صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الثلاثاء 18 - 03 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |   ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع | كــتب | مجموعة الحوار | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ (إبراهيم:42)

بغداد وفلسطين والعدوان الأمريكي الصهيوني الظالم

رسالة من المستشار محمد المأمون الهضيبي

 المرشد العام للإخوان المسلمين

في تطورات غير مسبوقة في التاريخ البشري، تحشد أمريكا الآن كمًّا ضخمًا من العتاد والسلاح وأعدادًا كبيرة من جنودها حول العراق برًا وبحرًا؛ استعدادًا لغزو العراق واحتلاله؛ لتحقيق أهداف أمريكية لا يخفيها بوش ومساعدوه في الإدارة الأمريكية، فالثروة البترولية، وإعادة تقسيم المنطقة وإحكام السيطرة عليها، وتحجيم إمكانيات التنمية أو التسلح فيها لضمان استمرار تفوق إسرائيل على كل جيرانها، ومساعدتها على إحكام قبضتها على كامل الأرض الفلسطينية، والقضاء على كل مقاومة من الشعب الفلسطيني ضد العدوان والدمار والتقتيل والقهر الذي يمارسه الصهاينة على الفلسطينيين، وكذلك تهدف حملة بوش -غير المبرّرة- والتي فشل في إقناع العالم بأسبابها وبجدواها–، إلى إحكام السيطرة على الممرات المائية الاستراتيجية في وسط العالم، وكذلك يهدف بوش إلى فتح أسواق جديدة لمنتجات المصانع الأمريكية من كل أنواع السلع والمعدات والآليات العسكرية، مع ضمان وجود حكومات في المنطقة تستخدم بواقي عوائد البترول في شراء هذه المنتجات حتى وإن لم تكن تحتاج إليها..

وتقف الحكومات في المنطقة العربية عاجزة وغير قادرة على اتخاذ خطوة واحدة ضد الحملة الأمريكية العسكرية، التي توشك أن تنطلق صواريخها وقنابلها وقذائفها لتقتل وتبطش بأهل العراق وتريق دماءهم، وفي نفس الوقت تستعر الحملة الصهيونية البربرية على الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وتُراق دماء الشعب الفلسطيني ليلاً نهارًا على مسمعٍ ومرأىً من العالم!!، وأمريكا تبارك وتؤيد وتساعد وتعاون وتساند شارون المجرم ورفاقه من عصابة بني صهيون ... والحكومات العربية لا تفعل أي شئ ذا قيمة لوقف هذه المهزلة الأمريكية الصهيونية..

والشعوب العربية والإسلامية – وقد أعياها الفقر والمرض بين عجز الأبناء وصمت العلماء وغياب الحرية وطغيان الحكام .. تقف في حيرة.. تمتلئ قلوبها بنيران الغيظ، وتتحرق بعاطفة العقيدة وإحساس الأخوة حتى يُسمح لها بأن تدافع عن نفسها، وتشارك في الدفاع عن أشقائها في فلسطين وفي العراق .. ولكن ممارسات الماضي وسياسات الحاضر تحول بينها وبين بلوغ ذلك.

وعلى امتداد أكثر من سبعين عامًا ومنذ عشرينيات القرن الماضي والإخوان يقفون في خندق الحق مع المقاومة ضد المستعمر وضد الغزو وضد الهيمنة وضد التسلط والظلم والطغيان، فكم وضّحوا وكما بيّنوا وكم بذلوا مع المخلصين من أبناء الأمة الكثير من أنفسهم ومن أموالهم .. فكانت حركة المقاومة في فلسطين وكانت كتائب عز الدين القسام .. وكانت قوافل الجهاد والشهداء في أواخر النصف الأول من القرن الماضي... ثم كانت المؤامرات عليهم وعلى شعوب المنطقة .. ولقد سُجن الرجال واعتقل المجاهدون وقتلوا وغيّبوا في سجون الظلم، فما لانت للرجال قناة، وصبروا واحتسبوا .. ثم كانت وقفتهم ضد معاهدة السلام في كامب ديفيد الأولى، فبيّنوا ووضّحوا مكر يهود .. وفي حرب الخليج أعلن الإخوان رفضهم التام لعدوان العراق على الكويت، حيث جاء فى بيان لهم صدر فى الثانى من أغسطس 1990 وهو ذات يوم غزو العراق الكويت:

