وصل
إلى مركز الشرق العربي :
صدام
حضارات أم تبادل مصالح
د. غسان الصافي/
باريس
تميزت فترة التسعينات من
القرن الماضي بحصيلة كبيرة من
الكتابات الغربية حول التحولات
التاريخية والسياسية والاقتصادية
والاجتماعية الكبرى تمهيدا لفرض
النظام العالمي الجديد. فعن طريق هذه
الكتابات الأمريكية تصورا لهيمنتها
الشاملة على العالم بأطروحات جديدة
تحاول أن تقمع كل من سبقها بمختلف
الوسائل وأهمها الفكر والإعلام, فسخرت
كتابا أمثال فوكوياما الذي قدم كتاب
نهاية التاريخ وهو من الكتب التي حاولت
تفسير ألا حداث من وجهة نظر أمريكية,مستندا
إلى تاويل بعض الأحداث العالمية مثل
انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك
المنظومة الاشتراكية التي أحدثت
زلزالا سياسيا واستراتيجيا هائلا قلب
خريطة العالم من البحر الادرياتديكي
إلى حدود الصين بجدية وبمعدل زمني أقل
من أي وقت سبق في التاريخ, فقام عمليا
بعكس الموقف لصالح الرأسمالية الغربية.
ففي نهاية التاريخ يدعي
فوكوياما انه ليس ثمة منافسين
أيديولوجيين للديمقراطية الليبرالية,
كما يعلن ان الأنباء السارة تطرق أبواب
العالم تمهيدا للعولمة.
ثم وبعد الزوبعة التي أثارها
في نهاية التاريخ, قام الباحث
الإُستراتيجي صمويل هنتنغتون بنشر
كتابه الذي يحمل عنوان (( صدام الحضارات
)) هو الزوبعة أمريكية أخرى تضاف إلى
نهاية التاريخ, وظف ليؤدي أهدافا
متعددة في المنظومة الأيديولوجية
للغرب وأمريكا, هو ليس بدون جذور,
فجذوره عند الساسة ورجال الاستراتيجية
الأمريكية, هو يؤكد ويسعى لتكريس
الهيمنة الغربية الأمريكية.
_ منطلقات صدام الحضارات:_
الافتراض الأساسي في خطاب
صدام الحضارات هو الثقافة أو الهوية
الثقافية الحضارية فهي التي تشكل
نماذج التماسك والتفكك والصراع في
العالم ما بعد الحرب الباردة .
يقول هنتنغتون," أن الحضارة
تشكل كل شيء في حياتنا, فهي التي تحدد
المواقف السياسية المختلفة وهي التي
تحدد سياستنا وحتى نظامنا السياسي, أما
الهوية الثقافية فهي التي تحدد علاقات
الدول بعضها ببعض, ويعطي مثلا, ففي
الحرب الباردة كانت الدول ذات علاقة
بالقوتين العظيمتين, كدول متحالفة أو
تابعة أو محايدة أو غير منحازة.
في عالم ما بعد الحرب الباردة,
الدول تتحدد علاقتها بالحضارة كدول
أعضاء, دول أساسية, دول متصدعة , دول
مفتتة أو ممزقة.
ومثل القبائل والأمم ،
فالحضارات لها بنية أساسية ، الدولة
عضو ، هي الدولة تتحدد هويتها كلياً
ثقافياً بحضارة معينة . وصف الحضارات
ثمانية حضارات .
الحضارة الغربية ، وتضم
النموذجين الأوروبي والأمريكي وبعض
الدول التى استوطنها الأوروبيون مثل
استراليا ونيوزيلندة .
1ـ
الحضارة اليابانية .
2ـ
الحضارة الهندوسية .
3ـ
الحضارة الكونفو شسوسية أو الصينية .
4ـ
الحضارة الأرثوذكسية .
5ـ
حضارة أمريكا اللاتينية .
6ـ
الحضارة الأفريقية .
7ـ
الحضارة الإسلامية .
