مركز
الشرق العربي ينشر دراسة الدكتور
الزعبي على أنها وجهة نظر تعبر عن رأيه
المحترم في فضاء الحوار الوطني .
مشاركات
وصل
إلى برق الشرق :
شعار
المصالحة الوطنية في سورية
بين
المعلن والمسكوت عنه
د. محمد أحمد الزعبي / لآيبزغ ـ
ألمانيا
1.
مدخل منهجي .
يرغب
الكاتب أن يشير في مفتتح هذه المقالة ،
ومن منظور سوسيولوجي ، إلى عدد من
القضايا ذات الصلة المباشرة و / أو غير
المباشرة بالموضوع
الذي نحن بصدده، التي يمكن أن تجعلنا
أقرب إلى الموضوعية في تناولنا لهذا
الموضوع الدقيق والحساس كما يبدو من
عنوانه .
1.1
لقد
شهدت ، وما تزال ، المرحلة الإنتقالية
من القرن العشرين إلى القرن الواحد
والعشرين ، هجوماً إعلامياً كاسحا على
كل من عقول وجيوب كافة سكان كرتنا
الأرضية بقاراتها الخمس ، وذلك بعد أن
حولت التكنولوجيا الفائقة التطور
العالم إلى قرية مفتوحة يمكن
فيهاللجميع أن يعرف مايظهره وما يبطنه
الجميع . إن مانود أن نتوقف عنده بخصوص
هذه الهجمة الإعلامية ،هو أن أهدافها
سواء المعلنة أو غير المعلنة ،
ليست بريئة ولا نظيفة بحال ، ذلك أن
" المرسل " هنا هو حفنة من
الرأسماليين الذين يسعون إلى تزييف
وعي " المتلقي " الذي
يتمثل بأكثر من 90% من مستضعفي هذا
الكوكب . إن وسائل الإتصال والإعلام لم
تعد كما كانت عليه حالها قبل عدة عقود ،
صاحبة الجلاله أو السلطة الرابعة ،
وإنما تحولت الآن ، وفي ظل هذا النظام
العالمي
الجديد
،إلى مايمكن ان نطلق عليه
صاحب الجلالة ألا وهو الملياردير
الذي يمتلك هذه الوسائل ، ويحاول من
خلالها ، وبالتعاون والتكامل مع تكنولوجيا السلاح إعادة صياغة
العالم ، بما يؤمن تخليد النظام
الرأسمالي ، واعتباره " نهاية
التاريخ " .
1.
2
إن
من أبرز أشكال محاولات وسائل إعلام
صاحب الجلالة لتزييف الوعي العالمي ،
ولا سيما في الوطن العربي
، العمل الدؤوب والمدروس ، على
تسويق عدد من الشعارات اامد لّسة ،
التي أصبح الناس يرددونها لكثرة
التركيز الإعلامي عليها ، كما لو كانت
حقائق
علمية سليمة ومحايدة
، في حين أنها لاتعدو أن تكون مجرد كلمة
حق يراد بها
باطل . من هذه الشعارات والمقولات
وهذا
على سبيل المثال وليس الحصر ـ : الممثل
الشرعي والوحيد ، الأرض مقابل السلام ،
حرب تحرير العراق ،الدولةـ الملتبسة
الفلسطينية
، محاربة الإرهاب ، أسلحة الدمار
الشامل ، الديمقراطية وحقوق الإنسان ،
السلام العادل والشامل ...الخ .
إن
شعار " المصالحة الوطنية " بين
المعارضة السورية ونظام دمشق الراهن
الذي تطرحه بعض فصائل هذه المعارضة
يمكن
أن
يندرج في
إطار هذه الشعارات والمقولات ـ
الإشكالية ، ولكن ليس من حيث كونه
كلمة حق يراد بها باطل ، فالمعارضة
السورية ، بمختلف فصائلها وأطيافها هي
أكبر من ان تنحدر إلى هذا المستوى
الأخلاقي والسياسي ، وإنما من حيث كونه
صرخة
في
واد، ولا سيما في ظل هذا النظام
الوراثي وغير الشرعي من ألفه إلى يائه،
ولعل النظام نفسه
هو الذي يعتبر طرح المعارضة
لهذا
الشعار ، في مثل هذا الظرف ( احتلال
العراق ) عبارة عن كلمة حق يراد بها
باطل ، علما أن مضمون كل من الحق
والباطل عند النظام ، هو غيره عند
المعارضة .
