قانون
محاسبة سورية ..
هل
سيكون له ما بعده ؟
مركز
الشرق العربي ـ المحرر السياسي
صوتت
لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب
الأمريكي على قانون محاسبة سورية
بأغلبية ثلاثة وثلاثين صوتاً مقابل
صوتين معارضين فقط.
جاء
التصويت بعد أن أعطت الإدارة
الأمريكية الضوء الأخضر للجنة
المعنية، مما يعني أن مشروع القانون
سيجد طريقه قريباً إلى مجلسي النواب
والشيوخ.
الإدارة
الأمريكية تؤكد أن سورية ماتزال تراوغ
أمام التعليمات والأوامر التي نقلها
إليها وزير الخارجية باول، يوم زار
دمشق في أيار الماضي وقال لم آت لأستمع
وإنما جئت لأوضح للسوريين حجم
التغيرات، ولأقدم الأجندة المطلوبة..
وتتذرع
الإدارة الأمريكية ومن ثم اللجنة
المحركة لمشروع القانون بأمور عديدة
أهمها: الموقف السوري على الحدود مع
العراق، وتتهم سورية بالسماح
للمقاومين (الإرهابيين حسب المصطلح
الأمريكي) بالتسرب عبر أراضيها، على
الرغم من أن الرئيس الأمريكي أبدى
تفهمه لعجز الحكومة السورية عن ضبط
حدودها مع العراق. كانت هذه القضية على
رأس الذرائع الأمريكية، في تمرير
القانون المذكور.
ثم
يجاهر المتحمسون للمشروع برعاية سورية
للإرهاب، وهي تهمة ليست جديدة، فما
زالت سورية منذ عقود مرقومة على لائحة
الإرهاب الأمريكية. وتتجسد هذه التهمة
في حفاظ سورية على علاقاتها مع منظمات
مثل (حماس) و(الجهاد الإسلامي) و(حزب
الله)، ومنظمات الرفض الفلسطيني من قبل.
التطور الأكثر سخونة في هذه التهمة زعم
الولايات المتحدة وإسرائيل أن حماس
والجهاد تديران عملياتهما من داخل
دمشق. وهو زعم باطل بكل تأكيد.
الذريعة
الأكثر غرابة، ومع تواطؤ الولايات
المتحدة على تزويد الكيان الصهيوني
بكل ضروب أسلحة الدمار الشامل، توجه
الاتهام إلى سورية (بتطوير أسلحة دمار
شامل) على الرغم من توقيعها على
الاتفاقيات الدولية التي تحظر مثل هذا
النشاط. مراراً وتكراراً طالبت سورية
ومصر ودول الجامعة العربية وبإلحاح
ضرورة إعلان الشرق الأوسط منطقة نظيفة
من هذه الأسلحة. ولكن المنطق الأمريكي
يقوم على جعل إسرائيل تتمتع بكل عناصر
القوة الأمريكية، وإعطاءها الحق
المطلق في تدمير دمشق والقاهرة وبيروت
وأي عاصمة عربية أو إسلامية عندما تريد.
وأخيراً
وكطريقة لتضخيم الجرم السوري، وكسب
بعض الأصدقاء على الساحة اللبنانية،
وبعد أن تقدم (ميشيل عون) بشهادته ضد
سورية أمام اللجنة المعنية، ضُم الملف
اللبناني إلى البنود المذكورة، لتذكر
سورية بضرورة الانسحاب من لبنان
للحفاظ على سيادة لبنان واستقلاله. وإن
كان الكثير من المراقبين الدوليين
يؤكدون أن الولايات المتحدة معنية فقط
في هذا التوقيت بالساحتين (العراقية) و(الفلسطينية).
يقترح
مشروع القانون على الرئيس الأمريكي
تنفيذ اثنتين من العقوبات المجدولة
بحق سورية حسب ما يراه من مصلحة: حصر
الصادرات الأمريكية إلى سورية ـ حظر
الاستثمارات الأمريكية ـ خفض التمثيل
الديبلوماسي الأمريكي ـ فرض قيود على
سفر الديبلوماسيين السوريين إلى
واشنطن ـ منع الطائرات السورية من
التوجه إلى الولايات المتحدة ـ تجميد
الأصول السورية.
وتختلف
تقديرات المتابعين لانعكاسات صدور هذا
القانون على مستقبل العلاقات السورية
ـ الأمريكية، وعلى سورية الدولة
والإنسان.
