سورية مرة أخرى
باعتبارها واحدةً من سبع دول ترعى
الإرهاب، وذلك في التقرير السنوي
لوزارة الخارجية الأمريكية وعنوانه
أنماط الإرهاب العالمي. وأشار التقرير
إلى أن الحكومة السورية "تعاونت مع
الولايات المتحدة ومع الحكومات
الأجنبية الأخرى في التحقيقات
المتعلقة بتنظيم القاعدة وبعض
التنظيمات والعناصر الإرهابية الأخرى".
كما ذكر أن سورية لم تكن "ضالعة
ضلوعاً مباشراً في أي عملٍ إرهابي منذ
عام 1986"، وأنها "واصلت الالتزام
بالسياسة المتبعة منذ وقت طويل،
والمتمثلة في منع أي اعتداءات على
إسرائيل أو الأهداف الغربية من قلب
الأراضي السورية أو أي اعتداءات على
المصالح الغربية في سورية". ولكن كما
كان الحال في السنوات الماضية، فقد
وجهت وزارة الخارجية الأمريكية
اتهاماتٍ لسورية بأنها تواصل "تقديم
الملاذ الآمن والدعم اللوجيستي لعدد
من التنظيمات الإرهابية". وذكرت
الوزارة خمساً من هذه الجماعات التي
لها مكاتب في دمشق، وهي "الجبهة
الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة"؛
و"حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين"؛
وتنظيم "فتح-الانتفاضة"؛ و"الجبهة
الشعبية لتحرير فلسطين"؛ وحركة
المقاومة الإسلامية "حماس"،
وأضافت أن سورية "توفر لكلٍ من حزب
الله وحركة حماس والجبهة الشعبية
لتحرير فلسطين-القيادة العامة وحركة
الجهاد الإسلامي الملجأ وامتيازات
التمركز في سهل البقاع اللبناني
الخاضع لسيطرتها". كما ذكر التقرير
أن "دمشق كانت المعبر الأساسي لنقل
الأسلحة الإيرانية لحزب الله".
ونظراً
لاعتبارها من الدول الراعية للإرهاب،
لم تتلقَّ سورية أية معونة أمريكية،
كما خضعت للعديد من العقوبات
الاقتصادية، على الرغم من احتفاظها
بعلاقاتٍ تجارية مع الولايات المتحدة،
حيث استوردت سلعاً أمريكية قيمتها 226
مليون دولار في عام 2001، فاقت صادراتها
إلى الولايات المتحدة التي بلغت
قيمتها 158 مليون دولار.
وعلى
الرغم من شدة انتقاد إدارة بوش لسورية،
فإنها لم تؤيد قانون المساءلة الخاص
بسورية، وهو مشروع قانون قُدم إلى مجلس
النواب الأمريكي في أبريل/نيسان، ودعا
إلى عدد من التدابير منها انسحاب جميع
أفراد القوات العسكرية والاستخبارات
السورية وغيرهم من أفراد الأمن
السوريين من لبنان؛ ونشر قوات لبنانية
في جنوب لبنان؛ وإبعاد "جميع القوات
الإرهابية والأجنبية" من هناك، "بما
في ذلك حزب الله والحرس الثوري
الإيراني"؛ وإغلاق "جميع المكاتب
والمنشآت الإرهابية" في سورية؛ ووقف
تطوير ونشر الصواريخ الباليستية قصيرة
المدى ومتوسطة المدى؛ والكف عن تطوير
وإنتاج الأسلحة البيولوجية
والكيميائية. واقترح المشروع عقوبات
جديد، مثل حظر جميع الصادرات
الأمريكية إلى سورية عدا الأدوية
والأغذية، ومنع الشركات الأمريكية من
الاستثمار أو العمل في سورية.
وفي
خطاب بتاريخ 3 سبتمبر/أيلول إلى عضو
الكونجرس روبرت ويكسلر، ذكر الرئيس
بوش أن الولايات المتحدة "لديها
خلافات شديدة مع سورية، كما أن بينهما
مجالات من المصالح المشتركة، وأن
إدارة علاقتنا المعقدة مع سورية تتطلب
استخداماً حريصاً ومحسوباً لكل
الخيارات المتوفرة لدينا لتعزيز
المصالح الأمريكية". وأضاف الرئيس
أن فرض عقوباتٍ جديدة على أساس التشريع
المقترح "سيحد من خياراتنا ويقيد من
قدرتنا على التعامل مع موقف إقليمي صعب
وخطير في منعطف حرج بشدة. لذلك فإننا
نقوم بعددٍ من المبادرات لتغيير سلوك [سورية]
غير المقبول".
|