1.
3
إن
محاولة شخص ما، أو جماعة ما الاستئثار
بالسلطة، هي مسألة قديمة قدم
المجتمعات البشرية. وقد كانت دائما
موضع اهتمام
المفكرين
والفلاسفة عموما ،وعلماء الإجتماع
خصوصا ، ذلك أن ظاهرة الاستئثار
بالسلطة هي التي استدعت وتستد عي
نقيضها
أي
" المعارضة " لهذا الاستئثار .
ورأينا أن نورد في هذه العجالة أبرز
التفسيرات السوسيولوجية
لكلا الظاهرتين الإجتماعيتين:
*
فحسب العلامة عبد الرحمن بن خلدون (ت 1406م)
، فإن من طبيعة الملك( بضم الميم)
الانفراد بالمجد ، " وذلك ان الملك
..
إنما هو بالعصبية ، والعصبية متألفة من
عصبات كثيرة تكون واحدة منها أقوى من
الأخرى كلها ،فتغلبها وتستولي عليها .[1].
"
ويتابع
في مكان آخر من المقدمة ،وفي ضوء
تجربته الشخصية الميدانية ، " ثم إن
الملك منصب شريف ملذ وذ يشتمل على جميع
الخيرات الدنيوية والشهوات البدنية
والملاذ النفسانية ، فيقع فيه التنافس
غالبا ،وقلّ أن يسلمه أحد لصاحبه إلا
إذا غلب( بالضم)
عليه
فتقع المنازعة ، وتفضي إلى الحرب
والقتال والمغالبة .[2]."
. ولا يفوت أبو زيد أن يشير إلى النتائج
المأساوية التي يمكن
أن
تترتب على مسألة الاستئثار بالسلطة
التي تستلزم بالضرورة ممارسة "
الظلم " على المعارضين من قبل محتكر/
محتكري
السلطة ، فيقول : " فإن الملك (
بفتح الميم) إذا كان قاهرا باطشا
بالعقوبات ... شملهم ( يقصد الناس) الخوف
والذ ل ولاذوا
منه
بالكذب والمكر والخديعة فتخلّقوا بها
، وفسد ت بصائرهم وأخلاقهم ، وربما خذ
لوه في مواطن الحروب والمدافعات "[3]
*ومن جهتها ، فإن الماركسية
ترى ، أن التاريخ البشري بأسره
" كان تاريخ نضال بين الطبقات ،
الطبقات المستثمرة والطبقات
المستثمرة ،الطبقات السائدة والطبقات
المسودة ... وأن هذا الصراع هو محرك
التاريخ نحو الأمام ، وأنه يتم وفق
قوانين
كبرى
عامة تضرب جذورها عميقا في الإقتصاد .[4].."
، ويرى إنجلز
أنه " في مجتمعات مقسمة إلى طبقات
متصارعة ، فإن جميع الصراعات
التاريخية ، سواء جرت على الصعيد
السياسي أم الديني أم الفلسفي ، أو في
مجال أيديولوجي مختلف تماماً ، ليست في
الواقع سوى تعبير واضح بدرجة أو بأخرى
عن الصراعات الطبقية ..[5]."