يرى
البعض في القانون المذكور نوعاً من
الضجيج الأمريكي، الذي يمكن أن يتلاشى
في الفضاء،و يرى فيه آخرون نذر خطر
حقيقي يمكن أن يضع سورية في سياق (أفغاني)
أو (عراقي) لمصلحة مشروع (صهيوني) و(إمبريالي).
يؤكد هؤلاء أن اللوبي الصهيوني، الذي
سيكون صاحب المصلحة الكبرى من السير في
مخطط كهذا، سيدفع بكل تأكيد (الإدارة
الأمريكية) والرئيس بوش في لحظة (نشوة)
أو لحظة (يأس) إلى فعل غير مدروس تكون
سورية ضحيته. ويؤكد هؤلاء أن الوجود
الأمريكي المكثف (ثلاثمائة ألف جندي)
في العراق، سيجعل عملية الانقضاض خطوة
يسيرة باتجاه الغرب. كما يؤكدون أن على
سورية أن تقدر أن ورقتها، في هذه
الظروف، هي في يد صهيونية بل في يد (شارونية).
وأن على سورية ألا تراهن على أي حسابات
أو موازنات أمريكية. فالإدارة
الأمريكية، عاماً قبل الانتخابات وآخر
بعدها، ستكون قد ألقت القياد للوبي
اليهودي أو للحكومة الصهيونية.
المجموعة
الأوروبية التي تبدي بعض التعاطف مع
الموقف السوري، وبعض الإدانة للصلف
الصهيوني، والتي استنكرت القصف
الصهيوني على موقع سوري، لا تخفي قلقها
على سورية.
مصدر فرنسي (وفرنسا
هي الأقرب أوربياً لسورية) يؤكد أن
سورية في دائرة الخطر، وأن الضغوط
عليها ليست مجرد ضجيج. وإنما هي سياسة
يحركها اللوبي الصهيوني. والإدارة
الأمريكية مجرد منفذ لإرادة هذا
اللوبي. ولدى باريس قناعة بأن سورية
ستكون مخطئة حين تقدر أن الرئيس
الأمريكي سيكون مشغولاً بمشاكل كبرى
تبعده عن الانخراط في عملية ضد دمشق.
ويقول الفرنسيون (إن هذا الموقف ينطوي
على سوء تقدير خصوصاً وأن للإدارة
الأمريكية الحالية ردات فعل غير
متوقعة !!)
النصائح
الفرنسية والأوروبية لسورية، على
وجاهتها، تقع جميعاً في سياق تزيين
التنازل، والاستجابة للمطالب
الأمريكية، التي لم يرفضها السوريون
أصلاً وإنما شعروا دائماً أنها
إرغامية وتعجيزية، كما كانت من قبل مع الرئيس
العراقي، الذي طلب إليه أن يكشف عن
أسلحة وبرامج لا يملكهما
!!
شكا
الرئيس بشار الأسد من متتالية التعجيز
الأمريكية هذه، ورأى فيها نوعاً من
الذرائعية، حين صرح في مقابلة مع
الحياة 7/10/2003 متشكياً من التعجيزات
الأمريكية (من عادة الأمريكيين
أن مطالبهم غير محددة، لا بالعدد ولا
بالنوع، وربما تكون أحياناً متناقضة..)
حالة
اليأس من الرضى الأمريكي هي التي جعلت
المسؤولين السوريين يظهرون بمظهر
اللامبالاة من المطالب الأمريكية
التعجيزية. وحين سئل الرئيس الأسد عن
قانون محاسبة سورية، اعتبره نوعاً من
الصراع بين مراكز القوى السياسية في
الولايات المتحدة (الإدارة والكونغرس)
أو بين عناصر الإدارة نفسها. ولتهوين
شأن القانون وانعكاساته قال: (أما
مضمون القانون فهو مطبق بشكل عام أي أن
موضوع الحصار على سورية، ومنع
التكنولوجيا ومحاولات الضغط في
المجالات الاقتصادية إلى آخره فالضغط
موجود، وما يختلف هو الشكل السياسي،
وفي نفس الوقت لا توجد علاقات تجارية
واقتصادية بين سورية والولايات
المتحدة سوى شركات النفط الأمريكية
التي تستثمر في سورية وهي محدودة
بالعدد والحجم فالضرر لن يكون باتجاه
سورية بل باتجاه هذه الشركات.. وعدا عن
ذلك لا أعتقد أنه سيكون هناك ضرر آخر،
ونحن لا نتابع هذا الموضوع بشكل جيد..)
