صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الخميس 15 - 01 - 2004م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

مشاركات

صفحة من حياة الراحل الدجاني

بقلم : محمد الحسناوي*

وفاء للأخ الراحل الدكتور أحمد صدقي الدجاني ، الذي له في عنقي يد بيضاء ، لا أنساها ، ولتاريخ جماعة الإخوان المسلمين (في سورية ) الذي لم يُدوّن بعد ..أكتب هذه السطور ، آمل أن يجعلها الله تعالى في صفحة أعمالي الخيرة .

بمناسبة وفاة الفقيد أبي الطيب كتب الكثيرون عن حياته الحافلة بالعلم والعمل والخلق النبيل ، لدرجة ظننتني في غنى عن الكتابة عنه ، ومع ذلك ترجح لديّ الإدلاء بدلوي ، وبحر الأخ الفقيد غزير قراح ، وليست الرؤية أو المعايشة  كالسماع .

الفترة الزمنية التي تعرفت فيها إلى المرحوم الدجاني ، هي فترة العمل العلني للأحزاب السورية بعد سقوط حكم الشيشكلي ( شباط 1954م ) وقبل قيام عهد الوحدة بين سورية ومصر ( شباط 1958م ) ، وهي المرحلة التي توصف بأنها ( مرحلة التجمع والانتشار ) بالنسبة إلى تنظيم الإخوان المسلمين ( انظر : موجز تاريخ جماعة الإخوان المسلمين – في سورية – ص89 – 95 ).

وللدقة كانت صلتي بالدكتور الدجاني على مرحلتين : أولاهما حينما كنت وإياه في شمال سورية ، أنا في جسر الشغور ، وهو في مدينة أريحا صيف 1954م ، هو متقدم علي في التنظيم والدراسة والعمر ، أي حين انتقلت من المرحلة الإعدادية إلى المرحلة الثانوية ، وحين كان قد دخل هو الجامعة السورية – قسم التاريخ من كلية الآداب .

في تلك المرحلة كان هو أحد النشطاء في مركز أريحا لجماعة الإخوان المسلمين ، وكنت أول انتسابي للتنظيم ، وعلى الرغم من صغر مدينة أريحا ( ناحية ) بالنسبة إلى مدينتا جسر الشغور ( قضاء ) كان العمل الإخواني في أريحا هو الأسبق والأنضج . ومن إدارة المركز : ( الإخوة المحامي جلال حسون والفرّاء المنشد أحمد البربور والأستاذ صديق البس والأستاذ الدجاني ) رحمهم الله تعالى جميعاً ، أخذنا ( أنا والأخ الأسير إبراهيم عاصي ) ضوابط افتتاح مركز للجماعة والمواصفات ، لا سيما الحيطة في ضمانة نفقات استئجار المقرّ : أي الاتفاق المسبق مع مجموعة من المنظمين الموثوقين ، على النهوض بالنفقات ، فيما لو انقطع الآخرون عن تسديد الاشتراكات ، فلا يقع المركز الفتي بعجز مالي ، مهما كان . أما الأستاذ إبراهيم عاصي ، فهو المؤسس والمسؤول الأول للجماعة في جسر الشغور منذ ذلك الحين ، حتى لحظة اعتقاله ( نيسان 1980 ) .

كان الأخ الدجاني آنذاك يعمل في ميدان التعليم ، وهو طالب جامعي  ، وكان يحب المطالعة ، ويوجه أنظارنا إلى مؤلفات الكاتب ( ديل كارنيجي ) ، مثل كتابه ( كيف تكسب الأصدقاء ) ، وكان هو نفسه نموذجاً عملياً لأقواله : شاب أسمر البشرة ، ممشوق القد ، سامق القامة ، ممتليء الجسم من غير سمنة ، بسام الوجه ، لا تكاد الابتسامة العذبة تغادر محياه ، مع صوت خفيض لطيف كالهمس ، وبحّة خاصة في صوته ، ألوف حيي ، كالشامة بين إخوانه .

 أما المرحلة الثانية ، فهي التقاؤنا في دمشق العاصمة بعد ثلاث سنوات تقريباً ، هو في الصف االثالث أو الرابع الجامعي ، وأنا في صف الشهادة الثانوية ( جودة الهاشمي ) ثم قسم اللغة العربية في الجامعة .