*
أما عالم الاجتماع الهنغاري كارل
مانهايم ، فقد رأى أنه لايمكن اختزال
الانقسام وبالتالي الصراع الاجتماعي
بالصراع الطبقي
ذلك
ان المجتمعات البشرية تتكون من فئات
اجتماعية متعددة ومتباينة ومتداخلة
ومتصارعة أيضا . ويرى مانهايم أن هذه
الفئات
تكون
منقسمة بين " مجموعتين "
إجتماعيتين ، واحدة في السلطة ،
والأخرى في المعارضة . وبينما تتبنى
الأولى أيديولوجيا
واقعية
معتدلة ، تتبنى الثانية طوباوية
متطرفة ، ولكنها عندما تصل إلى السلطة
على أساس هذه الطوبى ، سرعان ماتنراجع
عنها
للتتبنى
أيديولوجيا واقعية جديدة ، الأمر الذي
يؤدي إلى ظهور مجموعة إجتماعية جديدة
بطوباوية جديدة ، وهكذا دواليك .[6]
.
ويتمثل
المخرج من هذه الحلقة المفرغة بنظر
مانهايم ، بتصدي فئة " محايدة " ( !!
) من التكنوقراط ، البعيدة عن كل من
الطوبى
والأيديولوجيا
معاً . ويبدو أن مانهايم هنا قد خانته
الفطنة فوقع في فخ الطوباوية بامتياز .
*
ولعل من المفيد هنا أيضا الإشارة إلى
ماورد في القرآن
الكريم حول
هذا الموضوع ، حيث جاء في سورة البقرة(الآية
251 )
قوله
تعالى " ولولا دفع الله الناس بعضهم
ببعض لفسد ت الأرض " صدق الله العظيم
.
وقبل
الخروج من هذا المدخل المنهجي ، لابد
من التوكيد على أن الإجماع على موضوعية
وطبيعية الإنقسام وبالتالي الصراع في
المجتمعات البشرية ، كان يقابله
ويوازيه إجماع آخر ، الا وهو ضرورة
ضبط هذا الصراع ، بل وتوظيفه
توظيفا إيجابيا في خدمة
تطوير
وتنمية هذه المجتمعات . ولعل قانون "
وحدة وصراع المتضادات " الجدلي ،
الذي يجد تطبيقه العملي في شعار
الديمقراطية
بات
المخرج والملاذ الوحيد لكافة الشعوب
والأمم من مآزقها السياسية
والاجتماعية والأخلاقية ، ذلك أنه
يقوم على الجمع الخلاّق
لكل
من إيجابيات وسلبيات هذا الصراع ،
وتحويل المجتمعات البشرية إلى واحات
للحب و الخير والجمال ، بدلا من أن تظل
ساحات للنزال
والطعان بين الذئاب والحملان .
2.
غني
عن القول أن الديمقراطية تفترض وتشترط
التعد د ية الإجتماعية والاقتصادية والثقافية
، وبالتالي السياسية .وبدورها فإن
التعد دية إنما
تعكس وتنعكس ـ نظريا وعملياً ـ عن
الوجود الموضوعي لكل من السلطة
والمعارضة في أي مجتمع . والسؤال الذي
يطرح نفسه هنا هو متى ولماذا يصل
الخلاف والإختلاف في الآراء والمواقف
بين النظام الحاكم ومعارضيه إلى مرحلة
الاحتراب وإسالة الدماء ، بل وإلى الإستعانة بالأعداء ( كما
حصل ويحصل الآن في العراق ) ؟ ، وهل يمكن
أن يصل الاختلاف في المواقف والآراء
بين نظام سياسي ما ومعارضيه الى مرحلة
تصبح معها المصالحة الوطنية ممتنعة ،
سواء بسبب أحد الطرفين أم بسببهما معاً
.؟
إن
معارضة نظام سياسيى ما ـ كما نراها من
جهتنا ـ يمكن (
وفي إطار مبدا النسبية دائما ) أن تكون :
وطنية / غير
وطنية و/أو
مشروعة /غير مشروعة
و/ أو ممكنة
/ غير ممكنة . وبغض النظر عن مسألة
الإمكانية / عدم الإمكانية ، فإن
المعارضة الوطنية المشروعة لنظام
سياسي ما ، لابد أن يكون السبب الكامن
وراء خيارها هذا واحد اً أو أكثر من
الأسباب الجوهرية التالية :
ـ
أن يكون النظام المعني قد فرّط أو أنه
يفرّط بما تعتبره تلك المعارضة
الثوابت الوطنية و/أو القومية
، التي لايمكن المساس بله
التفريط
بها ، أي أن الأمر هنا يتعلق بالتفريط
بالغاية دون الوسيلة ،
ـ
أن يكون النظام المعني سلطة
ديكتاتورية قمعية
، ولكنه لم يفرط بالثوابت الوطنية
والقومية ، بل إنه يعتقد أن هذه
الديكتاتورية تستلزمها ضرورة
المحافظة على هذه الثوابت . أي ان الأمر
هنا يتعلق بالتفريط بالوسيلة وليس بالغا ية . إن ماغاب
عن هذه
الرؤية
الأيديولوجية البائسة ، هو أن الغاية
والوسيلة هما وجه الميدالية وظهرها ،
ويرتبطان معا في علاقة جد لية ، بحيث أن
التفريط في أحد الطرفين لابد أن يعني
ويؤدي إلى التفرط بالآخر ضرورةً .
