مشاركات
سيناريوهات
التغيير في سورية
بقلم
: محمد الحسناوي*
التغيير قادم في سورية ، لكن
متى وكيف وإلى أين ؟
أما أن التغيير قادم فلأسباب
متعددة ، ليست الإرادة الأمريكية هي
العامل الوحيد ، ولا توقيع بوش الصغير
على قرار ( محاسبة سورية ) بالذات ، بل
لعله يكون القشة التي قصمت ظهر البعير
، لأن هناك عوامل داخلية لا تقل فاعلية
عن العوامل الخارجية ، بدءاً من تخشب
النظام طوال أربعة عقود ، وانتهاء
باختناقات الأوضاع الاجتماعية
والاقتصادية والأمنية وانتهاكات حقوق
الإنسان ، ونهب الثروات واستنزافها
بشكل منظم ، لم يتوقف يوماً ما ، وكلما
أحس الناهبون باقتراب ساعة النهاية
ازداد شرههم وتحويلهم الأموال إلى
المصارف الأجنبية .؟
الدرس العراقي السوري
على الرغم من تقديرنا لأهمية
المقاومة الوطنية العراقية ، وتأثيرها
في عرقلة الخطط الأمريكية الصهيونية
للمنطقة ، وجدوى استمرارها حتى إجلاء
قوات الاحتلال يوماً ما ، نرانا مضطرين
آسفين للنظر إلى المحصلة الأمريكية
للاحتلال بالقول : إنها محصلة راجحة
حتى الآن لمصلحة المخطط المعادي من
جهة ، ولها انعكاسات سلبية على
باقي دول المنطقة ، لا سيما القطر
السوري بالذات من جهة ثانية . فقد تحقق
للإدارة الأمريكية باحتلال العراق ما
يلي :
ـ خرق الإجماع الدولي ،
وتدشين ( الحقبة الأمريكية ) بالانفراد
والهيمنة من وراء مجلس الأمن وهيئة
الأمم المتحدة .
_ وجود أمريكي عسكري مباشر في
وسط المشرق العربي : الشرق الأوسط ،
يحمي المصالح الأمريكية النفطية ،
ويضمن استمرار الكيان الصهيوني من جهة
، ويؤثر في دول الجوار المحيطة بالعراق
من جهة ثانية .
_
إخراج قطر عربي كبير من ميزان المواجهة
العربية الإسلامية مع الكيان الصهيوني
، وإلى مدى غير منظور ، وهو قطر واعد
بطموحه العسكري ، وتمويله لأسر
الشهداء الفدائيين في الأرض المحتلة .
_
وضع اليد الأمريكية على النفط العراقي
، الذي هو أكبر احتياطي للنفط في
العالم ، فضلا عن احتكار الشركات
الأمريكية وحدها لعقود ما يسمى ( إعمار
العراق ) .
هذه المكتسبات الاستراتيجية
الأمريكية إذا قيست بالنزف اليومي
لدماء جنودها على أيدي المقاومة
العراقية .. تظل راجحة أمريكياً . فإذا
كان الجنود ، معظمهم مرتزقة ، يدفعون
ثمن الحصول على الجنسية الأمريكية ،
وكان مصاصو الدماء أصحاب الاحتكارات
لا يقيمون وزناً لأرواح الجنود مقابل
تحقيق أرباحهم ، اتضحت المعادلة أكثر .
وإذا كانت نسبة الخسائر في
أرواح الجنود الأمريكان في العراق
زادت على نسبتها في
( فيتنام ) ، فإننا نتساءل: لماذا لم
يتحرك الرأي العام الأمريكي بشكل كاف
للضغط من أجل الخروج من العراق حتى
الآن ؟ في الحقيقة ، إن وضع الرأي العام
الأمريكي ، يختلف اليوم عما كان عليه
أيام حرب فيتنام ، لأسباب منها : أحداث
أيلول ( سبتمبر ) الدامية من جهة ،
والعداء للعرب والمسلمين مضافاً إليه
التعبئة الصهيونية من جهة ثانية .