"ونحن نهيب بقادة العراق أن يعيدوا النظر فيما أقدموا عليه، وهو الأمر الذي أجمعت الأمة الإسلامية بل والعالم كله على استنكاره، كما نهيب بكل شعوب وقادة الأمة الإسلامية أن يبادروا ببذل مساعيهم ونفوذهم لدى دولة العراق لتسحب قواتها من الكويت وتمتنع عن التدخل فى شئونها"، ووقفوا في ذات الوقت ضد دخول الأمريكان إلى المنطقة بدعوى تحرير الكويت، وحذروا من مغبة وقوع دول المنطقة تحت السيطرة العسكرية الأمريكية المباشرة..

وفى بيان للإخوان المسلمين بتاريخ 11 أغسطس 1990 أكد الإخوان فيه على ما جاء فى بيانهم بتاريخ2 أغسطس بضرورة انسحاب العراق من الكويت، ومعارضة كل تدخل عسكري من دولة عربية أو مسلمة ضد دولة أخرى، وأكد الإخوان فى ذات البيان استنكارهم ومعارضتهم للتدخل الأمريكي فى منطقة النزاع، وطالبوا بضرورة انسحاب القوات الأجنبية على الفور من المنطقة ..."

وها هي الأيام تمرّ، وها نحن نعيش ذلك التاريخ وكيف يمكر بنا الصهاينة؟ وكيف أنهم لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذلة؟.

إن هذه الأمة قد عانت الكثير وقد ظلمت ولابد لها – إن أرادت أن تحصل على حــريتها- أن تدفع ثمن هذه الحرية .. ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾(التوبة:111).

لقد أدرك الناس الآن أن العدو يتربص بهم، وأنهم لا حول لهم ولا قوة إلا بالله، وأدركوا أيضًا أن سنة الله في كونه لا تتبدل، فمن ابتغى العزة عند غير الله أذله الله، ومن اعتمد على غير الله وكّله الله إلى سنن الكون وهي غلابة، وعدونا أكثر منا عددًا وعدة، فإذا تساوينا معه في المعاصي يغلبنا بعدده وعدته .. لابد إذًا من الأخذ بالأسباب مع حسن التوكل على الله .. ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾(الأنفال:60) .

لابد من رفع الظلم عن المظلومين .. ولابد من تحقيق العدل بين الناس، ولابد من التصالح مع الله، لابد من التصالح بين كل الفئات في المجتمع ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾(التوبة: من الآية71)..

إن هذه الأمة الجريحة في حاجة إلى ربها مع الأخذ بالأسباب في حياتها، وحينئذ يصدق فيها قول الحق تبارك وتعالى ﴿وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾(الأحزاب: من الآية22).

إن هذه الأمة – إن عزت وسادت – بعودتها إلى ربها، وبأخذها بأسباب القوة في الحياة بكل معانيها فى شتى مجالات العلم والتكنولوجيا والتنمية الشاملة، فإنها تنشر الخير والمرحمة لكل الناس .. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الانبياء:107)

إن هذه الأمة وهي تقف الآن في مفترق طرق يجب أن تدرك بحكامها ومحكوميها: بأن وحدة الصف ونشر معاني الخير والمرحمة بين أبنائها بما أنزل الله، والبعد عن المعاصي، والعدل بين الناس، وغير ذلك من أساسيات قيام المجتمع المسلم- كل ذلك يمثل عوامل المَنَعة والعزة، وضمان البقاء في عالم لا يخدم إلا الأقوياء ولا يدافع عن حقوق الغير بقدر ما يحرص على مصالحه، وعلى تحقيق أهدافه حتى ولو كانت على حساب الآخرين وفوق جثثهم.

ونود في هذا السياق وفي هذا المنعطف الخطير من حياة أمتنا أن نتوجه بنداءات واضحة إلى كل من :

1- إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن، وإلى مؤسسة الدولة الأمريكية بأن يراجعوا أنفسهم؛ لأن الظلم سبب زوال الملك، وعوامل فناء الحضارات تكمن في طغيان القائمين عليها ...