ـ
أن يكون النظام المعني قد فرّط
أو انه يفرط ، بكل من
الغاية والوسيلة معا ، أي أنه نظام
قمعي وغير وطني في نفس الوقت.
.وكما
هو واضح هنا ،فإن التناقض بين المعارضة
الوطنية والنظام المعني، إذا ماكان من
النوع الأول والثالث ، فإنه يقع في
دائر
التناقض
الرئيسي التناحري الذي لا مجال فيه ـ
وفق رؤيتنا ـ للمصالحة الوطنية إلا في إحدى
حالتين :
أ.
تخلي النظام
السياسي المعني عن مواقفه السياسية
والأيديولوجية المتعارضة مع
الثوابت الوطنية والقومية ، وهو
مايعني العودة إلى الديمقراطية
،والاحتكام إلى الإرادة الشعبية .
ب.
العمل على إزاحته عن السلطة ، باللجوء
إلى مختلف الوسائل المشروعة ، وإقامة
نظام وطني ديمقراطي بديل ، وذلك
عبر
صناديق
الإقتراع ، ولكن هذه المّرّة ، بصورة
شفافة ونظيفة ونزيهة ، بعيداً عن مهزلة
ال99% الممجوجة ، وعن ترتيبات "
بالروح بالدم..." الأمنية البائسة ،
وعن الإجراءات الديمقراطية الشكلية
المزيّفة ، كتلك التي حدثت في سوريا في(
حزيران2000 )عندما تحولت
سورية
إلى جمهورية وراثية، إن لم نقل مزرعة
شخصية يرثها
الإبن عن أبيه !!، وأيضا وأيضا بعيدا عن
نتائج الـ 100 % المثيرة للشك ، والتي لم
تصمد أمام عواصف وثعالب وعقارب وأ فاعي الصحراء السامة والقاتلة، إن لم
نقل أن البعض قد تواطأ معها .
أما
إذا كان النظام من النوع الثاني ، فإن
من مسؤولية بل من واجب كل من المعارضة
والنظام معا ، أن يسعى إلى إقامة حوار
بناء
وهادف
مع الطرف الآخر على أساس المسؤولية
المشتركة وبما يؤدي إلى مصالحة وطنية تضع
مصلحة الوطن والأمة فوق كافة
الإعتبارات
الأخرى ، أيا كان حجمها وشكلها
ونوعها .إن مقولة المصالحة الوطنية
إنما تستند بصورة أساسية إلى مفهوم
المواطنة
الذي
يمثل البوتقة الجغرافية والتاريخية
لجميع أبناء الوطن على أساس التساوي
بالحقوق والواجبات دون تمييز بينهم
على أساس
عرقي
أو مذهبي أو جهوي أو
أيد يولوجي . وغني عن القول أن
التساوي في الحقوق والواجبات إنما
ينطوي على مبدأ الديمقراطية
الذي
ينطوي بدوره على
مبدأ التبادل السلمي للسلطة على قاعدة
أن المسؤولية الوطنية هي فرض عين وليس
فرض كفاية.