باختصار : كيف تؤثر هذه
المحصلة الأمريكية على مخططات التغيير
الأمريكية في المنطقة بعامة ، وفي
القطر السوري بخاصة ؟
إن المراهنة على المقاومة
العراقية لشغل القوات أو التهديدات
الأمريكية عن الانتقال إلى قطر آخر ،
هي مراهنة محفوفة بالمخاطر ، ومثلها
المراهنة على دور أوروبي رافض لقانون ( محاسبة
سورية ) أكثر من بيانات الشجب أو
الامتناع عن المشاركة في قوات التحالف
، كما جرى في المشكلة العراقية . وحتى
انكشاف زيف الدعاوى حول أسلحة الدمار
الشامل في العراق ، الذي أضعف الذرائع
لدى قوات التحالف ، لم يحل ولن يحول دون
تلبد غيوم الخطر فوق المنطقة العربية
والقطر السوري ، لأن الحملة الدولية
على ما يسمى ( الإرهاب ) ما تزال سارية
المفعول ، وحتى على الشاطئ الشرقي من
المحيط الأطلسي . وهذا يحملنا على
تقدير احتمال التدخل العسكري في الشأن
السوري ولو بذراع إسرائيلية بما لا يقل
عن 50% ، وهي نسبة لا يمكن التغاضي عنها
بأي حال .
كيف ومتى ؟
إن أبرز المعنيين المدركين
لتفاصيل المعادلة السورية الأمريكية
هما النظام السوري والمعارضة السورية
، وكل منهما تصرف وسوف يتصرف على ضوء
هذه المعطيات ، وهذا وحده كاف لدحرجة
كتلة الثلج ، وخلخلة الستار الحديدي ،
وبدء العد التنازلي .
أشكال التغيير المتوقعة
الاحتمال الأول : استسلام
النظام السوري الكامل للطلبات أو
الشروط الأمريكية : ( نفض اليد من قضية
فلسطين ، كالمنظمات الجهادية وحق
العودة – الانسجام التام مع الوضع
العراقي الجديد – توقيع سلام دائم مع
الكيان الصهيوني ، وتقليص
الجيش السوري عدداً و معدات ،
وتطبيع العلاقات ،
وتعديل مناهج التعليم )
مقابل الإبقاء على النظام السوري .
أما المسائل الأخرى ، مثل حقوق الإنسان
والديموقراطية والوجود السوري في
لبنان ، فذرائع استهلاكية لا أكثر .
أرجحية هذا الاحتمال تعود
لأسباب ، منها : قابلية النظام السوري
للتطويع ، بسبب انهياره الداخلي ،
وانفصاله المزمن عن شعبه ، لأن الشعب
عادة رأس مال الأنظمة الوطنية في
الملمات . إن الإدارة الأمريكية لا
ترفض هذا الحل ، لأنه يحقق لها أهدافها
بأقل كلفة تذكر ، فلا حرب ، ولا مجاوزة
لمؤسسات الأمم المتحدة ، ولا زيادة
للأعباء العسكرية والمالية ، ولا تعدد
لدوائر التدخل الأمريكي في أرجاء
المعمورة . وسبب آخر هو الخوف من البديل
السوري شعبياً أو إسلامياً ، وهي ورقة
لعب بها النظام السوري طويلاً وما يزال
.
لكن هل يمر هذا السيناريو من
غير تداعيات ، والشعب السوري
والمعارضة السورية ، غير قابلين لهذا
التطويع ، باعتراف مراكز الأبحاث
الأمريكية نفسها ، وهما السبب في تردد
النظام في كرع الكأس الأمريكية حتى
الثمالة . وقد وصف بعضهم دخول النظام
السوري للسرير الأمريكي بمثابة انتحار
أمام رفض المعارضة
والشعب السوري .