في تلك الفترة كان هو مسؤول أسرتي التنظيمية ، كما كان في قيادة العمل الطلابي مع الأستاذ أكرم ... وصلتهما مباشرة بالأستاذ عصام العطار والدكتور السباعي رحمه الله تعالى .

رغبت إليه في لقاءات الأسرة أن يجعل حصة التوجيه من المادة العلمية في كتاب (التربية الإسلامية) المقرر آنذاك لطلاب الثانوية ، وكانت مادة غنية . وسبب طلبي هو تشجيع زملائي الطلاب للانتساب إلى الجماعة بعد حضورهم معي لقاءات هذه الأسرة مع الأخ الدجاني ، وقد استجاب للطلب بأريحية ونجاح .

وفي تلك الفترة ، كانت الحياة السياسية لسورية تعاني من تعاظم نفوذ (التجمع القومي ) البرلماني الذي يقوده حزب البعث العربي الاشتراكي ( بعد اندماج البعث والاشتركي ) وكتلة من ضباط الجيش والاستخبارات ، واتصال هذه الكتلة بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، تمهيداً للوحدة بين القطرين . ولم يرفض الإخوان المسلمون الوحدة ، بل أصروا على الوحدة الاندماجية بعد ذلك  ، كما رفضوا التوقيع على وثيقة الانفصال ، فيما بعد . ومع ذلك كانت الخصومات السياسية الضيقة ، وصلت بالمسؤولين عن ( الأمن) السوري ..آنذاك للتحرش بجماعة الإخوان ، التي لم تكن في ( التجمع القومي ) ، كمصادرة مجلتهم الأسبوعية ( الشهاب) من الأسواق عرفياً ، أي بغير حكم قضائي ، وبإلقاء متفجرات بجوار( المركز العام للجماعة ) أكثر من مرة ، للإرهاب ، ولصرف الناس عن الجماعة ، ولم تقع ضحايا ، والحمد لله .

في تلك الفترة طلب منّا عريف أسرتنا ( مسؤولها ) الأخ الدجاني أن نحضر إلى مقر ( المركز العام للجماعة ) لحراسته ، وذلك بالسهر طوال الليل ، والمصابيح الكهربائية مضاءة في المبنى ، لإشعار المعتدين بوجود مناوبين ، ولم نحمل سلاحاً . وكان من أعضاء الأسرة الذين أتذكرهم : الإخوة محمد بسام ، وأسامة ... وفي تلك السهرة التاريخية علّمنا الأخ الدجاني الأدعية المأثورة في الركوع ( سبَوح قدوس ربّ الملائكة والروح ) وفي السجود ( اللهم اغفر لي ذنبي كلّه ، دِقَّه وجِلَّه ، أولَه وآخرَه ، علانيتَه وسِرَّه ) .

كانت رسالة الدجاني الجامعية لنيل شهادة الإجازة (الليسانس ) في قسم التاريخ من كلية آداب جامعة دمشق ..هي بعنوان ( جماعة الإخوان المسلمين في سورية) ، وقد رأيتها مطبوعة على ( الجستتنر) في حوالي خمسين صفحة من قطع ( فولسكاب ) ، وهذه جرأة أدبية منه ، وإخلاص لجماعته ، في أن يخصص عمله الجامعي للحديث عنها .

