على
سورية أن تقرر فيما إذا كانت
ستقف
بمفردها وتتحدى أمريكا
تقرير
أنطون لاجارديا بخصوص سلسلة ردود
الأفعال التي تكتسح الشرق الأوسط
من
عدد صحيفة تلغراف البريطانية الصادر
بتاريخ 22 كانون الاول2003
ترجمة
محمد ديب كور/حلب
إن
الحرب في العراق قد دشنت سلسلة ردود
أفعال سياسية في الشرق الأوسط؛ففي
الشهر الماضي أقرت إيران باستخدام
اليورانيوم والبلوتونيوم لأغراض
عسكرية,والآن توافق ليبيا على تفكيك
برنامجها النووي السري حتى الآن.ولكن
هل ستتبع"الدول الشريرة" الأخرى
في المنطقة هذين المثالين؟
سورية
المعزولة بشكل بائس بوصفها المعقل
الأخير للبعثية,تتعرض لضغط مكثف
للانحناء لإرادة أمريكا.
يشير
المسؤولون البريطانيون أيضاً إلى
بدايات تغييرات أخرى قد تحول المنطقة-إيران
يمكن أن تتشجع لتعزيز تعاونها مع
الغرب؛العربية السعودية تسرع بلطف
عملية الإصلاح السياسي البطيء
والمؤلمة. والسودان,الذي كان مقراً
رئيسياً لأسامة بن لادن,يوشك الآن أن
يبرم اتفاقية سلام يرعاها الغرب
لإنهاء الحرب الأهلية الطويلة.
*******************
مقدمة
المترجم
تعبر
المقالة التالية عن توجهات السياسة
البريطانية الحصيفة المندرجة في مشروع
التحالف الأنجاوسكسوني-الصهيوني ضد
العرب والمسلمين الذي يستهدف ثرواتهم
ومقدراتهم وتاريخهم وحاضرهم
ومستقبلهم . وحصافة السياسة
البريطانية ترتكز إلى خبرة عريقة في
تعاملها مع الأنظمة العربية المصابة
دوماً بجنون الاستئثار بالسلطة وهاجس
المحافظة عليها؛حيث تحرص بريطانيا على
تقديم النصح لحليفها الكاوبوي بأن لا
يقتصر في تعامله على العصا الغليظة,
وأن يلوح إلى جانبها بجزرة ما للحكام,
المستعدين دائماً في سبيل البقاء على
كرسي الحكم,لتغيير جلودهم والانسلاخ
عن عروبتهم وعدم التنازل لشعوبهم
وإطاعة أوامر أسيادهم في تجريد
أوطانهم حتى من سكاكين المطبخ!
بل
وصل الأمر أن يقدم أحد مشايخ السلطة في
بلد خليجي على الدعاء في بيت الله
متضرعاً للباري عز وجلّ أن يبارك سواعد
جنود أمريكا لما يقومون به في العراق
من قتل وأسر واغتصاب وتجويع وإذلال
وتدمير البيوت على ساكنيها واقتلاع
النخيل!
هكذا
تتحقق على الأرض أهداف إمبراطورية
الشر ألأمريكية-الصهيونية والني يمكن
اختصارها إلى:
1-
أ)الحفاظ
على تفوق عسكري إسرائيلي مطلق على كل
العرب والمسلمين ليس على صعيد الأسلحة
التقليدية فقط بل بالاستئثار أيضاً
بترسانة رهيبة من أسلحة الدمار الشامل
تحوي من الأسلحة النووية ما لا يقل عن
200 رأس ووسائل إطلاقها من طائرات
هجومية وغواصات وصواريخ متوسطة وبعيدة
المدى.
ب)إقامة
إسرائيل التوراتية"من النيل إلى
الفرات" بدءاً من اتفاقيات
الاستسلام والتطبيع الشامل وصولاً
للهيمنة الصهيونية
سياسياً واقتصادياً على المنطقة
2-
أ)السيطرة
الأمريكية الكاملة على المخازن الكبرى
للنفط العالمي:نفط الخليج العربي,العراق,ليبيا,السودان,بحر
قزوين,إيران وفنزويلا
ب)
التحكم باقتصاد العالم والسيطرة عليه
وبالتالي منع نشوء قطب دولي منافس
إنهم
يريدون اقتلاع أظافرنا قبيل الانقضاض
علينا- كما فعلوا مع العراق-فهل تحذو
بقية الأنظمة العربية والإسلامية
المستهدفة حذو جماهيرية القذافي
العظمى وتسهل عليهم المهمة؟! أم تبادر
تلك الأنظمة فتتنازل لشعوبها وتقاوم!!!
*******************
تبدو
سورية صامتة بشكل صارخ وسط جوقة تهاني
نهاية الأسبوع لإعلان ليبيا أنها
ستفكك أسلحة الدمار الشامل لديها,كجزء
من صفقة أبرمتها مع أمريكا وبريطانيا.
"نحاول
سورية أن تحني رأسها للعاصفة" أفاد
مسؤول كبير في الحكومة البريطانية "ولكنه
الآن معرض للسقوط فعلاً.فهي ليس لها
أصدقاء."