3
.
كثيرا
ماتتداخل إشكالية السلطة ـ المعارضة
مع إشكالية أخرى هي مسألة الأ قليات في
بعض ـ إن لم يكن كل ـ المجتمعات العربية
. إن مانرغب الإشارة إليه في وحول هذه
المسألة ـ الإشكالية
بصورة أساسية هو :
ـ
أن التركيب المجتمعي في الوطن العربي
عامة ، ومنه المجتمع السوري الذي نحن
بصد ده الآن ، يتميز بالتداخل والتشابك
بين نوعين من الإنقسام ، جرى التعارف
على تسميتهما من قبل علماء الإجتماع
المختصين والمهتمين بالانقسام العمودي ( الإثني، الد يني،
الطائفي
القبلي،
الجهوي ) والأ فقي ( الطبقي ) المرتبط
أساسا بالاقتصاد وبالذات ملكية وسائل
الإنتاج . والكاتب يفترض فيما يخص هذا
الانقسام
انه
كلما كان الانقسام الأفقي في مجتمع
ماأرجح وأوضح، كلما كان هذا المجتمع
اقرب إلى التطور والحداثة ولا سيما في
المجال المادي
والعكس
بالعكس . إن الإشارة السابقة إلى مسألة
الأرجحية لاتعني بحال أننا نستبعد
الجوانب الإيجابية التي ينطوي عليها
الجانب العمودي
ولا
سيما القيم الدينية
وأيضاً كل ماهو إيجابي من منظومة
القيم القبلية ؛ أو اننا نتغاضى عن
سلبيات الصراع الطبقي في الجانب
الأفقي.
إن
مانتبناه في هذا المجال هو تكوين
إجتماعي تنصهر في بوتقته كافة الجوانب
الإيجابية في الانقسامين المعنيين .
ـ
يندرج في إطار الإنقسام العمودي ،
مسألة الدور المتميز الذي تلعبه الأ
قليات على كافة الصعد السياسية
والاجتماعية والثقافية في العديد
من
الأقطار العربية ، ومن بينها سورية .
ويعني الكاتب بمفهوم الأقليات كافة
المجموعات الإجتماعية التي تنتمي إلى
عصبية معينة، إثنية أو دينية أو قبلية
أو طائفية ، غالبا مايتم تغليفها بغلاف
أيديولوجي، يمكن
أن يكون صحيحا أو مزيّفا . واستنادا الى
معرفتنا الميدانية
لهذه
الظاهرة الإجتماعية ، عبر معايشتنا
لها في سورية ، وإلى حد ما في العراق ،
توصلنا هنا أيضا إلى الفرضية
السوسيولوجية التالية :
"
إن الأقلية ـ
بصورة عامة ـ يمكن أن تلعب دورا
إيجابيا وتقدميا عندما تكون في
المعارضة ، ولكنها إذا ماوصلت إلى
السلطة ، بما هي
أقلية
، فإن هذا الدور الإيجابي سوف ينقلب
إلى ضده . أي أن الدور الذي يمكن أن
تلعبه أية أقلية خارج العملية
الديمقراطية الشرعية، هو سلبي بالقوة
عند ماتكون في المعارضة ، وسلبي بالفعل
إذا ماوصلت إلى السلطة بما هي أقلية
،سواء أكان هذا الوصول على ظهر دبابة
عدوة
أو صد يقة ،
وسواء مارست دورها علانية ، أم حاولت
التلطّي وراء شعارات حزب ما أو دين
معين يمكن أن يكونا منها براء
4
.
تتمثل
المعارضة الوطنية السورية للنظام
القائم في دمشق الآن ،والمستمر منذ
أربعة عقود ، بالجناحين الأساسيين
التاليين :
ـ
المعارضة الشعبية العامة ( المعلن
منها والمستتر ) للنظام
بما هو نظام طائفي / ديكتاتوري
عسكري / استغلالي فاسد .