ومن الأيادي البيض للمرحوم الدجاني عليّ ..إسداؤه النصيحة ، التي كان لها دور في حياتي العلمية والعملية . فقد نجحت في مسابقة ( دار المعلمين العليا – كلية التربية ) ، وهي فرصة نادرة لطالب مثلي ، لا تسمح الظروف له بمتابعة الدراسة الجامعية في العاصمة ، ومسكنه في شمال سورية . ومن مقتضيات الدراسة ، أي نيل راتب شهري ( للعزب 150 ليرة سورية ، والمتزوج 175 ل.س ) أن يلتزم الطالب بالتوقيع للدولة على عقد ، يوافق بمقتضاه على أن يدرّس في المدارس الإعدادية والثانوية السورية ثلاثة أضعاف مدة دراسته الجامعية ( 4 سنوات للغة العربية و1 سنة دبلوم عامة في التربية ) أي 15 خمس عشرة سنة ، فأجفلت من شرط الارتباط بعمل ما لمدة خمس عشرة سنة ، فنقلت مخاوفي إلى عريف أسرتي ( وهو بمثابة أبي وأخي الكبير ) ، فابتسم ، وقال : طيب ماذا تريد أن تدرس في الجامعة ؟ قلت له : لغة عربية ، أي القسم الذي سوف أدرس فيه على حساب كلية التربية . فقال لي : وماذا ترغب أن تعمل بعد التخرج من الآداب ؟ وكأن هذا السؤال لم يخطر ببالي من قبل ، وأنا أعيش في المثاليات وهواية الأدب . بعد تفكر قليل ، قلت له : سوف أعمل في الصحافة . أشرق وجهه مرة ثانية ، وقال : وهل الصحافة تطعم خبزاً اليوم ؟ فقلت: ما العمل إذن ؟ قال باطمئنان : إن مستقبلك هو أن تكون مدرس لغة عربية ، دخلت كلية التربية ، أو لم تدخل ، لكن توقيعك لهذا العقد – وهو تحصيل حاصل – يعينك على الدراسة براتب شهري من الدولة حتى التخرج والانتقال إلى الوظيفة ، كما أن هذا العقد يضمن لك موقعاً في وزارة التربية والتعليم منذ الآن ، على حين أنت مضطر إذا درست على حسابك ، ولم توقع هذا العقد ، إلى التقدم إلى مسابقة جديدة لانتقاء المدرسين ، وتخضع لاحتمال النجاح أو الرسوب من جديد ، فما رأيك ؟ قلت : سوف أوقع فوراً راغباً ، مطمئن البال . وهكذا كان . وجاءت أيام تمّ فيها إلغاء نظام ( دار المعلمين العليا) بعدنا مباشرة ، كما صارت المسابقات في وزارة التربية للمدرسين ، ليست وقفاً على الكفاءة – للأسف – بل للولاءات الحزبية ، بل محجوبة على الإسلاميين ، ولا سيما خريجي كلية الشريعة ، وتفاقم الأمر إلى حدّ النقل التعسفي للمدرسين الإسلاميين إلى أعمال حكومية شكلية ، مثل مكتب دفن الموتى . وفي الثمانينات من القرن الماضي ، تطور الاضطهاد إلى إقامة مجازر جماعية في التعليم والقضاء وغيرهما من المؤسسات . ثم يسألونك : لماذا نحن متخلفون ؟

على أن آخر ذكرى أحفظها للأخ الدجاني تصديه في عهد الوحدة بين القطرين للكاتب المصري ( غالي شكري ) ، وهو معروف بمغالاته في حب الثقافة الغربية ، والتشنيع على الحضارة العربية  الإسلامية ، وهو في الوقت نفسه أمين على خط خاله الكاتب سلامة موسى ، يمجد أفكاره ، وينتصر له . فقد نشرت مجلة ( الآداب ) اللبنانية الشهرية – وكانت آنذاك طليعة الأدب العربي القومي ... مقالة لغالب شكري سفّه فيها التراث العربي الإسلامي ، وبتحامل مكشوف ، يزعم فيه الفضل كله للغرب والحضارة اليونانية بالذات . فنهض للردّ عليه كل من المرحوم الدجاني والدكتور محمد عادل الهاشمي ، بمقالتين موضوعيتين دامغتبين في عدد واحد من المجلة ، كان عنوان إحداهما ، كما أذكر : ( حضارتنا ثورة عقلية ) .

هذه بعض ذكرياتي عن الأخ الدجاني قبل ارتحاله إلى القاهرة ، لمتابعة الدراسة العليا ، وتدريسه في إحدى جامعاتها ، وعمله في ميدان القضية الفلسطينية عضواً مؤسساً لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وعضواً في مجلسها التشريعي ، ثم نائباً لرئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان ، وغير ذلك من الأنشطة ، ونشره الكتب ، وحضوره المؤتمرات ، وإسهامه الناجح  في قيادة ( المؤتمر القومي ) الإسلامي ، وغيره من المؤسسات العربية والإسلامية .

أولئك إخواني ، فجئني بمثلهم     إذا جمعتْنا يا جريرُ المَجامعُ

* عضو المؤتمر الأول للحوار الوطني السوري - لندنالسابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
  اتصل بنا  
   
   

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