الثـابـت
و المتحـول
فائز
البرازي
هناك
دائمآ وفي كل أمة من الأمم ، ثوابت
حضارية ، فكرية وثقافية تحمل في
مضامينها ومفاهيمها ، مكونات الأمة
وأسسها وجذورها . وليس من المستحب
دائماً إستجرار النقاش والجدل حولها
وإضاعة الوقت وتشتيت الفكر وزيادة
التشرذم . فإما أن نقبل بها أو نرفضها .
وإن رفضناها فقد يتوجب علينا البدء في
رحلة بحث عن أمة أخرى ، وكيان آخر نقبله
ويقبلنا فننتسب إليه . والهجرات كانت
وستبقى على مر التاريخ والزمن إحدى
نتائج هذا الرفض . وهذه الثوابت يمكن
تحديدها بالتالي :
1- الإنتماء
ضمن الهوية .
وضد الإنسلاخ أو الإنفلاش .
2- المواطنة
ضمن الحقوق والواجبات . وضد التمييز
على أي شكل .
3-
الحرية ضمن الجماعة
. وضد فردية ( الأنا ) المطلقة .
4-
العدالة والمساواة ضمن المجتمع . وضد
الإستغلال على أي شكل .
5- الحق
ضمن الفردي والمجتمعي
. وضد الأهواء والمصالح .
6-
الدين ضمن الروحانيات والأخلاق
والمرجعية الإلهية ، وضد المادية
المطلقة .
إننا
اليوم نتعرض – سواء إعترفنا أو نفينا
– لصنوف من الغزو الفكري والإستلاب
الثقافي من خلال طغيان ثقافة وقشور
حضارة هابطة المستوى مفرغة من المضمون
، ذاتية محلية أو خارجية مستوردة ،
تقدم قيمآ فكرية وثقافية بعيدة عن
شواغل وهموم الأمة وطموحاتها ، وهذه
تؤثر سلبآ بمجملها في انتماءاتنا
وقيمنا وتراثنا وثقافتنا وأذواقنا ،
وسيكون لها آثارآ نفسية وإجتماعية
ونهضوية علينا كأمة وعلى مجتمعاتنا
ضمن هذه الأمة .
إن
أخطر ما يحيق بفكرنا ونهجنا ، سؤالآ
نطرحه اليوم بمعظمنا مواطنين ،
ومثقفين ، وطليعة مفكرة
:
(
كيف نلحق بركب الحضارة .. لنكون مثل
الأوربيين أو الأمريكيين ؟ ) بدل أن
نفكر ونقدم مشروعآ نهضويآ ، ونموذجآ
جديدآ للإنسانية . ثم أننا كأمة غالبآ
ما يكون جدلنا حول ما يمكن أن أرجعه
وأعيده إلى تساؤلات : هل الفكرة تصنع
واقعآ ؟ كما تقول المدرسة المثالية ،
أم أن الواقع يخلق الفكرة ويحدد
نوعيتها كما تقول المدرسة الواقعية .
إننا غالبآ لا نفكر في " التشابك "
بل ننحى إلى " التجزيئات " التي
أدت وتؤدي إلى تشرذم وإلى كيانات ضعيفة
متناحرة . وتقول ( نازك الملائكة ) في
كتابها " التجزيئية في المجتمع
العربي " : [ من التقلقل الفكري العام
تنشأ الظاهرة الكبرى التي تتغلغل في
حياتنا كلها ، وهي الظاهرة التي نختار
أن نسميها بالتجزيئية ، ونقصد بها
جنوحنا إلى عزل الظواهر عن بعضها
ودراستها مفصولة .. إننا نتناول مثلآ
اللغة وكأنها عامل مفصول عن الدين ،
ونرى السياسة ككيانآ مفصولآ عن قضايا
الفن ، ويخيل إلينا أن العلوم دائرة
معارضة لدائرة الآداب ، وتلوح لنا
الشؤون الإقتصادية بعيدة عن شؤون
الجمال والعواطف ، وهكذا تنتهي بنا كل
دراسة إلى زاوية ضيقة نصدر منها أحكامآ
مصطنعة تزيدنا حيرة وإرتباكآ ] .
ويقول
الدكتور ( محمد جابر الأنصاري ) في
كتابه " تجديد النهضة بإكتشاف الذات
ونقدها " : [ عندما نتجادل حول حقوق
المرأة ، ننسى الرجل والتربية
والتنمية والقوانين .. وعندما نتجادل
حول التنمية ، ننسى مسألة المرأة تمامآ
، وننسى معها التربية والموضوعات
الإجتماعية والفكرية الأخرى .. وقس على
ذلك ] .
وهذا
من نتائجه برأيي ، أن نضيع كل شيئ ولا
نصل إلى شيئ ، كما تقول قصيدة أجنبية :
بحثنا
عن المسمار .. فأضعنا الحذاء
.
بحثنا
عن الحذاء ..
فأضعنا الفرس .
بحثنا
عن الفرس .. فأضعنا الفارس .
ـ
2 ـ
بحثنا
عن الفارس .. فأضعنا المعركة
.
بحثنا
عن المعركة .. فأضعنا
المملكة .
على
أن هناك ( مفاهيم متغيرة ) ترتبط
بأهدافها ونتائجها ، بتحقيق التطور
والتطوير لهذه الأمة ، وفق الظروف ،
وعلى مدى الزمن ومتغيراته . وهذه
المفاهيم هي القابلة بل المتطلبة
للجدل والحوار والبحث والدراسة
والأفكار ، سعيآ وراء تحديد مفاهيمها
والإقتراب من الإتفاق حول تلك
المفاهيم ، ثم العمل على تطبيق هذه
المفاهيم على أرض الواقع مع ما يمكن أن
يطرأ عليها من تعديل وتغيير أثناء
الممارسة وهذا هو التشابك بين الفكرة
وبين الواقع أيهما أسبق . لا شيئ فيها
مقدس وثابت إلا بمدى تلاؤمه مع هدف
تطوير الأمة في سياق الوقائع والزمن
وثوابت الأمة ، وهي متشابكة بدرجة لا
تقبل التجزيء . وإن أهم تلك المفاهيم
المتغيرة – وليس كلها – والتي أود
نقاشها وعرضها للحوار :
1- مفهوم
الدولة والسلطة .
2- الديمقراطية
.
3-
العلمانية .
4- الإصلاح
والتحديث والتنمية .
5- أساليب
التربية والتنشئة والتثقيف .
6-
الإعلام .
7-
العلاقة بالآخــر .
وأرجو
أن نقيم جميعآ حوارآ مع أنفسنا بعد
حوارنا مع بعضنا ، وأن نحاول الخروج عن
الأحكام والأفكار المسبقة الجاهزة ولا
نتشبث بها ، ونكون على إستعداد
لتغييرها أو تعديلها أو تطويرها . إذ
علينا جميعآ في كل مراحل الحياة ، وفي
هذه المرحلة على وجه الخصوص ، الإقتراب
والدنو لردم الهوة وتضييق الإختلاف،
فهذا يساعد على خلق مساحة أكبر لأرضية
مشتركة نبني عليها جميعآ وطننا ..
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|