ويذكر هنتغتون بأن الخطر يمكن
في الحضارتين الإسلامية والصينية،
فهما آلتان
لا يمكنهما الاندماج في الحضارة
الغربية ، وان الصراع بينهما وبين
الحضارة الغربية حتمي .
من هنا فكتاب صدام الحضارات
يعكس مركزية الحضارة الغربية
والانحياز ثقافياً وقيمياً للحضارة
الغربية ومصالحها الإستراتيجية
السياسية والاقتصادية والعسكرية
والثقافية ولا شئ غير المصالح الغربية
، فمن البداية جعل المؤلف صدام
الحضارات حتمية لا مفر منها ، وبالتالي
فهي تشكل مستقبل العالم ، ولتأكيد
أفكاره فسر التاريخ .
حسب وجهة نظره وأعاد ترتيب
أحداثه حتى يستطيع حشر مرحلة صدام
الحضارات في مرحلة التطور التاريخي ،
ونلاحظ أنه لم يستخدم الديانة كمعيار
حضاري إلا عندما جاء على ذكر الحضارة
الإسلامية ، فجعل للإسلام حدوداً
دامية ، فالإسلام كما يدعي ولع بالعنف
منذ ظهوره ، والقرون الماضية في تاريخ
الإسلام كلها صراع وعنف مع أطرافه
الخارجية وبين أجزائه الداخلية ، وحتى
يقنع القارئ اختار أحداثا من هنا وهناك
بطريقة انتقائية تجاهل فيها الحروب
الطاحنة التى كانت ولا تزال بين
الكاثوليك والبرزتستانت مثلاً .
وكتاب صدام الحضارات يستهدف
المسلمين بالدرجة الأولى وبالأخص
العرب ، فالعامل الديني ليس إلا واجهه
تستخدم الأطراف الداخلية لحساب قوى
خارجية ، من هنا فالصراع استخدم
مقصوداً من اجل مصالح قوى أجنبية ،
وإذا كان الأمر كما يدعي هنتغتون لماذا
لم يستخدم العامل الديني لتحرير
فلسطين .
وإذا كان الآسلام كما يدعي
هنتغتون ، فالإسلام ليس مسؤولاً ولا
مشاركاً في الجرائم التى ارتكبت بحق
الإنسانية في (( قرن المذابح المليونية
)) كما يسميه بريجنسكي
، فالذين قتلوا في حروب القرن
العشرين حوالي 87 مليون نسمة غير
المشوهين والمعاقين .. وهي مسؤولية
الحضارة الغربية وليس للإسلام علاقة
بها ..
**حضارة وحضارات
في الفصل الثاني عشر من كتاب
صدام يتعرض هنتغتون للتحديات حسب رأيه
التى تواجهه الثقافة الغربية من
جماعات في المجتمعات الغربية ، وأقوى
هذه التحديات تأتي من المهاجرين من
حضارات أخرى والذين يرفضون الاحتواء
ومستمرون في الارتباط مع قيم وعادات
وثقافات مجتمعاتهم والخطر الحالي
والتحدي الخطير يأتي من المسلمين
والآسيويين ، فالحضارات
الآسيوية والإسلامية بدأتا تؤكدان
عالمية ثقافتها .
ويستمرهنتغتون في عرض أفكاره
فأخضع طبيعة العلاقات بين الغرب
والحضارات الأخرى الى ثلاث تصنيفات
متخذاً معيار (العداء) دائماً ..
1-فالحضارات المتحدية :- وهي
الحضارة الإسلامية والحضارة الصينية ،
وهو ما كان يهدف إليه منذ البداية
بتحديد العدو الأول ، ومن المحتمل حسب
رأيه ان يكون للغرب علاقات متوترة
مشدودة وغالباً علاقات عدائية .
2-الحضارة الضعيفة :- المتمثلة
في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وهي
تعتمد على الغرب فحضارة الغرب هي
الأقوى ، وتتضمن العلاقات بين هذه
الحضارات والغرب علاقات دنيا من
الصراع وخاصة أمريكا اللاتينية .
