صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الخميس 25 - 12 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

مشاركات

سيناريوهات التغيير في سورية

بقلم : محمد الحسناوي*

التغيير قادم في سورية ، لكن متى وكيف وإلى أين ؟

أما أن التغيير قادم فلأسباب متعددة ، ليست الإرادة الأمريكية هي العامل الوحيد ، ولا توقيع بوش الصغير على قرار ( محاسبة سورية ) بالذات ، بل لعله يكون القشة التي قصمت ظهر البعير ، لأن هناك عوامل داخلية لا تقل فاعلية عن العوامل الخارجية ، بدءاً من تخشب النظام طوال أربعة عقود ، وانتهاء باختناقات الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية وانتهاكات حقوق الإنسان ، ونهب الثروات واستنزافها بشكل منظم ، لم يتوقف يوماً ما ، وكلما أحس الناهبون باقتراب ساعة النهاية ازداد شرههم وتحويلهم الأموال إلى المصارف الأجنبية .؟

الدرس العراقي السوري

على الرغم من تقديرنا لأهمية المقاومة الوطنية العراقية ، وتأثيرها في عرقلة الخطط الأمريكية الصهيونية للمنطقة ، وجدوى استمرارها حتى إجلاء قوات الاحتلال يوماً ما ، نرانا مضطرين آسفين للنظر إلى المحصلة الأمريكية للاحتلال بالقول : إنها محصلة راجحة حتى الآن لمصلحة المخطط المعادي من  جهة ، ولها انعكاسات سلبية على باقي دول المنطقة ، لا سيما القطر السوري بالذات من جهة ثانية . فقد تحقق للإدارة الأمريكية باحتلال العراق ما يلي :

ـ خرق الإجماع الدولي ، وتدشين ( الحقبة الأمريكية ) بالانفراد والهيمنة من وراء مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة .

_ وجود أمريكي عسكري مباشر في وسط المشرق العربي : الشرق الأوسط ، يحمي المصالح الأمريكية النفطية ، ويضمن استمرار الكيان الصهيوني من جهة ، ويؤثر في دول الجوار المحيطة بالعراق من جهة ثانية .

_ إخراج قطر عربي كبير من ميزان المواجهة العربية الإسلامية مع الكيان الصهيوني ، وإلى مدى غير منظور ، وهو قطر واعد بطموحه العسكري ، وتمويله لأسر الشهداء الفدائيين في الأرض المحتلة .

_ وضع اليد الأمريكية على النفط العراقي ، الذي هو أكبر احتياطي للنفط في العالم ، فضلا عن احتكار الشركات الأمريكية وحدها لعقود ما يسمى ( إعمار العراق ) .

هذه المكتسبات الاستراتيجية الأمريكية إذا قيست بالنزف اليومي لدماء جنودها على أيدي المقاومة العراقية .. تظل راجحة أمريكياً . فإذا كان الجنود ، معظمهم مرتزقة ، يدفعون ثمن الحصول على الجنسية الأمريكية ، وكان مصاصو الدماء أصحاب الاحتكارات لا يقيمون وزناً لأرواح الجنود مقابل تحقيق أرباحهم ، اتضحت المعادلة أكثر .

وإذا كانت نسبة الخسائر في أرواح الجنود الأمريكان في العراق زادت على نسبتها في        ( فيتنام ) ، فإننا نتساءل: لماذا لم يتحرك الرأي العام الأمريكي بشكل كاف للضغط من أجل الخروج من العراق حتى الآن ؟ في الحقيقة ، إن وضع الرأي العام الأمريكي ، يختلف اليوم عما كان عليه أيام حرب فيتنام ، لأسباب منها : أحداث أيلول ( سبتمبر ) الدامية من جهة ، والعداء للعرب والمسلمين مضافاً إليه التعبئة الصهيونية من جهة ثانية .

باختصار : كيف تؤثر هذه المحصلة الأمريكية على مخططات التغيير الأمريكية في المنطقة بعامة ، وفي القطر السوري بخاصة ؟

إن المراهنة على المقاومة العراقية لشغل القوات أو التهديدات الأمريكية عن الانتقال إلى قطر آخر ، هي مراهنة محفوفة بالمخاطر ، ومثلها المراهنة على دور أوروبي رافض لقانون         ( محاسبة سورية ) أكثر من بيانات الشجب أو الامتناع عن المشاركة في قوات التحالف ، كما جرى في المشكلة العراقية . وحتى انكشاف زيف الدعاوى حول أسلحة الدمار الشامل في العراق ، الذي أضعف الذرائع لدى قوات التحالف ، لم يحل ولن يحول دون تلبد غيوم الخطر فوق المنطقة العربية والقطر السوري ، لأن الحملة الدولية على ما يسمى ( الإرهاب ) ما تزال سارية المفعول ، وحتى على الشاطئ الشرقي من المحيط الأطلسي . وهذا يحملنا على تقدير احتمال التدخل العسكري في الشأن السوري ولو بذراع إسرائيلية بما لا يقل عن 50% ، وهي نسبة لا يمكن التغاضي عنها بأي حال .

