صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الثلاثاء 16 - 12 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

صدام حسين .. 

سيرة مبعثرة بين التناقضات

بغداد - خدمة قدس برس

صدام حسين ليس عراقياً عادياً بكل تأكيد، كما أنه لم يكن رئيساً نمطياً، بل تبدو سيرته أبعد من ذلك بمحطاتها المضطربة التي تنقل خلالها بين مربعات التناقضات المحتملة كافة التي سمحت بها الحالة العراقية والظروف الإقليمية والوضع الدولي، وصولاً إلى أسره لدى قوات الاحتلال الأمريكي اليوم الأحد.

وعند العودة إلى المصادر الرسمية العراقية في عهده؛ يمكن القول إنه قد ولد في 28 نيسان (إبريل) من عام 1937 في مدينة تكريت، مركز محافظة صلاح الدين، حيث أكمل دراسته الابتدائية هناك. وقد كانت نشأة صدام حسين التكريتي صعبة، إذ تتضافر المؤشرات على أنه قاسى الحرمان العاطفي، وهو ما يراه بعض المتتبعين لسيرته الذاتية، غير المتطابقة بشأن مرحلة النشأة؛ وثيق الصلة بطابع مسيرته السياسية.

وصدام حسين الذي ولد في العوجة قرب تكريت، والمتزوج، والذي رزق بخمسة أبناء أبرزهم عدي وقصي؛ تلقى تثقيفاً سياسياً مبكراً، عبر نشأته في دار عمه خير الله طلفاح ذي النزعة القومية. 

وما لبث أن انضم صدام حسين إلى صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي في التاسعة عشرة من عمره، أي سنة 1956. ولم يكن نشاطه السياسي مفروشاً بالورود، فقد تميّز بالمنعطفات الحادة التي تتلاءم مع السيرة السياسية للعراق المضطرب أواسط القرن العشرين.

فقد اعتقل صدام حسين لمدة ستة أشهر خلال سنتي 1958 و1959 بسبب نشاطاته السياسية المضادة لنظام الحكم في ذلك الوقت، بينما كان طالباً في المدرسة الثانوية في بغداد، ولم يكن ذلك أول اعتقال له.

وقبل إكمال دراسته الثانوية؛ كان له دور محوري في التخطيط والتنفيذ لمحاولة الاغتيال الفاشلة لرئيس الوزراء عبد الكريم قاسم سنة 1959، والتي أدت إلى إصابة قاسم بعدة رصاصات.

كانت هذه المحاولة بمثابة حدث مفصلي في سيرة صدام حسين، فقد حكم عليه بالإعدام غيابياً في 25 شباط (فبراير) 1960، بينما لم يكن أمامه من مفر سوى اللجوء إلى سورية، التي ستصبح بعد نحو عقدين من الزمن خصماً سياسياً لدوداً له. ولم تكن سورية سوى محطة أفضى عبرها إلى القاهرة، حيث أكمل دراسته الثانوية هناك عام 1962، ويبدو أنه حظي خلال ذلك بعناية رسمية من حكم الرئيس جمال عبد الناصر. وقد أتيح له المجال للدراسة في كلية الحقوق بجامعة القاهرة عامي 1962 و1963. لكنه قطع دراسته في عام 1963 ليعود إلى بغداد لمواصلة تحركاته، في ما أكمل سنوات دراسته الثالثة والرابعة من كلية القانون وتخرج منها في نهاية الستينيات.

أما المسيرة السياسية الرسمية لصدام حسين في قيادة حزب البعث، الذي سيغدو حزب السلطة الأوحد؛ فقد بدأت عندما تم انتخابه عضواً في القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي - العراق، في نهاية عام 1963.

وتم انتخابه عضواً في القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي عام 1965، بينما كان لا يزال معتقلاً في السجن. وفي أيلول (سبتمبر) عام 1966 انتخب أميناً مساعداً لقيادة العراق لحزب البعث.