في
الحقيقة يحمل هذا الجواب الكثير من
اللامبالاة الظاهرية، والقراءة
الإعلامية لحقائق سياسية يمكن أن تكون
مدخلاً لما هو أسوأ مطلقاً بالنسبة
لسورية. وعندما تقرر فرنسا والأوربيون
أن سورية في دائرة الخطر، وعندما يعطي
الرئيس بوش شارون وإسرائيل حق الدفاع
عن النفس بتوجيه المزيد من الضربات
لسورية، ويهدد وزير صهيوني بإحراق
دمشق وبيروت في ظلال القانون المذكور
الذي يشتغل عليه الكونغرس الأمريكي،
ويتبناه اللوبي الصهيوني بإلحاح، لا
يمكن لأحد أن يدير ظهره لهذا القانون،
ويغمس رأسه في رمل الغفلة، ولا يراه
أهلاً للمتابعة السياسية
والديبلوماسية !!
كان
القانون مطروحاً أمام الكونغرس
الأمريكي منذ فترة طويلة، وكانت
مراهنة النظام السوري على وقف إقرار
القانون ابتداء، وهو يراهن اليوم على
تجميده بعد اتخاذه.
تتكئ
سورية في مواجهة الحالة الأمريكية على
عدة معطيات أولها نوع من العلاقة
التاريخية ذات (الخصوصية ) بين النظام
السوري والبيت الأبيض. وهذه الخصوصية
يرتبط عمرها بعمر النظام، وقد تكرست
هذه العلاقة حتى في أيام الحرب
الباردة، وهي علاقة تحتفظ للسياسية
السورية في حقها في أن يكون لها ظاهر
وباطن.
ثم
حين يتأمل المسؤولون السوريون فحوى
المطالب الأمريكية (العراق –لبنان –
التسليح – الإرهاب..) لا يجدون مطلباً
واحداً يمس وجودهم !! فالإنذارات
الأمريكية لسورية ليست من طبيعية (إنذار
غورو)، ولا هي من فصيلة تلك الإنذارات
التي كانت توجه لصدام حسين. ففي تقدير
صاحب القرار السوري، أنه سيجد مندوحة
في الذهاب مع المطالب الأمريكية حتى
النهاية، حفظاً لماء الوجه، ثم سيكون
بإمكانه أن يصوغ النهايات بنفس
الطريقة التي صاغها يوم طرد عبد الله
أوجلان.
والمتكئ
الثالث للحكومة السورية هو الانغماس
أكثر في شبكة المصالح الأوربية
والأمريكية. فبينما
أشار الرئيس السوري إلى أن العلاقات
الاقتصادية مع الولايات المتحدة
محدودة بالعدد والحجم،
تفيد الإحصاءات أن ثمة مائتين وخمسين
شركة أمريكية عاملة في سورية. وأنه في
أيار الماضي قد تم توقيع عقد مع شركتي (أوشن
إينرجي) و(غالف ساندز) الأمريكيتين
للتنقيب عن النفط وتنميته وإنتاجه في
منطقة تقع على الحدود مع العراق، لمدة
خمسة وعشرين عاماً، قابلة للتجديد عشر
سنوات أخرى. وتبعه عقد بكلفة 18 مليون
دولار مع شركة أمريكية أخرى هي (فيريتاس)
لإجراء دراسات مسحية في المياه
الإقليمية في البحر الأبيض المتوسط،
وتجري مفاوضات مع شركة (بي. آر. إي)
الأمريكية أيضاً للتنقيب عن النفط وسط
البلاد. وحازت شركة أمريكية خامسة هي (كونوكو)
الأمريكية مع شركة (فينا ـ الف)
الفرنسية على العقد الأكبر لاستثمار
الغاز بقيمة /420/ مليون دولار.
ومع
حقيقة أن الإدارة الأمريكية هي مجلس
إدارة حقيقي للشركات متعددة الجنسيات،
إلا أن التجربة العراقية أثبتت أن
ارتباط العراق بشبكة عنكبوتية من
العقود مع شتى دول العالم لم تنفعه في
ساعة العسرة.. وهذا يعني أن اللوبي
اليهودي سيكون مستعداً للتضحية بكل
المكاسب الاقتصادية، لتحصيل مكسب
سياسي عن طريق توجيه ضربة ما لسورية.