ـ
المعارضة الحزبية ، المتمثلة
بصورة أساسية بـ : الإخوان المسلمين ،
جناحي حزب البعث العربي الإشتراكي في
كل من العراق
( القيادة القومية / ميشيل عفلق )
وسورية ( حزب البعث الديمقراطي العربي/
حركة 23 شباط66 ) ، الحزب الشيوعي السوري
( المكتب
السياسي ) ، التيار الناصري
ولا سيما حزب الإتحاد الإشتراكي (
جمال الأتاسي ) ، حزب العمل الشيوعي
، شخصيات وطنية مستقلة بمن
فيهم المجموعة المحسوبة على
الأستاذ صلاح الدين البيطار .
حالت،
وما تزال، جملة من العوامل الذاتية
والموضوعية دون توحد هذه المعارضة في
جبهة وطنية موحدة، محددة الأهداف
والرؤى
على
المستويين الاستراتيجي والتكتيكي ولو
على برنامج الحد الأدنى وبما يؤدي إلى
استعادة سوريا لد ورها القومي
التاريخي المعروف .
أبرز
هذه العوامل ـ من وجهة نظرنا ـ هي
:
* لقد ظهرت هذه التنظيمات على مسرح
المعارضة للنظام السوري الحالي بصورة
متتالية ومتتابعة اعتبارامن عام 1958/الوحدة
وحتى
حركة حافظ الأسد " التصحيحية !" 1970
بل وحتى الآن .
ومن الناحية العملية ، فإن كافة هذه
المجموعات ( باستثناء الإخوان
المسلمين)
قد شاركت في الحكم في مرحلة ما ، سواء
بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، ومارست
بالتالي دور المعارضة لبعضها بعضا ،
بل
إن هذه الممارسة قد وصلت عند البعض حد العنف الدموي
في بعض الحالات والظروف ، ناهيك
عن الإنقلابات العسكرية .
*
لقد خلقت هذه الخلفية التاريخية
السلبية حالة من عد م الثقة بين أطراف
هذه المعا رضة ، بحيث أن كل طرف بات
يتعامل بتحفظ مع
كل
طرف ، بل
ويخشى من أنه لو عاد
إلى السلطة ثانية فلربما " تعود حليمة لعادتها
القديمة" ، من
حيث احتكار السلطة ومصاد رة الرأي
الآخر ، والعودة إلى
شعار " النخبة " المعصومة ،
والمسؤولة وحدها
عن مصير ومستقبل الوطن والأمة
!.
*
تعاني معظم فصائل المعارضة السورية
مما يمكن أن نطلق عليه " التوأمة " ذلك
أنها غالبا ماتمثل نصف
التوأم الذي نصفه الآخر عضو في
مايسمى " الجبهة الوطنية التقدمية
" التابعة للنظام الذي تعارضه هذه
الفصائل . هذا
مع العلم أن الأبواب والتخوم عادة
ماتكون
مفتوحة
بين الطرفين للعبور في كلا
الإتجاهين ، وهو أمر قد حصل ويحصل بالفعل
.
*التعارضات
في المواقف والرأي حول عدد من القضايا الاستراتيجية
الهامة بين هذه الفصائل . علما أن المو
قف الحقيقي لبعض هذه
الفصائل
من بعض هذه القضايا يكتنفه الغموض
والإزدواجية ، ونخص الموقف من القضية
الفلسطينية وبالذات
من الحلول الدولية
والعربية والفلسطينية المطروحة ؛
الموقف من معالجة الطبيعةالطائفية
والوراثية للنظام السوري
؛ الموقف من ظاهرة صدام حسين ...الخ .
*
التناقضات الأيديولوجية ، الظاهرة
والمضمرة ، بين التيارين الأساسيين :
الإسلاميين و العلمانيين، والذي
يتجاوز في منظور الطرفين
(
ولا سيما المثشد د ين منهما ) مسألة الإ
ختلاف المشروع في الرأي ، إلى مسألة
القضايا المبد ئية التي تمثل بالنسبة
لكل منهما خطّاً أحمر لايدخل في باب
التسامح وحرية الرأي ، وبطبيع الحال
فإن هذه التناقضات تتفاوت بين حزب وحزب
وبين فئة وأخرى .
