مشاركات
وصل
إلى برق الشرق :
سورية
: الوطن .. المواطن .. ونظام الحاكم
يحلو لآبائنا ومن بقي حيا من
أجدادنا، أن يعيدوا على مسامعنا
،أبناء وأحفادا، قصص البطولات التي
سطروها في شوارع حلب وبساتين غوطة
دمشق،وفي جبل العرب، وعلى امتداد مجرى
نهر العاصي مرورا بحمص وحماة وجسر
الشغور، وعلى ضفة هذا النهر الشرقية في
جبل الزاوية، وفي الساحل السوري من
طرطوس جنوبا إلى مصب العاصي في خليج
السويدية قرب أنطاكية شمالا. وكلما
انتهى واحد منهم من سرد ذكرياته تحسر
قائلا : أين تلك الأيام التي حررنا فيها
أرضنا من المستعمر،من أيامكم التي
ضيعتم فيها بعض تلك الأرض؟ ولا ندري
إلى أين سيصل بكم الأمر.
ونترك حديث الذكريات هذا بعض
الوقت ونتلفت حولنا،يمينا وشمالا،
لنرى كيف كان حال سورية بعد الاستقلال.
أما الوطن، فقد كان في ظل
الحكم الوطني،الذي أعقب الاستقلال -رغم
تواضع أعداد الجيش السوري وسلاحه-
يحاول أن يكون الند القوي لحكومة
الاغتصاب الإسرائيلي، يرد على العدوان
بمثله،وعلى القصف بقصف أشد يطال
المستعمرات الصهيونية،جنوب هضبة
الجولان، عندما كانت ما تزال تحت الحكم
السوري. وقد سجل لنا تاريخ تلك الهضبة
أن الرئيس "شكري القوتلي" وقائد
الجيش "عفيف البزري" ذهبا إلي
الجبهة والقنيطرة – من دون حراسة- بعد
معركة التوافيق الشهيرة التي هزم
العدو فيها شر هزيمة. (.. يراجع بتوسع ما
كتبه في القدس العربي يوم 17/10/2003،جريس
الهامس رئيس شعبة الدفاع المدني في
القنيطرة عن بطولات الجيش السوري في
عامي 56- 57 من القرن الماضي).
ولكن
كيف أصبح المشهد العام لهذا الوطن
الآن؟.
فقد حكم الوطنيون الذين
شاركوا في معركة الاستقلال على مدى
عشرين عاما من عام 1946 إلى عام 1963.البعض
منهم حاول أن يستثمر ذلك الاستقلال
لمصلحة كل الشعب السوري، وأراد آخرون،
-وهم ضباط ساهم بعضهم في حرب استقلال
سورية، وآخرون ركبوا الموجة- أن يعيدوا
صياغة نظام الحكم وفق أهوائهم فجرفتهم
السياسة،وهوت ببعضهم إلى الاعتقال
والتشريد والقتل، خارج الوطن وداخله،
واستطاع بعضهم ،بما أوتي من حنكة
وبراغماتية،أن يستثمر ما تعب غيره في
إنجازه،فتربع على سدة الحكم ردحا من
الزمن، ولكن إلى حين.
ولكن أين المواطن السوري من
كل تلك الأحداث؟ بل أين الوطن كله
نتيجة لتلك الأحداث؟ وإلى أين وصل
الجميع تحت حكم حزب البعث خلال أكثر من
أربعة عقود.
أصبح
هذا الوطن الآن منقوصا ،بعد أن انسحبت
قيادة الجيش السوري البعثية في حزيران
من عام 1967 ،كيفيا، من معظم هضبة
الجولان، بدون قتال.
والعدو الإسرائيلي يهاجم
بطائراته حدود وعمق سورية، وآخرها كان
قصفه موقع"عين الصاحب" 25 كيلو
مترا جنوب دمشق، فتخترق الطائرات
المغيرة أجواء سورية،والصمت المطبق
يخيم على الصواريخ والمدفعية، التي
أكل الصدأ حديدها، أما أجهزة إنذار
الجيش وراداراته فقد كانت في نوم عميق.
ولم نجد من نظام حزب البعث ردا على ذلك
العدوان، إلا إعلانا ضعيفا بأن من حق
سورية الرد على هذا العدوان ، وكأن
القضية هي فقط تأكيد حق الرد من عدمه،
أمام كمرات الفضائيات، ثم ينتهي الأمر!.
ولم يكن المواطن السوري أحسن
حالا من الجندي السوري، بعد أصبح هذا
المواطن مستضعفا لا حول له ولا قوة. فهو
مشغول بتدبير إطعام أسرته، ولا وقت
عنده للسياسة، التي أصبحت من الترف
الذي لا يفكر فيه، إن لم نقل من
المحرمات التي قد تودي به إلى السجن.