2- إلى الشعب الأمريكي الذي يجب عليه أن ينظر إلى مصالحه الحقيقية، وأن ينظر أمامه وألا ينظر أسفل قدميه، ونناشده بما أعلنه من مبادئ في تاريخه القصير من حقوق الإنسان، ومن معاني الحرية، ونذكّره بما عاناه هو نفسه حتى يحصل على حريته ... وأن الحضارة التي بناها بالجهد والعرق لسوف تنهار إن واصلت الطغيان على غيرها، وتجبرت على الإنسان عموم الإنسان .. نناشده بكل ذلك أن يقف وقفة تحسب له في التاريخ لوقف ظلم وسفه حكّامه.

3- إلى شعوب العالم الحر، وإلى حكوماته أن تدرك خطورة أن يُترك الغول الأمريكي ليأكل العالم واحدًا تلو الآخر، وأن الواجب عليهم الوقوف أمام القرصنة الأمريكية لمصلحة العالم أجمع.

4- إلى الشعوب العربية والإسلامية هذه قضيتنا نحن جميعًا، ولابد أن نأخذ الدرس والعبرة منها، ولنهب على قلب رجل واحد لوقف هذه المهزلة .. الوعي العام الضاغط على أولي الأمر فينا؛ ليتخذوا من المواقف ما يتناسب وفداحة الحدث الواقع بنا جميعًا ..﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ (الأنفال: 73).

5- إلى الحكام العرب والمسلمين هذه مسئوليتكم أمام الله وأمام شعوبكم وأمام التاريخ، فاقدروا الأمر بما يستحق ولسوف – والله – تفوزون برضى الله وشعوبكم – إن عُدتم بأممكم إلى الحق، وإن وقفتم مع شعوبكم ضد العدوان وضد الهجمة البربرية الشرسة من الصهاينة والأمريكان ..﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ (الحج:39).

6- أما أنتم أيها الإخوان في كل مكان فاحمدوا الله على كل حال، وادعوه مخلصين أن يكشف ما نزل بأمتنا من كرب، وكونوا دائمًا الروح في جسد الأمة، وبكل تواضع المخبتين، فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم -بالإسلام الصحيح- الأعلون، واثبتوا وشدوا الوثاق .. واحرصوا على الاستمرار – وبكل قوة – بدعوتكم بالحكمة والموعظة الحسنة، ووضّحوا للناس وبيّنوا أن أمة الإسلام حتمًا – إن شاء الله - ستنتصر إن هي عادت إلى ربها، وتمسّكت بصحيح دينها، وطبّقت منهج إسلامها وسادت على درب رسولها -صلى الله عليه وسلم- ووضعت القرآن نصب أعينها، واتخذت الجهاد سبيلاً لها، وآثرت ما عند الله على ما في أيدي الناس، وضحّت بمالها وبأرواحها؛ إرضاءً لخالقها.. فحيّ.. حيّ على الجهاد.. والله معكم ولن يتركم أعمالكم، فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.

طبول الحرب تدق لغزو العراق وتقتيل أطفاله وشيوخه ونسائه ورجاله، والصهاينة المجرمون يدنّسون الأرض في فلسطين، ويعتدون على العرض، وتسيل الدماء أنهارًا على أرض الإسراء والمعراج، .. فيا ربّ الأرض والسماء كُفّ أيدي الظالمين عنّا، وهيئ لنا من الأمر ما تعزّ به أمتنا .. واجعل يا ربي تدبير المعتدين تدميرهم، وانصر أمتنا عليهم .. وما ذلك على الله بعزيز.

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ (الأنفال:36) صدق الله العظيم، وبلّغ رسوله الكريم، ونحن على ذلك من الشاهدين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون،

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المستشار/ محمد المأمون الهضيبي

المرشد العام للإخوان المسلمين  

القاهرة: 10 محرم 1424هـ   

الموافق 13/3/ 2003م      السابق

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  الموقف  
  برق الشرق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  تراث  
  بيانات وتصريحات  
  بريد القراء  
  قراءات  
  شآميات  
 

 

  اتصل بنا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد ـالموقع | كــتب | مجموعة الحوار | ابحث في الموقع |ـ

| ـالموقف |  برق الشرق  | رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  | تراث  | بيانات وتصريحات |  بريد القراء |  قراءات  | شآميات  |  ـ