كيف ومتى ؟

إن أبرز المعنيين المدركين لتفاصيل المعادلة السورية الأمريكية هما النظام السوري والمعارضة السورية ، وكل منهما تصرف وسوف يتصرف على ضوء هذه المعطيات ، وهذا وحده كاف لدحرجة كتلة الثلج ، وخلخلة الستار الحديدي ، وبدء العد التنازلي .

أشكال التغيير المتوقعة

الاحتمال الأول : استسلام النظام السوري الكامل للطلبات أو الشروط الأمريكية : ( نفض اليد من قضية فلسطين ، كالمنظمات الجهادية وحق العودة – الانسجام التام مع الوضع العراقي الجديد – توقيع سلام دائم مع الكيان الصهيوني ، وتقليص  الجيش السوري عدداً و معدات ، وتطبيع العلاقات  ، وتعديل مناهج التعليم )  مقابل الإبقاء على النظام السوري . أما المسائل الأخرى ، مثل حقوق الإنسان والديموقراطية والوجود السوري في لبنان ، فذرائع استهلاكية لا أكثر .

أرجحية هذا الاحتمال تعود لأسباب ، منها : قابلية النظام السوري للتطويع ، بسبب انهياره الداخلي ، وانفصاله المزمن عن شعبه ، لأن الشعب عادة رأس مال الأنظمة الوطنية في الملمات . إن الإدارة الأمريكية لا ترفض هذا الحل ، لأنه يحقق لها أهدافها بأقل كلفة تذكر ، فلا حرب ، ولا مجاوزة لمؤسسات الأمم المتحدة ، ولا زيادة للأعباء العسكرية والمالية ، ولا تعدد لدوائر التدخل الأمريكي في أرجاء المعمورة . وسبب آخر هو الخوف من البديل السوري شعبياً أو إسلامياً ، وهي ورقة لعب بها النظام السوري طويلاً وما يزال .

لكن هل يمر هذا السيناريو من غير تداعيات ، والشعب السوري والمعارضة السورية ، غير قابلين لهذا التطويع ، باعتراف مراكز الأبحاث الأمريكية نفسها ، وهما السبب في تردد النظام في كرع الكأس الأمريكية حتى الثمالة . وقد وصف بعضهم دخول النظام السوري للسرير الأمريكي بمثابة انتحار أمام رفض  المعارضة والشعب السوري .

الاحتمال الثاني : انقلاب عسكري ، بتواطؤ أمريكي ، أو باستفحال الصراع بين مراكز القوة ، أو بالسببين معا . والمعلوم أن هذا الصراع في قمة الهرم لم ينقطع يوماً ما ، لكنه يزداد شدة بسبب الظروف الضاغطة داخلياً وخارجياً . فطالما أن الإرادة الأمريكية سارية المفعول ، والالتحاق بقطارها أسلم من التفرج .. ازدادت فرص المتسابقين ، في نظام أُسس على البندقية وحساب المغانم الشخصية .

هذا الاحتمال ، حرص النظام على تجنبه طوال أربعة عقود ، لأن أي تغيير من هذا النوع ، يفتح الباب واسعاً لتداعيات ، لها أول وليس لها آخر ، لكن رغبة النظام شيء ، والاستحقاقات الموضوعية شيء آخر . وهذا الاحتمال أيضاً هو أحد الأوراق الحمر ، التي تلوح بها الإدارة الأمريكية فيما تلوح أمام النظام السوري المرعوب . وليس الأخ ماهر أو العم رفعت هما البديلين الأولين والأخيرين ، فهناك أباطرة الأمن العتاة ، وكبار الضباط من عظام الرقبة ، وأولئك الذين جاؤوا بالرئيس بشار ، وهم قادرون على الذهاب به في الوقت نفسه .

 الاحتمال الثالث : تغيير نموذجي على النمط ( الجيورجي ) نسبة إلى جمهورية ( جيورجيا ) ، سبق تجريبه بنجاح أمريكي في عدد من دول المنظومة الاشتراكية ، سواء في أوروبة ، مثل رومانيا وصربيا ، أو دول أمريكا اللاتينية . وهو يتمثل بحركات شعبية ، وعمليات إضراب واسعة ، وعصيان مدني عام ، تشارك فيه باتفاق أو بغير اتفاق ، كل من القوى الداخلية والخارجية على حدّ سواء .

 يعطي هذا الاحتمال قابلية التحقق عددٌ من الأسباب : أولها الاختناقات الداخلية المتراكمة طوال أربعة عقود ، فقد أصبح الوضع السوري كالدمل لا يحتاج لأكثر من وخزة دبوس ، أو إلى عود كبريت ، حتى تشتعل كومة القش الجاهزة للاشتعال . حال دون ذلك في الماضي سيف القمع الوحشي الذي اقترف مجازر جماعية في عدد من المحافظات  السورية ، تزامن مع صمت دولي . وهذا عامل سوف ينقلب الآن عكسياً ، بسبب ما راكمه من ردود فعل مكبوتة . ويبدو أن الظروف الداخلية والخارجية لم تعد تتيح لأجهزة القمع السورية تكرار بطولاتها السابقة ، فقد بدأت ضغوط منظمات حقوق الإنسان تؤتي أُكلها ، وشروط الشراكة ألأوروبية تعمل عملها ، وفزاعة الديموقراطية ، مصحوبة بالأقمار الصناعية ، والإعلام الدولي تسنّ أسنانها.