الاحتمال الثاني : انقلاب
عسكري ، بتواطؤ أمريكي ، أو باستفحال
الصراع بين مراكز القوة ، أو بالسببين
معا . والمعلوم أن هذا الصراع في قمة
الهرم لم ينقطع يوماً ما ، لكنه يزداد
شدة بسبب الظروف الضاغطة داخلياً
وخارجياً . فطالما أن الإرادة
الأمريكية سارية المفعول ، والالتحاق
بقطارها أسلم من التفرج .. ازدادت فرص
المتسابقين ، في نظام أُسس على
البندقية وحساب المغانم الشخصية .
هذا الاحتمال ، حرص النظام
على تجنبه طوال أربعة عقود ، لأن أي
تغيير من هذا النوع ، يفتح الباب
واسعاً لتداعيات ، لها أول وليس لها
آخر ، لكن رغبة النظام شيء ،
والاستحقاقات الموضوعية شيء آخر . وهذا
الاحتمال أيضاً هو أحد الأوراق الحمر ،
التي تلوح بها الإدارة الأمريكية فيما
تلوح أمام النظام السوري المرعوب .
وليس الأخ ماهر أو العم رفعت هما
البديلين الأولين والأخيرين ، فهناك
أباطرة الأمن العتاة ، وكبار الضباط من
عظام الرقبة ، وأولئك الذين جاؤوا
بالرئيس بشار ، وهم قادرون على الذهاب
به في الوقت نفسه .
الاحتمال
الثالث : تغيير نموذجي على النمط (
الجيورجي ) نسبة إلى جمهورية ( جيورجيا )
، سبق تجريبه بنجاح أمريكي في عدد من
دول المنظومة الاشتراكية ، سواء في
أوروبة ، مثل رومانيا وصربيا ، أو دول
أمريكا اللاتينية . وهو يتمثل بحركات
شعبية ، وعمليات إضراب واسعة ، وعصيان
مدني عام ، تشارك فيه باتفاق أو بغير
اتفاق ، كل من القوى الداخلية
والخارجية على حدّ سواء .
يعطي
هذا الاحتمال قابلية التحقق عددٌ من
الأسباب : أولها الاختناقات الداخلية
المتراكمة طوال أربعة عقود ، فقد أصبح
الوضع السوري كالدمل لا يحتاج لأكثر من
وخزة دبوس ، أو إلى عود كبريت ، حتى
تشتعل كومة القش الجاهزة للاشتعال .
حال دون ذلك في الماضي سيف القمع
الوحشي الذي اقترف مجازر جماعية في عدد
من المحافظات السورية
، تزامن مع صمت دولي . وهذا عامل سوف
ينقلب الآن عكسياً ، بسبب ما راكمه من
ردود فعل مكبوتة . ويبدو أن الظروف
الداخلية والخارجية لم تعد تتيح
لأجهزة القمع السورية تكرار بطولاتها
السابقة ، فقد بدأت ضغوط منظمات حقوق
الإنسان تؤتي أُكلها ، وشروط الشراكة
ألأوروبية تعمل عملها ، وفزاعة
الديموقراطية ، مصحوبة بالأقمار
الصناعية ، والإعلام الدولي تسنّ
أسنانها.
الاحتمال الرابع : انفتاح
النظام السوري أو جناح متنفّذ فيه ..على
الشعب السوري وقواه الوطنية ، في عملية
إنقاذ ، بإجراء مصالحة وطنية عامة ،
تبدأ بإصدار عفو عام عن معتقلي الرأي ،
وقانون أحزاب جديد ، وعقد مؤتمر وطني
لا يقصي فريقاً وطنياً ، ثم إجراء
انتخابات عامة حقيقية ، وتعديل
الدستور وإصلاح القضاء .. وصولاً إلى
دولة الحق والقانون .
هذا الاحتمال على أهميته
ووجوبه ، تحول دونه ثلاثة أسباب : أولها
رفض القوى الخارجية له ، ونخص بالذكر
الأوساط الأمريكية الصهيونية ، لأنه
يقطع الطريق على مخططاتها المبيتة .