ولابد
من التنويه هنا إلى أن المسافة التي
كانت تفصل
بين الطرفين، قد
تقلصت الآن بشكل ملحوظ ، حيث
أدّ ت عملية الحوار الجاد
والمسؤول
بينهما ، إلى انعقاد
" المؤتمر التحضيري للحوار حول
مشروع الميثاق الوطني " في لند ن في الفترة من 23
إلى 25 آب 2002 تحت شعار " سوريا
لجميع أبنائها " وحضرته شخصيات
وطنية من الطرفين المذكورين، وتم
خلاله التوافق على هذا المشروع الذي
وضعت مسودته الأساسية جماعة الإخوان
المسلمين ( البيانوني) ، والذ ي صدر في
نهاية المؤتمر تحت اسم
الميثاق الوطني في سورية .
5.
لانذيع
سرا إذا ماقلنا ان النظام السوري
الحالي ،هو نظام أقلية طائفية . بيد أن
النقيض الموضوعي لهذا النظام لابد ان
يسير في الإتجاه
المعاكس
، أي أن يكون نظام
أغلبية غير طا ئفية ، وبتقديرنا
فإن تبني الطرح العلماني
هو الذي سوف يساعد المعارضة السورية
على التوحّد وتجاوز
سلبيات الماضي . هذا مع العلم أننا نفهم
العلمانية ، بصورة جد بسيطة مفادها أن
الدين لله والوطن للجميع ، الأمر الذي
يعني
أن العلمانية لا تتعارض مع الدين ولا
مع التد يّن،
وأن الدين بدوره لايقف
ضد تساوي كافة أبناء الوطن الواحد في
الحقوق والواجبات، والتي هي مطلب
د يني قبل ان تكون مطلبا د نيوياً .
إن
غياب الجماهير الشعبية في سورية عن
المسرح السياسي ، ومصادرة دورها
في الحياة العامة ، كان السبب
الجوهري لكافة الهزائم
والنكسات
بل والمصائب التي شهدتها الأمة ، سواء
في الماضي القريب ( هزيمة 1967 ) او في
الحاضر ( احتلال العراق) ، الأمر الذي
جعل
ويجعل من الديمقراطية
الممر الإجباري
الذي ينبغي لكافة أطراف المعارضة
أن تسلكه ، سواء باتجاه بعضها بعضا ، أو
باتجاه بعض منها نحو محاولة
" المصالحة الوطنية " ؛
كما أنها ـ أي الديمقراطية ـ
ينبغي أن تكون أيضا الممر الإ
جباري للنظام ، للتخلص من
طابعه
الطائفي ،
وقبوله بهذه
المصالحة الوطنية ، وبتبعات هذا
القبول ، وإلا فستظل
سورية تدور في حلقة
المسكوت عنه المغلقة
، التي مازالت تد ور فيها منذ عدّة
عقود ، وسيكون عليها من الآن أن تكون
مستعدة لحكم الحفيد بعد أن استسلمت
لحكم الإبن.