الاحتمال الرابع : انفتاح النظام السوري أو جناح متنفّذ فيه ..على الشعب السوري وقواه الوطنية ، في عملية إنقاذ ، بإجراء مصالحة وطنية عامة ، تبدأ بإصدار عفو عام عن معتقلي الرأي ، وقانون أحزاب جديد ، وعقد مؤتمر وطني لا يقصي فريقاً وطنياً ، ثم إجراء انتخابات عامة حقيقية ، وتعديل الدستور وإصلاح القضاء .. وصولاً إلى دولة الحق والقانون .

هذا الاحتمال على أهميته ووجوبه ، تحول دونه ثلاثة أسباب : أولها رفض القوى الخارجية له ، ونخص بالذكر الأوساط الأمريكية الصهيونية ، لأنه يقطع الطريق على مخططاتها المبيتة . ثانيها  تخوف السلطة المزمن أو أجهزتها القمعية من المعارضة والشعب ، لكثرة ما ارتكب ضد حقوق الإنسان ونهب الثروات العامة والخاصة . ثالثها : خوف الشريحة الطفيلية على مصالحها الخاصة التي لا تتحقق إلا في ظروف استثنائية . وللأمانة فإن أطراف المعارضة الوطنية السورية أبدت مرانة كافية ، وقدمت ضمانات غير قليلة للتعاطي مع مثل هذا الاحتمال أو الحل ، تعاملاً حضارياً ديموقراطياً ، يزيل مخاوف المتخوفين من عمليات ثأر ، أو اضطراب حبل الأمن ، أو ما شاكل ذلك ، مما يزعزع الوحدة الوطنية ، لأن الهدف من مثل هذا التغيير هو تدعيم الجبهة الوطنية الداخلية ،  والتصدي للاستحقاقات الخارجية كلها ، شعباً وحكومة وأحزاباً ومجتمعاً مدنياً متماسكاً فعالاً .

الاحتمال الخامس : انفجار شعبي عفوي بسبب تردي الحالة المعاشية للجماهير الغفيرة ، وتفاقم معدلات البطالة ، أو أي حادثة أحتكاك بين الجماهير المأزومة جداُ وبين الأجهزة القمعية المتشنجة . فرفع أسعار المحروقات في الشتاء ، أو رفع الدعم الرسمي عن ثمن الرغيف .. يمكن من فتح الصنبور المحتقن ، ويهدم جدار الوهم القمعي ، الذي كدس ردود فعل هائلة ، تنتظر ساعة الاندفاع الرهيب .

الاحتمال الأسود

هذا مجمل الاحتمالات المتوقعة من حيث التبسيط والإجمال ، أما من حيث الإسقاط التطبيقي على الواقع العياني ، فهناك احتمالات متفرعة عن هذه الاحتمالات الكبرى الأساسية ، لا تتعارض معها ، بل تؤكدها . منها احتمال البدء بأحد الاحتمالات ، ثم تطوره بالتداعيات أو المفاجآت إلى احتمال أو بديل آخر ، مثل انقلاب الوضع من أحد الاحتمالات ، وتحوله إلى حرب أهلية ، وهذا بديل أسود ، يروق للقوى  الخارجية ، لا سيما الكيان الصهيوني ، الذي يراهن على قيام دويلات طائفية ، منذ زمن بعيد ، كما أوضح ذلك الصحفي الهندي كارانجيا في الخمسينات في كتابه ( خنجر إسرائيل ) ، وتؤكده الوثائق والممارسات الصهيونية ، وترشح له وقائع الاحتلال للقطر العراقي الشقيق . إن هذا الاحتمال الأخير يرفضه كل مواطن شريف ، لكن التمني شيء ، والاستحقاقات حين تقع شيء آخر .

السؤال المطروح علينا نحن السوريين كافة : ليس معرفة الخيار الأرجح أو الأفضل وحسب ! بل ما الدور المطلوب من القوى الوطنية ؟ لن نسأل الأعداء ، ولن نلومهم ، لأن مصالحهم تملي عليهم غير ما نريد أو غير ما تمليه مصالحنا الوطنية ، لذلك يجب أن نسأل أنفسنا ، والأولى أن نسأل النظام السوري ، الممسك بمعظم أوراق الساحة السورية حتى الآن ، أي هو صاحب الدور الأول في ترجيح أحد الاحتمالات ، وهو في الوقت نفسه مسؤول أخلاقياً وقانونياً عن وحدة القطر السوري وأمنه وسلامته ومستقبله وشرفه وكرامته ، ماذا يختار : الشرف والكرامة مع شعبه ، أم الذلة والمهانة مع المطالب الأمريكية الصهيونية ؟  

* كاتب سوري وعضو مؤسس في رابطة أدباء الشام - لندنالسابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
  اتصل بنا  
   
   

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