نجح صدام في ما بعد في الفرار من السجن عام 1967، ليصبح أوفر حظاً في الإمساك بزمام قيادة حزب البعث، وسرعان ما انعكس ذلك في التحوّل الانقلابي الذي شهدته بغداد. ففي 17 تموز (يوليو) 1968 اعتلى صدام الدبابة الأولى التي اقتحمت مقر القصر الجمهوري، وبمعيته مجموعة من أعضاء الحزب، ليطيحوا بنظام حكم عبد الرحمن عارف لصالح خيارهم الذي سيقوم عبر مواجهات دامية دامت حتى العشرين من تموز (يوليو) من تلك السنة.

لكن نشاط صدام حسين لم يتوقف عند هذا الحد، فقد عمد إلى القيام بعملية تصفية واستبعاد لعناصر قيادية غير مرغوب فيها، وذلك ابتداء من 30 تموز (يوليو) 1968، وتقول المصادر العراقية الرسمية في عهده بشأن ذلك أنّ صدام "حسم بنفسه عملية إبعاد بعض شخصيات النظام القديم التي تسللت إلى قيادة ثورة 17 إلى 30 تموز (يوليو) لأسباب تكتيكية".

وقد مارس صدام حسين مهماته كنائب لرئيس مجلس قيادة الثورة، اعتباراً من 30 تموز (يوليو) 1968، بينما انتخب لهذا الموقع رسمياً في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 1969.

خلال عهد الرئيس أحمد حسن البكر، كان صدام حسين يبرز بوصفه رجل الدولة والحزب القوي، وكان على البكر أن يتراجع تدريجياً إلى أدوار ثانوية من ناحية الأداء الفعلي. ففي مطلع حزيران (يونيو) 1972 قاد صدام عملية تأميم النفط ضد الشركات الأجنبية التي كانت تحتكر النفط العراقي.

وكان يجري خلال ذلك تكريمه باستمرار، بما سيؤهله لتعزيز مواقعه، على حساب الرئيس البكر الذي سيُزاح عن الحكم "لأسباب صحية"، في ظاهرها على الأقل. ففي مطلع تموز (يوليو) 1973 تم منح صدام رتبة فريق أول، ووسام الرافدين من الدرجة الأولى ومن النوع العسكري، وفي 7 شباط (فبراير) 1974 مُنح وسام الرافدين من الدرجة الأولى ومن النوع المدني.

وقد أدى صدام حسين دوراً أساسياً في بلورة وصياغة قانون الحكم الذاتي للأكراد العراقيين في 11 آذار (مارس) 1974 كما تفيد المصادر الرسمية في عهده، وما لم تقله هذه المصادر إنه خرج من اتفاقية الجزائر الموقعة مع حكم الشاه في طهران سنة 1975 بامتعاض كبير نظراً لما كرسته الاتفاقية من الاستعلاء الإيراني في شمال الخليج.

كانت الاتفاقية قد جاءت على هيئة مقايضة، فقد التزم فيها الشاه بالتوقف عن مساعدة الثوار الأكراد في العراق، بينما تنازل العراق عن جانب من حقوقه في شط العرب، وهو ما بدا بوضوح أنه صبّ في المحصلة في مصلحة طهران، بينما انحصرت استفادة بغداد من ذلك في إنهاء الإمداد الإيراني لحركة التمرد الكردية التي قادها الملا مصطفى البرزاني، ما قاد إلى نجاح الحكم العراقي في القضاء عليها.

أما عام 1979 فقد كان غير عادي بالنسبة لصدام حسين، إذ لم يكن منحه درجة الماجستير بتقدير امتياز في العلوم العسكرية مع شارة الركن في الأول من شباط (فبراير) منه؛ سوى حدث شكلي بالمقارنة مع سيشهده 16 تموز (يوليو) منه. ففي ذلك اليوم انتخب أميناً عاماً لقيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي، ورئيساً لمجلس قيادة الثورة ورئيساً لجمهورية العراق، وهي محصلة تلقائية لخروج البكر عن واجهة القيادة. وفي اليوم التالي من ذلك؛ تمت ترقيته إلى رتبة مهيب ركن، بينما انتخب في 8 تشرين الأول (أكتوبر) 1979 أميناً مساعداً للقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي.