إن
الديمقراطية لاتعتبر ـ بنظرنا ـ مجرد
وسيلة لغاية ، بل إنها
وسيلة وغاية معا وفي نفس الوقت ،
ذلك أن الإنسان ، سواء بما هو مواطن فرد
، أو بما هو جزء من جماعة إجتماعية ما ،
هو غاية السياسة ، وهو وسيلتها أيضا
لتحقيق هذه الغاية ، وإذ ن فإن تكبيله
وتقييد
حريته
إنما يتماهى ـ نظريا وتطبيقيا ـ مع وضع
المبادئ الوطنية والقومية لهذه
السياسة في
دائرة الخطر . ولعل
المثال العراقي يعتبر نموذجا صارخا
لتوكيد هذه المقولة ، مع تقد يرنا
العالي للمقا ومة الباسلة التي يبد
يها أهلنا في العراق الآن،
إسلاميون وعلمانيون، في التصدي
للإحتلال الأمريكي ـ البريطاني
البغيض . كما
أن احتلال إ سرائيل لهضبة الجولان عام
1967، والاستمرا ر الصامت لهذا الاحتلال
منذئذ وحتى هذه اللحظة
يمثل بدوره نموذجا لايقل وضوحا
لتوكيد ذات المقولة، بالنسبة للنظام
السوري ،
ولا حاجة بنا إلى ذكر بقية الأنظمة
العربية فهي لاتقل بؤسا ، فيما يتعلق
بالمسألة الديمقراطية ، عن النظامين الذكورين
، إن لم تكن ـ في المحصلة النهائية
ـ أسوأ منهما ؛ ذلك أن الديكتاتورية
لاتتجسد بحكم الفرد الواحد فقط ،
وإنما أيضاً بحكم ، الطائفة الواحدة ،
والأسرة الواحدة ،
والحزب الواحد ،
والإثنية الواحدة ( في المجتمعات
المتعددة الإثنيات ) ...الخ.
6.
تنطوي
مبادرة المصالحة
الوطنية بالشكل الذي لمسناه ونلمسه في
كثير من أد بيات العد يد من أطراف
المعارضة السورية للنظام
القائم
في دمشق على
خللين أساسيين :
الأول ، هو أنها ذات اتجاه واحد ( من
المعارضة إلى النظام) ، الأمرالذي
يتعارض مع أبجديات
المصالحة التي تقتضي أصلاً حوارا بين
متحاورين اثنين مستعدين لسماع بعضهما
بعضا ، وبنفس الوقت ينبغي أن
يكون كل
طرف
منهما على قناعة بأنه لايملك وحده
الحقيقة ، وان عند الطرف الآخر مايجب
سماعه ، وأن الرجوع إلى الحق خير من
التمادي
في
الباطل . أما الخلل الثاني فيتمثل
، في ان المصالحة الوطنية تكون واردة
فقط ، عندما تكون التناقضات القائمة
بين النظام والمعارضة
هي
من نوع التناقضات الثانوية ،التي يمكن
حلها بإزالة العوائق والعقبات التي
تحول دون هذه المصالحة ؛ أما إذا كانت
هذه التناقضات من نوع التناقضات
الرئيسية، فإن المصالحة الوطنية ربما
تكون هنا ، مجرد شعارات تبطن أكثر مما
تظهر ، والمسكوت عنه فيها أكبر من
المعلن . إننا لاننكر أن نظام
الجمهورية الوراثية ، يحاول أن يقوم
ببعض الإجراءات الإيجابية المحدودة
على الصعيد الداخلي، ولا سيما
بعد
التاسع من نيسان 2003 ( احتلال بغداد) ،
بيد أن ذلك لا يمثل
سوى نوع من
القنابل الد خانية التكتيكية للتغطية
على تراجعاته الآستراتيجية
في القضايا القومية ولا
سيما على صعيد القضيتين
الفلسطينية والعراقية وقبل ذلك
وبعده على صعيد الإحتلال الإسرائيلي
للجولان
، حيث يمثل السكوت المطبق والمطلق على
هذا الاحتلال ، شهادة حسن السلوك التي
يقدّمها النظام لأمريكا وإسرائيل
مقابل بقائه
في السلطة . إننا
في الوقت الذي لانعارض فيه مثل هذه
المحاولة للمصاحة الوطنية ، إنما
نتمنى ألاّ
يغيب عن بال المعنيين بهذه المحاولة
مسألة العلاقة الجد لية بين الغاية
والوسيلة من جهة أولى ، وأن
مابني على فساد فهو فاسد بالضرورة من
جهة ثانية ، وأن
المؤمن لايلدغ من ذات الجحر مرتين من جهة ثالثة .
انتهى
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|