لقد اغتال حكم حزب البعث
كبرياء المواطن السوري وأحلامه. فقد
كان هذا المواطن في الخمسينيات من
القرن الماضي ،وحتى بداية عهد الوحدة
مع مصر في عام 1958، يمشي وقامته مرفوعة،
حاضرا في صنع اقتصاد الوطن من خلال
مشاركته الفعالة في نهضة الاقتصاد كرب
عمل ينفق ما يملك في مصانع منتجة،
وكعامل يعمل وينتج ويأكل طعامه بكد
يمينه،لا يخاف أن يضيع عليه قرش واحد
عند رب العمل بعد أن ضمن له قانون العمل
حقه. وحاضرا في صنع سياسة بلده من خلال
مشاركته الفعالة في انتخابات مجلس
النواب، الذين لم يكونوا "أرجل
كراسي" كما يقول المثل العامي، بل
كان النائب منهم –إذا شعر أن هناك
أمورا تجري في كواليس الحكومة- يرفع
الكرسي الذي يجلس عليه في وجه الوزير
أو في وجه رئيس مجلس الوزراء ،وحتى في
وجه رئيس مجلس النواب، لايخاف أن "يبهدله"
هذا الرئيس كما فعل "عبد القادر
قدورة" بمنذر الموصللي في الجلسة (إياها)،التي
تم فيها "فبركة" إحدى مواد
الدستور لكي تصبح على المقاس المطلوب ،
يوم وفاة الرئيس حافظ الأسد في 10
حزيران من عام 2000 .
بل من منا ينسى حضور المواطن
السوري أثناء "العدوان الثلاثي" (البريطاني
الفرنسي الإسرائيلي) على الشقيقة مصر.
فقد قام المواطنون السوريون -ومن دون
العودة إلى الحكومة السورية- بتدمير
أنبوب النفط العراقي –خط التابلاين-
المار عبر سوريا بعد أن أغلقت الحرب
قناة السويس في وجه ناقلات النفط التي
كانت تمد الصناعة الأوروبية بشريان
الحياة. بل لن أجاوز الحقيقة إذا قلت،
أن الشارع السوري قد أفشل محاولات جر
سورية إلى الانضمام إلى "حلف بغداد"
الذي أنشأته أمريكا، حيث سعت في حينه
لبسط نفوذها من خلال مبدأ "أيزنهاور"،
الذي يقضي بإملاء الفراغ في الشرق
الأوسط، الذي نشأ بعد خروج بريطانيا
وفرنسا من المنطقة،وقد كان عراب ذلك
الحلف وزير خارجية أمريكا في ذلك الوقت
"جون فوستر دالاس" .
لن يجد المراقب السياسي كبير
عناء لكي يكتشف أن سورية ،كنظام ووطن
ومواطن، قد أصبحت في خطر ماحق يهدد
وجود الثلاثة معا. وإنه لمما يؤسف له أن
النظام السوري لم يحاول ،ولو لمرة
واحدة، أن يعود إلى المواطن السوري
يستفتيه في المشاكل التي تحدق بسورية
بسبب السياسات الخاطئة التي اعتمدها
هذا النظام على مدى أربعة عقود. تلك
السياسات لم تطعم جائعا كان جوعه بسبب
سياسة النهب المنظم التي مورست من قبل
معظم سدنة هذا النظام، ولم تحرر أرضا
ضيعها هذا النظام. بل إن الأخطر من كل
ذلك، أن تلك السياسة جعلت نظام الحكم
وسدنته في واد، والمواطنين السوريين
بكل شرائحهم في واد آخر.
لقد استمرت سياسة حزب البعث
تعزف –في الظاهر- على نغمة عداوة
أمريكا معظم فترة حكم نظام حزب البعث.
وعندما كانت تحق الحقيقية كنا نجد هذا
النظام يصفّ حيث يصفّ ذلك العدو
الأمريكي.
فكم كانت فاجعة المواطن
السوري عندما رأى الجيش السوري ،في عام
1991، يحارب تحت راية الجيش الأمريكي،
وضد من؟ ضد الجيش العراقي، الذي عدا عن
كونه جيشا عربيا شقيقا، فهو يشكل جيش
النظام الذي يحكم باسم حزب البعث في
العراق.
وكم كانت مصيبة الوطن فادحة
،عندما سمحت سلطات حزب البعث لأن يتسلل
-بل ربما في عز النهار- إلى مدينة حلب
الشهباء عاصمة الشمال السوري أكثر من40
عنصرا من عناصر المخابرات المركزية
الأمريكية، جاؤوا يقتفون آثار محمد
عطا المتهم رقم واحد في تفجيرات
نيويورك وواشنطن في 11 أيلول 2001. ولقد
كان التنسيق يجري على قدم وساق بين
أجهزة الأمن السورية ونظيراتها
الأمريكية فيما سمي الحرب على الإرهاب.
كما أن جمعيات حقوق الإنسان
ذكرت أن أجهزة الأمن السورية سلمت أكثر
من ثلاثين ألف ملف لسوريين معارضين،
إلى أجهزة الاستخبارات الأمريكية
لتنقب فيها، علها تجد بينها من تضيفه
إلى قائمة التسعة عشر الأصلية أو
القوائم الملحقة، علما أن هذا التقليد
لم تفعله أي دولة من قبل، لأنه يتنافى
مع السيادة ومع الكرامة الوطنية.........
فما ذا يفعل الآن هذا النظام
وقد بدأ شارون وبوش يقرعون عليه
الأبواب؟. تلك قصة أخرى، نرجو أن تتاح
لنا الفرصة لنستشرف آفاقها
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|