في
سياق تصاعد روتيني لوتيرة الأحداث،
ولطبيعة العلاقات يتوقع المراقبون أن
يكون القانون، قانون محاسبة سورية، ورقة
ضغط تنتقل من أدراج الكونغرس إلى جيب
الرئيس الأمريكي. يرفعها في وجه سورية
كالبطاقة الصفراء في اللحظة التي
يشاء، وربما تحلم سورية بهذا أيضاً،
إلا أن آخرين يرون في هذا القانون
جسراً لتدخلات أكثر حميمية وصميمية في
حياة الشعب السوري، فيشعرون بمزيد من
القلق والحذر.
الأجندة
الأمريكية التي ضمت إلى سطورها أخيراً
الملف اللبناني، قد أغفلت تماماً ملف
الإصلاح السياسي وحقوق الإنسان في
سورية !! وتناسي هذا الملف لم يكن
عبثاً، فرغم كل شيء فإن الولايات
المتحدة ماتزال ترى في النظام السوري
الأقل سوءاً بالنسبة للبدائل الأخرى.
وقد مرّ النظام العراقي في مثل هذه
المرحلة بين العامين 1991 وحتى 2001، يوم
امتنعت الولايات المتحدة عن إسقاط
النظام بعد تحرير الكويت وانهيار
الجبهة العراقية كاملة. كان السبب كما
يعلم الجميع تخوف الولايات المتحدة من
بديل غير مأمون !!
لا
ترى الإدارة الأمريكية معارضة سورية
حقيقية مؤهلة لحمل الحلم الأمريكي.
بينما تقع المعارضة الإسلامية
واليسارية التي تمثل قوام المعارضة
السورية العامة في الداخل والخارج،
خارجَ ميدان التحريض الأمريكي أصلاً.
وهذا لا يعني أن الإدارة الأمريكية
غافلة عن إيجاد المناخ الملائم لنمو
معارضة موالية: ضمن معطيات من بينها
تكريس حالة اليأس من الخلاص والإصلاح
الذاتيين.
معادلة
المجتمع السوري
يثير
قانون محاسبة سورية القلق في نفوس
أبناء الشعب السوري، كما يقلقه، سوء
التعاطي مع التهديدات الأمريكية، هذا
التعاطي القائم على إدارة الظهر وعدم
الاهتمام كما صرح الرئيس بشار، أو على
الاستجابة للمتطلبات الأمريكية على
حساب الحقوق السيادية والوطنية. يضاف
إلى ذلك الانصراف عن وضع استراتيجية
مواجهة حقيقية حكيمة وشاملة، مع غفلة
تامة عن مكامن القوة الحقيقة في
المجتمع السوري، وسد الخلل في الموقف
السياسي والوطني. ومن هنا تنصح القوى
الوطنية والشعبية بمواقف أكثر عملية
وحزما وقوة للتصدي للهجمة الأمريكية
الصهيونية، مؤكدة أن اللامبالاة في
هذا المقام لا تجدي، وأن الخطاب
الإعلامي المزخرف مهما اكتسب من حلاوة
وطلاوة لا يغني، وأنه لا بد من حزم
الأمر وحسمه، والبحث عن خيارات واقعية
وعملية، تحمي سورية وتصون أرضها
وإنسانها. ويؤكد هؤلاء أن الالتحام
بالشعب لم يعد مكرمة تُنتظر من
القائمين على الأمر، وان هذا
الالتحام، وان لم يكن مطلبا أمريكيا،
فقد غدا ضرورة تاريخيةً لا يمكن القفز
عليها لصياغة موقف سوري صلب ومناجز.
وفي إطار هذا الموقف ينبغي أن يتاح لكل
مواطن الحق الكامل في الشراكة الوطنية
بأبعادها المدنية والسياسية
والاقتصادية. وهذا ما يتعارض تلقائياً
مع فرض الوصاية باسم الحزب القائد على
الدولة والمجتمع.
ربما
تستطيع السلطة السورية أن تلتف على
قانون المحاسبة وما سيستتبعه من
إجراءات، ولكن ذلك لن يكون إلا على
حساب الثوابت الوطنية والقضايا
المصيرية.
أما
انعكاس هذا القانون مع جملة السياسات
الأمريكية على الشعب السوري والشعوب
العربية فهو الإبحار عكس المعلن من
الأهداف الأمريكية التي تدعي أنها
تسعى إلى كسب العقول والقلوب. إن
القانون المذكور، بغض النظر عن موقف
السلطة السورية منه، يستقبل شعبياً
كإعلان حرب كراهية وحقد على حضارة
الشعب السوري وقيمه وعراقته لصالح
المشروع الصهيوني بكل وقاحته وصلافته.
|