كان العراق ينعم حتى تلك اللحظة التاريخية بانتعاش اقتصادي عززته الوفرة الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط. وحقق العراق مع نهاية السبعينيات جراء ذلك واحداً من أفضل معدلات الرفاه في الدول العربية، وهو ما كُتب له أن يتراجع باستمرار، عبر ربع قرن لاحق، ليصل بالعراق ضمن تداعيات حادة إلى أدنى مستوى ممكن من الفقر والجوع والمرض، على ضوء عقوبات دولية صارمة مدفوعة أمريكياً.

وقد بدأ الأمر مع حرب السنوات الثمان مع إيران، التي اندلعت في 4 أيلول (سبتمبر) 1980، ولم يهدأ أوارها إلا في 8 آب (أغسطس) 1988. كان ذلك وثيق الصلة مع التحول الثوري في طهران من حكم الشاه إلى نظام الجمهورية الإسلامية، والذي اغتنمه صدام حسين قبل بدء الحرب بخمسة أيام بإعلان إلغاء اتفاقية الجزائر. وخلال تلك الحرب؛ أفاد الرئيس العراقي من دعم دول الخليج العربية السخي له، ومن وقوف الولايات المتحدة والغرب إلى جانبه في بعض منعطفات الحرب للحيلولة دون رجحان كفة الجانب الإيراني.

إلاّ أنّ نهاية تلك الحرب الضارية لم تكن سوى قنطرة انتقال إلى تطورات أكثر خطورة، فصدام حسين الذي خرج ببلاده المنهكة من الحرب العراقية الإيرانية بروح المنتصر وإرادة المغامر؛ أخذ في فتح ملفات شائكة مع دول الخليج العربية لانتشال بلاده من مستنقعها الاقتصادي، ما قاد إلى زلزال الخليج، الذي كانت نبضته الأولى المدوية تتمثل في اجتياح القوات العراقية للكويت في صبيحة الثاني من آب (أغسطس) 1990.

جاء ذلك الحدث إيذاناً بتصفية الولايات المتحدة وحليفاتها لحسابات متراكمة مع الرئيس العراقي، الباحث عن دور إقليمي يليق بإمكاناته العسكرية الهائلة التي تراكمت خلال حربه مع إيران. فكانت حرب الخليج الثانية، التي لم تنته عند حدّ إخراج القوات العراقية من الكويت في "عاصفة الصحراء" مطلع سنة 1991، بل استكملت بحصار دولي خانق على العراق، معزز بضربات عسكرية انتقائية ضد أهداف عراقية على مدى اثنتي عشرة سنة.

تتويج ذلك كله تم في ربيع سنة 2003، عبر الحرب الأمريكية الثانية ضد العراق، والتي أطاحت بحكم صدام حسين بالفعل بعد نحو ربع قرن من الزمن، ليستغرق الأمر بين إزاحة تمثال صدام من ساحة الفردوس ببغداد في التاسع من نيسان (إبريل)، وإلقاء القبض عليه في الرابع عشر من كانون الأول (ديسمبر)؛ ثمانية أشهر كاملة.

خاض صدام حسين الكثير من المغامرات، وتميّز حكمه بالفردية المطلقة التي تنسجم إلى حد كبير مع المناخ العام في المنطقة، واشتهر بتصفية خصومه، وإقامة دولة بوليسية مكّنته من البقاء على سدة الحكم لمدة أربع وعشرين سنة. ورغم حملاته الكاسحة ضد الاضطرابات العنيفة التي شهدتها أجزاء في الشمال والجنوب؛ فقد نجح صدام في شغل هامش من مساحة الزعامة الشاغر في الشارع العربي، على خلفية عداء الولايات المتحدة الأمريكية له والحروب والعمليات العسكرية المتواصلة التي قادتها ضد العراق في عهده، وهو الهامش الذي لم يتح له حتى عندما كان يرفع لافتة الدفاع عن البوابة الشرقية للوطن العربي إبان حربه مع إيران.

ومع اعتقال صدام حسين، قد تكون السيرة السياسية الممتدة لهذا الرئيس العربي المثير للجدل قد طويت بالفعل، لكنّ المؤكد أيضاً؛ أنّ سيرة العراق، الذي يضطرب بين الاحتلال الضارب والمقاومة الضارية؛ تبقى مفتوحة إلى آفاق واسعة يصعب تقديرها.

14 / 12 / 2003السابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
  اتصل بنا  
   
   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