ثانيها تخوف
السلطة المزمن أو أجهزتها القمعية من
المعارضة والشعب ، لكثرة ما ارتكب ضد
حقوق الإنسان ونهب الثروات العامة
والخاصة . ثالثها : خوف الشريحة
الطفيلية على مصالحها الخاصة التي لا
تتحقق إلا في ظروف استثنائية .
وللأمانة فإن أطراف المعارضة الوطنية
السورية أبدت مرانة كافية ، وقدمت
ضمانات غير قليلة للتعاطي مع مثل هذا
الاحتمال أو الحل ، تعاملاً حضارياً
ديموقراطياً ، يزيل مخاوف المتخوفين
من عمليات ثأر ، أو اضطراب حبل الأمن ،
أو ما شاكل ذلك ، مما يزعزع الوحدة
الوطنية ، لأن الهدف من مثل هذا
التغيير هو تدعيم الجبهة الوطنية
الداخلية ، والتصدي
للاستحقاقات الخارجية كلها ، شعباً
وحكومة وأحزاباً ومجتمعاً مدنياً
متماسكاً فعالاً .
الاحتمال الخامس : انفجار
شعبي عفوي بسبب تردي الحالة المعاشية
للجماهير الغفيرة ، وتفاقم معدلات
البطالة ، أو أي حادثة أحتكاك بين
الجماهير المأزومة جداُ وبين الأجهزة
القمعية المتشنجة . فرفع أسعار
المحروقات في الشتاء ، أو رفع الدعم
الرسمي عن ثمن الرغيف .. يمكن من فتح
الصنبور المحتقن ، ويهدم جدار الوهم
القمعي ، الذي كدس ردود فعل هائلة ،
تنتظر ساعة الاندفاع الرهيب .
الاحتمال الأسود
هذا مجمل الاحتمالات
المتوقعة من حيث التبسيط والإجمال ،
أما من حيث الإسقاط التطبيقي على
الواقع العياني ، فهناك احتمالات
متفرعة عن هذه الاحتمالات الكبرى
الأساسية ، لا تتعارض معها ، بل تؤكدها
. منها احتمال البدء بأحد الاحتمالات ،
ثم تطوره بالتداعيات أو المفاجآت إلى
احتمال أو بديل آخر ، مثل انقلاب الوضع
من أحد الاحتمالات ، وتحوله إلى حرب
أهلية ، وهذا بديل أسود ، يروق للقوى
الخارجية ، لا سيما الكيان
الصهيوني ، الذي يراهن على قيام دويلات
طائفية ، منذ زمن بعيد ، كما أوضح ذلك
الصحفي الهندي كارانجيا في الخمسينات
في كتابه ( خنجر إسرائيل ) ، وتؤكده
الوثائق والممارسات الصهيونية ، وترشح
له وقائع الاحتلال للقطر العراقي
الشقيق . إن هذا الاحتمال الأخير يرفضه
كل مواطن شريف ، لكن التمني شيء ،
والاستحقاقات حين تقع شيء آخر .
السؤال المطروح علينا نحن
السوريين كافة : ليس معرفة الخيار
الأرجح أو الأفضل وحسب ! بل ما الدور
المطلوب من القوى الوطنية ؟ لن نسأل
الأعداء ، ولن نلومهم ، لأن مصالحهم
تملي عليهم غير ما نريد أو غير ما تمليه
مصالحنا الوطنية ، لذلك يجب أن نسأل
أنفسنا ، والأولى أن نسأل النظام
السوري ، الممسك بمعظم أوراق الساحة
السورية حتى الآن ، أي هو صاحب الدور
الأول في ترجيح أحد الاحتمالات ، وهو
في الوقت نفسه مسؤول أخلاقياً
وقانونياً عن وحدة القطر السوري وأمنه
وسلامته ومستقبله وشرفه وكرامته ،
ماذا يختار : الشرف والكرامة مع شعبه ،
أم الذلة والمهانة مع المطالب
الأمريكية الصهيونية ؟
* كاتب سوري وعضو مؤسس في
رابطة أدباء الشام - لندن
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|