مشاركات
وصل
إلى برق الشرق :
قتل
الإنسان ما أكفره ؟!
صالح
غريب
عندما
جرى الشاب الملهوف العجل إلى أستاذه
فولتير، الذي كان يقوم بدور كبير في
محاربة الكنيسة ورجال الدين، ليقول له
بحرارة وتملق:
سيدي،
سيدي، لقد تأكدت اليوم أنه ليس هناك
إله !!
أجابه
فولتير ببرود، وهو يفرك يديه إحداهما
بالأخرى.. ولكنني يا صغيري، مازلت أشك !!
وعندما
نضع قوله تعالى (قتل الإنسان ما أكفره)
عنواناً لهذا المقال لا نقصد به ذلك
النوع من الكفر الاعتقادي الذي يجحد
وجود الخالق المبدع المسير للكون، بأي
تصور وتحت أي عنوان. ذلك أن الكثيرين من
المتبجحين الذين قضوا حياتهم يدعون
ويزعمون، ما إن واجهوا حقيقة الموت
كالحة حتى صرخوا يستنجدون بالكاهن
ليعينهم على عبور النفق المظلم. وإذا
كان بعضهم رأى في الإنسان حيواناً
ناطقاً، فإن آخرين قد أكدوا على أن
الإنسان (حيوان ديّان) أي أن وجوده لا
ينفك عن تصور (ديني) عقائدي يملأ مساحة
في نفسه وفي ضميره.
حديثنا
في هذا السياق عن نفر من الناس طغت
عليهم اللَّجاجة، واستبد بهم اللدد،
فظنوا من ضيق النفس وانطماس البصيرة أن
بإمكانهم بكلمات هي أكثر رخاوة من طينة
جبلتها أن يدنسوا البحر أو أن ينيروا
لشمس الظهر ؟!
مر
قرن من عمر الأمة، وقد أمسك هؤلاء (الحيارى
ـ السكارى) سُكّان السفينة، واستبدوا
بأمرها، فهم منذ قرن مضى يخوضون غمرات
التجارب ظُلَماُ مدلهمة، ما خرجت
الأمة من ورطة دفعوها إليها، إلا
أوردوها ما هو أطم منها وأطغى.
جزّؤوا
البلاد، وأذلوا العباد، وأضاعوا الأرض
والثروة، وألبسوا إنسان الأمة ثوب
الذلة وديّثوه، كما يقول الإمام علي
رضي الله عنه، بالصَّغار، اتخذوا
إنسان الأمة خولاً، وجعلوا من ثرواتها
دولاً. ثم لايزالون في نادي القول
متفيهقين يقول الواحد منهم: (أنا) ويفتح
بها شدقيه، ويمد ما لا يمد، كما فعل
مولاه إبليس يوم سخر من آدم فقال (أنا
خير منه..)
قرن
مضى والأمة نُهبى بين طَغام صغار
الأحلام، قد خطفوا منها أمرها بليل، ثم
وظفوا طاقاتها في دمارها وقمعها
وشتاتها. وهي في كل المهالك التي
صنعوا، تأرز
إلى دينها حصنها الحصين، فيعصمها من
دواهيهم الصفر في كل معترك، ويخرجها من
كل نكبة نكبها بها صغار النفوس والقلوب
والعقول، معتصمة بإيمانها متوكلة على
ربها، صلبة شماء تقول: لا لكل طواغيت
الأرض وهي أشد ساعات محنتها، وفي أقسى
لحظات عسرتها.
كان
دين الأمة وإسلامها، ورجالها، هم
الحماة ساعة العسرة على مدى القرون
فحفظوا إذ ضيع الآخرون، وبذلوا إذ بخل
الآخرون، رفعوا رؤوسهم إذ طؤطئت
الرؤوس، وصالوا وجالوا بين سيفين ؛ سيف
العدو الطامع يلمع من وراء الحدود،
وسيف الدخيل المتعلق بالخسيس، القانع
بالقليل، المتطلع إلى لعاعات الدنيا (فإن
أعطوا منها رضوا وإن لم يعطو منها إذا
هم يسخطون).
نقول
ما قال ربنا تبارك وتعالى (قتل الإنسان
ما أكفره..) لكل أولئك الذين ماتزال
تثور بهم رثيثة ورثوها، تدفعهم إلى
النيل من الإسلام أو التهجم على رجاله،
أو نسبة إنجازات الخزي والعار
والهزيمة التي صنعوا إلى الدين الأقوم
والرجال الأطهر.
بعض
الناس لو كانوا يملكون القليل من
الإحساس لكفاهم ليدسوا رؤوسهم في
التراب خجلاً مما جنوا على هذه الأمة،
نقول جنوا هم لأن الإسلام العظيم الذي
عليه يجترئون قد علمنا أنه (ولا تزر
وازرة وزر أخرى)
لقد
كان تاريخ العقيدة، تاريخ الإسلام،
تاريخ الرجال في هذه الأمة هو تاريخ
البناء والحفاظ والشمم والإباء. وهل
عرفت الأمة الخذلان والضياع والصَّغار
إلا على أيدي الأدعياء الصغار فهل بعد
هذا النكران من كفران.
12/06/2003
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|