لا
تبدو دمشق على أنها تسعى لامتلاك
برنامج تسلح نووي,ولكن المخابرات
الغربية قد لا تكون دقيقة في هذا
الخصوص.يقر المسؤولون البريطانيون
أنهم قد " دهشوا" لاكتشاف أن ليبيا
قد حصلت فعلاً على أجهزة الطرد المركزي
اللازمة لتخصيب اليورانيوم.على أية
حال,يعتقد أن سورية لديها أضخم ترسانة
من الأسلحة الكيماوية في المنطقة,وقدرات
صاروخية متنامية.ودمشق لا تخفي دعمها
لمجموعات واسعة من المتطرفين
الفلسطينيين واللبنانيين.
كان
الرئيس الراحل حافظ الأسد قد كوفىء
بسخاء لإرساله قوات سورية لمساعدة
أمريكا في تحرير الكويت عام 1991.وفي
المقابل غضت واشنطن الطرف عن تحطيم
سورية لمقاومة المسيحيين الموارنة في
لبنان وعن بسط سيطرتها الكاملة على
البلد.
ولكن
ابنه بشار,الرئيس السوري الحالي,والذي
كان يعتبر في البدء إصلاحيا حقيقياً,قد
استثار غضب واشنطن بعرقلته الحرب في
العراق,وبشكل خاص في فشله منع
المقاتلين العرب من عبور الحدود
السورية إلى العراق للانضمام إلى
المقاومة العراقية ضد القوات
الأمريكية
من
أولى الإجراءات التي بادرت إليها
الإدارة الأمريكية عقب السيطرة على
بغداد هو قطع الأنبوب الذي يزود سورية
بنفط عراقي رخيص..بعد ذلك بشهرين أعطى
البيت الأبيض علامة الاستحسان
لإسرائيل على قصفها قاعدة إرهابية
مفترضة للجهاد الإسلامي في سورية.وفي
الشهر الأخير,وقع الرئيس جورج دبليو
بوش قانوناً أقره الكونجرس يهدد بفرض
عقوبات على دمشق إذا لم تغير من
سياساتها. لسنوات
عديدة شغلت سورية مركزاً استثنائياً-مصنفة
كدولة راعية للإرهاب من قبل أمريكا,ومع
ذلك كانت تلقى معاملة ودية من واشنطن
بأمل الوصول إلى اتفاقية سلام عربية-إسرائيلية
شاملة.
الآن
سورية محاطة من ثلاث جهات بأعداء
أقوياء-إسرائيل إلى الجنوب,تركيا إلى
الشمال,,ومؤخراً الجيش الأمريكي إلى
الشرق.إن الأزمة بالنسبة لنظام بني على
الأيديولوجية القومية العربية
المناضلة تتمثل في أن الاستسلام المذل
لأمريكا قد يعادل اقتراف الانتحار
السياسي-وبشكل خاص إذا كان يقضي بأن
تقوم سورية بتدمير أسلحتها الكيماوية
بينما تترك إسرائيل وبحوزتها ترسانة
مرعبة من الأسلحة النووية.إذا كانت
الحرب على العراق قد برهنت عن
الإرادة الأمريكية في استعمال
القوة ضد أولئك الذين تعتبرهم بمثابة
تهديد,فإن الصفقة مع ليبيا قد تكشف أن
هناك جزرة ما تستعد واشنطن لتقديمها
لأولئك الذين يتعاونون.
يعتقد
المسؤولون البريطانيون أن ليبيا تريد
تحسين علاقاتها مع الغرب لتصلح نظامها
الاقتصادي-وبشكل خاص لجذب شركات النفط
الأمريكية للعودة إلى ليبيا وتطوير
حقول النفط فيها.
والعقوبات
الأمريكية هي أيضاً موضع التنفيذ ضد
طهران,ويأمل المسؤولون البريطانيون
بأن الانتقال الناجح لليبيا من عدو إلى
صديق قد يقنع الإصلاحيين في طهران أن
الأمر يستحق جهدهم في التوصل إلى تفاهم
مع "الشيطان الأكبر"
في
ظل صفقة أبرمت بواسطة بريطانيا وفرنسا
وألمانيا,فان طهران علقت "مؤقتاً"
برنامجها لتخصيب اليورانيوم,وفي
الأسبوع الماضي وقعت اتفاقية تسمح
للأمم المتحدة بعمليات تفتيش مفاجئة
على منشآتها النووية.ولكن تبقى هناك
المسائل المتعلقة ببرامجها الكيماوية
والبيولوجية,ودعمها للمجموعات
الإرهابية.
.ومع
زيادة إنتاج النفط في كل من العراق
وليبيا بعد سنين من العزلة,فإن الأهمية
الأسنرانيجية للعربية السعودية بنظر
أمريكا قد تتضاءل.
تحت
وطأة ضغط واشنطن والمتطرفين في الداخل,فإن
الأسرة السعودية الهرمة باشرت عملية
ذات مسارين متلازمين-باعتمادها مقاييس
أكثر تشدداً ضد المناضلين الاسلاميين,
والإعلان عن إصلاحات حذرة, بادئة
بانتخابات محدودة لمجالس استشارية
محلية.
وفي
نفس الوقت,فإن السودان,الذي كان بوتقة
لحركة القاعدة,يحاول أن يبدل وضعه
الشاذ منذ هجمات 11 أيلول على أمريكا.وبمساعدة
الوسطاء الأمريكان والبريطانيين
والترويجيين فإن الخرطوم الآن على وشك
إتمام اتفاق سلام مع الجيش الشعبي
لتحرير السودان المتمرد لإنهاء سنين
من الحرب الأهلية.
وهذا,
بدوره,سوف يفتح حقول نفط السودان
للتطوير الغربي.
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|