3-الحضارة المتأرجحة :- وهي
الروسية واليابانية والهندوسية ، ومن
المحتمل ان وستضمن العلاقات الغربية
مع هذه الحضارات عناصر التعاون
والصراع معاً .
من هنا نلاحظ أن الصراع في
صدام الحضارات هو مصلحة الغرب فالصراع
ليس صراع ثقافات ولا صداماً بين
الأديان ، فالأديان لا تتحرك وحدها بل
لابد من أ يحركها أحد ، فالحروب
القبلية والصراعات العرقية والاثنية
هي من صنع واعداد واخراج الغرب وأمريكا
، فالغرب وأمريكا هم الذين صنعوا
قابلية التصعيد ، فمن شدة الصراع
الدامي بين القبائل الأفريقية في
روندا والتي انعكست نتائجه على أوغندا
وزائير وبور ندي والكنغو والسودان غير
فرنسا وأمريكا .
ومن حول الصراع الى حرب أوسع
نطاقاً في منطقة البلقان غير حلف
الأطلس وأمريكا ؟ .. ومن جعل العالم
لعبة مفتوحة لكل القلاقل والحروب غير
الغرب وأمريكا ؟
تكريس الهيمنة الغربية :
وأطروحة صدام الحضارات تتحدث
عن تكريس الهيمنة الغربية للدفاع عن
مصالح الحضارة الغربية وعلى رأسها
النفط والأسواق بأهداف مستفزة تتبع
سياسة الإغراء – الخداع –والتورط –
التهديد – الخطر – الحصار .. وعلى هذا
الأساس يطرح الكتاب برنامجا عاماً
للمواجهة يفصله في سياسة مستقبلية
محددة للعالم ، وهي في الواقع من إنتاج
دوائر صنع القرار الأمريكي فالتغيير
في توازن القوى ما بين الحضارات يجعل
هناك صعوبة أمام الغرب لتحقيق أهدافه ،
وحتى يمكن تقليل خسائره عليه ان يحسن
التصرف بمهارة فائقة في المصادر
الاقتصادية واستخدام هذه المصادر (
الجزرة والعصا ) في التعامل مع
المجتمعات الأخرى في توظيف دولة غربية
ضد دولة غربية ، وايضاً لتعزيز
الاستغلال والاختلافات ما بين الأمم
غير الغربية ، ستشكل قدرة الغرب على
تعميق هذه الإستراتيجيات وفق طبيعة
وشدة صراعاتها مع الحضارات الأخرى
المتحدية من جهة ، ومن الجهة الأخرى
تطوير سياسة المصالح المشتركة مع
الحضارات المتأرجحة .
كما
طرح هنتغتون إستراتجية الغياب والتوسط
والقواسم المشتركة لتساهم في تقوية
الغرب وتفرده وتتمثل في :
لا تتدخل الدول الأساسية
مباشرة في صراعات الحضارات الأخرى بل
تقوم بدور الوسيط المشترك تتفاوض مع كل
واحد من الأطراف للاحتواء او لإيقاف
حروب خط الصدع بين دول أو جماعات من
حضارتها بالإضافة إلى توسيع القيم
المشتركة والمؤسسات والممارسات
المشتركة مع شعوب الحضارات الأخرى ،
وتظل خصوصيات الحضارة الغربية
الأمريكية لأنها الدولة الأساسية
الأقوى في الحضارة الغربية .
والخلاصة وفي ضوء ما تقدم .. إن
تقدم .. إن الرؤيا للمستقبل كما يريدها
الغرب وأمريكا تهدف إلى الهيمنة على
العالم واعادة احتواء شعوب العالم
الى أنماط تابعة للمركز الرأسمالي
العالمي وفق مصالحه بأسم المقاربات
الإيديولوجية وبمنهجية خططوا لها
بأساليب تبدو في
إطارها العام مبهرة براقة ، تبعث الأمل
والطمأنينة في نفوس متعطشي الحرية
ومنهوكي الفكر ومظلومي العالم .
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|